Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قاسم إسطنبولي يحيي مسرح الحكواتي في مهرجان عربي 

 انطلقت الظاهرة لبنانياً مع روجيه عساف والفرقة ثم أكملها رفيق علي أحمد مونودرامياً

من أحد العروض في مهرجان مسرح الحكواتي (خدمة المهرجان)

مع مرور سنوات طويلة في العالم العربي على بداية ما يسمى مسرح "الحكواتي" أو "الراوي"، لا بد من السؤال أين أصبح هذا الفن، وكيف تطور مع الزمن؟ وهل هناك أشخاص لا يزالون يؤمنون بهذا النوع من الفنون؟

الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي، واحد من المسرحيين الذين يرغبون في استمرار "مسرح الحكواتي" مهما مر عليه الزمن؛ فهو ورث عن جده صياد السمك حميد إسطنبولي، الذي كان "حكواتي" مدينة صور، في جنوب لبنان.

أقام قاسم، في عام 2019، الدورة الأولى من مهرجان "مسرح الحكواتي في صور" بالتزامن مع فعاليات "مقهى الحكاية" الذي كان عبارة عن مساحة تجمع الحكائيين/ الحكاة بعضهم ببعض لتبادل التجارب، ونقل المعارف، وحث الزوار على ضرورة تسجيل قصصهم الشعبية لدى منظمة اليونيسكو كتراث شفهي. وأقيمت عروض لطلاب المدارس، وفي الساحات والمكتبات العامة، سلطت الضوء على المطالعة وسرد القصص. واستمر هذا المهرجان ثلاث سنوات متتالية إلى أن قررت "جمعية تيرو للفنون" ومسرح "إسطنبولي" إطلاق الدورة الرابعة من "مهرجان طرابلس الدولي للحكواتي" في المسرح الوطني اللبناني في مدينة طرابلس، شمال لبنان، من 12 الى 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بعدما أعيد افتتاح "سينما "أمبير" عقب 28 عاماً على إقفالها.

 

يقول قاسم إسطنبولي لـ"اندبندنت عربية" إن هدف هذا المهرجان "هو الحفاظ على الموروث الشفوي والتراث والهوية والفن الحكواتي والعمل على نقله إلى الأجيال، وعلى تبادل تجارب وممارسات تراثية مختلفة، وتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية الفصحى في العالم العربي، وإعادة لإحياء فن الحكاية الشعبية والتراث الشعبي ليكون في متناول الأجيال القادمة."

مشاركة عربية

يشارك في مهرجان طرابلس عدد من الحكائيين/ الحكاة اللبنانيين والعرب، ومنهم: ماحي صديق وإدرير فارس من الجزائر، هشام درويش ورائدة القرمازي من تونس، رباب الشيخ وزهراء مبارك ونسرين النور وفاطمة الزالي من البحرين، سليم السوسي وديانا الشويطي ومريم معمر من فلسطين، رنا غدار ونتالي سرحان وفراس حمية من لبنان وآخرون من دول عربية متعددة. يؤكد إسطنبولي "أن هذا المهرجان يعيد إلى طرابلس تراثها وهويتها الثقافية لكونها مدينة "الحكواتي" تاريخياً في الأحياء والمقاهي الشعبية، ومشاركة الحكائيين/ الحكاة العرب فرصة للجمهور للتعرف إلى ثقافات البلدان العربية من أجل التلاقي والتبادل الثقافي". ويضيف: "المميز هذا العام؛ أن عدد المشاركين حضورياً كان أكبر بعد أن زالت مخاطر انتشار جائحة كورونا التي أجبرتنا في الدورات السابقة على اعتماد العرض من بعد، علماً أنه يوجد هذا العام بعض العروض المباشرة إلكترونياً "Online" في اليوم الأخير من المهرجان."

وبالعودة إلى تاريخ الحكواتي أو "الراوي" أو "القاص"، يمكن القول إنه شخص امتهن سرد القصص في المنازل والمحال والمقاهي والساحات، وكان يحتشد حوله الناس، ولا يكتفي بسرد أحداث القصة بل تدفعه الحماسة إلى تجسيد دور الشخصية التي يحكي عنها بالحركة والصوت.

 

وما كان يميّز حكواتي الأمس، في مقاهي بلاد الشام، تلك النفخة من القيم والفضائل التي كانت تتسم بها شخصيات حكاياته؛ فكانت تغذي نفوس المتلقين وعقولهم ولا سيما الشباب منهم. والحكواتي شخصية واحدة جسدها كثيرون على مر عقود من الزمن، وهي مهنة عرفتها بلاد الشام منذ مطلع القرن التاسع عشر وحظيت بشعبية كبيرة جعلتها جزءاً من التراث الشعبي في هذه البلاد.

المقاهي الشعبية

كان عمل الحكواتي يتركز في المقاهي الشعبية ونذكر منها أشهر مقهيين في مدينة صيدا في جنوب لبنان وهي "قهوة الاجاز" و"القهوة الخيرية"، وهذه الأخيرة كانت تابعة لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا. وكان عمل "الراوي" يمتد يومياً على فترتين بين صلاتي المغرب والعشاء، وأحياناً تستمر حتى ساعات الفجر الأولى، فيقف الحكواتي مستعيناً بكتاب يصطحبه معه بشكل دائم ويبدأ بسرد الرواية أو الحكاية التي غالباً ما تكون شخصية تاريخية، وتدور جميعها حول البطولة والشجاعة والشرف والمروءة ونصرة المظلوم. وفي نهاية كل حكاية لا بد أن ينتصر الخير الذي يمثله بطل الرواية ويُبقي الحكواتي جمهوره في تشوق دائم لمعرفة وقائع القصة أولاً بأول، وإذا ما طالت الحكاية ليالي وأياماً، فإنه كان يحرص على أن تنتهي أحداث القصة كل ليلة بموقف متأزم، والبطل في مأزق حتى يحمس المتلقي ويجعله متشوقاً لسماع بقية الأحداث، وكيف سينقذ البطل نفسه من المأزق. وما يزيد في الحماسة والتشويق أن الحكواتي كان يقوم بتجسيد شخصيات الرواية وكلامهم بتحريك يديه، وترفيع صوته أو تضخيمه، والمفارقة في الأمر، أن بعض جمهور الحكواتي كان يرفض الذهاب إلى بيته قبل أن يستمع إلى بقية القصة ويطمئن إلى أن بطله اجتاز محنته.

عمل الحكواتي كان يتواصل على مدار السنة، وكان له خصوصيته في شهر رمضان من خلال قصصه التي تتناسب مع الشهر الفضيل وقيمه؛ وهذه القيم عادة ما كان الحكواتي يتحدث عنها وعن فضائلها في رواياته، مجسدة بتصرفات أبطال هذه الروايات.

مسرح الحكواتي

 

استمرت الحال على هذا المنوال طويلاً في معظم الدول العربية، لكن في لبنان، وتحديداً في نهاية السبعينيات، تشكلت فرقة "مسرح الحكواتي" من مجموعة من الأساتذة والطلاب والمخرجين في معهد الفنون الجميلة وعلى رأسهم كان روجيه عساف وبطرس روحانا ورفيق علي أحمد وعبيدو باشا وأسامة شعبان وحنان الحاج علي غيرهم. وعن هذه المرحلة يقول علي أحمد: "عندما أُسسنا "فرقة الحكواتي اللبنانية" كانت توازيها فرقة مماثلة في فلسطين. أما في فرنسا، فكانت أريان نوشكين لديها فرقة حكواتية شبيهة جعلت روجيه عساف يستوحي منها، فاستعان بالشكل الذي كانت تقدمه على خشبة المسرح إذ كان ممثلوها ينخرطون مع الجمهور. وهكذا جاءت "فرقة مسرح الحكواتي" التي قدمت 3 مسرحيات عفوية، إنما "مع استعمالنا لكل تقنيات المسرح في الكتابة والسينوغرافيا والإضاءة، لكن الغاية الأساس هدفت إلى أن ننتقل بالمسرح من المدينة إلى القرى اللبنانية، وقدمنا عروضاً في الشمال والجنوب ومناطق عدة على رغم الحرب الأهلية التي كانت مستعرة في تلك الفترة". ويضيف: "أنّ المسرحيتين اللتين شاركت فيهما هما "حكايات 1936" و"أيام الخيام" ومضمونهما كان عن أحداث الجنوب اللبناني، وكان الناس يتفاعلون مع كل كلمة يقولها الممثلون الثمانية أو العشرة الذين تتألف منهم الفرقة. وهذه الفرقة جمعت أشخاصاً مثقفين من مختلف المناطق والطوائف اللبنانية. أما القص فاختلف في مسرحنا؛ فعوضاً عن الراوي الواحد كان أعضاء فرقة مسرح الحكواتي جميعهم يتقاسمون سرد الحكاية وتمثيلها لمدة ساعتين بأدوات سينوغرافية بسيطة، وسط جمهور تجمع في ساحة القرية". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عن الفرق بين مسرح الحكواتي والمسرحيات الأخرى التي كانت تعرض في مسارح لبنان فيقول: "الآخرون كانوا يعتمدون على رواية مكتوبة وجاهزة، أما نحن فكنا نستعين بحكايات وقصص الناس الذين كنا نلتقيهم يومياً، أو ننام في منازلهم إنما بصياغتنا، والأدوات لم تكن مدهشة، فمثلاً كنا نستعمل شرائط اللمبات والجمهور يجلب الكراسي من المنازل ليجلس ويستمتع بحكاياتنا". ويؤكد: "أعتقد أننا كسرنا الحائط الرابع للمسرح وسادت العفوية في عروضنا. وقد استمر مسرح الحكواتي ولاقى قبولاً عند أهل القرى لأنهم وجدوا أنفسهم في حكاياتنا، حتى أننا استعنّا بموروثهم الموسيقي في الأهازيج والغناء. وهذه التجربة أثرت في المسرح العربي ككل من حيث الشكل والمضمون. كنا قدمنا ثلاث مسرحيات مع "مسرح الحكواتي" حتى عام 1982، وعندما بدأ الاجتياح الإسرائيلي توقفت الفرقة وحصلت مشكلات عدة و"انفخت الدف وتفرق العشاق". وكل عضو من الفرقة ذهب في طريقه وانتهت هذه التجربة عفوياً كما بدأت".

وعن تجربته الخاصة في المسرح المونودرامي- الحكواتي يقول: "قدمت مسرحية "الجرس" عام 1990 وسط أحداث حرب الإلغاء التي كنت أنوي أن أقدمها مع مجموعة من الممثلين، لكنّ الأحداث الأمنية جعلتني أكتفي بنفسي لتقديم المسرحية، وهذا كان أسلوبي منذ أيام معهد الفنون الجميلة. أما مسرحية "الجرس" وبقية المسرحيات التي منها "المفتاح" و "زواريب" فكلها تصنف ضمن أسلوب الحكواتي، إلا أنني مزجت بين التمثيل والراوي في آن واحد."

ويختم رفيق علي أحمد كلامه: "المهرجانات التي تقام في لبنان والعالم العربي ويطلق عليها "الحكواتي المودرن" ما زالت تصب في خانة الحكواتي التراثي الذي يحكي رواية تراثية، ويستعمل الأكسسوارات التي تساعده على إثراء الحكاية".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة