Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هذا ما تحتاجون لمعرفته عن ألزهايمر

الدواء الجديد للعاهة المسببة للخرف يعد إنجازاً طبياً واعداً، لكن هناك ما يتعين معالجته في المرحلة اللاحقة

تتمثل المشكلة الرئيسة في عدم وجود وعي وفهم كافيين للعاهة على مستوى المجتمع ككل (رويترز)

يعاني أكثر من 55 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم من الخرف، وأكثر أشكاله شيوعاً هو ألزهايمر. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 139 مليوناً بحلول السنة 2050. من هنا فإن تطوير أدوية جديدة من شأنها إبطاء تقدمه يعد شأناً بالغ الأهمية، وكان محور عقود من الأبحاث.

الإعلان هذا الأسبوع- عن أن العقار الجديد للعاهة الذي أطلق عليه اسم "ليكانيماب" Lecanemab، يمكن أن يمنح المصابين بألزهايمر مزيداً من الوقت- يحمل في طياته أملاً بتغيير حياة الملايين، لكن فقط إذا استطعنا في المقام الأول التوصل إلى تقليل توقيت تشخيص الآفة، على نحو جذري.

ففي تجربة بحثية بارزة شملت 1,795 مريضاً، نُشرت نتائجها في مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين"  New England Journal of Medicine، تبين أن عقار "ليكانيماب" (وهو جسم مضاد) يمكنه التأثير على سرعة تدهور القدرة الإدراكية لدى الأشخاص المصابين بألزهايمر في مراحله المبكرة، من خلال تقليل مستويات تراكم  التكتلات المجهرية من البروتين المسمى بيتا - أميلويد Beta Amyloid في أدمغتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يُشار إلى أن العلاقة بين تطور داء ألزهايمر وبروتين "بيتا أميلويد" كان موضع جدل أساسي في المرحلة الأخيرة، لكن يبدو أن هذه التجربة حسمت مسألة وجود رابط مهم بين الاثنين. والأهم من ذلك، أنه على الرغم من أنه لا يبدو أن الدواء يمنع كلياً تقدم المرض، فقد يبطئ التدهور الإدراكي بنحو الربع على مدى 18 شهراً. لكن فقط إذا تم تشخيص الداء في وقت مبكر.

لا شك في أن هذه النتائج تُعد تطوراً واعداً وبالغ الأهمية، الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق أمام مزيد من الاكتشافات الطبية الأخرى في هذا المجال. يبقى أن التدخل العلاجي المبكر يشكل عاملاً مفصلياً مهماً لإبطاء وتيرة تقدم المرض. لكن للأسف، ما زال التشخيص المبكر عن داء ألزهايمر نادر الحدوث.

واستناداً إلى بحث أجرته "الكلية الملكية للأطباء النفسيين"  Royal College of Psychiatrists في المملكة المتحدة، فإن متوسط الوقت الذي يتم استغراقه بدءاً من إحالة المريض إلى اختصاصي ومرحلة تشخيص الخرف لديه، هو 17.7 أسبوع، فيما بعض المصابين يُضطرون إلى الانتظار لمدة تصل إلى سنتين كي يتم تشخيصهم. كما حدث في المقابل انخفاض في وصف الأدوية المناسبة في المراحل المبكرة خلال عام 2021، ما يعني أن مزيداً من الأشخاص يتم تشخيصهم في مرحلة لاحقة، ويفقدون تالياً إمكانية الحصول مبكراً على الرعاية التلطيفية التي يمكن أن تغير حياتهم.

في الواقع هناك عدد من الأسباب التي تجعل تشخيص الخرف عملية بطيئة وصعبة. وتتمثل المشكلة الرئيسة في عدم وجود وعي وفهم كافيين للعاهة على مستوى المجتمع ككل، ما يعني أنه غالباً ما يتم ربط  التدهور الإدراكي التدريجي والتغيرات في السلوك، بالشيخوخة الطبيعية أو بالاكتئاب أو بأمراض عقلية أخرى.

حتى عندما يُطلب تدخل طبي، فإن التشخيص السريع للمصاب يبقى غير مضمون. وتوجد عوامل- مثل الارتباك حيال أي اختصاصي رعاية صحية يتعين استشارته، ونقص خبراء الرعاية الصحية المتخصصين، كما الأدوات الفعالة للتشخيص- حواجز إضافية تعيق بشكل كبير وقت التشخيص وتؤخره.

كما أنه حتى عندما يعاين طبيب اختصاصي مصاباً في مرحلة مبكرة من الإصابة بألزهايمر، يمكن أن يكون التشخيص بالمرض خاطئاً واعتبار الحالة ناجمة عن اكتئاب مدته أعوام، بسبب عدم وجود أدوات تشخيص يمكن الوصول إليها بأسعار معقولة لكلتا الحالتين. وهذه مشكلات يتوجب العمل على إصلاحها على وجه السرعة.

التدخل المبكر لطالما كان مهماً لعلاج ألزهايمر. فهو من جهة يمنح المصابين وأسرهم مزيداً من الوقت للتأقلم مع التشخيص والاستعداد للمستقبل، ومن جهة أخرى يعني أنه يمكن إعطاء العلاجات في وقت أقرب للتعامل مع أعراض المصابين. لكن حتى الآن، لم يُمكن التدخل المبكر للطواقم الطبية من تغيير مسار المرض. ومع هذا التغيير، يصبح التشخيص المبكر أولوية ملحة.

ما يبعث على الطمأنينة، أن تقنيات جديدة بدأ تطويرها مع إمكان تحسين الطريقة (والسرعة) بشكل كبير في تشخيص ألزهايمر وغيره من أشكال الخرف. ففي "كلية لندن الجامعية"  UCL، ابتكر علماء لعبة خيال واقعي VR لمساعدة الأطباء على تقييم درجة الخرف لدى المصابين، من خلال تحليل الوعي المكاني. وفي وقت يتنقل فيه اللاعبون عبر بيئات مختلفة، تلتقط الآلة البيانات التي تمكن الأطباء من تقييم قدرات التنقل المكاني للمصاب، واستخدام هذه المعلومات لتحديد الخرف في وقت أبكر.

من جهتي عملت أيضاً مع عيادات وجامعات، بما فيها "كلية كينغز لندن" KCL، على بناء واختبار أدوات مستوحاة من ألعاب الفيديو، يمكن أن تساعد الأطباء في تقييم وجود خرف قبل اكتشافه بطريقة أخرى.

وفي هذا الإطار تستخدم منصتنا "ثيميا"  Thymia، ألعاباً مدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتقييم الملايين من المؤشرات الحيوية في أصوات الأشخاص وتعابير الوجه والحركات، بغية تحديد أعراض الخرف، وتمييزه عن حالات الصحة العقلية التي تكون أعراضها مشابهة- كالاكتئاب مثلاً. وفيما لا يزال الوقت مبكراً لذلك، إلا أن هدفنا هو مساعدة الأطباء على اكتشاف عاجل للخرف، والتمييز بين ألزهايمر وأنواع أخرى من الخرف، كـ"خرف الأوعية الدموية" Vascular Dementia  (تلف الأوعية الدموية في الدماغ، ما يقلل من قدرتها على إمداد الدماغ بما يحتاجه من الغذاء والأوكسجين) أو "خرف أجسام ليوي" Lewy Body Dementia (النوع الثاني الأكثر شيوعاً من الخرف التقدمي بعد ألزهايمر الذي يشير إلى وجود تدهور تصاعدي في القدرة على التفكير).

ويمكن لهذه التقنيات- وغيرها مثلها- أن تشكل تحولاً في التشخيص المبكر، وبالتالي علاج ألزهايمر وإدارته. ومن خلال إضافة مزيد من تقنيات التشخيص إلى تلك الموجودة الآن بوفرة لدى الأطباء، ستكون في متناولهم أدوات أفضل لاكتشاف التدهور الإدراكي في وقت أقرب، وإدارة العلاج على نحو أسرع من أي وقت مضى. ومع تزايد عدد الأفراد الذين يُصابون بالخرف، فقد حان الوقت الآن لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة واقعة.

قد يكون عقار "ليكانيماب" علاجاً رائعاً، لكن ما زالت هناك أمور كثيرة يجب أن تتحقق قبل أن يتم طرحه. فالعقار يُجرى تقييمه الآن من جانب الهيئات المنظمة في الولايات المتحدة، مع التخطيط لعملية منح الموافقة لإعطائه لدول أخرى اعتباراً من السنة المقبلة.

وبمجرد منح الإذن، يتعين تغيير مسارات العلاج الراهنة إذا كان الدواء سيصل إلى المصابين، وأبرزها: ضرورة إخضاعهم لـ"اختبارات الأميلويد" في الدماغ، لتحديد ما إذا كانوا مؤهلين لأخذ العقار. وفي الوقت الراهن، يخضع ما نسبته 1 إلى 2 في المئة فقط من المصابين بالخرف لمثل هذه الاختبارات. ويتعين كذلك تخفيض المستويات العالية من الآثار الجانبية الضارة الموجودة في هذه التجربة، لجعل الدواء أكثر أماناً للاستعمال.

وعلى الرغم من أن الحل المثالي لهذه العاهة ليس متوافراً حتى الآن، فإننا بالتأكيد نسير في الاتجاه الصحيح، وبتنا اليوم أقرب مما كنا عليه على الإطلاق، إلى إبطاء تقدم ألزهايمر.

هذا يعني أن الوقت قد حان للتغيير- على المستوى العملي والثقافي والمؤسسي- لجعل التشخيص المبكر ممكناً، وضمان وصول الأدوية مثل "ليكانيماب" بسرعة إلى المصابين الذين يحتاجونها. إن المسألة متروكة الآن في أيدي العلماء وصناع القرار في مجال الرعاية الصحية، لمواصلة جهودهم بلا كلل حتى الانتهاء من المهمة.

الدكتورة إميليا موليمباكيس هي عالمة أعصاب ومديرة تنفيذية ومؤسسة مشاركة لشركة "ثيميا" الناشئة لتكنولوجيا الصحة العقلية.

© The Independent

المزيد من صحة