Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شروط السلام الإثيوبي

تزايدت مع الأيام حدة معارضة آبي أحمد للفيدرالية لصالح المركزية

ممثلا الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي يتبادلان الوثائق الموقعة بعد التوصل إلى اتفاق سلام برعاية الإتحاد الأفريقي في بريتوريا، في 2 نوفمبر الحالي (أ ف ب)

بعد قتال دام بين قوات الحكومة الإثيوبية مسنودة بقوات من دولة إريتريا وميليشيات من إقليم أمهرا، وأخرى من إقليم عفر ضد قوات "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وبعد وساطة من الاتحاد الأفريقي، وقبل يومين من دخول الحرب العدمية سنتها الثالثة، قررت حكومة آبي أحمد وقيادة جبهة تيغراي وقف الحرب والبحث في خيارات السلام.
لقد شهدت حرب السنتين التي أعلن عن انتهائها يوم الجمعة الماضي قتالاً ضارياً بين شركاء الوطن وتصفيات عرقية وجرائم ضد الإنسانية واستخدم فيها التجويع كأداة حرب وعزل الإقليم الشمالي عن العالم وقطعت عنه المساعدات الإنسانية ومنعت الصحافة الدولية من دخوله.

ولم تخلُ وسيلة من وسائل الإعلام الدولية التي غطت الحدث عن ذكر الدور القيادي للقادة الأفارقة الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي ورئيس السنغال ماكي سال، ورئيس نيجيريا السابق أولسيغون أوباسانغو، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا، الذين عملوا خلال الفترة الماضية، ولا يزالون يواصلون جهودهم لإطفاء نيران الحرب الإثيوبية، والضغط على الحكومة والجبهة للبحث في سبل السلام، وشكلوا بذلك نموذجاً عظيماً لوحدة المصير الأفريقي.
كما نظر العالم بإعجاب شديد لاختيارات الحكومة الإثيوبية وجبهة تيغراي للوسطاء من داخل البيت الأفريقي لإيجاد حل لأزمة أفريقية، ولم يذهبوا إلى الأمم المتحدة لمعرفتهم المسبقة بدورها في تدوير الأزمات واستدامتها لاستمرار وظيفة القائمين عليها.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في بريتوريا بعد مفاوضات سريعة استمرت لأسبوع وما زالت تتواصل مراحلها بحثاً عن فهم مشترك أعمق لجذور الأزمة الإثيوبية، مثل الأمل لأكثر من مليوني مواطن إثيوبي جلهم من إقليم تيغراي تسببت الحرب في نزوحهم إلى خارج ديارهم ولمئات الآلاف من سكان المناطق الشمالية ممن يعانون تفشي المجاعة، ولكن الأمل ليس كافياً وهو بحاجة إلى مزيد من العمل لإسكات آخر دانة مدفع وطلقة رصاص، والجلوس معاً كشركاء في الوطن الإثيوبي الكبير متعدد الثقافات والأعراق للبحث عن أفضل معادلات العيش المشترك.

وما تم التوصل إليه في جنوب أفريقيا ما هو إلا خطوط عريضة لاتفاق لوقف الأعمال العدائية مبني على النيات الحسنة للطرفين ما زالت تقف دونه العقبات ويزخر بجوانب الغموض ولا يعالج الجذور الحقيقية للنزاع، ولهذا يجب ترقب الشيطان الذي يكمن في التفاصيل.

صنع السلام الصعب

ولما كان الشيطان يكمن في التفاصيل، فإن النظر إلى عناصر الاتفاق يشكل منطلقاً لتقييمه. الاتفاق ينص على الحفاظ على سيادة إثيوبيا ووحدتها الترابية واستعادة النظام الدستوري في إقليم تيغراي انطلاقاً من نزع سلاح "جبهة تحرير شعب تيغراي" مقابل موافقة الحكومة الفيدرالية على إعادة الخدمات الأساسية إلى المنطقة الشمالية. ولا يستقيم هذا الأمر بنظر المراقبين، من حيث إن من سينزع سلاح قوات جبهة تيغراي هو الجيش الذي قاتلهم، وما زال يوجد في أراضي الإقليم، فما هي الضمانات لذلك، مقابل قيام الحكومة الاتحادية بواجباتها المنصوص عليها في الدستور لخدمة جميع المناطق الإثيوبية؟
وما الدور السياسي الذي يمكن أن تلعبه جبهة تيغراي التي حظرها آبي أحمد، وهل سيسمح للجبهة الاستمرار في إدارة الإقليم وتنظيم الانتخابات القادمة؟ علماً أن جبهة تيغراي كانت مكوناً رئيساً للحكومة الإثيوبية على مدى 27 عاماً حتى وصول آبي أحمد في عام 2018. وفي حال نزع سلاح الجبهة فهل سيتم نزع سلاح جميع الميليشيات العرقية مثل ميليشيات إقليم أمهرا أو ميليشيات إقليم عفر، وهي التي شاركت إلى جانب الجيش في الحرب ضد الإقليم الشمالي.

من جهة أخرى، لم يتناول الاتفاق، لا من قريب ولا من بعيد، موقف دولة إريتريا التي شارك جيشها في حرب انتقامية ضد قومية تيغراي، التي كان لها الدور الرئيس في الحرب الإثيوبية - الإريترية التي اندلعت في عام 1998، واستمرت عامين، زمن رئيس الوزراء ميليس زيناوي (من قومية تيغراي). الموقف الإريتري من اتفاق السلام ليس واضحاً، بخاصة في ضوء التقارير الدولية حول ارتكاب القوات الإريترية جرائم ضد السكان في الإقليم الشمالي الإثيوبي. ويبقى السؤال الملح: هل يمكن أن يكون هناك سلام من دون عدالة؟

كما لم يتعرض الاتفاق لمصير منطقة تيغراي الغربية التي احتلتها الميليشيات الأمهرية منذ بداية الحرب، وهي المنطقة التي وضعها التقسيم الإداري للدولة ضمن إقليم تيغراي. الميليشيات الأمهرية ارتكبت جرائم حرب ضد السكان من قومية تيغراي وطردتهم خارج الإقليم، ويدعي القوميون الأمهرا أنها أرض أجدادهم، فيما ترفض جبهة تيغراي التنازل عن حقها الدستوري ولا تقبل التفاوض حول تبعية المنطقة لإقليمها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


العيش المشترك

يمكن تلخيص التاريخ الإثيوبي خلال المئة السنة الماضية بصراع الحكومات المتعاقبة لإبقاء السيطرة على البلاد الشاسعة والمتنوعة ثقافياً وعرقياً، والسمة المشتركة لهذه الحكومات تمثلت بممارسة القمع للسيطرة على المعارضين في جولات متعاقبة من العنف والعنف المضاد. ومن هنا، عانت إثيوبيا عدم الاستقرار والفقر وعدم المساواة. وكان الخلل الوجودي للدولة الإثيوبية يتجسد في سيطرة عرقية واحدة على مصائر بقية العرقيات والاستحواذ على مصادر الثروة، بالتالي ممارسة العنف ضد القوميات الأخرى.
وحينما جاءت الحكومة التي قادتها جبهة تحرير شعب تيغراي إلى السلطة في عام 1991، بعد هزيمة نظام منغستو هيلا ماريام العسكري اليساري، وعدت ببناء دستور لنظام فيدرالي يقوم على أساس عرقي على أن يتم وفق هذا الدستور تشارك السلطة بين جميع المكونات الثقافية والعرقية في البلاد، فإن الشعارات الجذابة حول المساواة والتعايش العرقي سرعان ما تبخرت بسيطرة قومية تيغراي على مقدرات إثيوبيا، وتم إقصاء النخب من أبناء قومية أمهرا التي كانت سائدة في الزمن الإمبراطوري وما تلاه في زمن منغستو الديكتاتوري اليساري.

ومع انتصار آبي أحمد مدعوماً من تحالف "الجبهة الديمقراطية الثورية" الذي ضم جميع الأحزاب القومية، بما في ذلك "جبهة تحرير شعب تيغراي"، أحد مكوناتها الأساسية، بدأ بالتصادم مع نخب قومية تيغراي التي باتت تتحكم في مفاصل الدولة والاقتصاد، ومن واقع خبرته في المجال الأمني والاستخباراتي شرع في تقليم أظافر قيادات الجبهة. وكانت اللحظة الفاصلة حينما قرر إنشاء تحالفه الخاص باسم حزب الازدهار، مبقياً الجبهة خارج هذا التحالف. بدأ العد التنازلي والاصطدامات وصولاً إلى هجوم قوات تيغراي على قاعدة للجيش الاتحادي، وبداية حرب السنتين الأخيرة.

وفي تقدير كثيرين كانت معادلة زيناوي في الحكم محكمة نظرياً، ولكنه سقط في التطبيق، نظراً إلى ضعفه أمام أبناء قوميته، فتحالف الجبهة الديمقراطية روج لحل جديد لمشكلة إدارة المجتمعات العرقية الإقليمية المتنوعة في إثيوبيا، فإن آبي أحمد بدلاً من تطوير نموذج زيناوي، وضمان عدم تغول أي قومية ضد القوميات الأخرى، والتوزيع العادل للثروة، وحماية اللامركزية الفيدرالية، بدأ بمهاجمتها. ففي سبتمبر (أيلول) 2018 وأمام مجلس النواب قال إن الفيدرالية ضمنت السيطرة على التناقضات الكبرى، إلا أنها أفسحت المجال واسعاً أمام النزاعات المحلية.
وتزايدت مع الأيام حدة معارضة آبي أحمد للفيدرالية لصالح المركزية في عودة للتسلطية التي وصمت التاريخ السياسي الإثيوبي، وكانت محركاً للعنف المستمر.
إن معالم الحل واضحة، ولكنها السلطة وملذاتها، التي قال فيها معاوية بن أبي سفيان، "لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا"، فهل ينقذ القادة الأفارقة إثيوبيا من جولات العنف؟

المزيد من آراء