Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علي عبدالله صالح (17)

كذب ما يزعمه البعض عن انتخابات في هذه المؤتمرات

الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح يخاطب حشداً من أنصاره في ذكرى تأسيس حزبه في صنعاء يوم 24 أغسطس 2017 (رويترز)

كانت أول مهمة خارجية قمت بها هي رئاسة وفد اليمن إلى الاجتماع الوزاري لدول الـ 77 في مراكش المغربية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2003، وهي المجموعة التي تضم عدداً من الدول النامية ومنها المغرب والصين والبرازيل ومصر والهند والسعودية والإمارات، بهدف تشكيل مجموعة ضغط موحدة لخلق قدرة تفاوضية مشتركة ضمن نطاق الأمم المتحدة. تم اختيار اليمن نائباً للرئيس ضمن مجموعة نواب يمثلون القارة الآسيوية. لم يكن ذلك موقفاً سياسياً أو تقديراً لمواقف محددة، ولكن لأن الأمر مقرون بالرغبة أولاً وبتعبئة الاستمارات التي تسبق الحضور، ومن ثم عرضها على رئاسة المؤتمر التي توزع هذه المواقع بحسب ما تراه. اكتشفت حينها كذب ما يزعمه البعض عن انتخابات في هذه المؤتمرات أو إنه مرتبط بتقدير سياسات الدول، لأن الموقع محدد في الأغلب بفترة يومين لا أكثر. ثم ألقيت كلمة أعدّتها دائرة المنظمات الدولية بوزارة الخارجية.

في فبراير (شباط) عام 2004، استلمت مذكرة من السفارة الأميركية، مرفق بها قرار إدراج وزارة الخزانة الأميركية الأستاذ عبد المجيد الزنداني إلى قائمة مموّلي الإرهاب، وطالبت بتجميد أي أموال تعود إليه، ووصفته بأنه "أحد الزعماء الروحيين" لأسامة بن لادن. بعثت بالمذكرة إلى مكتب الوزير للتعامل معها وفق المعتاد. كان الخبر مزعجاً لحزب الإصلاح وكانت قيادته مقتنعة بأن صالح سيستخدم الاتهام لابتزازهم، وكان دائماً يقول علناً إن "الحكومة بموجب الدستور لن تسلم أي مواطن يمني إلى أي دولة كانت"، على الرغم من أني سمعت من بعض قيادات الحزب رغبتهم في تحجيم دور الزنداني لأنه يشكل عبئاً ثقيلاً عليهم، وهو أمر كان، من دون شك، يلقى ارتياحاً عند صالح وخصوم الإصلاح، لأنه يبقي الشكوك كثيرة حول نشاطات الحزب الخارجية وارتباطاته، ويجعلهم بحاجة إلى حماية الرئيس أمام المجتمع الدولي.

وعلى الرغم من افتراقي سياسياً عن الموجهات التي تحكم حزب الإصلاح، بقيت على علاقة شخصية جيدة، وما زلت، مع كثير من قياداته، وعلى الرغم من ذلك، حاولت في كل لقاءاتي مع الدبلوماسيين الغربيين، خصوصاً الأميركيين، أن أشرح لهم طبيعة تركيبة حزب "الإصلاح"، وأهميته في تشكيل حياة سياسية نشطة وقانونية، وأن الكثير من الاتهامات الموجهة لبعض قياداته لا يجب أن تعكس صورة سلبية على مجمل نشاطاته، فهو، وإن كان مرتبطاً بتنظيم الإخوان المسلمين، إلا أنه اختلف معه في طبيعة علاقته بالدولة في اليمن. فقد كان شريكاً حقيقياً لفترات طويلة، واستفاد من ذلك مجتمعياً وسياسياً ومالياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أنا هنا لا أنصّب نفسي محامياً عن حزب الإصلاح، لكني أتحدث من موقع العارف بطبيعة المجتمع اليمني، كما لا أنفي أن كثيراً من التنظيمات التي اتخذت الإرهاب وسيلة لتنفيذ أهدافها، كان كثير من قياداتها متأثراً بفكر الإخوان المسلمين وملتزماً به. لقد كان هدفي الحقيقي هو ضرورة إيجاد توازن في المشهد السياسي ما كان ممكناً لغير حزب "الإصلاح" إحداثه إذا استطاع تجاوز عقبة الخلط بين العمل السياسي والعمل الدعوي، خصوصاً مع وجود غالبية كاسحة للمؤتمر الشعبي في مجلس النواب. لم يكن الأمر يسيراً، وكانت الأخبار تصل إلى أذن الرئيس عبر تقارير مشوهة لا تعكس صدق ما أهدف إليه.

في أبريل (نيسان) عام 2004، ترأست وفد اليمن إلى المنتدى الاقتصادي العالمي World Economic Forum في البحر الميت. كانت الدعوة في الأصل موجهة إلى وزير الخارجية، لكن آثار غزو العراق جعلت الحضور على مستوى وزاري غير مقبول شعبياً وسياسياً بحكم رفض اليمن للعملية العسكرية ضد العراق، والتي كان اللقاء يهدف أصلاً للحصول على استمرار الدعم لها. شاركت في إفطار دعا إليه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بحضور وزير الخارجية الأميركي كولن باول وممثلي الدول التي كانت الإدارة الأميركية تصفها بـ "المعتدلة"، والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وكنت أقل الحاضرين على المستوى الرسمي. تحدث الوزراء جميعاً، وشعرت أن لا بد من مشاركة ولو بكلمة مقتضبة، فانتقدت الموقف الأميركي من غزو العراق، وتجاه القضية الفلسطينية وخاطبت الوزير الأميركي بالقول "إن أقوال أميركا تتناقض مع أفعالها ومواقفها، فهي تتحدث عن حقوق الإنسان في بلداننا وتتجاهل ممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وعلى واشنطن أن تثبت جديتها بالضغط على إسرائيل قبل مخاطبة الدول العربية". لم أدرك حينها أن هذا الخطاب لا يليق بمقام الحاضرين الذين جاؤوا للحصول على مباركة واشنطن ورضاها، وبدت كلماتي كما لو كانت صادرة من ممثل منظمة غير حكومية، وشعرت بامتعاض الحاضرين، عدا عمرو موسى الذي قال لي عند خروجنا من القاعة بلهجة مصرية "شكراً إنك اتكلمت علشان ما يقولوش إن عمرو موسى هو اللي بيقول الكلام ده وحده"، وشعرت حينها بشيء من الزهو اكتشفت زيفه من تجارب لاحقة.

ظل صالح حريصاً على الإبقاء على حياة حزبية في حالة لا تتجاوز الصوت الإعلامي، من دون تمكينها من التأثير على الأرض، وقد نجح إلى حد كبير، عدا في حالة حزب "الإصلاح"، الذي كان قد تمكن من تثبيت قواعده في المجتمع، وكان صالح يعمد إلى أسلوب ناعم يستقطب من خلاله قيادات من الأحزاب الأخرى إلى المؤتمر الشعبي، أو أن يستخدم الأجهزة الأمنية للعمل على تشظية المكونات السياسية والنقابية، وإغواء بعض القيادات بالمال، وقد سمحت له الغالبية الكاسحة في مجلس النواب بأن يكتم الأصوات الناقدة والمعارضة، فتحول المجلس إلى جهاز لا يقيم له الناس وزناً، ولا يرونه ممثلاً حقيقياً لطموحاتهم وآمالهم.

كان صالح مخطئاً في قراءة الأحداث، ولم يقدر تصاعد الحنق في الشارع ضد سياسات حكوماته والضيق من فسادها، والتي تزامنت مع الغضب في الجنوب بعد حرب صيف 1994، وحاولت أن أنبه إلى أهمية الإسراع في معالجة الأمور لتخفيف الاحتقان، وإعادة الموظفين والعسكريين الذي سُرّحوا من مواقعهم. وفي إحدى اللقاءات مع صالح حدثته عن هذا الأمر، وقبل أن يعلق تدخل مسؤول أمني كبير كان عضواً في الحكومة، وقال إن "الناشطين بحسب التقارير الأمنية، لا يتعدون العشرة أشخاص، وهؤلاء يمكن إغراءهم أو إسكاتهم أو حبسهم". كانت هذه التقارير المغلوطة المريحة هي التي تسببت بعد ذلك في ارتفاع حدة النقمة عليه وعلى النظام بأكمله، وكان هو يتصور إمكان معالجة الأزمات بالمال والهبات... كان واضحاً أن الجنوبيين الذين كانوا إلى جواره هم جزء من المشكلة، إذ رأوا في استمرار سوء الأوضاع جنوباً ما يجعله بحاجة إليهم... كما كان عدد من حلفائه الشماليين في الحكم مرتاحين لما يجري في الجنوب لتزداد حاجته إليهم ولخدماتهم.

لم يكن صالح يبدي قلقاً من سوء الأوضاع وتدهور الحالة المعيشية للمواطنين، ومرد ذلك يقينه بأنه استطاع تجاوز بسلام الكثير من الأحداث الجسام التي هددت نظامه، وهي نظرية أثبتت لاحقاً خطأها، إذ لم يدرك بأن الظروف الموضوعية قد تغيرت لغير صالحه. بقيت أحاول إيصال الرسائل إليه مباشرة وعبر قائد الحرس الجمهوري أحمد علي، إلا أنها كانت تصطدم بجدار سميك من المصالح التي أحاطت بهم، وفي بعض الأحيان التهكم من الموجودين في اللقاءات.

(وللحديث بقية)

اقرأ المزيد

المزيد من آراء