Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقع الفراغ في رئاسة لبنان منذ أشهر هيأ للمعارك الراهنة

ميقاتي يستند إلى دعم بري وتفهم الراعي وفرنسا وجعجع يتهم عون وباسيل بالانتقاص من الرئاسة

بدا واضحاً أن الرئيس اللبناني السابق ميشال عون كان يؤسس لتموضعه السياسي في مرحلة الفراغ الرئاسي (رويترز)

منذ أن تبنى الرئيس اللبناني المنقضية ولايته، العماد ميشال عون علناً، كل طروحات صهره رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في شأن مرحلة ما بعد رئاسته، وخصوصاً طرحه شعار عدم قانونية ودستورية تولي حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي صلاحيات الرئاسة من بعده لأنها مستقيلة، بدا واضحاً أنه كان يؤسس لتموضعه السياسي في مرحلة الفراغ الرئاسي التي فرضها عجز أي من التحالفات بين الكتل البرلمانية عن انتخاب رئيس جديد يخلفه، فالبرلمان عقد أربع جلسات نيابية ضمن مهلة الشهرين الدستورية لانتخاب رئيس قبل نهاية ولاية عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، انتهت إلى ارفضاضها بفعل إفقاد "الثنائي الشيعي" المؤلف من نواب "حزب الله" و"حركة أمل" وحلفائهما نصاب الجلسات بالانسحاب عند انتقال الهيئة العامة للاقتراع في الدورة الثانية التي تحتاج إلى أكثرية النصف زائداً واحداً (65 نائباً) لمنع إنجاح أحد المرشحين من المعارضة. وأسهم نواب من "التيار الوطني الحر" في تطيير النصاب عبر الانسحاب من الجلسة.

عون وباسيل كانا يدركان منذ أشهر

يعني هذا أن عون وباسيل كانا يدركان أن الطرف الأقوى في "الثنائي الشيعي" وفي البلد، أي "حزب الله" لا يريد المغامرة والتعرض لمفاجأة، تقضي باتفاق قوى المعارضة المؤلفة من القوى السيادية والتغييرية والمستقلين على توحيد صفوفها بعد أن ظهرت مفككة، فتنجح في إيصال مرشح من صفوفها إلى الرئاسة يكون معادياً للحزب وسلاحه على مدى ست سنوات مقبلة. ولذلك ركز "الثنائي الشيعي" منذ البداية على الدعوة إلى "التوافق" على اسم الرئيس الجديد، معتبراً ترشيح المعارضة (أحزاب "القوات اللبنانية"، "التقدمي الاشتراكي"، "الكتائب"، كتلة "التجدد"، المستقلين) النائب ميشال معوض تحدياً واستفزازاً له.

لمن النفوذ في مرحلة الفراغ؟

استبق عون وباسيل الوصول إلى الفراغ قبل أشهر، لإدراكهما أن الأمور متجهة إليه، ولأن "حزب الله" غير جاهز لإنجاز تفاهم مع القوى الأخرى المعارضة له حول الرئاسة اللبنانية، بعد أن "تنعم" بنفوذ ست سنوات خلال عهد الرئيس عون بفعل التحالف معه ومع باسيل. وهذا ما دفع بهما إلى صب جهودهما على الحصول على حصة وزارية وازنة في تأليف الحكومة الجديدة التي ستتولى صلاحيات الرئاسة وفق النص الدستوري، لأن الدستور حكم على حكومة ميقاتي بأن تعتبر مستقيلة عند بدء ولاية البرلمان الجديد، لتتحول إلى حكومة تصريف أعمال، إلى أن تتشكل الحكومة الجديدة. فهذه الحصة كانت ستسمح لهما بلعب دور نافذ في فترة الشغور الرئاسي، انطلاقاً من المواقع الوزارية التي أملا بالحصول عليها. وبهذه الطريقة يؤمنان نوعاً من الاستمرارية للرئاسة العونية من جهة، ويتعزز موقعهما في لعبة اختيار الرئيس الجديد عندما يحين توقيت ملء الفراغ الرئاسي، من جهة ثانية، لكن ميقاتي المكلف تشكيل الحكومة الجديدة، منذ أواخر شهر يونيو (حزيران) الماضي، رفض التسليم بمطالبهما، مدعوماً من الحليف الأول للحزب، رئيس البرلمان نبيه بري. وما قام به عون خلال الساعات الـ24 قبل انتهاء ولايته، أي الإثنين 31 أكتوبر، هو مواصلة منح الأوسمة التي تعرض لانتقادات بسبب إكثاره منها، فحظيت ابنته كلودين بوسام رفيع لنشاطها في رئاسة لجنة شؤون المرأة، واستقبل الأمينة العامة للفرانكوفونية لويز موشيكيوابو. يرمز ذلك إلى تأكيد دوره في السلطة حتى اللحظة الأخيرة.
و أراد بعض مستشاري عون استدراك فشل الضغوط السياسية على ميقاتي كي يعدل موقفه حيال تشكيل الحكومة، فاقترح المدير العام للقصر الرئاسي أنطوان شقيرعلى ميقاتي قبل دقائق من سفره إلى الجزائر، وقبل 12 ساعة من انتهاء ولاية عون، في 31 أكتوبر أن يوافق على إصدار مراسيم الحكومة الجديدة بأسماء الوزراء الحاليين لحكومة تصريف الأعمال كما هي، من دون تعديل، لكن من دون ضمان أن يمنح تكتل نواب "التيار الحر" الثقة للحكومة عند مثولها أمام البرلمان لنيلها. إلا أن الأخير لم يقبل، لأن هذا يتناقض مع واقع أن عدداً لا بأس به من الوزراء يدينون بالولاء لعون وباسيل في الحكومة، بدليل أنهم أبلغوا رئيس الحكومة امتثالهم لطلب باسيل الامتناع عن حضور أي جلسة لمجلس الوزراء يدعو إليها وبالتالي من غير المنطقي أن يمتنع تكتل نواب "التيار الوطني الحر" عن منح الثقة للحكومة. وقطع ميقاتي البحث بهذا الاقتراح قائلاً لمحدثه: "الطائرة إلى الجزائر تنتظرني في المطار".
وفي تقدير مصادر سياسية بارزة أن رفض ميقاتي كان رداً على إرسال عون الرسالة إلى البرلمان يطلب فيها منه نزع تكليفه بتأليف الحكومة متهماً إياه مجدداً بأنه لا يريد تشكيلها. أي أن المحاولة الأخيرة لإنقاذ صورة عون كرئيس قوي في آخر عهده يمكنه فرض تشكيل حكومة، أغرقته في تناقضات ممارسة التصعيد السياسي في الساعات الأخيرة.
ويرصد المراقبون احتمالات حدوث مزيد من تصعيد السجال، مقابل الجهود التي تردد أن "حزب الله" بذلها من أجل تهدئة السجال السياسي، خلال الجلسة النيابية التي دعا إليها بري في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) لتلاوة رسالة عون للبرلمان ومناقشتها، بعد أن انتهت رئاسته ليل 31 أكتوبر.

"حزب الله" يتجنب معضلة الفراغ

يسجل المراقبون أن الأمين العام للحزب حسن نصر الله ألقى خطاباً دام زهاء الساعة ونصف الساعة مساء السبت 29 أكتوبر، عشية احتفال حشود أنصار عون بانتقاله من القصر الرئاسي إلى منزله، من دون أن يتطرق إلى انتخابات رئاسة الجمهورية ومسألة الشغور فيها ولو بعبارة واحدة، فحصر كلامه بشرح مراحل التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وما قال إنه "الانتصار" الذي أسهمت فيه "المقاومة"، للحصول على حقوق لبنان من الدولة العبرية، وهو ما اعتبره الوسط السياسي المعارض للحزب تجاهلاً مقصوداً منه للاستحقاق الرئاسي الداهم، وتجنباً محسوباً للتعليق على سجال حليفه الثنائي عون - باسيل مع حليفه الآخر رئيس البرلمان نبيه بري، الذي تعرض لهجوم مباشر، لا سيما من باسيل، الذي اتهمه بأنه شريك ميقاتي في "السطو" على صلاحيات رئاسة الجمهورية عبر حكومة تصريف الأعمال، التي تبنى عون موقف باسيل في شأنها، القائل إن صفة تصريف الأعمال لا تخولها أن تتسلم صلاحيات الرئاسة، مما تسبب في سجال دستوري، لم يحجب أصل المعضلة، التي هي سياسية وتتعلق بموازين القوى على المسرح السياسي، ومستقبل المعادلة السياسية في مرحلة ما بعد عهد الرئيس عون، والرئيس الجديد. وشمل تفادي "الحزب" أي مشاركة في السجال بين حليفيه تعليمات من قيادته لنواب كتلته بالامتناع عن الإدلاء بتصريحات، سواء في هذا الشأن أو في شأن الاستحقاق الرئاسي، والاكتفاء بما سبق أن قاله بعضهم بالدعوة إلى "التوافق على رئيس للجمهورية تطمئن له المقاومة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


شرعية عربية لميقاتي والرئيس الجديد "بعيد المنال"

السجال الذي تصاعد مع مغادرة عون القصر الرئاسي لم ينحصر بالجانب الدستوري، بل غلب عليه الجانب السياسي، فاعتبر ميقاتي أن إصدار عون مرسوم قبول استقالة الحكومة يفتقر إلى أي قيمة دستورية.
أما عون فبرر لجريدة "الأنباء" الكويتية إصداره مرسوم قبول استقالة الحكومة من أجل نزع شرعية عنها لجهة توليها سلطات رئيس الجمهورية، بقوله إنه يهدف بقراراته إلى "الإضاءة على حقيقة مرة بأنه في ظل عدم التوافق على شخصية لتخلفني في موقع الرئاسة، لا يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تقوم بالمهام المطلوبة منها في ظل الفراغ الرئاسي، وسيكون المشهد سيئاً جداً في هذه الحالة". ورأى عون أن "انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحتاج إلى توافق القوى السياسية اللبنانية وهذا أمر بعيد المنال حالياً"، أي إن الرئيس السابق على رغم الحجج الدستورية التي ساقها، كشف عن الخلفية السياسية لخطوته في الـ36 ساعة التي سبقت نهاية ولايته.
ونفذ ميقاتي نصيحة بعض أصدقائه بالتعاطي بلا مبالاة مع قرارات عون، والقول إنه لن يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد إلا إذا فرضت الضرورة ذلك، وأنه لن يتحدى أحداً، لكنه توجه قبل ساعات من نهاية ولاية عون إلى الجزائر لتمثيل لبنان في القمة العربية. وفي رأي محيط ميقاتي أنه مقابل سعي عون وباسيل إلى نزع الشرعية عن حكومته، سينال شرعية عربية في الجزائر حيث استقبل كرئيس دولة.

تفهم البطريرك والخارجية الفرنسية

كما حصل ميقاتي على شرعية فرنسية بإعلان مصادر فرنسية مسؤولة إثر مغادرة الرئيس عون القصر الرئاسي، أن على حكومة ميقاتي أن تنفذ الإصلاحات في أقصى سرعة. وعادت الخارجية الفرنسية فأصدرت بياناً مساء 31 أكتوبر يشدد على "ضرورة تحمل الأطراف السياسية الفاعلة مسؤوليتها والارتقاء إلى مستوى المرحلة من أجل لبنان والشعب اللبناني، مطالبة النواب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية من دون تأخير". وذكرت الخارجية الفرنسية "بالأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الخطيرة وغير المسبوقة، وما تتطلبه من حسن سير المؤسسات كافة، أي الرئاسة والحكومة والبرلمان لاتخاذ الخطوات اللازمة للنهوض بالبلد وتحسين أوضاع اللبنانيين بشكل عاجل".
وتحدثت مصادر سياسية متصلة بالجانب الفرنسي عن اتصالات تنسيقية بين باريس وواشنطن والرياض لتنسيق الموقف حول ما يمكن القيام به من قبل الدول الفاعلة من أجل تسريع إنهاء الفراغ الرئاسي، خصوصاً أن قدرة هذه الدول على ممارسة ضغوط على بعض الفرقاء محدودة، كما أثبتت التجارب.

من جهة أخرى، أشار المحيطون بميقاتي إلى أنه يسند موقفه ليس لتأييد بري له فقط، بل لتفهم البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، الذي زاره قبل أسبوعين وشرح له موقفه فيما كان يجري في مداولات تأليف الحكومة، كما يستند ميقاتي إلى تفهم فرنسي لرفضه القبول بالحصص الوزارية التي طالب بها باسيل في الحكومة.

جعجع: إنها مأساة ملهاة

وفي وقت أخذ تصعيد عون وباسيل طابع الدفاع عن موقع الطائفة المسيحية في السلطة، توخياً لإحراج القوى المسيحية الأخرى كي تنسجم معهما، فإن أياً منها لم يتعاطف مع الحملة التي أطلقاها حول مصادرة موقع الرئاسة. فإزاء تنظيم "التيار الوطني الحر" الوداع الشعبي الحاشد لعون في قصر بعبدا الرئاسي لرفد معركته السياسية للمرحلة المقبلة يوم الأحد في 30 أكتوبر ثم الاستقبال الشعبي في منزله الخاص في منطقة الرابية، وتعليقاً على القرارات التي اتخذها قبل مغادرته الرئاسة، قال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في تصريح قبل ساعات قليلة من انتهاء الولاية، "إن الحشد الشعبي ليس مقياساً للعمل السياسي، ما عايناه أمس (الأحد) مجرد مأساة ملهاة، لقد كانوا يرقصون على جثة الوطن. الرجل هو هو، منذ تعرفت إليه من كثب عام 1986 لم يجر إعادة قراءة لمساره السياسي". وأضاف "الأنكى أنه يتجه انحداراً. المأساة مستمرة معه، فكلما أقفل مشهداً تراجيدياً يفتح البلاد على آخر أكثر مأساوية، على غرار خطوة توقيع مرسوم استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة حكماً، وفي ذلك انتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية التي لا ينفك يشكو منها عون وباسيل، وهما أكثر من ينتقصان منها ويهشمانها. فعوض أن يختم عهده بخطوة إيجابية قدم سلة من السلبيات لا علاقة لها لا بحقوق المسيحيين ولا باللبنانيين عموماً، وإنما ليكمل مبارزته الشخصية مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي".
ويتلاقى موقف جعجع بحديثه عن المأساة الملهاة مع اعتقاد أوساط سياسية أن المعارك السياسية تحت عنوان تشكيل الحكومة والانقسامات في شأن انتخابات الرئاسة هي أقرب إلى تقطيع الوقت، في انتظار اتضاح إمكان حصول تسوية ما حول الرئاسة.

المزيد من متابعات