Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان والدستور المعلق

من المفارقات أن تكثر الأحاديث عن رئيس "صنع في لبنان" بينما الأنظار موجهة صوب الخارج

الشغور الرئاسي الذي كان الاستثناء صار القاعدة وما كان غريباً أن يفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد خلفا لعون (أ ف ب)

تعددت الجلسات والمشكلة واحدة: دستور لبنان معلق. لا اليوم، بل منذ اغتيال رئيس الطائف رينيه معوض يوم عيد الاستقلال في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1989، بعد أقل من شهر على "اتفاق الطائف" الذي صار دستوراً.

ومن الوهم الحديث عن عملية ديمقراطية لانتخاب رئيس جمهورية دستورها معلق. وأبرز مثال حي هو تكرار الفشل ثلاث مرات في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية المحددة خلال الشهرين الأخيرين لولاية الرئيس القائم من دون شعور بالمسؤولية: عام2007 أيام الرئيس إميل لحود، وعام 2014 أيام الرئيس ميشال سليمان، وعام 2022 أيام الرئيس ميشال عون.

فالشغور الرئاسي الذي كان الاستثناء صار القاعدة. وما كان غريباً أن يفشل المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد، على رغم تعدد الجلسات وضغوط الأزمات وتكرار الدعوات الملحة في الداخل والخارج إلى إتمام الانتخاب خوفاً من أن يكتمل انهيار الدولة، بالتالي البلد.

الغريب هو تجاهل الواقع المعيب: مجلس النواب ليس مكان الانتخاب، بل مكان التصويت للرئيس المختار من خارجه، وحتى من خارج لبنان. ليس هو مطبخ تحضير الطبخة الرئاسية، بل المائدة التي يوضع عليها الصحن بعد نضج الطبخة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك أن ما حدث مع بداية تطبيق "الطائف" هو "انقلاب" غير معلن على الدستور. وكان الهدف منع قيام دولة لبنانية، والاكتفاء بتركيب سلطة تضمن المصالح الشخصية والفئوية لأعضائها وتخدم المصالح الحيوية للوصي السوري الذي انفرد بإدارة البلد.

أيام الوصاية السورية كانت المعادلة هي تسهيل الانتخاب وتعطيل الرئاسة إلا في ما يتعلق بخدمة المصالح. انتخاب الرئيس إلياس الهراوي، ثم الرئيس إميل لحود، جرى بسهولة من دون تأخير. والتمديد لكل منهما ثلاث سنوات تم بإشارة من دمشق، لكن إدارة السياسة في القصر الجمهوري ومجلس الوزراء والمجلس النيابي بالطبع كانت، على رغم بروز "الترويكا" الرئاسية في أيدي الفريق السوري السياسي والعسكري المكلف شؤون لبنان، الشريك في "معاهدة أخوة وتعاون" مع سوريا.

أما في أيام الوصاية الإيرانية الوريثة عبر "حزب الله"، فإن المعادلة هي تعطيل الانتخاب وتعطيل الرئاسة عبر فرض الفراغ للتسليم برئيس مكبل بالشروط ومعطل عملياً إلا في ما يتعلق باقتراب لبنان من "محور الممانعة" بقيادة إيران.

وليس تعطيل الانتخاب وإطالة الشغور الرئاسي سوى تكتيك في استراتيجية فرض المرشح المطلوب لكي يعمل ضمن المشروع الإقليمي لملالي إيران. وما يستخدمه "حزب الله" هو سلاح القوة والديموغرافيا، غير أنه يفتقر إلى الأكثرية التي تضمن انتخاب مرشحه، لذلك يراهن على الوقت وتعب الناس وشغف القيادات السياسية بالمناصب، ولو كانت مجرد مظاهر، للتسليم بما يريده. وليس من السهل عليه أن يلعب بورقة "القوة الخشنة" للحصول على ما تعطيه "القوة الناعمة"، وهو بحسب البروفيسور جوزيف ناي الذي صك تعبير القوتين الخشنة والناعمة، أن يعمل الآخرون ما نريد كأنه ما يريدونه هم، إذ لا قوة ناعمة لديه إلا في بيئته.

ومن المفارقات أن تكثر الأحاديث عن رئيس "صنع في لبنان"، بينما الأنظار موجهة صوب واشنطن وباريس والرياض وطهران في انتظار صفقة ما، بحيث تأتي كلمة السر ويهبط الوحي على القيادات فينتهي تعطيل نصاب الجلسات ويصبح للبنان رئيس، لكن الواقع المؤلم هو أنه رئيس يبحث عن جمهورية وإن جلس على الكرسي في قصر بعبدا. والرئاسة تبدو بعيدة. والجمهورية اللبنانية الحقيقية أبعد بكثير. أما جمهورية ملالي في لبنان، فإنها مهمة مستحيلة.

المزيد من تحلیل