Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شتاء الاحتجاجات" في تونس... غضب أم عادة؟

يرى مراقبون أنها قد تؤثر بالواقع السياسي فيما يقطع آخرون بعدم تجاوزها الإطار التعبيري

عديدة هي المؤشرات التي تدل على أن الوضع الاجتماعي في تونس قابل للانفجار   (أ ف ب)

تدور في تونس حالياً توقعات في شأن انفجار اجتماعي بعد تعطل الحوار بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في البلاد، على خلفية تدهور المقدرة الشرائية وتردي الوضع الاجتماعي الذي سيلقي حتماً بظلاله على الانتخابات التشريعة القادمة.

ففي تصريح لـ"اندبندنت عربية" على هامش تظاهرة حاشدة نظمها الاتحاد بالعاصمة، الأربعاء، قال الأمين العام نور الدين الطبوبي إن "الدولة تحايلت عليهم وعلى الشعب، برفعها التدريجي للدعم بعد اتفاق رفع الأجور".

ووصف الطبوبي الوضع الاجتماعي بالشائك، داعياً حكومة بودن إلى الجلوس على طاولة الحوار مرة أخرى، كما حذر مما اعتبره "الطريق الخاطئ الذي تسلكه البلاد". أما بخصوص إمكانية تنفيذ إضراب عام احتجاجاً على الأوضاع الاجتماعية، فأفاد الطبوبي بأن "مؤسسات المنظمة الشغيلة بعد اجتماعات ومشاورات ستتخذ القرار الأسلم"، لكنه استدرك قائلاً، "نحن دعاة حوار مسؤول، لكن إزاء ما نعيشه من مهاترات ومخاتلات من طرف السلطة الحاكمة لن نبقى مكتوفي الأيدي".

من الجانب الرسمي، وفي اجتماع رئيس الجمهورية قيس سعيد برئيسة الحكومة نجلاء بودن بعد يوم من تظاهرة المنظمة الشغيلة، شدد الرئيس على تمسكه بالدور الاجتماعي للدولة، مؤكداً أن "عليها في إطار ممارسة دورها تحقيق العدالة الاجتماعية، كما أنها لن تتخلى عن دعم المواد الأساسية، كما يشاع بين الحين والآخر"، وفق تعبير الرئيس.

 وذكر سعيد أن "العدالة الاجتماعية أساس الاستقرار الذي ينشده الجميع، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل توزيع عادل للثروات والقضاء على الفساد المستشري في مؤسسات عدة".

ودعا رئيس الجمهورية إلى "ضرورة العمل المستمر للتخفيض في الأسعار، لأن من يسعى إلى الترفيع فيها أو إلى تغييب بعض المواد له مآرب تتعارض مع المطالب المشروعة للشعب التونسي في الشغل والحرية والكرامة الوطنية"، وفق قوله، لكن عديداً من المراقبين للشأن العام في تونس يرون أن خطاب الرئيس وبلاغات رئاسة الجمهورية لا تعكس حقيقة الواقع وما يعيشه المواطن على الأرض في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وفقدان مواد أساسية عدة.

تردي الأوضاع 

في هذا الصدد يقول المحلل السياسي بسام حمدي، "عديدة هي المؤشرات التي تدل على أن الوضع الاجتماعي في تونس قابل للانفجار في أي لحظة، وهذا راجع لأسباب عدة أهمها تدهور المقدرة الشرائية، وتردي الوضع الاجتماعي، في مقابل عزم الحكومة ترفيع الأسعار، وعلى رأسها المواد الطاقية، تطبيقاً لإملاءات صندوق النقد الدولي".

ويواصل، "مع شعور المواطنين بأن السلطة الحالية تنشغل بالمشروع السياسي لقيس سعيد أكثر من اهتمامها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، ربما يثور جزء مهم من التونسيين على الرئيس، وقد تحصل احتجاجات شعبية للاهتمام أكثر بتحسين الوضع الاجتماعي، وهذا يظهر جلياً في مواقع التواصل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى حمدي أن "الشعلة التي ستزيد من توهج الاحتجاجات هي عدم قبول الاتحاد العام التونسي للشغل كأكبر منظمة نقابية الإجراءات التي تنوي تطبيقها حكومة نجلاء بودن، باعتباره الجهة الوحيدة القادرة حالياً على تحريك الشارع التونسي وتنظيم إضرابات واسعة".

ويعتقد حمدي أن "الاحتجاجات القادمة لن يكون عنوانها الأكبر إزاحة السلطة، بل التحسين في ظروف العيش والاهتمام بالجانبين الاقتصادي والاجتماعي، لكن الأمر سيؤثر بالقطع على نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة".

وتستعد تونس لتنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في 17 من الشهر الحالي.

تقاليد احتجاجية

من جانبه يرى عضو المنتدى الاقتصادي والاجتماعي رمضان بن عمر أن "الارتباك السياسي على علاقة بالمسألة الاجتماعية والاقتصادية"، مواصلاً، "من الواضح أن الحكومة اتجهت أساساً نحو خيارات أهمها التخلي عن كل الالتزامات الاجتماعية، سواء مع الحركات المنظمة على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل أو مع أخرى غير منظمة، على غرار التخلي عن ملف العاطلين عن العمل، إضافة إلى تدهور المؤشرات الاقتصادية والتضخم وندرة المواد الأساسية وانعكاسات الأزمة العالمية المتمثلة في الحرب الأوكرانية وتوجه الحكومة نحو تطبيق أعمى لإملاءات صندوق النقد الدولي".

ويوضح بن عمر، "كل هذا ستكون نتائجه وخيمة على المرحلة القادمة، بخاصة أنها مرحلة تتزامن مع التقاليد الاحتجاجية لتونس، فنحن على أبواب شتاء ساخن، وأي احتجاحات كبرى منظمة أو غير منظمة ستؤثر حتماً على الوضع السياسي، وبخاصة الانتخابات".

من جانب آخر، يقول الصحافي المتخصص في الشأن التونسي عمار بن عزيز إن "الوضع الاجتماعي صعب جداً في تونس"، متوقعاً تفاقم الأزمة في الأشهر الأولى من السنة مع ازدياد الحاجة إلى مواجهة أعباء الشتاء، وبخاصة ما يتعلق منها بالطاقة، فضلاً عن بدء الإجراءات الجديدة ضمن موازنة يراقبها عملياً صندوق النقد الدولي".

وفي تعليقه على موقف الاتحاد العام التونسي للشغل حول التهديد بالتصعيد، قال، "لم يعد لهذا الهيكل النقابي صدقية وقوة للدفع نحو تأزيم الوضع"، موضحاً، "حتى لجوء أمينه العام إلى الاعتراف تقريباً بالدور السياسي لهذه المنظمة، فإن الشارع المنهك الذي تغير مزاجه عامة إزاء المنظمات والهيئات الوسيطة بينه والدولة، لا يرى على الأقل في القيادة الحالية مشروعية، بل ويحملها جزئياً مسؤولية الأزمة الاجتماعية، ولا يرى أن الحل يمكن أن يأتي من الاتحاد، لا سيما مع الأسلوب الجديد من الحكومة بإشراف الرئيس سعيد في حصر حدود تحرك الاتحاد بالمجال النقابي التقني لا غير".

ويواصل، "يبدو أن هناك قبولاً بدأ يتوسع لدى النخب حيال كون تونس بحاجة إلى اتخاذ إجراءات صعبة تغير من وجه البلاد التي تعد عملياً ذات نظام اشتراكي تجاوزه الزمن، وليس من المعقول أن يبقى المواطن البسيط يمول شركات مفلسة يعتاش منها بضعة بيروقراطيين هم السبب الرئيس في أوضاعها الحالية".

ويضيف، "هناك قناعة متنامية لدى جزء من النخب، وهو أمر جديد في تونس، تشترك فيها مع الأسرة الدولية في شأن اعتبار قيس سعيد فرصة جدية لتنفيذ الإصلاحات التي دأبت حكومات العقد الأخير لأسباب سياسية وانتخابية على تأجيلها".

ولا يعتقد ابن عزيز أن "الاحتجاجات قد تتجاوز إطارها التعبيري المستمر منذ مدة، حيث إن الدعم تم رفعه عملياً منذ أشهر، وخبرت جيوب التونسيين ذلك بالفعل. ومع ظهور بوادر تمويل جديدة من الجزائر وليبيا وفرنسا مع القسط المتفق عليه من قرض صندوق النقد ستكون هناك فرصة لمتنفس في غضون العام المقبل على رغم التحذير من صعوبته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير