Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقلبات "حماس"... لوجه القضية أم المصلحة؟

انقلبت على النظام السوري وانتقلت من قطر إلى تركيا واستغاثت بالجزائر ثم عادت إلى حضن طهران ودمشق

تمكنت طهران من لعب دور مهم في إعادة "حماس" إلى حضن النظام السوري مجدداً (أ ف ب)

منذ خروج حركة "حماس" من سوريا عام 2011، مر الفصيل الفلسطيني بكثير من التقلبات السياسية في محاولة لإيجاد مقر رئيس خارج حدود قطاع غزة المحاصر لإدارة الحركة من خلاله، ولتحقيق ذلك أجرت "حماس" كثيراً من التحولات البراغماتية، فتارة تجدها في إيران، ومرة تكون في قطر، وأخرى في تركيا، وتحاول التقرب من الجزائر، وأخيراً تتصالح مع دمشق وتتودد لروسيا.

هذه التقلبات السياسية لحركة "حماس"، جميعها مبررة، ومن وجهة نظرها فإنها تأتي في سياق محاولتها لحشد مزيد من التمويل والدعم للقضية الفلسطينية. يقول رئيس العلاقات العربية والإسلامية فيها خليل الحية إن حركته تسعى من علاقاتها مع الدول إلى تجنيد الدعم المالي والاحتضان للفلسطينيين والفصائل، وتقوم بصياغة علاقة متوازنة مع المنظومة العربية والإقليمية.

ويضيف الحية "حماس مهتمة بتطوير علاقاتها مع جميع الدول والأحزاب في المنطقة، ونحن ندرك جميع التعقيدات السياسية في الإقليم، لذلك ندير علاقاتنا مع الدول بشكل دقيق، ولا نتدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لهذه الدول ولا في قراراتها السياسية، ونحاول حشد الدعم لمصلحة القضية الفلسطينية".

لكن على رغم هذا التبرير الذي تضعه "حماس" لتقلباتها السياسية في الإقليم، إلا أن مراقبين سياسيين يرون أن الحركة مجبرة على ذلك، لكونها تتعرض لضغوط كبيرة بعد فترة من استقبالها، وتمارس عليها عملياً ضغوط كبيرة بعدم التطرق إلى السياسة من أراضي الدولة المضيفة.

الخروج من دمشق

بدأت تقلبات "حماس" بين الدول بشكل واضح، عام 2011، أي بعد خروجها من دمشق، عقب تأييد رئيس مكتبها السياسي آنذاك خالد مشعل للثورة السورية، وعلى خلفية ذلك اضطرت جميع قياداتها إلى مغادرة سوريا والبدء في البحث عن دولة أخرى، تتخذ منها مقراً لها تدير من خلاله الحركة وتمارس فيه نشاطاً مماثلاً (سياسياً وعسكرياً) لما كانت تقوم به في سوريا.

خروج "حماس" من دمشق وبحثها عن بديل، جعلها تدخل في توتر علاقات مع إيران. يقول الباحث في شؤون علاقات الفصائل الفلسطينية الدولية رامي المصدر إن "علاقة حماس مع إيران في هذه الفترة انقطعت، وكان خطباء مساجد الحركة ينتقدون طهران، وفي تقديري فإن الحركة خسرت في ذلك الوقت جميع الداعمين لها".

لكن وفقاً لحديث حسام بدران عضو المكتب السياسي في "حماس" فإن علاقة الحركة مع إيران لم تنقطع بتاتاً، ولم ينخفض في أي وقت تمثيل "حماس" في طهران التي تعد أكبر الداعمين وأعظم مناصر للقضية الفلسطينية.

قطر البديل الأول

في تلك الفترة، كانت أول تقلبات "حماس" السياسية وكان خيارها عام 2012، التوجه إلى قطر التي أبدت تعاطفاً مع غزة، وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه زار أمير قطر آنذاك حمد بن خليفة آل ثاني القطاع والتقى جميع قيادات الحركة. واعتبر أن الحصار على غزة ظالم وغير عادل، وقدم تمويلاً وافتتح مشاريع وصفها بالإنسانية.

وعلى خلفية ذلك، بدأ التقارب بشكل واضح مع الدوحة وكان نتيجة تشابه التفكير السياسي، وانتقل خالد مشعل وبعض من قيادات "حماس" إلى قطر من أجل الاستقرار فيها وإدارة الحركة من أراضيها.

واستمر التقارب بين قطر و"حماس" بشكل معمق لنحو خمس سنوات، لكن نتيجة التغيرات الكبيرة التي طرأت على السياسة الإقليمية، اضطرت "حماس" إلى تغيير وثيقتها السياسية عام 2017، وفيها تخلت عن وسطها التابع للإخوان المسلمين، وأعلنت الانفتاح على العالم الخارجي والدول العربية والإقليمية.

يقول بدران، "حاولت حماس التأقلم مع السياسة العالمية، وأصدرت وثيقتها بعد ضغط قطري، لكن الحركة فشلت في تطبيقها ولم تتخل عن علاقتها مع الإخوان ومؤيديهم، ولهذا فرضت عليها الدوحة قيوداً على العمل السياسي ومنعت قياداتها من إصدار أي تصريح سياسي من أراضيها أو ممارسة عمل عسكري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واقتصر الدعم القطري منذ عام 2014، على مشاريع إغاثية بإشراف من إسرائيل والأمم المتحدة. يقول مبعوث وزارة الخارجية القطرية لقطاع غزة محمد العمادي "نحن لا نساعد حماس مالياً ولا سياسياً، نحن نعمل مع أميركا وإسرائيل للحفاظ على السلام بين المنطقتين ونحاول تجنيب غزة الحرب، والمساعدات لغزة إنسانية فقط وتأتي عبر السلطة الفلسطينية باعتبارها الشرعية وننسق كذلك مع اللجنة الرباعية الدولية في شأن ذلك ومع الأجهزة في غزة وليس مع حماس".

ويضيف العمادي، "فرضنا قيوداً على حماس في الدوحة، وتوقفنا عن استضافة نائب زعيم حماس صالح العاروري استجابة لطلبات أميركية وإسرائيلية، ونعمل على تبليغ واشنطن بالمعلومات الصحيحة حول ما نقوم به، وصورة الدوحة تحسنت كثيراً الفترة الماضية".

يقول رئيس مكتب العلاقات الدولية في "حماس" موسى أبو مرزوق إن "علاقتنا طيبة مع قطر لكن هناك اختلاف معنا في بعض المواقف، وهذا أمر طبيعي وحق سيادي، وهم يحترمون قراراتنا كما نحترم مواقفهم، فالدوحة تحاول حالياً تخفيف الحصار عن غزة وهذا دور ريادي لن ننساه".

تركيا ملجأ اقتصادي

بعد فرض قطر قيوداً على "حماس"، عاشت الحركة عزلة سياسية كبيرة، وحاولت التقرب من تركيا، فهي تربطها معها علاقات قديمة، فأنقرة كانت أول من اعترف بنتائج الانتخابات التي فازت فيها "حماس" عام 2006 وقامت باتصالات مبكرة مع إدارتها في غزة.

وبدأ التقارب بين "حماس" وتركيا واضحاً بشكل كبير عام 2015، وانتقلت قيادات بارزة للاستقرار في أنقرة، وأجرى رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية برفقة نائبه صالح العاروري زيارات عدة لتركيا، والتقيا رئيسها رجب طيب أردوغان عام 2020.

وكان وجود "حماس" في تركيا وفق ضوابط تسمى "الاتفاق" وقعت عليه الحركة، وفيه تلتزم بعدم القيام بأي نشاط سياسي يهدد استقرار تركيا، وبأي نوع من الأعمال الأمنية والعسكرية داخلها أو انطلاقاً من أراضيها، وهو ما يقيد حرية "حماس" التي استغلت هذه الفرصة في إطار آخر، إذ طورت عملها الاقتصادي وأقامت أنشطة تجارية ومالية.

لكن فترة هذه العلاقة لم تكن طويلة، إذ دخلت تركيا وإسرائيل في تطبيع علاقات كاملة، وهذا أثر بشكل مباشر على وجود حركة "حماس" في أنقرة، التي بدأت في تشديد الخناق على أعضاء الفصيل الفلسطيني ونشطائه.

"حماس" التي تنتقد التطبيع مع تل أبيب، في بداية الأمر حاولت عدم تكرار خطئها في موقفها من سوريا، وقرر خالد مشعل الذي يرأس "حماس" في الخارج التصرف بهدوء وعدم الانجرار إلى مشكلة مع أنقرة والدخول في عداء مع الأتراك، وعمل على إرسال رسالة شرح فيها موقف الحركة الرافض للتطبيع لأنه يضر بالقضية الفلسطينية.

لكن ذلك الموقف لم يدم طويلاً بخاصة بعد تقارب "حماس" من جديد مع النظام السوري. يقول الناطق باسمها حازم قاسم إنهم يستهجنون موقف تركيا المؤيد لإسرائيل والمستنكر لحقوق الفلسطينيين.

وفي محاولة لكسر العزلة السياسية على "حماس" خارج غزة، طلبت الحركة من الجزائر فتح مكتب لها في أراضيها، وبالفعل جرى ذلك عام 2018، لكنه يأخذ طابعاً تمثيلياً فقط، وفقاً لحديث نائب رئيس الحركة موسى أبو مرزوق.

يقول القيادي أحمد يوسف، وهو المستشار السياسي السابق لإسماعيل هنية إن "الجزائر تعترف رسمياً بالحركة، ونحن نتعامل معها على رغم تعقيدات علاقاتها الإقليمية، فالجزائر ساحة كبيرة متعاطفة مع الشعب الفلسطيني، وسبق لحماس أن نفذت أنشطتها السياسية وجمعت التبرعات المالية لمساعدة الفلسطينيين، ولم تنجح حتى اللحظة أي ضغوط إسرائيلية في إفشال العلاقات".

إيران وسوريا مجدداً

عادت العلاقات بين "حماس" وإيران إلى طبيعتها عام 2015، بعد لقاء جمع خالد مشعل عندما كان يشغل رئيس المكتب السياسي للحركة ورئيس مجلس الشورى الإيراني السابق علي لاريجاني، في الدوحة العاصمة القطرية. يقول مسؤول الدائرة السياسية في "حماس" والعلاقات الخارجية باسم نعيم إن اللقاء أسس لمرحلة جديدة وهو مؤشر على مزيد من الدفء في العلاقة الوثيقة بين الحركة وطهران.

ومنذ ذلك الوقت، عادت "حماس" إلى الحضن الإيراني متجاهلة جميع المخاطر حول تلك العلاقة، ودعمت طهران الحركة بالمال والسلاح. وقال رئيس "حماس" بغزة في وقت سابق إن إيران أفضل وأكبر داعم بالمال والسلاح لحماس.

وتمكنت طهران من لعب دور مهم في إعادة "حماس" إلى حضن النظام السوري مجدداً، بلقاء جمع بشار الأسد مع خليل الحية القيادي في الحركة، والذي اعتبر أن لقاءه هذا يعد بداية لعودة العلاقات القوية بين الطرفين.

يقول الحية إن "حماس أبلغت جميع الدول التي لها علاقة معها بقرار عودتها، ولم نسمع أي اعتراض من أحد بما في ذلك تركيا وقطر، ونحن هنا لطي أحداث الماضي والأخطاء الفردية، ولاستئناف حضورنا في سوريا والعمل معها".

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة إكرام فهمي إن "تقلبات حماس السياسية بين الدول مختلفة التوجهات، يدلل على فشلها في السياسة، وهذا يعني أن الحركة تبحث عن مصالحها بغض النظر عن تأثير ذلك على القضية الفلسطينية، حماس اليوم تثبت للعالم أن تصنيفها ضمن قوائم الإرهاب أتى بثمار جيدة، فجميع الأوساط التي لجأت إليها شددت عليها الخناق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير