يبدو أن تونس على مشارف أزمة دواء بعد إعلان موزعي الأدوية إضراباً مفتوحاً اعتراضاً على ما اعتبروه "أعباء ضريبية"، وقالت الغرفة النقابية للمؤسسات الصيدلية لموزعي الأدوية عبر صفحتها على موقع "فيسبوك" إن قرار الدخول في إضراب جاء بسبب عدم استجابة السلطات إلى مطلبها المتمثل في تجديد شهادة تمنحهم إعفاءات ضريبية، لافتة إلى أن المؤسسات المنضوية تحت لوائها تئن تحت وطأة أزمة مالية خانقة.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه أصلاً المؤسسات الحكومية التي تزود المستشفيات والصيدليات بالأدوية على غرار الصيدلية المركزية أزمة حادة بحسب تصريحات لمسؤولين وهو ما أرخى بظلاله على عملية تزويد التونسيين بالأدوية بما في ذلك تلك الحياتية التي تهم أمراضاً مزمنة مثل السكري والدم وغيرهما.
وقال بيان الغرفة النقابية لموزعي الأدوية، إن "إيقاف توزيع الأدوية سيستمر إلى حين إيجاد حلول فعلية لإنقاذ القطاع وضمان توزيع الأدوية في البلاد والحفاظ على حق المريض في الدواء".
تفاقم الأزمة
الإضراب الذي بدأه مزودو الأدوية سيؤدي على الأرجح إلى تعميق أزمة الأدوية التي يواجهها التونسيون منذ فترة، خصوصاً أن الصيدليات لن تجد صدى لطلباتها للتزود بالأدوية.
وقال فؤاد القديري عضو نقابة الصيادلة في تونس، إن "الإضراب يشمل موزعي الأدوية وسيفاقم الأزمة الموجودة أصلاً في بعض الأدوية، لأننا نتزود بشكل يومي من قبل هؤلاء المزودين صباحاً ومساءً".
وأضاف القديري لـ"اندبندنت عربية" أن "اليوم شهد اضطراباً على مستوى التزود بالأدوية في الصيدليات، وهو اضطراب يضاف إلى نقص في الأدوية يشمل تقريباً 500 دواء مختلف، من بينها أدوية للأمراض المزمنة".
وأوضح أنه "وسط عمل المزودين نجد صعوبة كبيرة في التزود بالأدوية فما بالك مع إضراب للمزودين بخاصة أن مشكلة الأدوية باتت اليوم عالمية، لا سيما بعد أزمة كوفيد–19 وغلاء المواد الأولية في العالم وكلفة الشحن أيضاً التي تغيرت عما كانت عليه قبل الأزمة الصحية".
وتواجه تونس نقصاً حاداً في عديد من الأدوية وسط مخاوف من تفاقم الأزمة، لا سيما في ظل الديون المتراكمة التي لم تسددها الصيدلية المركزية وهي مؤسسة حكومية معنية بتزويد الصيدليات والمستشفيات بالأدوية.
وقال فؤاد القديري إن "هناك عوامل اقتصادية تصعب إيجاد حل لأزمة الدواء على غرار التضخم الذي مس كل الدول وليس تونس فقط، وسعر الدواء يشهد ارتفاعاً في العالم، وفي تونس لم يشهد ذلك بعد لكن المصنعين أصبحوا يعملون من دون هامش ربح والدولة وجدت نفسها أمام ضرورة الحيلولة دون ارتفاع تكلفة الدواء لأن التونسيين لديهم ظروفهم الخاصة".
وشدد المتحدث على أن "هناك أدوية إذا ارتفع سعرها ستعود إلى الصيدليات، لكن الأمن الغذائي عموماً في تونس على المحك اليوم شأنها شأن دول أخرى".
مشكلات في التوريد
ولا يمكن فصل الأزمة التي يمر بها قطاع الأدوية في تونس عن الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد على رغم التفاؤل الذي أشاعه الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي في شأن تمويل يقدر بـ1.9 مليار دولار.
وعمقت الأزمة الاقتصادية النقص في الأدوية الذي تسجله الصيدليات، حيث قال مستشار منظمة الصحة العالمية ورئيس لجنة الصحة في البرلمان التونسي السابق، سهيل العلويني، إن "هناك مشكلة على مستوى التوريد الذي بدأ يعود نوعاً ما إلى مستواه المعقول، فالنقص في الأدوية بدأ يخف قليلاً على رغم أن الإشكال لم يحل بشكل نهائي لنقص التمويل".
وأضاف العلويني لـ"اندبندنت عربية" أن "الحكومة أخيراً زادت في التمويلات الخاصة بتوريد الأدوية" مشيراً إلى أن "إضراب موزعي الأدوية يمكن أن يتسبب في نقص جديد، ومطالبهم نقابية بالأساس لأنهم يشعرون أنهم في وضع صعب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورأى أن "هناك ارتفاعاً في أسعار الأدوية في العالم ولدينا بعض كميات أدوية تصنع في تونس وهناك نقص بسبب أزمة كورونا لأن مكونات الأدوية جلها تأتي من الخارج، علاوة على النقص الذي تشهده موازنة الصيدلية المركزية".
وأردف العلويني أن "هناك إشكالاً في دفع أموال الأدوية الموردة من الشركات العالمية، لكن يجب التفريق في النقص الحاصل، فهناك أدوية مهمة وأخرى غير مهمة لذلك الدولة تعمل على توفير الأدوية التي لا يمكن للمواطن التونسي التخلي عنها وهناك أدوية أخرى فيها نقص كبير".
أزمة التأمين
وأحيا الإضراب الذي بدأه موزعو الأدوية في تونس الجدل في شأن النقص الحاصل في الأدوية، لا سيما أنه مس أدوية حياتية تخص أمراضاً مزمنة على غرار السكري.
ويرجع خبراء هذا النقص في الأدوية إلى أزمة تئن تحت وطأتها مؤسسات التأمين على المرض وهي مؤسسات تتأخر في سداد ديونها للصيدلية المركزية.
رفيق بوجدارية، رئيس قسم الاستعجالي بمستشفى محافظة بنزرت الواقعة شمال تونس، قال إن "أزمة الأدوية قديمة متجددة حيث ترتبط بأزمة الصناديق الاجتماعية، فمن يشتري الدواء في تونس هي الصيدلية المركزية من المصنعين الأجانب أو المحليين وتبيع الدواء للصيدليات الخاصة والمستشفيات الحكومية".
وأضاف بوجدارية لـ"اندبندنت عربية" أن "المؤسسات الحكومية لم تسدد مقابل الأدوية التي تتلقاها لأن مؤسسات التأمين على المرض ليس لديها أموال نظراً إلى الأزمة التي دخلت فيها هذه المؤسسات منذ 10 سنوات وهو ما انعكس إلى أزمة في قطاع الأدوية".
وأكد أنه "في كل مرة تندلع الأزمة تضخ الحكومات أموالاً للصيدلية المركزية حتى تتمكن من شراء الأدوية وهذا ما حدث في عام 2018 زمن حكومة يوسف الشاهد وهو ما يتم الآن أيضاً".
واستنتج بوجدارية أن "الأزمة جاءت اليوم في ظل أزمة اقتصادية خانقة ومغادرة مخابر صنع دواء عالمية لتونس، والنقص شمل أدوية بعض الأمراض المزمنة ومواد تخدير وأخرى لأمراض السكري والقلب والسرطان" مؤكداً أن "هذه الأزمة لا تحل إلا بضخ أموال للصيدلية المركزية".
وكان الرئيس قيس سعيد، الذي يقود مساراً سياسياً انتقالياً في تونس، قد دعا في وقت سابق إلى توفير جميع الأدوية ووضع حد لما وصفه بسوء إدارة من يشرفون على هذا القطاع.
وأكد خلال لقاء جمعه بوزير الصحة علي مرابط، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أن "الحق في الصحة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، وعلى الدولة أن توفر لجميع المواطنين والمواطنات هذا الحق".
تأخر في إنشاء وكالة الأدوية
وسلطت أزمة الأدوية أخيراً الضوء مجدداً على مطالب من العاملين في مجال الصحة في تونس بالإسراع في إنشاء وكالة الأدوية في تونس التي يرون أنها ستقدم حلولاً إضافية.
وقال سهيل العلويني إن "المطلب قديم جديد لاستحداث وكالة الأدوية وهي مؤسسة ستكون مهمة جداً لأنها ستراقب صنع الأدوية وهناك تأخر في إحداثها على رغم أنها أنشئت أخيراً بعد صدور مرسوم في ذلك".
واعتبر أن "دورها مهم جداً على مستوى مراقبة جودة الأدوية وأسعارها وهي من الأشياء التي يعد التركيز عليها مهم، ولو كانت هذه المؤسسة موجودة لأنشئت الوكالة الأفريقية للأدوية في تونس، لكن للأسف كان هناك تأخر كبير في إنشائها".
وكانت تونس قد تقدمت في وقت سابق بطلب رسمي من أجل احتضان مقر الوكالة الأفريقية للأدوية، لكنها واجهت تنافسا كبيراً من الجزائر والمغرب قبل أن تفوز رواندا بشرف احتضان هذه المؤسسة.
وتجدر الإشارة إلى أن عديداً من الشركات العالمية المتخصصة في صناعة الأدوية تستعد لمغادرة تونس بحسب تصريحات مسؤولين نقابيين ما قد يعمق الأزمة التي تشهدها البلاد.