Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"إيفا بيرون" بين المسرح والفيلم الذي سبقته صراعات صاخبة

مادونا تتلبس الشخصية لإقناع المنتج وتشي غيفارا يدخل على الخط لفضح رفيقته القديمة

مادونا: إيفيتا على شاشة السينما (موقع الفيلم)

لا بد أول الأمر من تخيّل مشهد يستحق في حد ذاته أن يبنى عليه فيلم بأكمله، أو على الأقل، كوميديا موسيقية فاتنة، طالما أن حديثنا هنا عن كوميديا من هذا النوع: عند بدايات العام 1996 يعلن حاجب المنتج الهوليوودي روبرت سيغسوود لمديره عن وصول الفنانة المغنية مادونا لمقابلته بناء على موعد متخذ سلفاً. يطلب المنتج من مساعده الترحيب بها وإدخالها إلى مكتبه وقد أدهشه طرف ابتسامة غريبة خيل إليه أنه لمحها على سيماء المساعد. ولكنه قبل أن يسأل نفسه عن سر تلك الابتسامة كانت مادونا قد دخلت، ولكنها الآن مختلفة كل الاختلاف عن صورتها المعهودة. فللوهلة الأولى خيل للمنتج أنه في حضرة إيفا بيرون تظهر له بتسريحتها الشهيرة وملابسها المحتشمة العائدة إلى سنوات الأربعين. وفهم بسرعة ما يحدث: لقد تزيّت مغنية الروك الشهيرة وتبرجت لتبدو صورة طبق الأصل من سيدة الأرجنتين الأولى التي كانت قد رحلت قبل أكثر من أربعة عقود وبكت عليها الأرجنتين كلها، وما فعلت مادونا ذلك إلا على سبيل إقناع المنتج الذي فتح لها ذراعيه مرحباً، بأنها ستكون الأصلح للدور في الفيلم الذي سينتجه عن حياة زوجة الدكتاتور بيرون. والحقيقة أن الاختيار كان قد وقع بالفعل على مادونا، لكنها هي كانت غير واثقة من ذلك. ومن هنا ما إن جلست حتى راحت تتكلم بإسبانية أرجنتينية إمعاناً في إقناعه.

لن تقنع كوبولا

وإثر ذلك واصلت مادونا حديثها مؤكدة له بالإنجليزية هذه المرة أنها قادرة على إقناع فرانسيس فورد كوبولا بإخراج الفيلم العتيد. وهذا ما زاد في سرور سيغسوود الذي كان قد أمضى شهوراً طويلة وهو يبحث عن مخرج يحقق له حلمه بتحويل كوميديا "إيفيتا" الموسيقية التي كانت قد حققت نجاحات كبيرة في لندن منذ عروضها الأولى عام 1978 حيث نالت جائزة "لورنس أوليفييه"؛ وهي نجاحات تواصلت بشكل أضخم حين انتقل عرضها إلى برودواي لتكون أول "استعراض" إنجليزي من ذلك النوع ينال جوائز "طوني" الأميركية. كان كل ما في العمل مغرياً، ومن هنا في الوقت الذي كان فيه المنتج يبحث عن مخرج للفيلم ليقابل باعتذار كبار تحمسوا ثم استنكفوا، وفي الوقت الذي كان فيه الفيلم قد نال رضى الرئيس الأرجنتيني كارلوس منعم فوعد بمدّ الإنتاج بمساعدات هامة من بينها خمسون ألف كومبارس للمشاهد الضخمة، كانت المداولات تتابع من حول النجمة التي ستقوم بالدور. وكن كثيرات، من ميشال بفايفر إلى جنيفر لوبيز، ولكن ذات لحظة، وحين اقتنعت ميريل ستريب أخيراً بأن تكون "إيفيتا" اشترطت إجراء تعديلات كثيرة في السيناريو، لكن سيغسوود كان متمسكاً بالسيناريو والتعديلات السابقة التي كان أوليفر ستون قد أجراها ذات لحظة على نسخته الأصلية. والحقيقة أن ما لم تحصل عليه ستريب، حصل عليه المخرج آلان باركر الذي قبل بأن يتولى إخراج الفيلم شرط أن يحدث في نصه تعديلات كثيرة. وهو فعل ذلك وأدار مادونا إلى جانب أنطونيو بانديراس الذي لعب دور تشي غيفارا في الفيلم باعتباره كان رفيقاً لإيفا في سنوات مراهقتها في الثلاثينيات حين كانت مجرد فتاة ريفية تتطلع لأن تلعب دوراً في الفن وستلعب طبعاً دوراً كبيراً في السياسة بدلاً من ذلك!

صراعات من أجل فيلم

في نهاية الأمر من الصعب القول إن فيلم "إيفيتا" قد حقق من النجاح ولو جزءاً مما حققه العرض الموسيقي، حتى وإن كان كثر قد أثنوا على أداء مادونا وغنائها فيه، هي التي أحيت أغاني الفيلم مكانتها الفنية التي كانت قد بدأت تتراجع، ولا سيما من بينها أغنيتها الرائعة والتي لا تزال حية حتى الآن "لا تبكي من أجلي يا أرجنتين!". فالعرض الموسيقي الغنائي الذي لحنه أندرو لويد فيبير على نص كتبه شعراً ونثراً تيم رايس، كان من مزاياه أنه اعتبر واحداً من أول الأعمال القليلة التي نقلت إلى خشبة المسرح الغنائي، حياة شخصية نسائية درامية عاشت حقيقة ولعبت دوراً في مصير أمة بأسرها وكانت إلى حد كبير وراء ذلك الرجل الذي يعتبره كثر من الأرجنتينيين باني أمتهم، حتى وإن كان كثر في العالم الخارجي ينظرون إليه على أنه مجرد دكتاتور أو حاكم شعبوي. من هنا كان عنصر المفاجأة والريادة في هذا المجال أساسياً في النجاح النسبي الذي حققته المسرحية بخاصة أن وجود غيفارا على المسرح إلى جانب إيفا، وهو وجود كان مجهولاً من الناحية التاريخية، لعب دوراً أساسياً في استثارة فضول المتفرجين الذين أدهشهم "الشهيد الكبير" وهو يرقص ويغني ويعبر منذ البدايات حين كان بالكاد قد خرج من سن المراهقة عن اشمئزازه من ذلك "السيرك" الذي وصف به بنفسه أمام رفيقته الصبية إيفا دوارتي (التي ستصبح لاحقاً إيفا بيرون) حين أبدت ذهولها وقد وجدت وهي ترافقه خوان بيرون السياسي الشاب في ذلك الحين، يلقي واحداً من أولى خطاباته الفصيحة أمام جماهير بدأت تتعرف إليه لتوها وتتحلق من حوله.

بين مادونا وبانديراس

يقيناً أن هذا الجانب السياسي من العرض، والذي عرف حقاً كيف يستغل سمعة غيفارا في العالم في وقت كان لا يزال ذكره يثير مشاعر الغضب على الاستخبارات الأميركية التي قبضت عليه في بوليفيا وتخلصت منه بسرعة، لعب الدور الأساس في نجاح المسرحية الموسيقية في نهاية سنوات السبعين، ولكن لاحقاً، أواخر سنوات التسعين كان غيفارا قد كف عن أن يثير أي حنين وقد تحولت صورته إلى زينة لقمصان المراهقين وتحول اسمه إلى عناوين مطاعم ومراقص، ناهيك بأن تمثيل بانديراس للدور لم يأت مقنعاً على عكس تمثيل مادونا لدور تلك الفتاة التي بدأت حياتها راقصة ومغنية قبل أن تنضم إلى بيرون السياسي الطموح الذي ستعتبر شريكته ومساندته الأولى في بنائه، في الوقت نفسه، مجده الشخصي ومستقبل بلده. والحقيقة أن الأمر لم يخل في هذا السياق نفسه من بعض أصحاب حنين ثوري قديم، رأوا في الأمر كله "مؤامرة ضد الثائر" هدفها "تعزيز مكانة زوجة الدكتاتور" في "ترجيح للفاشية على الاشتراكية".

حياة امرأة طموحة

مهما يكن من أمر، واضح مما تقدم حتى الآن أن وجود إيفيتا في نقطة المركز من العمل، في شكليه المسرحي الاستعراضي من جهة، والسينمائي من جهة أخرى، يبرره أن العمل يدور أصلاً من حول إيفا دوارتي، ليرافقها من صباها إلى موتها وهي في عز تألقها. ولأن ليس ثمة مفاجآت يمكن توقعها، استخدم العمل المسرحي منذ البداية أسلوب التراجع الزمني. وهكذا نجد أنفسنا في الفصل الأول في صيف العام 1952 في صالة سينمائية في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس حيث  يحضر جمع من المتفرجين فيلماً محلياً، سرعان ما يتوقف عرضه بصورة مباغتة ليعلن مذيع يظهر على الخشبة النبأ المفجع، نبأ رحيل السيدة الأولى إيفا بيرون. وتكون تلك اللحظة لحظة البداية لغرق الأمة كلها في حداد ونحيب وحزن. الأمة كلها؟ ربما ولكن ليس بالتأكيد ذلك الشاب المتجهم الجالس بين الحضور والذي يقف مشمئزاً واعداً في أغنية يطلقها بأنه سوف يبرهن للأمة كلها "أن هذه الراحلة لم تقدم في الحقيقة شيئاً لبلدها". وهنا يعود بنا الزمن القهقرى نحو عشرين عاماً إلى الوراء لندرك أن الشاب الغاضب أكثر الناس معرفة بما يقول. فهو لم يكن سوى تشي غيفارا الذي سيعيدنا عبر وعده إلى العام 1934 حين كانت إيفا دوارتي مراهقة في الخامسة عشر تعيش في إقليم خونين وتتطلع لعيش حياة أفضل في العاصمة. وإيفا من خلال التصاقها بالمغني والشاعر أغوستين ماغالدي حين كان يقدم حفلة في مدينتها تتمكن من إقناعه باصطحابها إلى بوينس أيرس مقابل تردده، إذ أخذت تغني له واحدة من أغانيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أبعد من أحلامها

وعلى ذلك النحو تنطلق حياة إيفا كمغنية حتى اليوم الذي تبدأ فيه حياتها التالية، السياسية من خلال التحاقها ببيرون كما أشرنا. وهذا كله طبعاً جزء من تاريخ معروف، لكن جديده أنه إنما يروى لنا من طريق غيفارا، الذي بسخريته واشمئزازه يتابع الحكاية غاضباً على بيرون وصعوده المدوي، مشفقاً على إيفا في الوقت نفسه، حتى وإن كانت هي قد شعرت في كل لحظة وقد أضحت زوجة بيرون الثانية ورفيقته والمرأة التي تقف وراء كل عظيم، شعرت بأنها حققت ما يتجاوز أحلامها بكثير...

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة