Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يؤثر التقارب التركي - المصري في منتدى غاز المتوسط؟

سيكون الأمر مرتبطاً باستراتيجية تفاعلية قائمة على فكرة المصالح المشتركة في المقام الأول

اجتماع سابق لمنتدى غاز المتوسط تشارك فيه مصر وإسرائيل وقبرص وإيطاليا وفلسطين والأردن وفرنسا وأميركا واليونان (أ ف ب)

تتخوف دول منتدى غاز المتوسط من أية ارتدادات محتملة في حال استئناف العلاقات المصرية - التركية في الفترة المقبلة وحدوث نوع من التقارب السياسي والدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة، بما قد يؤثر في نمط العلاقات بين دول المنتدى الذي تأسست علاقاته وأنماط تفاعلاته منذ أعوام، بالتالي فإن أي تغير محتمل سيؤثر بالفعل في نمط وتوجه العلاقات الراهنة والمستقبلية في الفترة المقبلة، بل قد يؤدي إلى سيناريوهات عدة ستكون لها تبعات على استمرارية وفاعلية دوره، وهو ما تتحسب له كل الأطراف المنضوية في عضويته.

تحركات حذرة

بعد ساعات قليلة من لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان جاء إلى القاهرة وفد من اليونان، ضم وزيري الخارجية والدفاع وجرى الإعلان عن توقيع سلسلة من الاتفاقات، أهمها اتفاق للتعاون العسكري، في إشارة مهمة إلى حرص اليونان على تأكيد نمط الشراكة مع مصر وتأكيدها وهي الرسالة الأولى للبلدين تجاه تركيا بأن نمط العلاقات بينهما "لن يتأثر"، بخاصة أن أنقرة كانت سبقت لقاء أردوغان والسيسي بالدعوة إلى مفاوضات جديدة حول بحر إيجة، والدخول في مرحلة تفاوضية مباشرة يعني أن تركيا تريد تصفية المشكلات وتصفيرها تجاه الدول الرئيسة في الإقليم، وقد فعلت ذلك مع السعودية والإمارات وإسرائيل وتحاول أيضاً مع اليونان ومصر.

والمعنى أن التحرك الدبلوماسي التركي يمضي في سياقات متعددة وتجاه الدول المستهدفة على رغم ما يجري على الجبهة السورية ومع التوقع باستمرار النهج التركي في التصعيد المباشر وعدم الإنصات إلى بعض المطالب المصرية المعلنة منذ الجولة الاستكشافية الأولى بين القاهرة وأنقرة التي كان ضمن شروطها على المستوى الإقليمي توقف الممارسات التركية في الإقليم، بخاصة في سوريا والعراق.

لكن لوحظ التصعيد التركي اللافت في سوريا وتهدئة في ليبيا على رغم ما يجري وراء الستار، والرسالة الأولية أن تركيا تريد نصف حل وشبه خيار، وهي استراتيجية الرئيس أردوغان والخارجية التركية التي تعتمد مقاربة قائمة على العمل على حلول موقتة وسريعة وتفاهمات جزئية، وليست كلية أو نهائية بما يسمح بمزيد من التفاهمات الدورية والمتجددة والتوصل إلى حلول نفعية وسريعة وبما يحقق الأهداف الرئيسة للسياسة التركية، وهو ما سيصطدم بالموقف المصري وربما يوتر الأجواء ولن يصل إلى نتائج حقيقية في ظل هذه الاستراتيجية.

تجاذبات مستمرة

إن الإشكالية التي قد تقف في مواجهة أي تطورات حقيقية بالنسبة إلى ارتدادات ما يجري بين مصر وتركيا مرجعها استمرار الرؤية التركية بعدم الاعتراف بقبرص أصلاً واستمرار انقسام شبه الجزيرة القبرصية إلى قبرص التركية وقبرص اليونانية وعدم وجود ما يلوح في الأفق من فرص لتوحيد الجزيرة، الأمر الذي يعني أن أنقرة ستظل تناور في عدم رؤية قبرص وهي طرف رئيس في منتدى الغاز وضلع مركزي، ورسمت مصر حدودها المباشرة مع قبرص خلال عهد رئيسها الموقت عدلي منصور، ثم رسمت حدودها مع اليونان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولهذا استفادت الدول الثلاث مما حصل من خلال أعمال الحفر والتنقيب والبحث عن الغاز، في ظل آليات جرى التعارف عليها ودخول تركيا في أي علاقات سواء ضمن فعاليات المنتدى، أو خارجه سيؤدي إلى تداعيات حقيقية منها كيفية التعامل مع دول لا تعترف بها مثل قبرص، وكيف ستبني شراكاتها الاستراتيجية مع بعض الدول الأخرى مثل اليونان في ظل صراع سياسي وعسكري كبير امتد إلى حلف "ناتو" نفسه، أي إن الأمر لم يعد يقتصر أصلاً على المنتدى، بل امتد إلى الحلف العسكري "ناتو"، وهو ما قد يطرح دوراً ومواقف لدول مثل الولايات المتحدة وفرنسا عضوي المنتدى كمراقبين وهو ما قد يكون محوراً للتفاوض في ما يمكن أن تقدمه تركيا أصلاً داخل المنتدى وهل ستلتزم قواعده السياسية والاستراتيجية بل الاقتصادية أو لا، بخاصة أن مفاوضات رسم الحدود بين تركيا واليونان قد تأخذ بعض الوقت في ظل المناخ الراهن لطبيعة العلاقات بين دول المنتدى التي أهمها حال عدم الاستقرار بين الأطراف المختلفة.

إن ترسيم الحدود البحرية بين دولة مثل إسرائيل وهي عضو عامل في المنتدى ولبنان سيرتب مناخاً جديداً قائماً على فكرة التعاون الإقليمي ضمن فعاليات متعددة، وليست ضمن الطرفين فقط، مثلما جرى بين مصر واليونان من جانب، وبين قبرص من جانب آخر، وفي ظل وجود دول مثل سوريا ولبنان لم يلتحقا رسمياً بالمنتدى، بالتالي فإن ما سيجري سيكون مرتبطاً بسلوك الأطراف الراهنة وعمل بعض الأطراف في مواجهة الأطراف الآخرين، بخاصة أن بعض الأطراف مثل السلطة الفلسطينية سعت في توقيت سابق إلى رسم حدودها مع تركيا.

كما دخلت إسرائيل على خط العمل على تشغيل حقول الغاز في قطاع غزة، وقامت مصر والسلطة الفلسطينية بمشاركة غير مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية على العمل للتوصل إلى آلية يمكن البناء عليها على رغم تحفظ حركة "حماس" على ما يجري، وإن كان متوقعاً أن يفتح الملف بعد تولي حكومة نتنياهو الحكم في الفترة المقبلة، كما أن روسيا ستعمل على إيجاد موطئ قدم لها في منتدى الغاز، بخاصة أن تحركها في ملف غاز سوريا سيفتح الباب الموصود على مصراعيه وسيؤدي إلى تفاعلات سياسية واستراتيجية واقتصادية كبيرة.

مساومات ومقايضات

في ظل ما سيجري فإن مقايضة تركيا لأي ملف من ملفاتها مع الجانب المصري سيدخل الثنائي (جماعة الإخوان المسلمين – المنصات المعادية للدولة المصرية) مع الإقليمي وأهميه الوجود التركي المدعم عسكرياً في ليبيا ضمن ملفات الحضور التركي في الإقليمي سواء سوريا أو العراق المنطقة المغاربية، وهو ما سيتطلب ليس مقايضة سياسية أو استراتيجية، بل منظومة متكاملة وفق رؤية يقبل بها الطرفان المصري والتركي، وفي ظل مناخ جديد يتشكل يتجاوز بكثير التعامل مع كل ملف على حدة.

كما تريد تركيا، ولن تقبل به مصر، في ظل سيناريو محكم قد يتحرك من خلاله الجانب التركي، واعتماداً على استمرار الوساطة القطرية النشطة التي ستعمل على استكمال ما قامت به في الدوحة، وفي حال استمرار القبول المصري بما يجري، بخاصة أن التقارب التركي - المصري سيؤدي إلى تغيير في معادلات الأمن والاستراتيجية والسياسة في الإقليم، وليس في منتدى غاز المتوسط فقط، وهو ما تدركه القوى الرئيسة في الإقليم.

إن العلاقات مع مصر ستمضي في هذا السياق السياسي والاستراتيجي، بخاصة أن رسم أي سيناريوهات جديدة للعلاقات المصرية - التركية سيمضي في سياقين، الأول نجاح تكتيكي في التوصل إلى تهدئة وتسكين الصراع في ليبيا والمضي قدماً في تطوير العلاقات الاقتصادية الجيدة مع القبول التدريجي لعلاقات تركية مصرية حذرة، بخاصة من قبل مصر، والثاني العمل على استمرار التفاوض الدائم والمتقطع لبناء استراتيجية تفاوضية محسوبة من قبل الطرفين وبما يسمح بالفعل بالتحرك تجاه الملفات الثنائية والمتعددة ووفق مقاربة ثنائية وإقليمية، بخاصة أن القاهرة ستراعي بالفعل مسارات واتجاهات علاقاتها السياسية والاستراتيجية، ولن يكون أي تقارب مصري - تركي على حساب ما جرى في نطاق المتوسط وخارجه، بل سيكون الأمر مرتبطاً باستراتيجية تفاعلية قائمة على فكرة المصالح المشتركة في المقام الأول.

خيارات وبدائل

إن التحرك الذي تتم من خلاله منظومة العلاقات في إقليم شرق المتوسط قد يؤثر في مصر من مسار الوجود الراهن والمحتمل مثلما يجري في إطار العلاقات الإسرائيلية - القبرصية - اليونانية على سبيل المثال، وهو ما قد يتطلب إعادة ترتيب الأولويات الراهنة والمحتملة في إطار المستجدات الجديدة ومنها على سبيل المثال العمل على المسار البديل، ومنها بناء مقاربة جديدة للعلاقات المصرية - التركية ومواجهة ما يجري إضافة إلى تبني خيارات أخرى متعددة.

المؤكد أن للقاهرة حساباتها الكبرى في إطار ما سيجري، بخاصة أن مصر لها أيضاً معادلتها السياسية والاستراتيجية التي لن تتنازل عنها بما في ذلك استكمال رسم حدودها البحرية مع الأطراف الرئيسة الأخرى ومنها رسم الحدود البحرية مع إسرائيل وتأمين وجودها في اتجاه قطاع غزة. إضافة إلى تحرك القاهرة على أكثر من مسار للوصول إلى الأهداف المصرية المرجوة من العمل في إقليم شرق المتوسط ووفق حسابات مدروسة ومخطط لها جيداً، وذلك في ظل بقاء الأوضاع السياسية على ما هي عليه في إقليم شرق المتوسط واستمرار الصراع الدائر بين بعض الدول وعدم اعتراف بعض الدول بغيرها من الدول وتواصل النزاع القانوني على بعض الجزر وتباين المواقف وتضارب السياسات الحالية.

الخلاصات الأخيرة

إن ترسيم إطار للعلاقات المصرية - التركية الإقليمية في شرق المتوسط يستوجب إعادة ترتيب اتجاهات العلاقات المصرية الدولية المقابلة، بخاصة أن الدور الخارجي في مسار علاقات مصرية تركية شرق متوسطية قائم بحيث لا يمكن استبعاد مسار العلاقات المصرية - الروسية على سبيل المثال، أو العلاقات مع فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا وغيرها من الدول بحيث سيتباين شكل وجوهر العلاقات المصرية مع هذه الدول وغيرها وسيكون تأثيرهما قائماً وواضحاً في تحديد المصالح المصرية المستجدة في إطار رسم أي استراتيجية مصرية، بحيث سيمثل المكون الخارجي في العلاقات المصرية- الإقليمية والمصرية- الدولية أحد أهم المؤثرات المهمة في هذا السياق الواجب مراعاته في رسم استراتيجية مصرية في المجال السياسي.

كما أن وجود فواعل دولية منتظمة في إقليم شرق المتوسط مثل الولايات المتحدة سيتطلب وضع محاور حاكمة لاستراتيجية جديدة متماسكة في شرق المتوسط تستند إلى تقوية المركز السياسي والاستراتيجي لمصر عبر دعوة الولايات المتحدة إلى إجراء تدريبات بحرية مشتركة في شرق المتوسط، وكذلك روسيا حيث سيتم هذا التعامل في إطار الحركة المصرية تجاه سوريا، ومن خلال العمل على استيعاب سوريا كدولة مهمة في شرق المتوسط، وفي ظل مخطط مصري لتقوية الوجود العربي في فعاليات المنتدى ومنظمة غاز المتوسط وفرنسا، حيث تفترض استراتيجية التحرك الإقليمي المقترحة تجاهها الاعتماد على سياسة متعددة المسارات في شرق المتوسط وفي ليبيا وفي نطاق الشراكة الأوروبية، إضافة إلى مجالات التعاون المشترك، وهو ما يفترض استمرار المناورات المشتركة وتوظيف العلاقات الفرنسية- المصرية في مواجهة أية صراعات متصاعدة ومستجدة في شرق المتوسط.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل