Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفراغ ينغص على اللبنانيين الاستقلال والمونديال... ويقلق الأمن

"حزب الله" يراهن على متغيرات إقليمية لمصلحة فرنجية تقنع باسيل واسم قائد الجيش يبرز مجدداً

وزير العدل هنري خوري يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الرئيس الراحل بشارة الخوري لمناسبة عيد الاستقلال (دالاتي ونهرا)

مرت الذكرى الـ79 للاستقلال اللبناني في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وسط دلالات قاتمة على واقع البلد المأزوم على الأصعدة كلها، نظراً إلى الفراغ المتوقع أن يطول في رئاسة الجمهورية، وغياب حكومة أصيلة لعجز القوى السياسية عن تشكيل الحكومة الجديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتزامن مع مزيد من التردي في الأوضاع الاجتماعية والمعيشية بسبب فلتان سعر صرف الدولار الأميركي الذي ناهز 40 ألف ليرة لبنانية.
وحلت ذكرى الاستقلال بينما تزداد التعقيدات الداخلية التي تحول دون إنجاز الاستحقاق الرئاسي، وقبل يومين من عقد الجلسة السابعة لانتخاب الرئيس، والمتوقع أن تنتهي كسابقاتها، بعدما اتسعت شقة الخلاف بين أركان التحالف الواحد كما حصل قبل أسبوع بين "حزب الله" وحليفه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي تقصد تظهير التباعد رافضاً دعم "الحزب" لترشيح حليفه الآخر رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، ما كرس الشرذمة في صفوف معسكر "الممانعة" الحليف لإيران، في مقابل التشتت في خيارات قوى الأكثرية المفترضة، المعارضة لهذا المعسكر، والمؤلفة من "السياديين" و"التغييريين" و"المستقلين".

الاستقلال والمونديال والعجز والاهتراء

الاحتفال التقليدي بعيد الاستقلال الذي كان يشمل عادة عرضاً عسكرياً، ولو رمزياً، اعتاد الجيش والقوات المسلحة تنظيمه في السنوات الثلاث الماضية اختصاراً للمصاريف، مع استقبالات في القصر الرئاسي، اقتصر هذه السنة على تكليف وزراء في حكومة تصريف الأعمال بوضع أكاليل من الزهر على أضرحة رجالات الاستقلال، فيما تجلى العجز اللبناني الرسمي الفاضح بحرمان اللبنانيين من مشاهدة مباريات مونديال كرة القدم في قطر عبر شاشات التلفزة، جراء اعتراض فريق "التيار الوطني الحر" على اجتماع الحكومة (للضرورة) لإقرار صرف مبلغ يتراوح بين 4 و5 ملايين دولار أميركي من أجل شراء حقوق بث المباريات من الجهة المنظمة في الدوحة بعدما فاوض وزير الإعلام زياد مكاري على ذلك لأسابيع عدة. ويرفض "التيار الوطني الحر" اجتماع الحكومة المستقيلة بغياب رئيس للجمهورية، على الرغم من أن الدستور ينص على توليها صلاحيات الرئاسة في حال شغور المنصب، بينما لم يشر إلى كونها أصيلة أم في حالة تصريف الأعمال.
واختصر ما يحيط بذكرى الاستقلال وحرمان المشاهد للبناني من المونديال، جانباً من تداعيات المأزق المتمادي.

استحقاقات الوفاء بها يتطلب رئيساً

فوق كل ذلك أكد أكثر من سياسي جازماً أن الفراغ في الرئاسة اللبنانية سيستمر إلى ما بعد نهاية عام 2022. وقال المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، الوزير السابق علي حسن خليل في حديث تلفزيوني، إنه لا يتوقع أي تطور يقود إلى انتخاب رئيس جديد في الأسابيع التي تسبق رأس السنة. ومثلما يتعذر تشكيل حكومة جديدة بسبب غياب رئيس للجمهورية يوقع مراسيم تأليفها وفق الدستور، فإن الأوساط السياسية أخذت تتحدث عن تداعيات إطالة الشغور الرئاسي إلى منتصف السنة المقبلة، محذرةً من مغبة تجاوز هذا التوقيت، مثلما حصل قبل انتخاب عون للرئاسة في عام 2016، حين استمر لبنان بلا رئيس لسنة و5 أشهر ونيف، ما سينعكس مزيداً من التفكك في مؤسسات الدولة لغياب سلطة تنفيذية شرعية تتعامل مع استحقاقات مهمة، إضافة إلى الاستحقاقات الاقتصادية الداهمة، التي تُتخَذ قرارات عشوائية في شأنها مثل إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بدء تطبيق التسعيرة الرسمية الجديدة للدولار الأميركي بقيمة 15 ألف ليرة للدولار الواحد (10 أضعاف التسعيرة الرسمية المعمول بها للآن، أي 1507 ليرات) بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل.
فولاية رئيس السلطة النقدية، أي سلامة، تنتهي في يوليو (تموز) المقبل. والأهم أن أكثر من ستة من كبار ضباط القوات المسلحة، في الجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية سيحالون إلى التقاعد بين ديسمبر (كانون الأول) وفبراير المقبلين، فيما يبلغ قائد الجيش، العماد جوزيف عون سن التقاعد القانونية في أول عام 2024، وتعيين البدائل يتطلب انعقاد مجلس الوزراء، المتعذر، ما سيؤثر على الإمرة العسكرية وانتظام عمل تلك المؤسسات، فيما يعول المجتمع الدولي على استمرارها في أداء مسؤولياتها من أجل حفظ الاستقرار في وقت تعاني سائر المؤسسات الدستورية والإدارية الأخرى من التفكك والاهتراء. وتشمل نهاية الخدمة قضاة كبار في المجلس الأعلى للقضاء في الأشهر المقبلة.
ولأن المؤسسة الأمنية هي الوحيدة التي ما زالت متماسكة على الرغم من الصعوبات الاقتصادية وتدني قيمة الرواتب، قدمت كتلة "اللقاء النيابي الديمقراطي" اقتراح قانون يقضي بتمديد سن التقاعد بالنسبة إلى بعض القيادات الأمنية التي تتولى مناصب مفصلية، لتفادي الشغور في مناصبها، فإن كتلاً نيابية عدة في المعارضة والموالاة، تعارض عقد جلسات نيابية للتشريع، لاعتبارها أن على البرلمان حالياً أولوية انتخاب رئيس جديد بدل تكريس الفراغ بتشريعات يفرضها العجز عن انتخابه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بروز اسم قائد الجيش مجدداً؟

في عيد الاستقلال، برز كلام لقائد الجيش العماد جوزيف عون بإشارته في "أمر اليوم" إلى أن الجيش "لن يسمح بأي مس بالسلم الأهلي ولا بزعزعة الوضع لأي أهداف". وهو كلام سبق أن قاله أمام ضباط القيادة قبل أسبوعين، بعد أيام على انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس.
كما أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن "ما حل بوطننا ليس قضاء ولا قدراً، بل هو نتيجة لسياق داخلي عقيم أتى على كل شيء".
ومع الهجوم غير المسبوق الذي شنه باسيل على فرنجية، أثناء زيارته باريس، معتبراً أنه ضعيف مسيحياً كي يتبوأ الرئاسة، وبأنه سيكون جزءاً من صيغة "الترويكا" التي تضم إلى رئيس الجمهورية، رئيسي البرلمان نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي، مفترضاً أن الأخير عائد إلى الرئاسة الثالثة، أطلق موقف رئيس "التيار الوطني الحر" جملة تكهنات حول استمرار انسداد الأفق الرئاسي. الأول يتعلق بمصير العلاقة بينه و"حزب الله" الذي كان أمينه العام حسن نصر الله أبلغه قبل شهر بأن فرنجية مرشحه مطالباً باسيل بدعمه وكتلته النيابية (19 نائباً مع حلفائه في حزب "الطاشناق" الأرمني).
كما أعيد طرح اسم العماد جوزيف عون الذي يتردد من بين المرشحين الذين لهم حظوظ كبيرة إلى جانب فرنجية، إلى درجة أن بعض القوى المواكبة للاستحقاق الرئاسي، في الداخل والخارج، تتوقع حصر الخيارات النهائية بهما في الحديث عن الخيارات الجدية القابلة لحصول تسوية بين معسكري "حزب الله" وحلفائه من جهة و"السياديين" وحلفائهم من جهة ثانية.

هل يرضى باسيل بفرنجية تجنباً لتقدم القائد؟

وترددت معلومات عن أنه مع محاولة بري إقناع باسيل حين التقاه قبل سفره إلى فرنسا بالانحياز إلى فرنجية، فإن رئيس البرلمان واجه رفض رئيس "التيار الوطني الحر" بالتلويح بأن تشبثه بموقفه سيؤدي إلى فرض اسم قائد الجيش من الخارج على الجميع. وهي معلومات نفتها مصادر مقربة من بري مشيرة إلى أن اللقاء لم يتناول أي أسماء غير فرنجية. واستخدام هذه الحجة يعود إلى أن باسيل نفسه كان رفض علناً دعم ترشيح قائد الجيش للرئاسة، مشدداً على أنه يرفض تعديل الدستور من أجل إتاحة انتخابه، إذ ينص على وجوب استقالة موظفي الفئة الأولى من منصبهم قبل سنتين من انتخاب أي منهم للرئاسة الأولى. وهذه الفقرة وضعت في دستور "اتفاق الطائف" خصيصاً للعماد ميشال عون الذي تمترس في القصر الرئاسي بصفته قائداً للجيش ورئيساً للحكومة العسكرية في عام 1989 نتيجة إصراره على انتخابه رئيساً، للحيلولة دون استخدام قائد الجيش وكبار الموظفين نفوذهم في مناصبهم من أجل الترشح للرئاسة. وثمة مَن يعتقد أنه إذا أُجبر باسيل على المفاضلة بين قائد الجيش وفرنجية قد يختار الثاني.
لكن سمير جعجع رئيس حزب "القوات اللبنانية"، القوة الأبرز في تحالف السياديين والتغييريين والمستقلين، رأى أن "حزب الله" غير قادر على إيصال فرنجية إلى الرئاسة. وهو سبق أن قال إنه إذا كان هناك توافق على قائد الجيش لا مانع لديه مع أنه يفضل ألا يأتي عسكري إلى الرئاسة مجدداً.
وجاء تسريب خبر لقاء مسؤول الارتباط والتنسيق في "حزب الله" وفيق صفا مع قائد الجيش في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ليسلط الضوء على ترشيح العماد عون مجدداً، على الرغم من أن مصادر "حزب الله" رفضت إعطاءه أي بعد رئاسي، مشيرة إلى أنه يأتي في إطار اتصالات التعاون بين "المقاومة" والجيش، التي تحصل في شكل طبيعي بين الفينة والأخرى. إلا أن أوساط قيادة الحزب سُئلت أكثر من مرة عن موقفها من ترشيح قائد الجيش فأشارت إلى أنه لا "فيتو" عليه. وبعض هذه الأوساط أشار أيضاً إلى أنه قد يكون لها ملاحظات على علاقة الجيش بالأميركيين الذين يقدمون العتاد والمساعدات لوحداته، مع أن الأمين العام حس نصر الله قال في خطابه الأخير، إنه يثق بقيادة الجيش وضباطه وجنوده الذي "يرفضون" تحريضهم من قبل الأميركيين ضد الحزب.

مراهنة الحزب على متغيرات إقليمية

وبصرف النظر عن هذه الوقائع فإن حلفاء باسيل في "الثنائي الشيعي" لا سيما "الحزب" يراهنون على إقناعه بدعم ترشيح فرنجية، مع مرور الوقت وإذا طال الفراغ، لعله تنشأ ظروف إقليمية تصبح معها الحاجة إلى ملء الفراغ مسألة ملحة بضغط التردي في الوضعين المالي والاقتصادي، من جهة، أو إذا تغيرت مواقف بعض الدول المناهضة لإيران حيال فرنجية كونه حليف الحزب من جهة ثانية. وفي حال انفتحت قنوات التفاوض حول النووي الإيراني وأوضاع المنطقة مجدداً، فسينعكس الأمر لمصلحة خيار الحزب، ويحمل ذلك باسيل على تعديل موقفه، لا سيما إذا دفعت الظروف الخارجية المتغيرة بعض النواب المترددين من الجهة السيادية إلى الانحياز لرئيس "تيار المردة".
ومع أن ذلك وفق المراقبين أقرب إلى علم الغيب، فإن "حزب الله" مارس الصمت حيال انزعاج قادته من تصعيد باسيل ضد الحليف فرنجية، لكنه لم ييأس من المراهنة على استمالته مجدداً إلى خياره، فضلاً عن أن نهجه في العلاقة مع "التيار الوطني الحر" يقضي بترك هامش واسع للمناورة له لأسباب تتعلق بمواصلة استنفاره جمهوره ضد خصومه ومنهم فرنجية. وفي اعتقاد بعض المتصلين بالحزب أن كثرة خصوم باسيل ستتيح ترتيب اتفاق على الرئاسة معه كحليف يحصل على مكاسب من العهد الرئاسي المقبل، وبضمانات منه.

المزيد من متابعات