أثار انطلاق منتدى غاز شرق المتوسط رسمياً، وتحوله إلى منظمة حكومية بمنطقة البحر المتوسط، أخيراً، من دون وجود تركيا، موجة من التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لاستبعاد أنقرة، وهل هي أسباب تتعلق بالمواقف السياسية التركية في المنطقة فقط أم أن هناك أسباباً أخرى؟
إن مزيجاً من الأسباب أسهم في استبعاد تركيا من الوجود داخل المنتدى الغازي، بحسب متخصصين في شؤون الطاقة، فعلى الرغم من أن لأنقرة إحدى دول شرق البحر الأبيض المتوسط، إلى جانب إعلانها، أخيراً، عن كشف حقل غاز في البحر الأسود، زعمت أنه أحد الاكتشافات الضخمة، وقدرت احتياطيه بنحو 320 مليار متر مكعبة، لكن أسباباً سياسية وفنية واقتصادية أدت إلى عدم وجود مقعد لأنقرة داخل منتدى غاز شرق المتوسط.
ففي الثلاثاء الماضي، وقعت في العاصمة المصرية 6 دول على ميثاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط رسمياً إلى منظمة حكومية بمنطقة البحر المتوسط، بهدف تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي، والاستغلال الأمثل للموارد بين الدول الأعضاء، وهي: قبرص، واليونان، وإيطاليا، وإسرائيل، والأردن، إضافة إلى مصر، على أن يكون مقرها القاهرة.
تركيا دولة مستهلكة للغاز
قال إبراهيم زهران المتخصص في شؤون النفط والغاز إن "عدم وجود تركيا داخل منتدى غاز المتوسط الذي انطلق رسمياً، الثلاثاء الماضي، يرجع إلى عدة أسباب مجتمعة"، وأوضح لـ "اندبندنت عربية" أن تركيا دولة مستهلكة للغاز وليست منتجة له، وتستورد الغاز من روسيا وإيران، مؤكداً أنه في الوقت الحالي، تعتمد تركيا بالكامل تقريباً على الواردات، لافتاً إلى أن إنتاج تركيا من الغاز المحلي 0.3 مليار متر مكعبة فقط في عام 2019.
وتابع "أن تركيا تستورد الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا وإيران وأذربيجان، علاوة على امتلاكها عقود استيراد طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال مع الجزائر ونيجيريا وقطر".
وقال "يضاف إلى ذلك أن كل الدول الموقعة على ميثاق المنتدى لديها حقول غاز، وفي الوقت نفسه أغلب الدول علاقاتها السياسية مع تركيا ليست على ما يرام، إضافة إلى فرنسا التي تتمتع بصفة مراقب في المنتدى والتي تشهد علاقتها السياسية مع أنقرة توتراً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة علاوة على العلاقات المتوترة في الأساس مع قبرص واليونان، إضافة إلى مصر.
تركيا لم توقع على قانون البحار الدولي
من جانبه، ذكر رمضان أبو العلا، المتخصص في شؤون النفط والغاز، أن أبرز أسباب غياب تركيا عن عضوية منتدى غاز شرق المتوسط، يرجع إلى عدم توقيع تركيا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1994.
وأضاف لـ "اندبندنت عربية" أن تركيا لا تعترف بقانون البحار الدولي، وترفض التوقيع عليه رغم توقيع 157 دولة على القانون، في المقابل فإن دول المنتدى بالكامل وقعت على القانون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أنه، على الرغم من عدم توقيع إسرائيل على القانون، فإن الأخيرة وقعت على اتفاقية ترسيم حدود مع قبرص وفقاً لقانون البحار، مما يعد موافقة ضمنية من جانب تل أبيب وقبولاً لشرعية القانون الدولي.
ولفت إلى أن الخلافات السياسية العميقة بين تركيا وغالبية دول المنتدى، أحد العوامل الرئيسة لغيابها عن المنتدى، مشيراً إلى أن العلاقات الثنائية بين أثينا وأنقرة متوترة للغاية، بل إن اندلاع حرب بين الدولتين غير مستبعد في أي لحظة، وأضاف أن "الأمر ينطبق على العلاقات التركية-القبرصية، هذا إضافة إلى علاقات أنقرة مع القاهرة التي تشهد خلافات سياسية عميقة منذ عام 2013".
وتحتكم دول العالم، إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فيما يتعلق بالمسطحات المائية خارج حدود الدول، وتم وضع الاتفاقية سنة 1973 ووقع عليها في 1982 ودخلت حيز التنفيذ في 1994، وبموجب هذه الاتفاقية، تمتد المياه الإقليمية إلى 12 ميلاً من الحد البري للدولة، وتحسب المسافة من آخر نقطة من اليابسة تنحسر عنها المياه، وتمارس الدولة سيادة كاملة على هذه المياه باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من إقليمها.
وتحاول أنقرة اللحاق سريعاً بركب منتدى غاز المتوسط، وجاء رد الفعل التركي سريعاً تحت تأثير الانطلاق الرسمي في القاهرة، عندما نقلت أنقرة إلى القاهرة رغبتها باتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، بحسب ما قالته صحيفة "حرييت" التركية، المقربة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، الأربعاء الماضي.
رسائل دافئة إلى القاهرة
وقال الكاتب سادات إرجين، في مقال نشرته جريدة "حرييت" التركية، إن مدير عام وزارة الخارجية التركية، تشاغتاي إرجيس، نقل رغبة أنقرة بتوقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية بين البلدين، على غرار الاتفاقية الليبية- التركية، إلى القائم بالأعمال المصري في أنقرة. وبحسب "حرييت"، فإن أنقرة بعثت "رسائل دافئة" إلى القاهرة، خلال الأيام الماضية، لتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.
أثينا تكثف جهودها لمعاقبة أنقرة
الخلاف السياسي بين القاهرة وأنقرة، ليس العقبة الوحيدة أمام دخول تركيا إلى المنتدى الغازي، عندما زادت حدة الخلافات بين أنقرة وأثينا في الأيام الماضية، حين كثفت الأخيرة من تحركاتها للضغط على الاتحاد الأوروبي، لمعاقبة تركيا حين أكدت الحكومة اليونانية ضرورة أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعداً لتوقيع عقوبات على تركيا، حتى وإن جرى التوصل لاتفاق بين البلدين بشأن بدء المفاوضات الاستكشافية مرة أخرى، بحسب ما ذكرت صحيفة "زمان" التركية، أمس الخميس.
وأوضح المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتساس، أن أثينا لديها توقعات بأن يوافق قادة أوروبا على بعض الاقتراحات التي ستقدمها لهم خلال قمة قادة أوروبا، المنتظر أن تعقد في 1-2 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لمناقشة العقوبات التي ستوقع على تركيا، مشيراً إلى أن المشكلة الحقيقية هي كيفية جعل هذه العقوبات فعالة ومؤثرة، خاصة أن الاتحاد الأوروبي لا يتحرك بشكل سريع بحسب ما نقلته صحيفة "زمان" التركية.
مجلس الأمن التركي يجتمع
في المقابل أكد مجلس الأمن القومي التركي، دعمه الحوار في سبيل التقاسم العادل للموارد الطبيعية في شرق البحر المتوسط.
وأوضح المجلس عقب اجتماعه، الخميس، برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في بيان نقلته وكالة الأناضول التركية، أن الشعب التركي لن يتهاون في حماية حقوقه ومصالحه في البر والبحر والجو مثلما كان سابقاً.
وأضاف "ندعم الحوار في كل المنابر بخصوص التقاسم العادل للموارد الطبيعية في شرقي المتوسط".
مواصلة الحوار أمر ضروري لمصير المنطقة
من ناحيته، قال مساعد وزير الخارجية التركي ياووز سليم قيران، إن مواصلة الحوار مع الاتحاد الأوروبي، أمر ضروري بالنسبة لمصير منطقة شرقي المتوسط.
وأعرب خلال مشاركته عبر تقنية الفيديو كونفرانس، في مؤتمر عقد، الخميس، حول رؤية أنقرة للعدالة والتعاون شرقي المتوسط، عن أمله في أن تسفر قمة زعماء الاتحاد الأوروبي التي ستعقد الأسبوع المقبل في العاصمة البلجيكية بروكسل، عن نتائج إيجابية حيال مواصلة الحوار بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بحسب ما نقلته وكالة الأناضول.
وأضاف أن منطقة شرق المتوسط تستحوذ على أهمية إستراتيجية، كونها نقطة عبور إلى الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وممراً مهماً للتجارة الدولية، وأشار إلى أن بلاده ترغب في تحويل شرق المتوسط إلى منطقة للتعاون، على الرغم من حالة عدم الاستقرار التي تحيط بهذه المنطقة، ولفت إلى أن التعاون في شرق المتوسط، سيعود بالنفع على كافة البلدان المطلة على المتوسط، مؤكداً أن تركيا كانت وما زالت تؤيد حل الخلافات القائمة عن طريق الحوار.
وفي معرض رده عن سؤال عما إذا كان تحديد منطقة اقتصادية خالصة مع مصر، جزءاً من استراتيجية تركيا في المنطقة، قال قيران، إن بلاده تنظم عدداً من الفعاليات مع عدة بلدان مطلة على المتوسط بما في ذلك مصر، من أجل تحديد مناطق النفوذ البحرية، وتابع، "عقدنا اجتماعاً مع مصر في هذا الشأن، ونحن مستعدون لعقد لقاءات أخرى ومنفتحون لعقد اتفاقية تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة معها، وهذا الأمر متروك لموقف القاهرة"، وفقاً لوكالة الأناضول التركية.