Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعوة لإحداث ثورة في الأنظمة العدلية لتفكيك نظام البشير

تعتمد على الحوكمة الرشيدة والمساءلة وليس الانتقام

منذ بداية التظاهرات ثمة دعوات لتفكيك نظام البشير (رويترز)

دعا خبراء سياسيون وقانونيون ونقابيون في السودان إلى إحداث ثورة في الأنظمة العدلية خلال فترة الحكم الانتقالي الجديد الذي حُدّدت مدته بـ 3 سنوات و3 أشهر وذلك لتفكيك الدولة العميقة التي بناها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

وتتضمن هذه الفترة تعديل القوانين كافة التي أسهمت في تمكين الفساد واستشرائه، فمساءلة كل من تحوم حوله تهمة الفساد من الوزراء والمسؤولين في النظام السابق.

وأشار الخبراء في حديث لـ"اندبندنت عربية" إلى ضرورة تطبيق نظام الحوكمة الرشيدة وتفعيل قانون "من أين لك هذا" والعمل على إنشاء مفوضيات وهيئات استشارية لرفد أجهزة الدولة بالأفكار والبرامج الاستراتيجية، في الوقت الذي أكدوا أن المهمة لن تكون سهلة وتحتاج إلى صبر وتمهل وابتعاد عن مسألة الانتقام.

تعديل القوانين

 النائب العام السابق عمر عبد العاطي قال إن مهمة تفكيك دولة الإنقاذ ليست سهلة على الإطلاق، لافتاً إلى أنه حسب تجربته الشخصية عندما شارك كنائب عام في حكومة سوار الذهب التي تشكلت عقب الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس جعفر نميري في أبريل (نيسان) 1985، فإن هناك اختلافاً بين الفترتين الانتقاليتين السابقة والحالية.

 ففي الفترة الانتقالية برئاسة سوار الذهب، كُوّن المجلس العسكري من رؤساء الوحدات العسكرية وليس من مجرد أسماء، لذلك كان الجيش ممثلاً كاملاً.

 أما المجلس العسكري الحالي، فشُكّل من اللجنة الأمنية للنظام السابق وليس ممثلاً للقوات المسلحة. وأوضح عبد العاطي أن مهمتهم تُعتبر أسهل من اليوم، نظراً إلى قصر الفترة الانتقالية التي كانت 6 أشهر وقلة قضايا الفساد.

 وأشار عبد العاطي إلى أن من أهم مهام الحكومة الانتقالية المقبلة، العمل على تعديل القوانين التي قننت الفساد ومكنته بشكل واضح، إذ أعطت الوزراء الحق في منح تخفيضات في الرسوم وإلغائها حسب تقديرهم الخاص وجميعها يصب في خانة المصالح الحزبية الضيقة والشخصية لتمكين حزب المؤتمر الوطني وعناصره اقتصادياً.

وشدد النائب العام السابق على أهمية إجراء ثورة في الأنظمة العدلية ومتابعة كل المفسدين من خلال التحقيق مع وزراء المالية السابقين في عهد البشير وكذلك مع محافظي بنك السودان المركزي وكل من له علاقة بالنواحي المالية في الدولة بشكل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى العمل على مراجعة الخدمة المدنية.

 وأكد أن حسم هذا الملف يتطلب الكثير من الوقت والصبر، كما لا بد من إعادة انتخاب النقابات المهنية من جديد بطريقة شفافة، موضحاً أن البداية تتطلب مراجعة كل القوانين لأن نظام البشير سن قوانين خاصة بالعديد من المشاريع والمؤسسات لتسهيل عمليات الفساد وعدم المساءلة.

 وأضاف أنه لا يجوز التنازل عن الحقوق العامة إلا في حالة مبادرة الشخص واعترافه من تلقاء نفسه باستيلائه على مال غير مشروع، ولكن لا بد من العقوبة الرمزية، منوهاً إلى ضرورة فتح الحكومة الانتقالية الجديدة باب التعاون مع كل من له علاقة بمجال القانون والمراجع العامة للاستفادة من خبراتهم التراكمية التي يمكن أن تساعد في هذه المهمة الصعبة والشاقة.

الحوكمة الرشيدة

أما الدكتور سعيد نصر الدين، عضو المكتب السياسي في حزب الأمة القومي فرأى من ناحيته أنه لا بد من تطبيق سياسات بديلة لنظام الإنقاذ السابق، بغية حماية نظام الحكم الانتقالي من خلال وضع منظومة أمنية متكاملة تشمل الجيش والشرطة والأمن، فضلاً عن تطبيق نظام الحوكمة الرشيدة في إدارة الدولة، على أن يعتمد على المساءلة والمشاركة والشفافية والعدالة الانتقالية، لتتيح هذه الإجراءات وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

 وأضاف أنه لا بد من تطبيق قانون "من أين لك هذا" بمساءلة كل من شارك وأثرى بطرق غير مشروعة، إضافة إلى إعادة الدور الريادي لشركات القطاع العام والعمل على تقليص دور القطاع الخاص، المرتبط بالخدمات الرئيسية للوصول إلى مجانية الصحة والتعليم كما كان في العهود السابقة لهذا النظام. ورأى أنه من الآليات التي يجب أن تُتبع، رصد وتحديد الشركات والمؤسسات الحزبية التابعة لنظام المؤتمر الوطني وسرعة حلها وتجفيف مصادر تمويلها، إلى جانب إعادة هيكلة الدولة الكبرى في مجالات الإعلام والدبلوماسية على أن تخضع لسياسات النظام الانتقالي الجديد بمعنى بناء دولة الوطن وليس دولة الحزب.

وأكد نصر الدين أن الفترة الانتقالية ستشهد إنشاء أكثر من 20 مفوضية تضم خبراء ومختصين في مجالات عدة، مهمتها رفد الوزراء والمسؤولين في أجهزة الدولة بالأفكار والبرامج الاستراتيجية لتطبيقها على أرض الواقع.

الخطوة الأولى

في المقابل، قال عضو نقابة المهندسين السودانيين عثمان ضو البيت إن هناك آليات كثيرة يمكن اتباعها لتفكيك الدولة العميقة التي صنعها نظام البشير، موضحاً أن اقتلاع هذه الدولة وتصفيتها لا يتم في وقت واحد، بل لا بد من أن يكون بالتتابع.

وأضاف أن أول خطوة يجب اتخاذها، تتمثل في تشكيل الحكومة المدنية الانتقالية ومن ثم مراجعة الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات التابعة للنظام الحزبي العميق لمعرفة الكوادر العاملة فيها ومؤهلاتها وقدراتها وكيف اختيرت ووصلت الى هذه المواقع، وهل حصل ذلك عن طريق الآليات والقوانين المتبعة في الخدمة المدنية من ناحية التعيين والتدرج الوظيفي، لأن عدداً كبيراً من وظائف الدولة لم يتم التعيين لها بالصورة القانونية.

 ولفت ضو البيت إلى أنه خلال فترة الحكومة الانتقالية المقبلة، لا بد من أن يُتّبع نظام العدالة في كل شيء، وأن لا تسود مسألة الانتقام، فإذا ثبُت أن هناك موظف من أنصار النظام السابق يؤدي عمله بأمانة وتجرد وليس لدية تجاوزات وفساد، فتجب الاستفادة من خدماته في الوقت الذي ندرك أن جميع الوظائف العامة من وكلاء الوزارات إلى مدراء الإدارات، لا يصل إليها إلا من له انتماء للمؤتمر الوطني، مما يتطلب التدقيق والتمحيص بصورة قانونية، إذ من الأهمية بمكان أن يُبنى النظام الجديد على العدالة وليس الانتقام، لأن الثورة قامت من أجل العدالة والحرية والسلام.

وأوضح ضو البيت أنه من المهم تشكيل مجالس استشارية للوزارات المختلفة، تستقطب الخبرات والكفاءات المدنية المعهود لها بالإخلاص والوفاء والوطنية، تكون مهمتها المساعدة في كيفية اتخاذ القرار ورسم السياسات والتخطيط الاستراتيجي والمساعدة في فلترة الوظائف وشاغليها وإعادة هيكلتها وفق قانون الخدمة المدنية.

 ومن المهم أيضاً، إعادة قانون النقابات المهنية وإعادة تكوينها لأن النقابات القائمة الآن تسير وفق قانون المنشأة، فالمطلوب أن يُعاد انتخاب النقابات على أساس مهني، على اعتبار أن دورها كبير في تفكيك مخالب الدولة العميقة. وكما هو معروف، فإن النقابات تُعتبر جزءًا من تطور الأداء في مواقع العمل مع المحافظة على حقوق العاملين ومحاسبتهم باللائحة الموضوعة.

والأهم أن تكون هناك شفافية في تعيينات الوظائف العامة من خلال لجنة مختصة، التي كانت تُعرف بلجنة الاختيار والتي أصبحت في نظام الإنقاذ مجرد لجنة شكلية، تعيّن بطرق أخرى، بعيداً من معيار الكفاءة.

 وخلص ضو البيت إلى أن عملية تفكيك أذرع النظام السابق ستكون طويلة وتحتاج إلى خبرات وإلمام ومعرفة بالقوانين، كما أنه من الضروري الاستعانة ببيوت خبرة ومستشارين وتجارب دولٍ عايشت الأزمة ذاتها.

المزيد من العالم العربي