Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خطاب الكراهية يغزو الإنترنت ويزيد من جرائمها

الأمم المتحدة احتفت باليوم العالمي لمكافحة الظاهرة للمرة الأولى والمشاهير لم يسلموا من الاتهامات "الشائنة"

شهدت الولايات المتحدة الأميركية انتفاضة لا تزال أصداؤها حاضرة حتى اليوم بعد مقتل جورج فلويد (أ ف ب)

احتفلت الأمم المتحدة للمرة الأولى هذا العام باليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية، الذي وافق الثامن عشر من يونيو (حزيران)، وكان لافتاً في كلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تلك المناسبة أن وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بطريقة فاعلة في زيادة خطاب الكراهية الذي ينتشر عبر الحدود في اللحظة نفسها.

وهذا الخطاب ما هو إلا مقدمة طبيعية لجرائم الكراهية التي كان يظن البعض أنها باتت شيئاً من الماضي السحيق. لكن المفاجآت غير السارة تتوالى، إذ سجلت الولايات المتحدة الأميركية وفقاً لتقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي نشر العام الماضي أعلى معدل لتلك الجرائم منذ 12 عاماً بأكثر من 10 آلاف حالة.

في حين تمتلئ الإنترنت بعبارات السخرية والتنمر، وكأنها باتت عادة لدى كثير من المستخدمين، لدرجة أن عدداً كبيراً من مشاهير العالم أبدوا ضيقهم مما يجري في الفضاء الإلكتروني، بينهم سيلينا غوميز وغاستن بيبر.

لكن في المقابل فإن زميلهم المغني كاني ويست يحظر بشكل متكرر من استخدام حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي، بسبب اتهامه باستعمال خطاب يروج للعنف والكراهية، وبينها تحريضاته سابقاً ضد بيت ديفيدسون الصديق السابق لطليقته كيم كارداشيان، وأخيراً بسبب تصنيف منشوراته على أنها خطاب كراهية يعادي السامية، ويسخر من اليهود.

من التنمر إلى الإبادة الجماعية

الأمر أيضاً لم يسلم منه ترمب الرئيس الأميركي السابق، الذي وصفت منظمة العفو الدولية خطاباته بأنها مسمومة، بخاصة أنه يزيد من الكراهية الموجهة ضد اللاجئين. وتعرض ترمب مراراً للحظر عبر السوشيال ميديا، بسبب توجهاته التي تزيد من الفرقة والشحن ضد المختلفين.

وتعرف جرائم الكراهية بأنها تلك التي تستهدف المستضعفين وأصحاب العرقيات المختلفة، والمنتمين إلى جماعات دينية معينة أو حتى ذوي الميول الجنسية المختلفة، أو ذوي الإعاقة، وهي تختلف عن التنمر، على أن الأولى عادة تقف عند السخرية لفظياً أو حتى بالنظر على رغم تأثيراته السلبية المؤذية، لكن في ما يتعلق بالجريمة فهي تصل إلى الاضطهاد والظلم المتعمد في أماكن العمل، ثم الإيذاء بدرجاته المختلفة، سواء بالأيدي أو الإضرار بالممتلكات، وصولاً إلى القتل، والإبادة الجماعية.

وبحسب ما جاء في نص رسالة الأمين العام للأمم المتحدة على الموقع الرسمي للمنظمة فإنه "ستظل الإبادة الجماعية تصدم العالم دوماً عندما تحدث. لكنها لا ترتكب أبداً من دون إشارات تحذير واضحة ومتعددة. وغالباً ما يكون الضحايا هدفاً مبكراً لخطاب الكراهية والتمييز والعنف. وأحد التحديات المتبقية التي نواجهها، بعد 72 سنة من اعتماد اتفاقية الإبادة الجماعية، هو إدراك إشارات التحذير هذه ومواجهتها فوراً"، ويستكمل "ويعد خطاب الكراهية إشارة تحذير واضحة، وعلينا أن نحسن أساليب رفضه بجميع أشكاله. ويشمل ذلك ضمان أن تؤدي شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي الدور المنوط بها".

عرفت الأدبيات السياسية مصطلح جريمة كراهية بشكل واضح في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الوقائع نفسها كان سابقة لتلك الفترة بعقود وعقود، حيث تصنف مذبحة الأرمن التي قيل إنه راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون أرميني على يد الأتراك إبان العقد الثاني من القرن العشرين على أنها جريمة كراهية وإبادة أيضاً.

والأمر نفسه بالنسبة إلى المحرقة في ألمانيا النازية ما بين نهاية الثلاثينيات ومنتصف أربعينيات القرن الماضي، والإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، وتوصف الجرائم المنظمة التي ارتبطت من قبل المستعمرين عموماً بأنها جرائم كراهية، لا سيما التي ارتكبتها المملكة المتحدة في مستعمراتها بأفريقيا، وكذلك ما حدث تجاه السكان الأصليين بالولايات المتحدة الأميركية، فقد امتدت فترات عدم الاستقرار بشكل عام بداية من القرن السادس عشر، حيث نظام الفصل العنصري، واستقدام العبيد وإساءة معاملتهم وإعدامهم من دون محاكمة، سيطر على تعامل كثير من أفراد النخبة الإنجليزية، وعلى رغم انتهاء العبودية والتمييز العنصري بعد نضالات استمرت سنوات، واستنزفت الأعمار والأنفس، فإنه لا يزال "الآخر" يتعرض للأذى المتواصل.

جرائم الكراهية في عصر الإنترنت

قبل عامين، شهدت الولايات المتحدة الأميركية انتفاضة لا تزال أصداؤها حاضرة حتى اليوم بعد مقتل جورج فلويد، وهو مواطن من أصل أفريقي على يد شرطي، وعلى رغم فصل المتورطين والحكم بسجن المتهم الرئيس فإن الشارع صنف الحادثة فوراً على أنها جريمة كراهية وعنصرية، حتى إن جو بايدن الذي لم يكن قد أصبح رئيساً بعد علق صراحة على الواقعة بالقول "كثير من الأميركيين السود يستيقظون وهم يعلمون أنهم قد يفقدون أرواحهم، فقط لمجرد أنهم يعيشون حياتهم".

ومن صيف 2020 الذي فجر سلسلة من التظاهرات الغاضبة التي لاقت تفاعلاً هائلاً، وجاءت تحت شعار "حياة السود مهمة"، إلى صيف 1998، حيث جرى تعذيب رجل من ذوي البشرة السمراء يدعي جيمس بيرد على يد ثلاثة رجال بيض بولاية تكساس الأميركية، فقد ربطه المدانون وجروه بشاحنة والتمثيل به حتى تقطعت أعضاؤه، ودين المتورطون وحكم عليهم بالإعدام ليمثل في ذلك الوقت عقوبة نادرة في ما يتعلق بجرائم الكراهية، كما زادت جرائم الكراهية بشكل عام ضد الآسيويين في دول العالم المختلفة في الفترة التي رافقت ظهور فيروس كورونا، إذ اتهموا من قبل العامة بأنهم السبب في تدمير العالم.

النازية الجديدة

وفي مايو (أيار) الماضي أطلق مسلح النار في أحد المراكز التجارية بنيويورك مخلفاً 13 قتيلاً، أغلبهم من "السود" بحسب تصريحات رجال الأمن الذين أكدوا أن القاتل بايتون جندرون (18 سنة) تعمد اختيار ضحاياه من العرق الأسود، إذ إنه يصف نفسه بأنه فاشي يؤمن بتفوق العرق الأبيض، وقد عمد إلى بث لقطات من الجريمة عبر السوشيال ميديا، وهي الطريقة التي بات يعتمدها كثير من المتطرفين العنيفين والمروجين لجرائم الكراهية في الفترة الأخيرة، إذ تكرر هذا السيناريو في حوادث مماثلة بالولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب تقرير نشر أخيراً في النسخة الإنجليزية من "اندبندنت" فإن السجون في بريطانيا ترتفع فيها معدلات جرائم العنصرية والكراهية، وقد جرى الاستناد في المعلومات الواردة به إلى إحصاءات وثقتها جمعية "إنكويست" المعنية بمتابعة حالات الوفاة المتعلقة بعمل السلطات في إنجلترا وويلز، ومما تم تأكيده أن هناك أكثر من 2200 حالة وفاة في السجون البريطانية بين عامي 2015 وحتى 2021، والأكثرية من الضحايا ينتمون للأعراق المختلطة وذوي البشرة السمراء.

وعلى مدى السنوات الماضية أيضاً شهدت بريطانيا عدة حوادث طعن راح ضحيتها شرطيون ومسؤولون حكوميون، وصنف كثير منها على أنها جرائم يغذيها الإرهاب والكراهية. وحوادث الطعن العنصرية تكررت في أكثر من بلد أوروبي بينها فرنسا، فيما كانت ضجت النرويج قبل ثلاثة أعوام بجريمة ارتكبها شاب عشريني ينتمي للحركة النازية الجديدة يدعى فيليب مانسهاوس في أوائل العشرينيات من عمره، حين قتل اليميني المتطرف عدداً كبيراً من المسلمين في مسجد بالعاصمة أوسلو، وقد حكم عليه بالسجن لمدة 21 عاماً قابلة للتجديد، إذ كان قد قتل أيضاً أخته غير الشقيقة، لأنها من دولة آسيوية.

قوانين رادعة

المجتمعات الغربية والأميركية بشكل عام مثلما كانت سباقة في ممارسة العنصرية التي أفضت إلى القتل والتدمير منذ قرون، حاولت أيضاً تصحيح أخطائها وكانت سباقة في سن قوانين لمعاقبة مرتكبي جرائم الكراهية، والاعتراف بالمصطلح والاتفاق عليه.

فيما عربياً يبدو الأمر أكثر حداثة، لدرجة أنه في مصر مثلاً ارتبط ظهور هذا النوع من القوانين بعد شراسة بعض المستخدمين في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، إذ حولوها إلى منصات للابتزاز والتنمر الإلكتروني، وإن كان تعبير جريمة كراهية في حد ذاته لم يرد في قانون العقوبات المصري.

لكن هناك قانوناً واضحاً جرى استحداثه قبل عامين فقط بشأن التنمر والحوادث التي تنتج عنه، وهناك أحكام صدرت في حق بعض المتهمين ممن قاموا بأفعال تصنف على أنها جنح وجنايات نتيجة اضطهادهم شخصاً ما، وذلك وفق قانون التنمر الصادر برقم 189 لسنة 2020 بتعديل بعض مواد قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، إذ ترى المحامية دعاء عباس رئيس الجمعية القانونية لحقوق الطفل والأسرة، أن هذا القانون خطوة إيجابية للغاية، لكن مع ذلك لم يتم عمل الترويج اللازم له حتى الآن، على رغم تفعيله والحصول على أحكام كثيرة بموجبه، لافتة إلى أنه كان من الضروري مواكبة المواثيق والاتفاقات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بإقرار مثل تلك القوانين، مشيرة إلى أن الهدف منه هو حماية الفئات والأشخاص الذين يتعرضون للتمييز والتنمر والاستغلال لأسباب مختلفة، سواء بسبب ضعفهم أو معاناتهم من إعاقة ما وانتمائهم لعرق معين، مما يسبب لهم ضرراً كبيراً نفسياً أو بدنياً بالطبع، لافتة إلى أن بعض المؤسسات قد تمارس تمييزاً ضد المحجبات أو ضد غير المحجبات، وهنا يأتي دور القانون الذي يعاقب مخالفيه بغرامة مالية حدها الأدنى يعادل خمسة آلاف دولار أميركي، وحبس سنة بحد أدنى أيضاً.

المحامية دعاء عباس تشدد على أن هناك اختلافاً جوهرياً بين الجريمة العادية الناتجة مثلاً عن خلاف مالي أو مشاجرة أو مشكلة عائلية ما، وتلك التي تحركها الكراهية تجاه شخص معين يرى المعتدي أنه أقل منه، فجريمة العنصرية والكراهية لا يكون هدفها فقط الإيذاء، لكن الإهانة وإظهاره على أنه ينتمي إلى مجموعة عرقية أو دينية ما لا تستحق إلا المعاملة السيئة، ونعته مثلاً بأنه "لاجئ أو أسود البشرة أو فقير"، لافتة إلى أن كل الأديان دعت إلى المسالمة والتراحم وعدم التمييز، لكن القانون وجد لكي يضع حداً للمسيئين، بخاصة أنها ترى أن تلك الجرائم أصبحت ظاهرة في عصر الانفتاح الإلكتروني.

ففي حين أن قيماً مثل التسامح وتقبل الآخر باتت مقياساً أولياً لتقييم المتقدمين للوظائف في المؤسسات الكبرى، لكن المفاجأة أن العنصرية الساكنة تحت الجلد تظهر للعلن في أوقات معينة، لتبدو الحقيقة جلية أن وسائل التواصل الاجتماعي التي هي مجتمع مفتوح من المفترض أن يعلم الجميع تقبل الآخر، تعمل مع بعض المواطنين بالعكس، لتبدو ساحة للتناحر الطائفي والطبقي والعرقي والمبني أيضاً على الميول الجنسية، لذا كان طبيعياً أن تحاول البلدان المختلفة وضع حد لما يجري عن طريق قوانين كانت تظن أنها بعيدة منها كل البعد.

المزيد من تقارير