Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتعاش المهرجانات الفنية في جنوب الجزائر بين تنمية ثقافية وتهدئة سياسية

يرى مراقبون أن شمال البلاد ينظر إلى جنوبها كمجرد "برميل نفط وواحة نخيل وكوب شاي"

الإعلان الخاص بمهرجان الليالي الدولية لمسرح الصحراء المقررة في مدينة أدرار (وزارة الثقافة الجزائرية)

تشهد مناطق جنوب الجزائر حركة لافتة، على عكس السنوات السابقة حين كان ينظر إلى تلك الجهة على أنها مصدر قلاقل. وبعد تحريك عجلة التنمية من خلال إنشاء مشاريع وتقديم تسهيلات وامتيازات، جاء الدور على النشاط الثقافي الذي بات يأخذ حيزاً واسعاً من المشهد في صحراء الجزائر، فهل هذا الاهتمام له علاقة بإعادة الاعتبار للفعل الثقافي أم الأمر لا يعدو أن يكون أقراصاً مهدئة؟

جنوب ينافس الشمال

ويتجه جنوب الجزائر إلى أن ينافس الشمال الذي سيطر على المشهد العام منذ استقلال البلاد في عام 1962، إثر تعمد تهميش المناطق الصحراوية على كل المستويات التنموية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ولا يتم الحديث عنها إلا عندما يتعلق الأمر بالبترول والغاز، إذ إن كل الحقول تنتشر في هذه الجهات، وأصبحت تأخذ نصيباً واسعاً من الاهتمام مع إطلاق مشاريع تنموية جديدة وإحياء أخرى، وشملت هذه الالتفاتة قطاع الثقافة بعد التظاهرات والندوات التي باتت تقام بوتيرة أعلى.
ولعل الإعلان عن مهرجان "الليالي الدولية لمسرح الصحراء" المقرر في مدينة أدرار التي تبعد عن العاصمة الجزائرية بـ1400 كيلو متر جنوباً، كفيل بفتح أبواب التساؤل حول الأهداف من هذا التحول في التعاطي مع الجنوب، على الرغم من أن القيمين عليه، أكدوا أن المسعى هو توظيف فضاء الصحراء في العرض المسرحي، والخروج بالعروض من طريقتها التقليدية إلى فضاءات تناسب خصوصيات المنطقة الصحراوية.
وقالت جمعية "فرسان الركح للفنون المسرحية" المشرفة على إقامة المهرجان بالتعاون مع وزارة الثقافة، بين 21 و26 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، إن العروض المسرحية ستقدم في فضاءات صحراوية مفتوحة، فوق الكثبان الرملية وبين واحات النخيل وداخل المغارات والقصور القديمة والساحات، وهو ما "يتيح للعمل المسرحي الاقتراب من جمهور أوسع". وأشارت الجهة المنظمة إلى مشاركة فرق مسرحية من 16 بلداً عربياً وأجنبياً تتنافس على 11 جائزة. وأبرزت أنه إلى جانب العروض، ستقام ورشات تدريبية يشرف عليها مسرحيون من الجزائر وخارجها في مجالات التمثيل والسينوغرافيا والكتابة الدرامية والكوريغرافيا، كما ستعرف التظاهرة الفنية ملتقى علمياً تتمحور أشغاله حول توظيف الموروث الثقافي الشعبي في العمل المسرحي.

صراع بين المناطق

وعن المهرجان يقول الكاتب الروائي، عبدالعزيز عمراني، إن "سكان الجنوب أدرى بثقافتهم، بشعرهم ومسرحهم، لهذا فهم ليسوا بحاجة إلى تنمية ثقافية بالمنطقة، ولا شيء يسكتهم". وأشار إلى "صراع بين مناطق البلاد، فجهة ترى أن الكتابة والشعر حكراً عليها، وأخرى تعتبر أن الأندلس والعاصمة لها، وغيرها تعتقد الفن والمسرح خرج منها وغير ذلك من الشجار، وبما أن تظاهرة الليالي الدولية لمسرح الصحراء منظمة من طرف جمعية فرسان الركح للفنون المسرحية، التي يرأسها فنان مسرحي ينحدر من محافظة أدرار، فكان لزاماً أن يختار منطقته لاحتضان الفعاليات". وكشف عمراني أن "هذا الأخير سعى رفقة فنانين آخرين إلى مقاطعة تظاهرة أيام مسرح الجنوب برفضهم المشاركة، التي كانت لتقام بمحافظة الجلفة في ديسمبر 2021، وقد تحججوا بضيق الوقت وبعد المسافة"، مشدداً على أنه "في مثل هذه التظاهرات علينا أن نختار المكان المناسب حتى نحظى بعدد كبير من الجمهور، لا أن نسعى إلى خدمة منطقة معينة". وختم بالقول إن "التظاهرة ستكون إضافة لسكان الجنوب عامة، والأهم أنها ستروج لثقافة سكان الصحراء وبيئتهم، وأيضاً للسياحة بالمنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اهتمام بعد تهميش

وبات جنوب الجزائر يحظى باهتمام ثقافي كبير في السنوات الأخيرة، وكان آخر تلك النشاطات، الملتقى الدولي الأول بعنوان "أدب الصحراء وأعلامه المعاصرون"، الذي أقيم يومي 29 و30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وكان يهدف بحسب المنظمين إلى التعريف بأدب وأدباء الصحراء العربية، والكشف عن نصوصهم الإبداعية وتحليلها والتعريف بالمعاصرين من مبدعي المنطقة بخاصة، والكشف عن القيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية المتضمنة في أدبهم، وإبراز أهمية وقيمة الأدب الصحراوي، فضلاً عن خدمة التوجهات الوطنية للنهوض بالمناطق النائية ومناطق الظل والاهتمام بمبدعيها وساكنيها.
وكانت مناطق الجنوب مصدر إزعاج بالنسبة لمختلف الحكومات السابقة، بسبب احتجاجات السكان التي لم تكن تنقطع، جراء تردي أوضاعهم المعيشية والتنموية، وغياب فرص العمل، وسوء الخدمات، وانعدام البنى التحتية الأساسية، وللتنديد بالتهميش والإقصاء والتمييز، وللمطالبة بالعدالة في التنمية وحق التوظيف في الشركات العاملة في المنطقة، خصوصاً البترولية منها، التي يتهمون السلطات المركزية بتفضيل توظيف أبناء الشمال فيها على حسابهم.

مصدر الثروات

في السياق، شدد أستاذ العلوم السياسية سليم بوخاري، على أن "العقل السياسي في الجزائر ظل ينظر إلى مناطق الجنوب على أنها مصدر للثروات، وهي لا تعدو أن تكون برميل نفط، وواحة نخيل، وكوب شاي، وشباباً مختزلاً في إعداد الشاي وإقامة الحفلات الفلكلورية. وكانت احتجاجات سكان الصحراء إنما تأتي بعد غلق كل الأبواب في وجوههم، بخاصة الشباب"، مضيفاً أن "السلطة السابقة راهنت دوماً على عامل الوقت كحل لمواجهة غضب سكان الجنوب وإسكات صوتهم". وتابع أنه "لا أحد يريد العنف، ولا أحد يشجع عليه، لكن كيف لك أن تقنع شاباً وهو ينام ويصحو على حقول النفط، ليقابله أفق مظلم ومستقبل مجهول، ولا ينال من هذه الثروة سوى لحيفها وسمومها وما تخلفه من أمراض".
الكاتب الإعلامي المهتم بالشؤون الثقافية والسياسية، حكيم مسعودي، اعتبر أن "هذا النوع من التظاهرات لا علاقة له بطرح التهدئة كونه لا يوجد حالياً أي تصعيد". وقال إن "هذا المهرجان ينسجم مع موسم السياحة الصحراوية، وبما أن المهرجان دولي فهو منارة لاستقطاب السياح وإثراء برنامجهم، إضافة إلى توسيع الحركية الثقافية إلى الجنوب الكبير الذي لا يحظى بالاهتمام على هذا المستوى بقدر ما حظي به الشمال، كما أن الموعد يمكن إدراجه في إطار مساعي تجسيد تنمية ثقافية في هذه المنطقة من الجزائر"، مرجحاً أن القائمين على التظاهرة استهدفوا عصفوري، التنمية الثقافية والإثراء السياحي، بحجر واحد وهو "ليالي مسرح الصحراء بأدرار".

المزيد من فنون