Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تكون أفريقيا مكب العالم للنفايات النووية؟

تتضمن مواد ناتجة عن الصناعات الخطيرة ومخلفاتها من النفايات السامة للبلدان المتقدمة

لم تلتزم الدول المتقدمة باتفاقية بازل 1989 القاضية بمنع شحن النفايات السامة من الدول الغنية للفقيرة (غيتي)

شهد العالم أكبر حادثة نووية تمثلت في انفجار مفاعل تشيرنوبل في أوكرانيا السوفياتية في 26 أبريل (نيسان) عام 1986، نتج عن أخطاء تقنية أثناء تجارب لإجراءات السلامة. بعد ذلك بذل المجتمع الدولي جهوداً لتحسين تدابير السلامة النووية بشكل ملحوظ، وجعل هدف الأمان الرئيس لصناعة الطاقة النووية الوقاية من الحوادث المستقبلية.

بسبب هذه الحادثة تطورت المخاوف في شأن البيئة، وكان قد بدأ الاهتمام بها في ستينيات القرن الماضي، وتزايدت القيود على التخلص من النفايات داخل الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فبدأ تصريفها في مياه المحيطات ومجاري الأنهار، ولكن الأمم المتحدة شددت على هذه الوسيلة بمزيد من الضغوط بإنشائها وكالات متخصصة لحماية البيئة البحرية من التلوث، فما كان من هذه الدول إلا اللجوء إلى قارة أفريقيا حيث الصحاري والمناطق الشاسعة وفوضى الحدود وعدم الاستقرار بسبب النزاعات والحروب.

 يقدر عدد المفاعلات النووية على مستوى العالم بنحو 439 مفاعلاً، تمتلك الولايات المتحدة وحدها ما يقرب من 104 مفاعلات منها، ما يدعو إلى تقدير النفايات الناتجة عنها وحجم أزمة التخلص من مخلفاتها. ونتيجة لذلك نشأت سوق خاصة بها أصبحت تقف جنباً إلى جنب مع تجارة الأسلحة والمخدرات والبشر.

 وتتضمن تجارة المخلفات النووية، التي اتخذت من أفريقيا مكاناً لنشاطها، مخلفات المحطات النووية القائمة أو التي تم إيقاف تشغيلها أو مواد ناتجة عن بقايا المختبرات والصناعات الخطيرة ومخلفاتها من النفايات السامة من البلدان المتقدمة دفعت مقابل دفنها ملايين الدولارات. وبحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن التحول في بداية الألفية من الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر جاء لصالح هذه التجارة التي تدر أرباحاً هائلة. وأشارت تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادرة في عام 2006 إلى أن كلفة التخلص من المواد الخطرة أقل من 2.50 دولار للطن من النفايات في أفريقيا مقابل 250 دولاراً للطن في أوروبا.

إشارات قوية

 سلط ضوء كثيف على نقل النفايات النووية من دول العالم المتقدم إلى أفريقيا منذ سبعينيات القرن الماضي، امتدت إلى بداية الألفية الأخيرة. وعلى الرغم من التقارير واسعة الانتشار، فإن مواقع كثيرة مما يتردد ظهور هذه الإشعاعات فيها لم تخضع للفحص والبحث العلمي. ومع ذلك، فإن انتشار الأمراض المبلغ عنها بين السكان المحليين في هذه المواقع، تدفع بإشارات قوية إلى تلبية النداءات المتكررة بضرورة التحقق العلمي منها.

تناقلت الأخبار تقارير عن رسو سفن من دول أوروبية في ميناء سوسة في تونس وميناء الجزائر، شاع أنها أفرغت آلاف الأطنان من النفايات النووية. وفي عام 2013 تم اعتراض حاويات أخرى مقبلة من آسيا إلى هذه الموانئ.

في ليبيا كشفت وثائق ويكيليكس عن أنه في عام 2009 تراجع العقيد معمر القذافي عن وعده بالتخلص من حاويات من الوقود النووي إلى روسيا، وتركها عرضة للإرهابيين "حتى يلقن الأمم المتحدة درساً". وعرضت الولايات المتحدة أن تدفع لروسيا التي وفرت هذه الشحنة، مقابل استعادة اليورانيوم عالي التخصيب من الشواطئ الليبية. كانت موافقة ليبيا على التخلص من اليورانيوم جزءاً من صفقة في إطار تعهد القذافي بالتخلي عن برنامج أسلحة الدمار الشامل الليبي.

وفي ساحل العاج رفعت شكوى ضد شركة "ترافيجورا" متعددة الجنسيات، في عام 2009، لدفنها نفايات سامة في أبيدجان وتسببت في أضرار صحية للسكان.

 

 

أما في الصومال فكشفت منظمة "السلام الأخضر" في تقرير أصدرته في يونيو (حزيران) 2010 عن تحقيق كانت قد بدأته في 1987 عن أن سفناً إيطالية نقلت مواد سامة ونفايات نووية وزعتها بين مواقع عدة واستغلال الشواطئ الصومالية لهذا الغرض.

وتشير تقارير إلى أنه في التسعينيات، مع نشاط "جماعة الشباب" الصومالية، تمت صفقات بين شركات أجنبية والحركة لتزويدها بالأسلحة مقابل إلقاء نفايات نووية.

 ودعت منظمة سياسية إريترية معارضة المجتمع الدولي إلى التحقيق في مزاعم إلقاء النفايات السامة الأجنبية بالمياه الإريترية قبالة البحر الأحمر، في منطقة دنكيليا، حيث يعتمد عشرات الآلاف من أقلية عفر الإثنية على مصائد الأسماك في المنطقة.

صفقات سرية

 في السودان أثناء حكم الرئيس جعفر النميري في سبعينيات القرن الماضي دارت مزاعم عن صفقات سرية مع شركات غربية، أشارت إليها تقارير في الصحف السودانية إلى أن نفايات نووية تم دفنها في الولاية الشمالية.

وفي حديث سابق ذكر محمد صديق المدير السابق لهيئة الطاقة الذرية السودانية، والمسؤول عن برنامج إدارة النفايات المشعة في السودان الذي بدأ عام 1995، "تم نقل 60 حاوية من دولة آسيوية إلى السودان مع مواد البناء والآلات لبناء سد مروي في الفترة بين 2004 و2009 شمال السودان. وبينما دفنت 40 حاوية في الصحراء بالقرب من موقع بناء السد، تم التخلص من 20 حاوية في مكان آخر في الصحراء أيضاً".

 وأثارت لجان مقاومة منطقة أمبدة بمدينة أمدرمان في عام 2020 وجود مقبرة نفايات نووية وطبية أخرى تقع على بعد 30كم من أم درمان ووسط مناطق الريف الغربي، اتهمت فيها دولة آسيوية أخرى لكن لم يتم التحقق من جهات الاختصاص عن هذه المعلومات.

معايير عالمية

يقول استشاري طب السموم السريري محمد الأمين، "دفن النفايات النووية في الصحراء ممكن من ناحية نظرية، لكن هنالك معايير عالمية متعارفاً عليها في التخلص منها بالدفن أو التخزين، ما لم تدفن بصورة غير خاضعة للرقابة أو بها شبهة فساد، فهنا تكون افتقدت المعايير العلمية والمهنية المطلوبة". وأضاف "إذا دفنت نفايات نووية في الصحراء، فمن ناحية المبادئ الفيزيائية فإن الإشعاع الناتج عنها لن يكون بالكمية التي تسبب أضراراً وآثاراً صحية لأنها غير مدفونة في مناطق كثافة سكانية عالية، إلا إذا حدث تلوث وتسربت المواد للمياه الجوفية، لأن ذلك يعتمد على الطبيعة الفيزيائية للإشعاع ونوعه مما يستلزم وجود دليل علمي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن جهته نوه استشاري الأشعة التشخيصية والطب النووي، مدير عام المركز القومي للعلاج بالأشعة والطب النووي الأسبق صديق محمد مصطفى، "قام فريقان بحثيان كل على حدة من مستشفى الخرطوم لعلاج الأورام (الذرة) وهيئة الطاقة الذرية السودانية، ومعهم باحثون من الولاية الشمالية، بالبحث في هذه القضية ولم يثبت علمياً وجود نشاط إشعاعي أو سرطانات أعلى من المعدل بالنسبة للسرطانات ذات العلاقة بالنشاط الإشعاعي كسرطان الغدة الدرقية أو سرطانات الدم".

وأضاف "العمل في الأنشطة الاشعاعية محكوم بقوانين دولية ومحلية يتم تدريب وتأهيل العاملين محلياً وخارجياً وفق نشاط يقوم على الاستعمال السلمي للطاقة الذرية". وأبان "التخلص من النفايات الإشعاعية يتم بإحدى طريقتين طبقاً لنشاطها الإشعاعي، أولاً، المواد المشعة المستعملة في الطب النووي وهي مواد مشعة عمر النصف فيها قليل لا يتعدى الأيام فهذه تحفظ حتى تنتهي صلاحيتها، وتتم قراءتها بأجهزة قياس الإشعاع حتى ينعدم نشاطها الإشعاعي. والأخيرة، المخلفات النووية ذات العمر النصف طويل وتستعمل في الأشعة العلاجية كجهاز الكوبالت 60، وهذا بعد انخفاض فعاليته يعاد إلى الشركة المصنعة وذلك ضمن اشتراطات الشراء ومعرفة الأجهزة الرقابية. وهذه المهمة يقوم بها ضابط الوقاية من الإشعاع من قسم الفيزياء الطبية. أيضاً يقوم قسم الوقاية من الإشعاع بالمتابعة والقياس المتواصل منعاً لأي تسرب إشعاعي أثناء التشغيل".

خضوع للقانون

 وعن وجود مستشفى الخرطوم لعلاج الأورام (الذرة) وسط الخرطوم وما أثير حول تأثير المخلفات الناتجة عنه، أوضح استشاري الأشعة التشخيصية والطب النووي، "هناك متابعة منذ بداية إنشاء المبنى وتركيب الأجهزة بخبرات سودانية وأجنبية إضافة إلى فرق تفتيش وتأكد بعد التشغيل".

وذكر "يخضع نشاط الطاقة النووية والإشعاع لقوانين دولية ومحلية، ففي السودان يوجد قانون الأشعة المؤينة منذ الستينيات، إضافة لإنشاء الجهاز الرقابي في التسعينيات من القرن الماضي الذي يقوم بالتصديق ومتابعة التنفيذ والتفتيش المستمر لأماكن النشاط الاشعاعي، وتأكد الوكالات الدولية من التقيد بقوانين الإشعاع. ولا يزال السودان يراعي القوانين للتخلص من النفايات الإشعاعية، ذلك بكوادره المدربة على الوقاية من الإشعاع".

وأورد مصطفى "ساعد على هذا النوع من المتابعة إنشاء المركز القومي للعلاج بالأشعة والطب النووي عام 1968 بالتعاون بين حكومة السودان، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الصحة العالمية. وكان مركز الخرطوم ومركز القاهرة للأورام ومركز آخر في جنوب أفريقيا هي الرائدة في القارة الأفريقية لمعالجة ومكافحة السرطان. وظل التعاون الوثيق بين وكالة الطاقة الذرية ومنظمة الصحة العالمية والسودان مستمراً حتى الآن".

 

ويتفق معه استشاري طب السموم السريري "بالنسبة لمستشفى الخرطوم لعلاج الأورام، فإن وجودها في وسط العاصمة لا يفترض أن يسبب مشكلة لأنه على مستوى العالم مثل هذه المستشفيات موجودة وسط المدن، وكذلك الجامعات المتخصصة بدراسة الأشعة والمواد المشعة، لكن العبرة في الانضباط والالتزام بالمعايير والسلامة المهنية والصحة العامة، بالتخلص من النفايات والعمليات التي تستخدم فيها الأشعة، وأثناء النقل والترحيل والاستخدام والاستخلاص".

ويوضح الأمين أن "مشكلات المواد المشعة تكون مباشرة على الدائرة المحيطة في المصانع وغيرها. أما الإشارة إلى انتشار الأورام السرطانية في السنوات الأخيرة، بمعدلات أعلى من السابق فيمكن تفسيرها بعوامل بيئية وتغير نمط الحياة والغذاء، والإمكانات المتوفرة لزيادة القدرة التشخيصية مقارنة مع السابق والوعي بالمرض، وهي تشير إلى زيادة عدد الحالات كأرقام وليست زيادة المعدل".

التزام بالاتفاقيات

 لا يقتصر الدور في مراقبة ومتابعة دفن النفايات النووية في أفريقيا على المنظمات الإقليمية فقط التي طالبت الدول المتقدمة خصوصاً الولايات المتحدة بمسؤولياتها، وإنما هناك حملة من منظمات المجتمع المدني تدعو "المنظمة الدولية للطاقة الذرية" بمراقبة عمليات التخلص من النفايات النووية في الدول الفقيرة، لأن كثافة هذه الحالات تعود إما إلى تعاقد من الباطن مع حكومات هذه الدول على التخلص من هذه النفايات، أو شبهات فساد أو استغلال لأوضاع البلاد الفقيرة وغير المستقرة.

 أما بالنسبة للدول الأفريقية نفسها، فإن لديها برامج نووية صغيرة، ولكن تشغيل مرفق للتخلص من النفايات النووية يبدو مكلفاً، ولكن وضع عدد من الخبراء خيارات لهذا النوع من النفايات، وهي، الخيار الأول، تخزين المخلفات النووية من المشاريع الصغيرة في أحواض مائية مؤقتة لمدة 10 سنوات أو براميل جافة لتقليل نشاطها الإشعاعي ثم توضع في حاويات تخزين جافة لمدة 50 عاماً. والثاني دفن النفايات في أعماق الأرض لمئات الآلاف من السنين، وهذا ما يسمى "مستودعاً جيولوجياً عميقاً"، باعتبارها الطريقة الأكثر أماناً للبيئة والبشر، ولكن بشرط العثور على الموقع المناسب. أما الخيار الثالث فهو إعادة تدوير النفايات النووية بفصل اليورانيوم القابل لإعادة الاستعمال، وهو مستبعد في الوقت الحالي، ومحظور دولياً، لأن هذه العملية لا تخلو من مخاطر أمنية، إذ ربما تؤدي إلى انتشار الأسلحة النووية.

 وبما أن الدول المتقدمة لم تلتزم باتفاقية بازل 1989 القاضية بمنع شحن النفايات السامة من الدول الغنية إلى الفقيرة، فقد صاغت الدول الأفريقية اتفاقية باماكو 1991 في شأن حظر استيراد النفايات الخطرة، بما فيها المشعة، إلى أفريقيا والتحكم في نقلها عبر الحدود وإدارتها داخل القارة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل