Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شهور الجحيم"... شهادات ناجين من داخل خيرسون الأوكرانية

مع احتفال السكّان المحليين بتحريرها، ما زال تهديد مخلّفات القوّات الروسيّة يلوح في الأفق

امرأة باكية تحتضن المنسقة الإقليمية لـ "المطبخ المركزي العالمي"، يوليا كونوفالوفا (بيل ترو/ اندبندنت)

كيس واحد من الطعام كان كفيلاً لكي يشعر تلك الجدة الأوكرانية بالتأثر والانهيار بالبكاء.

أمام دوي القصف المؤلم والهائل انهمرت دموع لودميلا (76 عاماً) عندما شرحت كيف عايشت الجحيم خلال الأشهر الثمانية الماضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مايو (أيار) الفائت قتل ابنها في القصف على بلدتها الأم خيرسون، وهي آخر عاصمة مقاطعة احتلتها روسيا قبل أن تجبر على الانسحاب المحرج منها هذا الأسبوع.

نجحت لودميلا في إجلاء زوجة ابنها وأحفادها إلى بولندا ولكنها بقيت في خيرسون للاهتمام بمنزل العائلة.

من دون كهرباء أو مياه أو غاز ونقص في الإمدادات الغذائية، بالكاد استطاعت الصمود في العتمة بمفردها إلى أن تمكن الجنود الأوكرانيون من الدخول إلى المدينة يوم الجمعة واستقبلتهم الحشود الفرحة.

"ليبارككم الرب، لم أحظ بوجبة طعام مناسبة خلال أشهر"، قالت لطاقم عمل الجمعية الخيرية العالمية للأغذية "المطبخ المركزي العالمي" World Central Kitchen الذي وزع يوم الأحد مئات الرزم الغذائية الطارئة للمحتشدين وسط المدينة المحررة حديثاً.

شكلت كل رزمة بما فيها من لحوم معلبة وأسماك وخضراوات ومواد غذائية أساسية طوق النجاة لهؤلاء الأشخاص الذين أشاروا إلى أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت ثلاثة أضعاف في ظل الاحتلال ووسط نفاذ الإمدادات.

"لقد كانت أشهراً من الجحيم"، تابعت لودميلا وهي تتمسك بالحزمة الغذائية التي نالتها كما لو أنها عوامة إنقاذ.

وتضيف، "في الليل كان القصف كثيفاً للغاية، ناهيك عن القذائف".

 

في أنحاء مدينة خيرسون حمل السكان الأعلام الأوكرانية والأزهار وخرجوا من منازلهم لملاقاة جنود كييف المنتصرين الذين دخلوا للمرة الأولى إلى ضواحي المدينة يوم الجمعة.

روسيا كانت أمرت جنودها تحت ضغط هجوم أوكراني مضاد تكلل بالنجاح، بالانسحاب الكامل من مواقعها في الضفة الغربية لنهر دنيبر مما قسم هذه المنطقة الاستراتيجية إلى نصفين.

كان هذا الأمر بمثابة هزيمة مدمرة للكرملين الذي قام منذ شهرين "بضم" خيرسون في احتفال ضخم في موسكو للإعلان بأنها إلى جانب ثلاث مناطق أخرى ستبقى "روسية إلى الأبد".

كانت خيرسون آخر عاصمة مقاطعة تحتلها موسكو منذ بدء الغزو في فبراير (شباط) الماضي، وهي تعتبر جوهرة إقليم خيرسون الذي اعتبرته روسيا في أوائل الحرب جسراً استراتيجياً للوصول إلى شبه جزيرة القرم التي قام الرئيس بوتين بضمها إلى روسيا بشكل غير شرعي عام 2014.

ولكن أصبح الاستيلاء اليوم على تلك البقعة مهدداً، إذ أعلنت موسكو يوم الجمعة بأنها استكملت إجلاء 30 ألف جندي إلى الضفة الشرقية من نهر دنيبر من دون فقدان "جندي واحد".

بيد أن الأوكرانيين صوروا مشهداً مغايراً أظهر انسحاباً فوضوياً ألقت فيه القوات الروسية أسلحتها حتى إن بعضها تعرض للغرق أثناء محاولته الهرب.

وقال الجنود في خيرسون بأنهم وجدوا صناديق قمامة مليئة بالبزات العسكرية الروسية التي تركها الجنود الروس الذين حاولوا التنكر بهيئة أشخاص مدنيين.

وتشن القوات الأوكرانية حالياً عملية لطردهم، وكانت خيرسون مقفلة يوم الأحد للقيام بعملية "مسح" تأمل السلطات الأوكرانية من خلالها تحديد المشتبه فيهم.

 

وفي هذا السياق قال ستانيسلاف ستويكوبف، رئيس الدفاع الإقليمي في المنطقة لـ "اندبندنت" إن الجيش [الأوكراني] قدر بأن ما يصل إلى 15 في المئة من قوات موسكو قد تم تركها في خيرسون، وأضاف "علينا العثور عليهم، فليس لديهم أي اتصال مع القوات الروسية على الجانب الآخر من النهر، ونشعر بالقلق من أن تبدأ روسيا بقصف خيرسون بشدة ولكننا لن نهلع. نحتاج إلى النصف الثاني من خيرسون وسنستعيده قريباً".

أما الطريق إلى خيرسون فهو بمثابة طريق مسكون بالرعب، ولا تزال المدينة نفسها سالمة نسبياً، لكن تبرز القرى المحطمة وبقايا المركبات المتكدسة على حافة الطريق السريع الرئيس من ميكولايف المليء بالصواريخ المستهلكة.

تلك المناطق كانت الأكثر تضرراً جراء القصف المدفعي العنيف وتفاقم الأزمة الإنسانية.

وفي بلدة كيسيليفكا التي تقع 30 ميلاً شمال خيرسون، قال أحد الرجال إن مجرد الحصول على السلع الأساس كان مهمة صعبة في بعض الأوقات، فيما حصل بامتنان كبير على زرمة من الطعام من جمعية المطبخ المركزي العالمي، وأضاف أنه "عندما بدأت الحرب لم يكن بوسعنا الحصول على الخبز وشعرنا باليأس، وتوجب علينا أن نقول لأولادنا إننا لا نملك كسرة خبز".

وفي ضاحية أخرى من المدينة قال فيكتور (62 عاماً) إن القصف كان يحصل بلا هوادة وبأن الناس يخشون الآن بأن يعاود الروس ذلك القصف وبعنف أكبر بعد انسحابهم، مضيفاً "نشعر بالقلق من المستقبل".

 

وبالعودة لوسط المدينة، أخبرتنا أوليا (63 عاماً) بأن الجزء الأصعب من الاحتلال تمثل في العزلة، فقد انفصلت عن ابنتها طوال تسعة أشهر، ولم يكن بالإمكان التواصل مع أحد بسبب عزل المدينة المحتلة عن بقية المناطق الأوكرانية من قبل الروس الذين تحكموا بالوصول إلى خدمات الإنترنت، كما لم يحظ السكان طوال أشهر بالكهرباء والمياه والغاز والبنى التحتية التي زعم الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي أن روسيا استهدفتها عمداً مع مغادرة جنودها.

وإلى جانب المخاوف الأمنية تتسابق شركات المرافق العامة والسلطات لإعادة التيار الكهربائي وإمدادات المياه والغاز.

وفي غضون ذلك بدأت مجموعات الإغاثة على غرار "المطبخ المركزي العالمي" (WCK) بالدخول إلى المدينة في محاولة لتوزيع الطعام على الأهالي، وفي هذا الإطار قالت يوليا كونوفالوفا المنسقة الإقليمية للمطبخ المركزي العالمي لجنوبي أوكرانيا والتي أدارت قبل اندلاع الحرب خدمة لتوصيل الطعام الصحي إلى المنازل، بأن الجمعية تهدف إلى البدء بإرسال وجبات ساخنة حضرت في منطقة ميكولايف المجاورة لخيرسون قبل بداية الأسبوع المقبل، وتابعت بالقول "لا يمكننا تحضير الطعام في خيرسون إلى حين عودة التيار الكهربائي والمياه إليها، ولكن الأشخاص يحتاجون الطعام، لقد خرجوا للتو من تحت الاحتلال ولا يملكون أية وظائف وأسعار السلع الغذائية تحلق ويجب علينا مساعدتهم".

وتعتبر هذه واحدة من المشكلات العديدة التي ستواجهها خيرسون خلال المستقبل القريب، فالقوات الروسية لا تزال متمركزة على الجانب الآخر من نهر دنيبر وعلى بعد بضعة كيلومترات فقط، أي ضمن مرمى المدفعية التي بوسعها قصف المدينة.

ولا تزال أصوات القذائف تتردد في أنحاء المدينة، ويخشى الجيش والسكان بأن تتكثف الضربات الروسية مع سعيها إلى تعزيز مواقعها عقب الانسحاب.

وقالت لودميلا التي تسلمت كيساً آخر من الطعام لإعطائه جارها الذي قتلت زوجته في القتال، "نقوم بإعداد الملاجئ في حال اضطررنا إلى العيش فيها خلال فصل الشتاء إذا ما تفاقم القصف وازداد سوءاً، ولا نعرف ما الذي يخبئه المستقبل للمدينة، ونحن سعداء لأننا تحررنا ولكننا نخاف مما قد يأتي لاحقاً".

© The Independent

المزيد من دوليات