Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنتج أزمة رئاسة لبنان تموضعا جديدا للحلفاء؟

استمرار الجمود بعد 6 جلسات للبرلمان رافقته سجالات سياسية بعضها تناول النصاب في الدورة الثانية للاقتراع

باسيل سعى إلى إقناع بري بغير فرنجية ثم هشمه في باريس وأي من الدول المعنية بإنهاء الفراغ لم يطرح أي اسم توافقي (الوكالة الوطنية)

تتجدد في لبنان مناورات الإلهاء عن انتخاب الرئيس الجديد في شكل يدفع إلى الريبة من أن كل حدث سياسي يتعلق بالمعادلة الداخلية التي تعجز عن الوفاء بالاستحقاق الرئاسي هو لصرف الأنظار عن استمرار الفراغ في الموقع الأول لمدة أطول. فاستمرار الجمود في انتخابات الرئاسة بعد ست جلسات للبرلمان رافقه خلال الأسبوع الماضي سجالات سياسية بعضها تناول النصاب في الدورة الثانية للاقتراع بأن يكون بالثلثين، كما في الدورة الأولى، أو بأكثرية النصف زائداً واحداً، أي الأكثرية التي يسمح بها الدستور لنجاح أي مرشح في الدورة الثانية. والبعض الآخر من هذه السجالات التي استأثرت باهتمام وسائل الإعلام التصريحات الهجومية لرئيس "التيار الوطن الحر" النائب جبران باسيل خلال زيارة قام بها إلى باريس، حيث التقى بعيداً من الأضواء المستشار الدبلوماسي لشؤون الشرق الأوسط للرئيس إيمانويل ماكرون باتريك دوريل الممسك بالملف اللبناني في وقت تكتمت فيه دوائر الرئاسة الفرنسية على هذا اللقاء واكتفت بالقول إن فرنسا لن تتفرج على لبنان ينهار.

رسائل باسيل: تمايز عن "الحزب" وتشنيع بفرنجية

ومع أن الضجة التي رافقت تصريحات باسيل والتسريبات عن مواقفه لم تحجب خبر اجتماع الرئيس ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تناول، بحسب ماكرون، الوضع في لبنان والفراغ الرئاسي فيه، كان واضحاً أن باسيل، الخاضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2020 استفاد من وجوده في العاصمة الفرنسية من أجل إطلاق رسائل ومواقف تناولت الحلفاء والخصوم على السواء، واستدعت ردوداً من كثر منهم. ويبدو أن معاوني باسيل تقصدوا تسريب تسجيل صوتي لكلام أدلى به في اجتماع مغلق مع ناشطي "التيار الحر" في فرنسا، فيما تعمد هو إجراء أحاديث مع تلفزيونات وصحف عدة، مستخدماً بريق باريس الإعلامي واهتمام دوائرها بالوضع اللبناني، من أجل توجيه رسائل منها للدول المعنية بلبنان، ولحليفه "حزب الله"، بما فيها إبراز تمايزه عن الأخير في شأن ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وإعلانه بأنه لا يتفق مع "حزب الله" بأن الهم الوحيد هو حماية سلاح الحزب، كما جاء على لسان أمينه العام حسن نصر الله، مضيفاً، "لكنني أتفهم مخاوف الحزب وأتفهم في المقابل مخاوف الطرف الآخر المناهض له" (القوى السيادية التي تطرح مخاطر سلاح الحزب).

ويعتبر خصوم باسيل أنه أقحم نفسه بسيل التصريحات التي أدلى بها في العاصمة الفرنسية منذ وصوله إليها، الأربعاء 16 نوفمبر (تشرين الثاني)، مستهدفاً فرنجية في شكل غير مسبوق من أجل لفت الأنظار والإيحاء بأنه صانع الرؤساء، وأنه المعبر الإلزامي للرئاسة في لبنان بقوله أمام كوادر تياره إن "لا رئاسة من دون موافقتنا، ولم يعد بإمكان أحد أن يتخطانا. ولن نسجل على أنفسنا أننا انتخبنا أحداً مثل سليمان فرنجية". ووصف مراقبون قوله إنه مع انتخاب مرشح "عليه القدر والقيمة" بنوع من التشنيع بفرنجية الذي اكتفى نجله النائب طوني فرنجية برد مقتضب قائلاً، "سيبقى سليمان فرنجية شخصية وطنية جامعة. لا نتفق معك في البرنامج السياسي والإصلاحي لبناء دولة. جربنا وشفنا. أوصلتنا إلى جهنم".

الضمانات والبحث عن مرشح ثالث

وانتقد باسيل رئيس البرلمان نبيه بري، ولم تكن قد مضت 72 ساعة على لقاء بعيد من الأضواء جمعه به لإقناعه بالبحث عن مرشح ثالث غير فرنجية ومرشح القوى السيادية ميشال معوض، بالاتفاق معه، فقد كان موقف بري رداً على هذا العرض أنه متفق مع "حزب الله" على أن يكون خيارهما واحداً بالنسبة إلى الرئاسة. والمعلوم أن خيارهما حتى إشعار آخر هو فرنجية.

وأعلن باسيل في التسجيل المسرب أنه لم يرشح نفسه للرئاسة، لأنه لا يريد حرق هذه الورقة، "ولا نمشي بفرنجية مع أنه محصور بمنطقة زغرتا ويصغر (حجمه)، ونحن لدينا نواب في مناطق لم يكن لدينا نواب فيها، ولا يشكل خطراً علينا، كما أننا أعطينا ضمانات من دون أن نطلبها. ويستميتون عليّ لأطلب ما أريد (يقصد بها مطالبه بالتعيينات في المناصب المسيحية العليا العسكرية والقضائية والإدارية في الدولة)، لكن هل فرنجية يبني دولة وهل نحكي عن الهيبة والتوازن"؟ وأضاف، "أسهل شيء أن نأتي بفرنجية ونأخذ ما نريده بالدولة والوزراء والحماية. ومنها حصتنا بالنفط، ونرتاح ست سنوات، ثم نأتي إلى الرئاسة بعدها. وأنا قلت بالإعلام إن نصر الله لا يمون عليّ".

"الترويكا" ورد بري والأسماء البديلة

واعتبر أن الإتيان بفرنجية "يعيدنا إلى التسعينيات بنسخة جديدة، أي الحريري (الرئيس الراحل رفيق الحريري) – بري - الهراوي (الرئيس السابق الراحل الياس الهراوي)، فنصبح بـ(ميقاتي) رئيس حكومة تصريف الأعمال (نجيب ميقاتي) – بري - فرنجية (التي سماها باسيل والرئيس ميشال عون حكم الثلاثة رؤوس أي الترويكا). فهل هذا ينقذ البلد"؟ وكرر باسيل مطالعاته الرافضة لفرنجية في أحاديث تلفزيونية وصحافية، لكنه أشار إلى أنه يزور باريس "لطرح مخرج من الفراغ لرئاسي الذي قد يطول أشهراً، بل سنوات". وهو طلب من الجانب الفرنسي أن يساعد في إقناع "حزب الله" بالقبول بمرشح غير فرنجية.

ورد بري على باسيل فوراً عبر مكتبه الإعلامي قائلاً إن "ما كان الأمر عليه في عام 1990 نعتقد أنه أفضل مما قدم لنا في السنوات الست الماضية، والذي يتلخص بـ"عون – باسيل - جريصاتي (مستشار الرئيس عون الوزير السابق سليم جريصاتي)". وأكدت مصادر بري أن باسيل "طلب التفاهم، لكنه أجهض مبادرة الحوار التي تحدث عنها الرئيس بري" قبل ثلاثة أسابيع.

وأفادت المعطيات بأن رئيس "التيار الحر" اقترح على بري بضعة أسماء كبدائل عن فرنجية منها الوزير السابق زياد بارود، ومدير الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي وزير المال السابق جهاد أزعور، وسفير لبنان السابق في الفاتيكان العميد السابق في الجيش جورج خوري، والوزير السابق روجيه ديب (وقيل إن الاسمين الأخيرين لم يمانع بهما البطريرك الماروني بشارة الراعي). وأضاف باسيل إليها اسم وزير الاقتصاد السابق من تياره منصور بطيش الذي كان وعون يرشحانه لمنصب حاكم مصرف لبنان.

ثوابت وموقف مشترك

وجاء تحرك باسيل في خضم التواصل الفرنسي - السعودي حول لبنان للبحث بمواجهة التعطيل والفراغ. ودعا الرئيس ماكرون إلى "انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في أقرب وقت". والتقى ماكرون في بانكوك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على هامش قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ، وفق ما أفاد الإليزيه. وبحث الجانبان الوضع في لبنان والحرب في أوكرانيا، بحسب الرئاسة الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان جرى اتصال هاتفي بينهما، السبت الماضي، توافق ماكرون وبن سلمان خلاله على "تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الإنسانية للبنان". وشدد ماكرون على "ضرورة انتخاب رئيس في أقرب وقت بهدف حسن تنفيذ برنامج الإصلاحات البنيوية التي لا غنى عنها لنهوض لبنان". وهو أمر من ثوابت الموقف المشترك السعودي – الفرنسي - الأميركي منذ صدور البيان المشترك عن وزراء خارجية الدول الثلاث في سبتمبر (أيلول) الماضي في نيويورك.

وعلمت "اندبندنت عربية" أن باريس تتحرك بموازاة مشاورات ماكرون مع شركائها حول لبنان، لدى الفرقاء اللبنانيين لاستكشاف إمكانية القيام بخطوة ما من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي الذي دخل أسبوعه الرابع، وهي استقبلت قبل باسيل، موفداً من فرنجية هو الوزير السابق روني عريجي، من دون الإعلان عن ذلك. ويدرس المسؤولون الفرنسيون الذين يلتقون سياسيين لبنانيين باستمرار للتشاور دعوة شخصيات أخرى من أجل البحث معها عن مخارج. ولم تستبعد مصادر وزارية لبنانية متابعة للتحرك الخارجي أن يكون المسعى الفرنسي بتنسيق مع كل من واشنطن والرياض، لكن المصدر نفسه أكد أن أياً من الدول المعنية بإنهاء الفراغ الرئاسي اللبناني لم يطرح إلى الآن أي اسم كي يكون توافقياً بين القيادات اللبنانية، في وقت يخشى فيه من أن تزيد التطورات الإقليمية السلبية في علاقة الدول الغربية مع إيران، بعد التعاطف الغربي مع الانتفاضة في الداخل الإيراني، وانسداد أفق استئناف التفاوض مع طهران حول ملفها النووي، الوضع في لبنان تعقيداً.

عرف مكانه فتدلل أم شرخ بين الحليفين؟

في الانتظار، يترقب الوسط السياسي اللبناني مدى تأثير مواقف باسيل المعاكسة لخيار حليفه "حزب الله" بتأييد فرنجية للرئاسة، على علاقة التحالف بينهما. فالبعض يتوقع حصول شرخ بين الجانبين هذه المرة أكثر عمقاً من مراحل الخلاف السابقة، مستنداً إلى أن أوساط قيادة الحزب ضاقت ذرعاً بتمرد باسيل على توجهاتها، على رغم ما قدمته له من مكاسب طوال السنوات الماضية بوقوفها إلى جانبه والرئيس ميشال عون في مواجهة الآخرين، سواء في تشكيل الحكومات أو في التعيينات الإدارية طوال العهد الرئاسي المنقضي، في وقت هو يرى أنه قدم "تضحيات" جراء التحالف مع "الحزب"، في إشارة إلى العقوبات الأميركية ضده وفق قانون "ماغنيتسكي".

في المقابل، يرى خصوم "الحزب" وباسيل أن الأخير عرف مكانه فتدلل، نظراً إلى إدراكه لمدى حاجة الأول له كحليف في هذه المرحلة التي يتعرض فيها هو وإيران لضغوط غربية متزايدة، لا سيما بعد اندلاع التحركات الاحتجاجية في الداخل الإيراني. وفي رأي أصحاب هذا الرأي أن باسيل نفسه قد يتراجع عن بعض مواقفه الرافضة لخيار الحزب بتأييد فرنجية إذا اكتشف أن "الحزب" قد يتمكن من تأمين أصوات نيابية لمصلحة فرنجية من دون كتلة نواب "التيار الوطني الحر"، كما لم تستبعد أوساط متابعة لحركة باسيل أن يكون إبرازه تمايزه عن "الحزب" رسالة إلى واشنطن بهدف تسهيل رفع اسمه عن لائحة العقوبات. وهو سعي يتفهمه "حزب الله".

إلا أن الشرخ في صفوف الحلفاء المنضوين تحت لواء "محور الممانعة" ليس أقل من ذلك الذي يصاب فيه فرقاء المعسكر المؤلف من تحالف السياديين والتغييريين والمستقلين، الذين عجزوا حتى الآن عن التفاهم على دعم المرشح ميشال معوض الذي بقيت الأصوات التي حصل عليها دون المطلوب (43 صوتاً قابلة لتصبح 50 صوتاً). فالنواب التغييريون الـ13 ينقسمون بين ترشيح الكاتب والمؤرخ عصام خليفة (حصل في الجلستين الماضيتين على سبعة أصوات منهم) وبين التصويت لميشال معوض (ثلاثة أصوات) ومن كتبوا العبارة الرمزية "لبنان الجديد" (ثلاثة أصوات)، مثل النواب السنة الذين يغلب على موقفهم التشتت، وبينهم من يرجح العارفون من سيصوتون لفرنجية عند إعلان ترشحه في شكل رسمي.

المزيد من تحلیل