للجزائر أماكن أثرية تستقطب سنوياً كماً هائلاً من الزوار المنكبين على معرفة تفاصيل تاريخ وحضارة الأمة الجزائرية، ومن بينها المتحف الوطني للفنون الجميلة في العاصمة، وهو أهم متاحف الفنون في القارة الأفريقية والشرق الأوسط، إذ يعود تاريخ تأسيسه إلى عام 1930.
هذا المكان الجميل والرائع بوصف زواره، يقع في مرتفع غابي مطل على البحر بين حديقة التجارب الحامة ورياض الفتح، ويضمن لمرتاديه من محبي الفن والإبداع سفرية تاريخية وثقافية تعود لأكثر من ستة قرون من تاريخ الفن العالمي، إذ يندرج ضمن هندسة "آرت-ديكو" بـثمانية آلاف قطعة أثرية.
مخاض عسير
مر مسار إنشاء هذا الصرح بمخاض عسير منذ نشأته في نهاية القرن التاسع عشر، أي إبان الفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر، وذلك من خلال فكرة قادها الفنان هيبوليت لازيرج عام 1875، الذي كانت بلدية الجزائر تحتفظ بأعماله الفنية التي نتجت عن ورشات المؤسسة المتخصصة في الفنون الجميلة المتتالية.
في عام 1897، تم البدء في جمع مجموعة من الأعمال الفنية القديمة والفن الإسلامي العريق، حيث خصصت له مدرسة عادية، لكن مع تزايد الأعمال الفنية أخليت ثكنة عسكرية تقع في موقع فندق السفير حالياً، المطل على الواجهة البحرية في الجزائر العاصمة لتخصص للفن، إذ ترأس المتحف حتى 1910 تشارلز دي غالون.
الحاجة إلى جمع الأعمال بدأت تفرض نفسها، وهو ما استدعى افتتاح "فيلا عبد اللطيف"، التي كان يسيرها المهندس المغمور بول غيون، كما تذكر المراجع، واختير لها موقع الحامة بمحاذاة حديقة التجارب القريبة من الفيلا التي افتتحت كمتحف رسمي عام 1931، لتزيد الجهود المبذولة للاهتمام بهذا الصرح الثقافي الذي يحاكي الحضارة العالمية والجزائرية لأزمنة غابرة.
وبمرور عقود على إنشاء المتحف الوطني ذي الأربعة طوابق، صار بإمكان السياح من جميع دول العالم أن يتمتعوا باللوحات الزيتية المرسومة على القماش والورق والخشب، وكذا منحوتات ومسكوكات وأثاث وخزفيات وقطع ديكور وتحف جبسية وزجاجية وكتب ومطبوعات قديمة تؤرخ كلها لأهم مدارس الفن التشكيلي في العالم.
من برنابا دي مودينا إلى بيكاسو
يؤرخ المتحف بين جنباته لحقب زمنية متعاقبة من عصر ما قبل النهضة إلى القرن العشرين، ويمكن لكل زائر اكتشاف لوحة "تعميد المسيح" للفنان الإيطالي برنابا دي مودينا (1328-1386) المعروضة أيضاً في قاعة "عائشة حداد" أقدم لوحة في المتحف، حيث يعود تاريخها إلى عام 1367.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما يمكن التعرف على رسمين للفنان الإسباني العالمي رائد الفن التكعيبي بابلو بيكاسو، الأول بعنوان "النسوة الثلاث" والثاني "عازف الناي وشابة بالطبلة".
وبين أروقة هذا المعرض الدائم يتزين المتحف أيضاً بقاعة "عائشة حداد" يمكن التعرف على روائع "الفن البدائي الأوروبي" على غرار بورتريه "ألكسندر دي ميديسيس" (القرن الـ16) للفنان الإيطالي جياكوبو كاروتشي المعروف بـ"بونتورمو"، الذي تم ترميمه في 2010 بمركز الحفظ والترميم الخاص بالمتحف.
كتب ومؤلفات تحاكي التاريخ
إضافة إلى الرسومات التشكيلية، يتوافر متحف الفنون الجميلة على مكتبة أوروبية كبيرة افتتحت عام 1942 وفيها أكثر من 10 آلاف مرجع بين كتب قديمة ومجلدات ومطبوعات في تاريخ الفن وعلم الآثار والهندسة المعمارية.
ويعود أقدم هذه الكتب إلى القرن الـ17، التي في أغلبها لمؤلفين أوروبيين باللغات الأوروبية الكبرى القديمة منها والحالية كاللاتينية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية، إضافة إلى العربية.
هذه المكتبة الكلاسيكية فيها طوابق يمكن الصعود إليها من خلال سلالم خشبية عتيقة، كما تضم عديداً من الأثاث الأصلي للمتحف، وإضافة إلى هذا فهي مزينة بلوحات للفنانة باية محيي الدين.
استغلال الصرح السياحي
تعكف السلطات العمومية في الجزائر على استغلال هذا الصرح السياحي، الذي صار مقصداً لكل زائر، مع مساع لاسترجاع أكبر قدر من القطع الأثرية التي تم الاستحواذ عليها في الحقبة الاستعمارية من طرف الجانب الفرنسي (1830-1962)، وقد كانت هذه المسألة محل نقاش بين الوزير الأول الجزائري أيمن بن عبدالرحمن ورئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، حيث تم الاتفاق على هامش الاجتماع الافتتاحي للدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى الجزائرية – الفرنسية على توقيع محضر نقل ملكية لقطع أثرية للجزائر.