Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بشائر الخير مؤجلة بشأن أزمة الكهرباء في لبنان والفيول مشروط بتوافر الدولار

تواجه القطاع مشكلات أخرى أبرزها ضمان تحصيل أموال الجباية وإزالة التعديات عن الشبكة

الظلام الداكن يلف بيروت مع غياب الشمس (رويترز)

تعود جذور معاناة المواطنين اللبنانيين مع الكهرباء إلى حقبة الحرب الأهلية. وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انتهاء الحرب، لم يختلف الأمر كثيراً، لا بل زادت الأزمات، وتبددت الآمال بالإصلاح مع الانهيار المالي العظيم. وبات حلم اللبناني بـ 24 ساعة أمراً غير واقعي، لا يظهر إلا في قائمة الوعود الظرفية. وانتقل المواطن إلى مرحلة صار أقصى حلمه هو "بعض ساعات" التغذية بالتيار الكهربائي التي غابت كلياً في مناطق الأطراف منذ أشهر. أما اليوم وقد فضت عروض مناقصة تزويد مؤسسة "كهرباء لبنان" بالفيول، عادت وعود التغذية لـ 10 ساعات، وهو أمر سيترافق مع زيادة التسعيرة، وتقويمها بالدولار، وتعهدات بزيادة الجباية، إلا أن الأمور تلك تتوقف على توافر التمويل في ظل اشتراط مصرف لبنان المركزي عدم المساس باحتياطاته من العملات الأجنبية، بعدما فاقت كلفة سد عجز الكهرباء الـ 20 مليار دولار خلال العقد الماضي.

مناقصة الفيول

وأعلنت، الأربعاء 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، نتائج مناقصة تزويد "كهرباء لبنان" بالفيول والغاز أويل، وقد رست مناقصة الفيول "أ" والفيول "ب" على شركة "فيتول البحرين"، فيما فازت شركة "كورال إنيرجي" بمناقصة الغاز أويل، وهي غير شركة "كورال" المحلية المملوكة لعائلة يمين. وأكد رئيس هيئة الشراء العام جان العلية "نجاح أول مناقصة تجري في المديرية العامة للنفط بإشراف ومتابعة مباشرة من هيئة الشراء العام".
ونشر الموقع الرسمي لوزارة الطاقة والمياه في لبنان نتائج المناقصات، وهدفت المناقصة إلى تلزيم شراء 30 ألف طن متري من مادة "الفيول أ" لصالح شركة كهرباء لبنان، ومناقصة ثانية لشراء 35 ألف طن متري من مادة "الفيول أويل ب"، أما الثالثة فهي تهدف إلى شراء 35 ألف طن من مادة "الغاو أويل".
وعقب إعلان نتائج المناقصات، أوضح وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض أن "الجهد في المرحلة المقبلة سينصب على تأمين رسالة الاعتماد من مصرف لبنان المركزي"، مشيراً إلى أن "رئيس حكومة تصرف الأعمال نجيب ميقاتي هو من سيعدها بالتعاون مع وزير المال يوسف خليل، ودعم رئيس مجلس النواب نبيه بري".

سؤال التمويل

خلال العقد الماضي، لعب قطاع الطاقة دوراً سلبياً في الاقتصاد، وفاقم العجز العام، وفاق الإنفاق على الكهرباء 20 مليار دولار من دون أن يرى اللبناني التيار الكهربائي في منزله. هذا الأمر، إذا ما عطفناه على عدم الثقة في إصلاح القطاع، واستمرار الأساليب القائمة، سيشكل عائقاً أمام التمويل، بينما لم يعد المصرف المركزي يخفي رفضه تمويل القطاع في ظل تراجع الاحتياطي لديه من العملات الأجنبية.

مصدر التمويل

وعلى رغم نجاح المناقصات لشراء الفيول والغاز أويل، يبقى السؤال عن مصدر التمويل. لذلك تعمل وزارة الطاقة لتسويق النظام المعتمد بالدفع المؤجل، إذ تبرز المساعي لإقناع مصرف لبنان بتقديم كتاب ضمانة، أي أن مصرف لبنان سيلعب دور الكفيل. ويقوم طرح وزارة الطاقة اللبنانية على أن "مصرف لبنان" سيكفل دفع أثمان المواد النفطية المستوردة في الشهر الأول من المناقصة، في حال لم تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من تحصيل الأموال الكافية من خلال عمليات التحصيل وفق التعرفة الجديدة للفواتير.
واتضح أن مشكلة عدم تحصيل الفواتير وحجم السرقات الكبيرة الحاصلة بسبب التعديات على الشبكة، سيشكل تحدياً كبيراً لأية خطة لإصلاح قطاع الكهرباء. وعليه، فإن جميع الخطط ستتأثر بتراجع قدرة الدولة على فرض هيبتها على مختلف المناطق اللبنانية، وقدرة فرق التفتيش والرقابة على قمع المخالفات المتزايدة بفعل ازدياد مستويات الفقر والبطالة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الحلول الجذرية مؤجلة

ولا تتوقف معضلة كهرباء لبنان على تأمين شحنات موقتة ومحدودة من الفيول لتأمين تغذية بين ثماني وعشر ساعات كحد أقصى، أو في زيادة التعرفة، وإنما هناك حاجة إلى إصلاح جذري في هذا القطاع. وهذا على وجه التحديد في صلب قائمة مطالب صندوق النقد الدولي للوصول إلى اتفاق بينه وبين الحكومة اللبنانية.
يعيد المهندس غسان بيضون (المدير العام للاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه) جذور المشكلة إلى فترة الحرب الأهلية، ففي المرحلة اللاحقة لاندلاع المعارك، "تحولت مؤسسة كهرباء لبنان إلى عبء على الدولة وماليتها، بسبب الأضرار التي كانت تصيب منشآتها وتؤدي إلى تراجع وتعطيل قدرتها على الإنتاج واعتماد التقنين (أي قطع الكهرباء بشكل دوري ولفترات طويلة)، ناهيك عن عدم قدرتها على الجباية، وتزايد التزود بالطاقة بطرق غير شرعية، وعجز التعرفة عن تغطية كلفة الإنتاج". ويلفت بيضون إلى أن "تحميل الدولة ثمن الفيول كان من أبرز أعباء الصندوق المستقل للمحروقات"، منوهاً بأن "مؤسسة كهرباء لبنان احتلت طليعة مصادر نمو الدين العام".

خطوات للمعالجة

ويؤكد بيضون أن خطوات بذلت لحل أزمة الكهرباء بدءاً من عام 1993، إذ بوشر بالعمل على وضع برنامج لإصلاح المنشآت والشبكات وتأهيلها من خلال مجلس الإنماء والإعمار في إطار "الخطة 2000 للإعمار والإنماء"، وتنفيذ عقود لتأهيل محطات الإنتاج وشبكات النقل والتوزيع واستطاعت المؤسسة تأمين التغذية بالتيار لمنطقة "بيروت الكبرى" ومحافظة جبل لبنان، أما في ما يتعلق ببقية المناطق، "فوضعت خطة لتجهيز أربع محطات غازية إضافية في بعلبك وصور واستجرار الطاقة من سوريا، ريثما ينتهي تجهيز المعملين الجديدين في منطقتي الزهراني ودير عمار، بقدرة إنتاج إجمالية تبلغ 850 ميغاوات". ويلفت بيضون إلى أنه "عند إنجاز معملي دير عمار والزهراني، ناهزت فترة التغذية 20 ساعة يومياً في نهاية عام 1999".

الهيئة الناظمة للكهرباء في قلب الحل

في عام 2002، صدر قانون تنظيم قطاع الكهرباء رقم 462، وبحسب بيضون جاء القانون ليقر مجموعة من الإصلاحات، إذ "أقر تشكيل هيئة ناظمة للقطاع تتولى صلاحية إعطاء تراخيص وأذونات إنتاج الكهرباء للقطاع الخاص، وذلك في إطار شراكة بين مؤسسة كهرباء لبنان والقطاع الخاص لتشجيع التنافس على الإنتاج، وتلبية تنامي الطلب على الكهرباء وتأمين تغذية مستقرة ومستدامة تسمح برفع التعرفة وتحقيق التوازن المالي للمؤسسة وإعفاء خزانة الدولة من أعباء عجز المحروقات الذي تجاوز في بعض السنوات ملياري دولار، وكذلك في التنافس ضمن قطاع التوزيع لتأمين أفضل خدمة وخفض الهدر إلى حده الأدنى وتحسين الجباية والتحصيل"، معبراً عن أسفه لما آلت إليه الأمور، لأنه "بكل أسف لم يتم تطبيق هذا القانون لعلة في نفوس وزراء الطاقة المتعاقبين بعد صدور القانون".

توسع دائرة الفشل

في عام 2010، أقرت وزارة الطاقة خطة متكاملة وشاملة لإصلاح قطاع الكهرباء، تحت عنوان "ورقة سياسة قطاع الكهرباء"، وافق عليها مجلس الوزراء بهدف معالجة أزمة القطاع من خلال زيادة الإنتاج وتأمين التوازن المالي للمؤسسة وإعفاء الخزانة من أعبائها. اشترط مجلس الوزراء حينها الالتزام بالأصول المقرة في القوانين والأنظمة النافذة في كل ما يتعلق بها من مشاريع وطرق إدارة وتمويل ودفاتر شروط. وطلب إلى وزير الطاقة أن يرفع إلى مجلس الوزراء تقارير نصف سنوية، حول نتائج تنفيذ الخطة.
ويذكر بيضون بمحطة أساسية كانت تهدف إلى الإصلاح، قبل أن تفشل. ففي تاريخ الخامس من نوفمبر 2011، صدر القانون رقم 181، تحت عنوان "البرنامج المعجل لأشغال كهربائية لإنتاج 700 ميغاوات ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، المرتقب في ورقة سياسة قطاع الكهرباء"، مؤكداً أنه "ارتكز على ثلاثة أهداف رئيسة: زيادة الإنتاج بـ 700 ميغاوات وتحسين شبكة النقل، وتعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء تعطي تراخيص الإنتاج للقطاع الخاص لتأمين الزيادة على طلب الطاقة، وتعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان ليواكب الخطة وتطوير أوضاعها تطبيقاً للقانون 462/2011".

فشل

ويأسف بيضون إذ إن "كل الخطط باءت بالفشل، بسبب تدخل وزير الطاقة لتعديل شروط تلزيم معملي الذوق والجية، وكذلك في معمل دير عمار، ناهيك عن اللجوء إلى مشروع استئجار البواخر المنتجة للكهرباء بحجة تأمين طاقة إضافية ريثما يتم تأهيل معملي الذوق والجية القديمين، الأمر الذي لم يحصل. واستمر التمديد لتلك البواخر حتى سبتمبر (أيلول) 2021. كما سلط بيضون الضوء على "مشروع مقدمي خدمات التوزيع" الذي تم تمديد العمل به على رغم فشله.
ويشعر بيضون أن "فرص إصلاح القطاع فشلت، على رغم إقرار عدد كبير من القوانين منذ عام 2017، سواء كانت تتعلق بزيادة التعرفة، أو إقرار قانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لإتاحة المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في بناء معامل كهرباء، غير أنه لم يتم تطبيقه بسبب عدم تعيين الهيئة الناظمة. وقانون 129 المتعلق بتمديد صلاحية مجلس الوزراء لإعطاء تراخيص الإنتاج للقطاع الخاص بناء على اقتراح وزيري الطاقة والمالية، لمدة ثلاث سنوات، ولم يطبق حتى اليوم".
كما يلفت إلى أن "مجلس الوزراء وافق في عام 2017 على تلزيم إنتاج الطاقة من الرياح الذي عرضه وزير الطاقة وحتى اليوم لم يعرف مصير المشروع. وخلال شهر أغسطس (آب) من العام ذاته، أقر المخطط التوجيهي للنقل، الذي تضمن بنوداً تتعلق بالإنتاج، وإنشاء ثمانية معامل للكهرباء، حددت مواقع ستة منها، فيما ترك موقعان للمستقبل".     

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات