Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي في مصر برغم نزيف الجنيه؟

محللون يؤكدون أن الزيادة طفيفة لكنها تشير إلى عدم استنزافه لدعم العملة

سددت الحكومة المصرية فوائد وأقساط ديون خارجية بنحو 26.2 مليار دولار خلال العام المالي الماضي (أ ف ب)

على الرغم من موجة الخسائر العنيفة التي تعصف بالجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، كشف البنك المركزي المصري، أن صافي الاحتياطات الدولية ارتفع ليصل إلى 33.53 مليار دولار في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مقارنة بنحو 33.41 مليار دولار بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بزيادة تبلغ نحو 12 مليون دولار، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.35 في المئة.

يأتي ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي المصري، في الوقت الذي يواجه الجنيه المصري خسائر عنيفة مقابل الدولار، وسط توسع المضاربات والدولرة ووجود أكثر من سعر لصرف الدولار في السوق الرسمية والسوق الموازية.

كان البنك المركزي المصري، قد كشف عن أن الحكومة المصرية تمكنت من سداد أقساط ديون خارجية وفوائد ديون بقيمة 6.25 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام المالي الماضي. وقد بلغ إجمالي ما سددته الحكومة المصرية من فوائد ديون وأقساط الديون الخارجية نحو 26.2 مليار دولار خلال العام المالي الماضي 2021/ 2022.

وتشير البيانات إلى أن أعباء خدمة الدين تنقسم إلى أقساط بقيمة 5.05 مليار دولار، والفوائد بقيمة 1.2 مليار دولار خلال الربع الأخير. وكشف "المركزي المصري"، أنه تم سداد نحو 21.7 مليار دولار قيمة فأقساط القروض خلال العام المالي بالكامل، بجانب 4.5 مليار دولار فوائد مدفوعة عن القروض.

تطورات عنيفة منذ ثورة يناير 2011

على صعيد احتياطات مصر من النقد الأجنبي، فقد شهدت تطورات صعبة منذ ثورة يناير (كانون الثاني) 2011. وكانت أول صدمة تلقاها الاحتياطي عقب الثورة، في تراجع حجم الاحتياطي من مستوى 36 مليار دولار إلى نحو 13.424 مليار دولار في مارس (آذار) من عام 2013، بانخفاض بلغت نسبته 63 في المئة.

وحصلت مصر في الفترة التالية لشهر يونيو (حزيران) 2013، على مساعدات من عدد من دول الخليج منها السعودية والإمارات والكويت، التي تضمنت ودائع ومنحاً وتمويلات تنموية، من أجل دعم الاقتصاد المصري.

ومنذ نهاية عام 2014 وحتى نهاية عام 2019، شهد الاحتياطي زيادات سنوية متتالية ارتفع الاحتياطي خلالها من 15.3 مليار دولار إلى 45.4 مليار دولار بزيادة نحو 197 في المئة، قبل أن يصل إلى أعلى مستوياته على الإطلاق في فبراير (شباط) 2020 عند 45.515 مليار دولار، وذلك قبل جائحة كورونا.

وكان احتياطي النقد الأجنبي لمصر قد تراجع بقيمة 2.12 مليار دولار خلال يونيو (حزيران) الماضي ليصل مجموع خسارته إلى نحو 7.2 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، وذلك تزامناً مع تداعيات أزمة أوكرانيا على الاقتصاد العالمي والمحلي التي استدعت استخدام جزء من هذا الاحتياطي خصوصاً في الأشهر الأربعة الأخيرة من العام.

ارتفاع طفيف

في سوق الصرف، ومنذ بداية العام الحالي، شهدت أسعار الذهب ارتفاعات صاروخية، تزامناً مع الخسائر العنيفة التي تطارد الجنيه المصري، فقد تراجعت قيمة العملة المصرية مقابل الدولار الأميركي بنسبة 56.4 في المئة منذ بداية العام الحالي وحتى تعاملات اليوم، حيث ارتفع سعر صرف الورقة الأميركية الخضراء من مستوى 15.74 جنيه في بداية عام 2022، إلى مستوى 24.62 جنيه في الوقت الحالي، ليضيف الدولار مكاسب تقدر بنحو 8.88 جنيه.

في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، كشف المحلل الاقتصادي والأستاذ بالجامعة الأميركية بالقاهرة الدكتور هاني جنينة، أن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي أمر جيد على الرغم من أنه طفيف. وأشار إلى أن ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري يعني أنه لم يستنزف في ظل أزمة شح الدولار الحالية، لافتاً إلى وجود سعرين للدولا رسمي يدور عند 24.6 جنيه في البنوك وشركات الصرافة، وفي السوق الموازية زاد اليوم على 30 جنيهاً.

وتشهد سوق الصرف في مصر اضطراباً شديداً، بسبب نقص كبير في العملة الأجنبية نتيجة للصدمة التي أحدثتها الحرب الروسية - الأوكرانية وأدت إلى خروج الأجانب من استثماراتهم في أدوات الدين التي قدرها وزير المالية المصري في تصريحات خاصة قبل أيام لقناة "العربية" بنحو 22 مليار دولار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وشهد الجنيه المصري تراجعاً منذ قرار البنك المركزي المصري في أكتوبر الماضي باستخدام سياسة السعر المرن للجنيه مقابل الدولار بنحو 25.6 في المئة ليصل إلى 24.6 جنيه للدولار في الوقت الحالي، بينما تصل نسبة هبوط الجنيه في مقابل الدولار منذ قرار التعويم الأول خلال العام الحالي مارس الماضي إلى نحو 57 في المئة.

ونهاية الشهر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية توصلها لاتفاق على حزمة تمويلية بقيمة تسعة مليارات دولار، منها ثلاثة مليارات من صندوق النقد الدولي الذي اشترط تحرير سعر صرف الدولار بشكل كامل وترك السعر لقوى العرض والطلب. ومن المقرر أن يناقش مجلس إدارة الصندوق الملف المصري الخاص بالتمويل الجديد يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وتترقب الحكومة المصرية قرار الصندوق للحصول على الموافقة النهائية للحصول على الدفعة الأولى من القرض بقيمة 750 مليون دولار، ما يعزز الوضع الاقتصادي المصري ويسهم في تقليل حدة أزمة الاستيراد وتعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي.

الانكماش يحاصر القطاع الخاص

وبسبب الأزمة العنيفة التي تواجه الجنيه المصري وخسائره المتتالية مقابل الدولار الأميركي، انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز غلوبال"، لمديري المشتريات في مصر إلى 45.4 نقطة خلال نوفمبر الماضي من 47.7 نقطة في أكتوبر الماضي، وهو أقل بكثير من الحد الفاصل بين النمو والانكماش والبالغ نحو 50 نقطة. وهذه ثاني أدنى قراءة منذ أن تسببت الجائحة في انخفاض المؤشر في يونيو (حزيران) 2020 وهو الشهر الـ24 على التوالي من الانكماش.

وقالت المؤسسة في تقرير حديث، إن الانخفاض السريع في النشاط التجاري كان العامل الأساسي في الركود، حيث أفاد المشاركون في المسح أن الارتفاع المتسارع للكلفة وانخفاض الطلبات الجديدة أجبرهم على خفض الإنتاج.

وتعاني مصر من نقص حاد في العملات الأجنبية على الرغم من خفض قيمة العملة بنسبة 24.5 في المئة في 27 أكتوبر، والإعلان عن حزمة دعم بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وأدى نقص الدولار إلى تقييد الواردات لمدخلات المصانع وتجارة التجزئة. وقال ديفيد أوين الخبير الاقتصادي في "ستاندرد أند بورز غلوبال" "أدى انخفاض الجنيه مقابل الدولار الأميركي إلى زيادة ملحوظة في الأسعار المدفوعة مقابل المواد الخام، التي تفاقمت بالفعل بسبب قيود الاستيراد منذ أوائل عام 2022".

وقبل أيام، كشف تقرير حديث لبنك "نورمورا"، أن مصر هي الدولة الأكثر عرضة لأزمة عملة بين الأسواق الناشئة خلال الأشهر الـ12 المقبلة. وتصدرت مصر القائمة بين الـ32 سوقاً الناشئة المدرجة على مؤشر "داموكليس" التابع للبنك الياباني، مما يعد مؤشراً على فرصة قوية بأن البلاد ستتعرض لأزمة في سعر الصرف خلال الأشهر المقبلة.

تعديل النظرة المستقبلية

وخلال الشهر الماضي، أعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من "مستقرة" إلى "سلبية"، مرجعة ذلك إلى "تدهور" وضع السيولة الخارجية للبلاد. وأبقت الوكالة على التصنيف الائتماني للبلاد عند مستوى (+B)، وعزت ذلك إلى النمو الاقتصادي القوي، و"الدعم الدولي القوي" من الحلفاء الخليجيين والشركات الدوليين.

لكن في الوقت نفسه، حذرت الوكالة، من أنها قد تخفض التصنيف خلال الأشهر المقبلة، إذا استمرت ضغوط التمويل الخارجي أو لم تتمكن الحكومة من خفض العجز وتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فيما يعكس التخفيض "تدهور وضع السيولة الخارجية وتراجع آفاق الوصول إلى سوق السندات، ما يجعل البلاد عرضة لظروف عالمية معاكسة في وقت ارتفاع عجز الحساب الجاري وآجال استحقاق الديون الخارجية".

وفي مايو (أيار) الماضي، كانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، قد أعلنت تعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى "سلبية". والشهر الماضي، أبقت وكالة "ستاندرد أند بورز" على التصنيف السيادي للبلاد عند مستوى (B) مع توقعات مستقبلية مستقرة، وذلك على خلفية التوقعات بتمويلات مقبلة من صندوق النقد الدولي ودول الخليج. وأرجعت الوكالة تعديل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري، إلى التدهور في وضع السيولة بالعملة الأجنبية وانخفاض آفاق وصول مصر لسوق السندات ما يتركها تصارع عواقب الأحداث العالمية في وقت يسجل فيه حسابها الجاري عجزاً مرتفعاً وينتظرها سداد ديون خارجية.