Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى أين تتجه بوصلة إسرائيل بقيادة نتنياهو؟

توقعات بقبضة حديدية ضد الفلسطينيين والتحرك نحو مواجهة إيران وهذه نقاط ضعفه التي سيستغلها معارضوه في الداخل

نتنياهو يخاطب أنصاره قبل الانتخابات التي جاءت به على رأس الحكومة الإسرائيلية (أ ف ب) 

عاد بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الأطول حكماً في الدولة العبرية مجدداً إلى مقعده المفضل على رأس الحكومة، لكن هذه العودة المثيرة جاءت بتشكيلة وزارية ستكون الأكثر يمينية في تاريخ البلد الأكثر إثارة للجدل والصراعات في تاريخ النظام الدولي الراهن، ليس فقط في المنطقة العربية، لكن مع تعدد الأدوار التي تمارسها تل أبيب كلاعب خفي أو ثانوي أو أساسي في رقعة الشطرنج الدولية، بداية من الحرب في أوكرانيا وحتى منافسات الإندوباسيفيك وآسيا الوسطى والنزاعات الأفريقية.

نتنياهو الذي شهدت حكوماته تغلغلاً إسرائيلياً في القارة الأفريقية وانفتاحاً تاريخياً غير مسبوق على المنطقة العربية مع توقيع ما عرف باتفاقات السلام الإبراهيمي عام 2020 مع دول عربية، يعود من جديد لكن وهو مجبر على التحالف مع رموز اليمين الأكثر تطرفاً المعادي علانية للعرب، وسط تحذيرات من واشنطن والاتحاد الأوروبي من تولي أحد هذه الشخصيات حقيبة وزارية في الحكومة التي يقودها الليكود بزعامة نتنياهو الذي يود التغلب على معضلة تشكيل الائتلاف الحاكم للخروج بحكومة مستقرة تستمر لبضع سنوات، بعد أن أصبح العمر الافتراضي للحكومات الإسرائيلية الأخيرة يتراوح بين عام وعام ونصف.

وبينما يجادل بعض المراقبين بأن مكتب نتنياهو مثقل بالملفات الداخلية، على رأسها قضايا الفساد التي لاحقته هو شخصياً وتسببت في إبعاده من السلطة بصورة أو بأخرى، وهي لا تزال مفتوحة بساحات القضاء، فضلاً عن عبء تشكيل الحكومة والحفاظ على استقرارها، فإن استراتيجية الهروب إلى الأمام ربما ستصبح البطاقة الرابحة في جعبة السياسي المخضرم، الذي ربما يتحرك نحو مواجهة حادة خارجياً كتكتيك للإلهاء وحشد الإجماع الداخلي سياسياً ومجتمعياً من أجل كسب مزيد من أسهم الشعبية وترميم جدار الثقة المهترئ بين الطبقة الحاكمة والناخب الإسرائيلي المستقطب بين تجاذبات اليمين واليسار.

الحكومة الأكثر يمينية

في تقديرات "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" يرى دينس روس، المساعد الخاص للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أن تعيين وزراء متطرفين في مناصب وزارية رفيعة في الحكومة الإسرائيلية الجديدة من الذين يحرضون ضد العرب سيؤدي إلى تقويض القيم المشتركة التي تدعم العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الذي يغذي هذا التعيين منتقدي إسرائيل في واشنطن.

وفي إشارة إلى الجدل بشأن تعيين عضوي الكنيست المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، يرى روس عبر التحليل الذي كتبه رفقة ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط بمعهد واشنطن، أنه "قد لا يكون نتنياهو مغامراً، لكن بن غفير وسموتريش هما كذلك، وسيكون لذلك تداعيات على عرب إسرائيل والنظام القانوني، ومع الفلسطينيين والزيادة المحتملة في العنف، ومع الشركاء العرب في السلام مع إسرائيل".

وبدورها تعتقد الباحثة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي إيمان زهران أن الفصل الخامس من انتخابات الكنيست جاء كاشفاً بشكل كبير عن التحول العميق في أولويات الناخب الإسرائيلي، إذ لم يعد هرم الأولويات ينطلق تصاعدياً من "الأمن" ثم "الاقتصاد" ثم" الدين"، لكن أصبح التغير نحو أولوية الملف الاقتصادي، ويليه الملف الاجتماعي الديني ثم الأمني، رغم الهجمات المتباينة الأخيرة في الضفة الغربية.

وأوضحت زهران أن ترجيح حظوظ بنيامين نتنياهو وحزب الليكود ترجع بالأساس إلى عدد من العوامل، أبرزها توحيد المعارضة واستقطاب الأحزاب المختلفة بالكنيست وضمهم لحزبه أو لكتلة المعارضة، تمهيداً لإعادة دمجهم وإسقاط الحكومة السابقة عبر حصد النصاب القانوني 61 نائباً من أصل 120 مقعداً بالكنيست، فضلاً عن اعتزال نفتالي بينيت اليمني المتطرف، الذي يعارض عودة نتنياهو مرة أخرى إلى السلطة، وهو ما أسهم في تمهيد الطريق أمام نتنياهو للعودة مدعوماً بقوة أطياف اليمين التقليدي المتطرف.

وحول طبيعة التشكيلة الوزارية عقب الفوز بالأغلبية، أكدت زهران ميلها إلى أن تصبح حكومة أكثر يمينية من سابقاتها، لافتة إلى أنه بالنظر إلى سياقات العملية الانتخابية "فمن المتوقع على المستوى الداخلي تشكيل حكومة يمينية ضيقة، لكنها أكثر استقراراً نسبياً عن سابقاتها، وذلك بعد سنوات من الحكومات الائتلافية غير المتجانسة".

قبضة حديدية ضد الفلسطينيين

في محاولة لتهدئة مخاوف الفلسطينيين من عودة نتنياهو وفوز رموز اليمين المتطرف، أكدت الولايات المتحدة الأميركية التزامها "حل الدولتين" مجدداً.

ومع إعلان عودة نتنياهو بعد حصول ائتلافه على أغلبية مريحة من مقاعد الكنيست، تحدث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، السبت، مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وناقشا هاتفياً الجهود المشتركة الرامية إلى "تحسين نوعية حياة الشعب الفلسطيني وتعزيز أمنه وحريته".

وأعاد بلينكن تأكيد التزام واشنطن حل الدولتين، وشدد على قلقه البالغ إزاء الوضع في الضفة الغربية، بما في ذلك التوترات وأعمال العنف المتزايدة وسقوط قتلى في صفوف الإسرائيليين والفلسطينيين.

وشدد بلينكن أيضاً على ضرورة قيام الطرفين بتخفيف التصعيد بشكل طارئ، بحسب بيان للخارجية الأميركية، التي سبق أن ذكرت أنها تأمل حفاظ وزراء الحكومة الجديدة على ما وصفتها بالمعايير الديمقراطية، بينما نقل موقع "والا" العبري عن مسؤول أميركي قوله، إن الأميركيين لن يتعاملوا مع بن غفير في حال توليه منصباً وزارياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعل وصول أعضاء الائتلاف اليميني المتطرف، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين ارتفعت شعبيتهما بالتوازي مع صعود موجة من الهجمات الفلسطينية، قد يجعل من خيار حل الدولتين أمراً مستحيلاً، بحسب ما رأى مدرس العلوم السياسية بجامعة السويس هيثم عمران، المتخصص بالشأن الفلسطيني، لا سيما أن بن غفير صاحب توجه هو الأكثر تطرفاً ضد العرب، ودائماً ما يرفع شعار "الموت للعرب" وهو ما قد يحرك صداماً.

ويتوقع عمران أن يؤثر ذلك في مسار السلام، فضلاً عن السعي نحو محاولات ضم أجزاء من الضفة الغربية، لا سيما أن هذا الأمر كان جزءاً رئيساً في البرنامج الانتخابي لقادة اليمين المتطرف، بالتالي فإن رهانات فتح "أفق سياسي" مع السلطة الفلسطينية والاستدارة نحو مسار تفاوضي ذي مغزى في اتجاه "حل الدولتين"، وهي المحاور التي يتحرك عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سيواجه تحدياً كبيراً مع وصول اليمين الديني والقومي المتطرف، إضافة إلى احتمالات وجود تصعيد خلال الفترة المقبلة تجاه الفلسطينيين في غزة أو القدس.

في السياق ذاته، قال المتخصص في العلاقات الدولية، باسم راشد، إن عودة نتنياهو للسلطة مجدداً ستعني عودة السياسات السابقة نفسها التي كانت تتبعها إسرائيل في عهده، لكن بصورة أكثر تطرفاً نظراً لوجود السياسي صاحب المواقف المتشددة إيتمار بن غفير ضمن التشكيلة الحكومية، فضلاً عن أن حزب الأخير أصبح ثالث أكبر حزب في الكنيست بما يعني أنه يمكنه الضغط على نتنياهو لتبني سياسات أكثر تشدداً تجاه ملفات منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها الصراع مع الفلسطينيين.

وأضاف أن ذلك يعني عودة التوتر المستمر مع الجانب الفلسطيني، وقطع الحديث عن حل الدولتين الذي طرحه لبيد في الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وكذا عودة توتر العلاقات مع الأردن، خصوصاً في ظل الخلافات الشخصية بين نتنياهو والملك عبد الله الثاني.

توترات إقليمية متزايدة

الباحثة في شؤون الأمن الإقليمي إيمان زهران رأت أنه من المتوقع لسياسة نتنياهو الخارجية على المستوى الإقليمي مزيد من التوترات في منطقة الشرق الأوسط بالنظر إلى عدد من الاعتبارات، أبرزها معارضة نتنياهو أي مفاوضات مع إيران، وهو ما ينذر بتصاعد لهجة التهديدات الإسرائيلية الموجهة لطهران، وتزايد الضربات الإسرائيلية في سوريا لتطويق الأذرع الإيرانية في دمشق.

وبالنسبة إلى الملف اللبناني، تتوقع زهران تصدع اتفاق الحدود البحرية، الذي يعارضه نتنياهو ويلوح بإعادة الدفع بسيناريو اتفاق أوسلو. مشيرة إلى أن سياسة نتنياهو ستميل إلى التوتر مع المملكة الأردنية، وذلك في ظل تهديد نتنياهو المستمر بتقويض الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، فضلاً عن تراجع فرص السلام مع الفلسطينيين المحدودة بالأساس، لا سيما مع تزايد التوجهات العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، وكذلك في ظل احتمالات عودة التوتر مع الإدارة الديمقراطية الأميركية على خلفية عدد من المشاهدات.

أبرز تلك المشاهدات علاقات نتنياهو القوية بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي عاد إلى المشهد مع قرب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ومعارضة نتنياهو لمباحثات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك موقف نتنياهو من الحرب الأوكرانية وعلاقاته القوية بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

إضافة إلى تباين الرؤى بين نتنياهو وبايدن في ما يتعلق بكيفية تسوية القضية الفلسطينية، ودعم الإدارة الأميركية لحل الدولتين ومعارضة التوسع في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وهو ما قد ينذر بمرحلة تتسم باحتمالات متباينة من التوتر بين الطرفين تل أبيب وواشنطن.

معاقبة طهران

وفقاً للنتائج حصل حزب "ليكود" بقيادة نتنياهو على 32 مقعداً، و"الصهيونية الدينية" برئاسة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير على 14 مقعداً، و"شاس" على 12 مقعداً، و"يهودوت هتوراه" على تسعة مقاعد، وهو ما يعني أن الحكومة المقبلة في إسرائيل ستكون كلها منتمية إلى اليمين المتطرف، وهو ما يراه هيثم عمران محركاً أساسياً سيلقي بظلاله على سياسة تل أبيب الخارجية تجاه المنطقة العربية ومع بعض القوى الإقليمية مثل إيران التي تتحسب لعودة نتنياهو.

يأتي ذلك بينما كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الأحد، أن نتنياهو يخطط لمنع واشنطن من التوصل إلى اتفاق نووي مع التخطيط لتدمير المنشآت النووية الإيرانية خلال فترة ولايته المقبلة.

ويرى عمران أن توجهات حكومة نتنياهو ستدفع باتجاه تصعيد جديد إزاء طهران في ظل الأحداث الاحتجاجية التي يشهدها الداخل الإيراني، وقد يكون هذا التصعيد داخل الأراضي السورية عبر استهداف مواقع تابعة لإيران، ويعزز ذلك فشل التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران ومجموعة (5+1)، إضافة إلى انشغال معظم دول العالم بما يجري بين روسيا وأوكرانيا، وضلوع طهران بصورة غير مباشرة في النزاع، "بالتالي فإن الفترة المقبلة ستشهد ممارسة مزيد من الضغوط من جانب نتنياهو على إدارة جو بايدن لتكثيف إنفاذ العقوبات ضد طهران، فضلاً عن الاتجاه نحو إعداد خيارات أكثر عنفاً لمحاولة إضعاف وتأخير برنامج إيران النووي".

وقال أستاذ العلوم السياسية إن عودة نتنياهو إلى السلطة مرة أخرى قد تتم معها إعادة فتح ملف اتفاقيات السلام مع دول أخرى في المنطقة، فضلاً عن توسيع العلاقات التعاونية مع بعض بلدان المنطقة، لا سيما في الجانب العسكري في ضوء التوجس من ممارسات إيران، وهو توجه صعب في الوقت الراهن على الأقل بالنسبة إلى الدول العربية.

ومن جهته، رأى المتخصص في العلاقات الدولية باسم راشد أن نتنياهو سيميل لإعادة التوتر مع "حزب الله" المدعوم من إيران، رغم اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان الذي لم يعارضه الحزب.

وأوضح راشد أنه ليس متوقعاً أن يتراجع نتنياهو بشكل كامل عن الاتفاق، لكنه في الوقت ذاته سيسعى إلى إحداث تغييرات في بنوده وشروطه وحدود التنازلات الإسرائيلية فيه، خصوصاً أن نتنياهو كان من أشد المعارضين للاتفاق واعتبره بمثابة تنازل أمام تهديدات "حزب الله"، بل ورفض حضور الجلسة الخاصة التي دعاه إليها رئيس الوزراء المنتهية ولايته يائير لابيد، احتجاجاً على الاتفاق، ومن ثم لن يكون مقبولاً ألا يحدث نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة تغييرات في هذا الاتفاق، مما قد يصل به في النهاية إلى التراجع عنه أو إلغائه، وما يستتبعه ذلك من عودة للتوتر بين "حزب الله" وإسرائيل.

نقطة ضعف نتنياهو

تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته يائير لابيد بأنه سيشكل معارضة قوية للائتلاف الديني اليميني الذي ينتمي إليه بنيامين نتنياهو، مؤكداً في كلمة له مساء الأحد "سنظل نكافح حتى نعود مجدداً إلى الحكومة".

ووفق سعيد عكاشة، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، فإن نتنياهو الذي يتزعم اليمين حالياً لا يمكن التنبؤ بسياساته وفق انتمائه اليميني فحسب، فهو براغماتي قبل كل شيء، ففي عام 2009 أعلن موافقته على حل الدولتين، وهو من طرد أرئيل شارون رئيس الوزراء السابق من الليكود بعد موافقة الأخير على الخروج من قطاع غزة.

وأضاف، "نتنياهو براغماتي أكثر من كونه يمينياً، ونشأته السياسية أميركية الطابع موطن الفلسفة البراغماتية، ويعلم محاذير تحول السياسة الإسرائيلية نحو دولة يهودية بالكامل"، معتبراً أن نتنياهو سيكبل من جديد من خلال استمرار محاكماته في قضايا الفساد واستخدام النفوذ والتدخل في سلطة البث والرشاوى، وهي نقطة ضعف أساسية ستستغلها المعارضة ضده، بينما يسعى حلفاؤه المتطرفون إلى استمرار ضم الأراضي في الضفة الغربية وشرق القدس وعدم الاعتراف بحق العرب بالقدس الشرقية ومحاولة ضم غور الأردن.

ويرى عكاشة أن نتنياهو سيكون مكبلاً أيضاً ببعض الملفات الخارجية الضاغطة، فالعلاقة حالياً ليست على ما يرام مع دول رئيسة في المنطقة، وحدود سياسة السلام الإبراهيمي قد ظهرت فعلياً، لكنه سيعمل على استكمالها أو الحفاظ على عدم تراجعها، لكنه لن يتمكن من توسيعها في الوقت الراهن إزاء بقية دول الخليج، في ضوء ممانعة دول خليجية رئيسة لتلك الصيغة، فضلاً عن تأثره بضغوط إدارة بايدن لاستئناف عملية السلام مع الفلسطينيين، وعدم وضوح السياسة الأميركية المرتقبة بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، لكنه سيعمل على تحسين علاقة تل أبيب مع دائرة الدول الإسلامية غير العربية وعلى رأسها تركيا وإندونيسيا.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير