Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان في انتظار "الرئيس الحائر"... فمن يكون؟

جلسة التصويت الثانية للبرلمان رهن إسقاط النصاب والمعادلات الإقليمية وتحفظ مبطن لـ"حزب الله" على قائد الجيش

فشلت الجلسة الأولى للبرلمان في 29 سبتمبر الماضي في اختيار من يخلف الرئيس ميشال عون (أ ف ب)

تنعقد الجلسة النيابية الثانية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في لبنان، الخميس 13 أكتوبر (تشرين الأول) من دون أن تختلف جوهرياً من زاوية فشل الجلسة الأولى التي انعقدت في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي في اختيار النواب الـ128 من يخلف الرئيس ميشال عون.

وسيجري وصف الجلسة الثانية مثلما حصل في الأولى بأنها تمرين أو اختبار أو جلسة لكشف نيات ومواقف الفرقاء كافة، وللمناورات التي ترافق هذا الاستحقاق المفصلي في المشهد السياسي العام في البلد، كونه محطة تعتبرها قوى سياسية عدة وفرقاء خارجيون فرصة من أجل انتقال لبنان من حال الانحدار المتواصل منذ صيف عام 2019 نحو الانهيار الذي لا يبدو بلا نهاية.

ذكرى إخراج عون من القصر

فالتغيير في الرئاسة بعد ست سنوات من تبوئها من قبل الرئيس عون تنظر إليه الدول المعنية بلبنان على أنه محطة من أجل إرساء معادلة جديدة تتيح لها مساعدة البلد على وقف الانهيار، وتكون مختلفة عن معادلة تحالف عون - "حزب الله" الذي تعاطت معه الدول الغربية والعربية على أنه معاد لها، مما أدى بالبلد إلى العزلة شبه الكاملة، فيما حالت الخلافات بين هذا التحالف وسائر القوى السياسية دون ضبط مالية الدولة والهدر الكبير والفساد عبر تحقيق إصلاحات بنيوية قاومتها الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود.

من الفوارق البسيطة المنتظرة في الجلسة المقبلة سيكون غياب تكتل "لبنان القوي" وتحديداً نواب "التيار الوطني الحر"، كما أعلن رئيسه النائب جبران باسيل في حديث تلفزيوني، 10 أكتوبر الحالي، اعتراضاً على تحديد موعدها من قبل رئيس البرلمان نبيه بري في الذكرى الـ32 لإخراج العماد ميشال عون من القصر الرئاسي بعملية عسكرية سورية لبنانية وانتقاله إلى السفارة الفرنسية لاجئاً ثم إلى فرنسا منفياً قسرياً لمدة 15 سنة، من عام 1990 حتى عام 2005، حين عاد باتفاق بعيد من الأضواء مع دمشق والرئيس اللبناني السابق إميل لحود.

وتاريخ 13 أكتوبر يحتفل به مؤيدو الرئيس عون سنوياً على أنه ذكرى نضالية لمحاولته تحرير لبنان من القبضة السورية. واعتبر باسيل أن تحديد موعد الجلسة في هذا التاريخ مقصود بهدف تطيير نصاب الثلثين الذي يفرضه الدستور لانعقادها.

أما بري الذي ظل على خلاف مع عون وباسيل طوال السنوات الست الماضية على رغم تحالفه الوثيق مع "حزب الله"، فاكتفى حين سئل عن اعتراض "التيار الحر" على عقد الجلسة في هذا التاريخ بالقول إنه لا يلتزم إلا الأعياد الوطنية، لكن هذا لم يمنع المراقبين من اعتبار أن تحديد تاريخ الجلسة في 13 أكتوبر مؤشر إلى اقتراب خروج عون من القصر مرة ثانية.

تطيير النصاب أم اختبار جديد؟

 لكن اللافت أنه ليس كل نواب التكتل الذي يرأسه باسيل سيغيبون عن الجلسة. فالمرجح أن أعضاء حلفاء فيه لا ينتمون إلى "التيار الحر" سيحضرونها مثل نواب حزب "الطاشناق" الأرمني الثلاثة، وربما اضطر إلى حضورها نائب رئيس البرلمان المنتمي إلى "التيار" إلياس بو صعب، مما يعني تغيب من 16 إلى 17 نائباً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا العدد لا يفقد الجلسة نصابها إلا إذا انضم تضامناً مع "التيار الحر" نواب آخرون، لكن إفقاد الجلسة النصاب يحتاج إلى تغيب الثلث زائد واحد أي 43 نائباً. وفي الجلسة الأولى تغيب نواب كتلتي "حزب الله" (15 نائباً) و"التنمية والتحرير" التي يرأسها بري (15 نائباً) زائد حلفائهما من الكتل الصغرى والنواب المستقلين، بعد أن جرت الدورة الأولى من الاقتراع من دون أن يحصل أي مرشح على أكثرية الثلثين. وتم تطيير النصاب تفادياً لاحتمال حصول اتفاق على مرشح القوى السيادية والمعارضة في الدورة الثانية التي تحتاج إلى 65 نائباً كي ينجح أي مرشح.

وبما أن الدورة الأولى حصلت في الجلسة السابقة فإن غياب التوافق على المرشح الأوفر حظاً، ولا سيما مع "الثنائي الشيعي"، سيؤدي إلى تطيير نصاب الجلسة المقبلة، بحيث يتعذر القيام بالاختبار الثاني لتوزيع الأصوات، كما حصل في جلسة 29 سبتمبر للسبب نفسه، أي تفادي "الثنائي" أية مخاطرة بأن يحصل اتفاق على مرشح القوى السيادية الذي نال 36 صوتاً زائد خمسة من المتغيبين، وهو النائب ميشال معوض، بانضمام نواب آخرين إلى هذا العدد، مع أنه لا مؤشرات على ازدياد عدد من يمكن أن يؤيدوه، مما يبقي مؤيديه دون الـ65 نائباً.

لا إضافات على أصوات معوض

إضافة نواب جدد إلى الـ41 صوتاً التي نالها معوض في الجلسة السابقة، بعد الاتصالات التي قام بها في الأسبوعين الماضيين لم تكن متيسرة. فلقاء رئيس حزب "القوات اللبنانية" مع كتلة نواب "الاعتدال" الشمالية (ستة نواب) وجلهم من السنة، يضاف إليهم بعض النواب السنة في بيروت من المصنفين مقربين من تيار "المستقبل" لم ينته إلى إقناعهم بالتخلي عن خيارهم بوضع ورقة "لبنان" (10 أصوات) كما فعلوا في الجلسة الأولى.

وإذا حصل معوض على أصوات إضافية فإن عددها سيبقى بعيداً من الـ65 صوتاً. وربما كان ذلك سبباً لعدم إفقاد الجلسة النصاب، بهدف أن تكون اختباراً جديداً لعدم قدرته على تجميع الأصوات المطلوبة، وذلك من أجل إثبات "الثنائي" صوابية موقفه بالدعوة إلى التوافق على مرشح يقبل به الفريقان العريضان "حزب الله" وحلفاؤه (61 نائباً) أو بعضهم، بالتلاقي مع كتل من النواب السياديين والتغييريين والمستقلين (67 نائباً).

كما أن كتلة النواب التغييريين (13 نائباً) التي صوت 11 منها لصالح سليم إده تميل أكثرية أعضائها إلى رفض التصويت لمعوض، وتبحث عن مرشح غير سليم إده، الذي أصدر بيان شكر للكتلة كان بمثابة عزوف عن الترشح.

وتتجه الكتلة إلى طلب التوافق مع الكتل السيادية الأخرى ("القوات"، "التقدمي الاشتراكي"، و"الكتائب"، وبعض المستقلين) على واحد من ثلاثة أسماء (النائب السابق صلاح حنين، والوزير السابق ناصيف حتى، والوزير السابق زياد بارود). وهذا إن دل على شيء فعلى استمرار تشتت أصوات السياديين والتغييريين.

انخفاض أعداد "الورقة البيضاء"

أما بالنسبة إلى خيار "حزب الله" وحلفائه فرفض "التيار الحر" الحاسم تأييد ترشيح من يفضله الحزب ضمناً، وهو النائب السابق سلمان فرنجية، يحول دون التوافق على مرشح واحد، وسط الخلافات العاصفة بين "التيار" والرئيس بري، سواء على تشكيل الحكومة أو على جميع ملفات السنوات الست من عهد عون. وفي الجلسة المقبلة يتعذر تكرار سيناريو حصول المتحالفين مع الحزب على 63 ورقة بيضاء كما حصل في الجلسة الأولى، أولاً لغياب حلفائه في "التيار الحر"، وثانياً لأن النائبين المستقلين عن صيدا أسامة سعد وعبدالرحمن البزري، اللذين أسقطا ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع، لن يفعلا ذلك في الجلسة الثانية، وهما يدرسان التصويت إما لمعوض أو لمن ترشحه كتلة التغييريين. وكان جرى احتساب حصول "الحزب" على 63 ورقة بيضاء على أنه مؤشر لإمكانية تأمين نائبين إضافيين من النواب السنة الشماليين، لضمان فوز المرشح المقرب منه، إذا اتفق مع "التيار الحر" عليه، لكن هذا العدد سينخفض بنائبين.

القاعدة التي تتحكم في جلسات انتخاب الرئيس في ظل ميزان القوى الحالي هي أن أياً من الفريقين لا يملك أكثرية الـ86 صوتاً لتأمين نصاب الثلثين لانعقاد الجلسة، حتى لو ضمن حصول مرشحه المفترض على أكثرية الـ65 نائباً المطلوبة في الدورة الثانية، وهو الأمر المتعذر حتى الآن.

صمت "حزب الله" وحظوظ قائد الجيش

ترد الأوساط النيابية المشاركة في الاتصالات بين الكتل صعوبة التوافق على مرشح قادر على الفوز إلى أن "حزب الله" يعتقد أن دعوته إلى التوافق لم تنضج بعد، لكن هذه الأوساط على اختلافها تعتقد أن الحزب سيحول دون نجاح معوض للرئاسة، أولاً نظراً إلى أنه يمثل الفريق الداعي إلى طرح قضية سلاح الحزب وإخضاعه لسلطة الشرعية في مرحلة أولى، ثم لكونه منافساً وخصماً لحليفه سليمان فرنجية، بالتالي إذا حالت الظروف دون نجاح الأخير فمن باب أولى عدم القبول بمجيء خصم الحليف اللدود إلى سدة الرئاسة، وإضعافه في عقر داره ما دام تعذر تأمين التوافق عليه مع حليفه "التيار الحر".

وفي وقت يؤكد نواب مقربون من بري أن الحزب يلوذ بالصمت وتتسم مواقف قادته بالغموض، يتفق عدد من نواب حلفاء الحزب مع نواب من الفريق المعارض له على أن استمرار الحال على هذا المنوال، حتى تاريخ نهاية ولاية الرئيس عون آخر الشهر الحالي، يزيد من حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون، لأن تخطي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية يسقط سائر المهل، فيكون المخرج الإتيان بقائد الجيش للرئاسة كحل وسط. فالدستور ينص على أن ترشح موظفي الفئة الأولى للرئاسة يوجب استقالتهم من مناصبهم قبل ستة أشهر وإلا فرض وقوع الخيار على قائد الجيش تعديل الدستور لإزالة شرط الاستقالة قبل هذه المدة، كما حصل بالنسبة إلى العماد إميل لحود عام 1998.

لكن الاجتهاد الذي جرى اعتماده عند انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً عام 2008 بسبب حصول فراغ رئاسي هو أن سقوط مهلة انتخاب الرئيس تسقط مهلة استقالة قائد المؤسسة العسكرية.

انتظار اتضاح المعادلة الإقليمية

هذا ينطبق على القائد الحالي الذي نقلت أوساط فرنسية عنه أنه لا يمانع في انتخابه. ومع تسليم أوساط سياسية عدة بارتفاع حظوظه مقارنة بسائر الأسماء التي يمكن أن يحصل عليها التوافق، فإن السؤال حول موقف "حزب الله" منه يلقى الأجوبة الغامضة. وفي حين ترددت معلومات بأن الحزب بالتالي بري لا يمانعان تبوأه الرئاسة، برزت إشارة سلبية في موقف الحزب من أحد المعلقين الوثيقي الصلة بالحزب وهو صادق النابلسي في حوار تلفزيوني، إذ قال إن هناك تحفظاً على اسم جوزيف عون بفعل قربه من الأميركيين وظهوره على أنه متعاطف مع ثوار "17 تشرين" عام 2019، حين امتنع في حالات كثيرة عن قمع تظاهراتهم وإقفالهم الطرقات. وأضاف أن واشنطن تقدم مساعدات عسكرية ولوجيستية للجيش، وقائده وثيق الصلة بالقيادة المركزية الوسطى الأميركية، وينسق معها التدريبات التي تقدمها للجيش وضباطه على الأسلحة الجديدة التي تمنحها له، هذا فضلاً عن أن بعض الفرقاء السياديين، مثل "التقدمي الاشتراكي" والنواب "التغييريين"، يتحفظون على تكرار تجربة رئيس عسكري مرة رابعة بعد لحود وسليمان وعون.

يخلص الوسط السياسي الذي يترقب موقف "حزب الله"، باعتبار أنه يدعو إلى التوافق للخروج من حال الجمود، إلى أنه يفضل راهناً الحالة الانتظارية إلى أن تتضح صورة الوضع الإقليمي ليحسم موقفه من الرئيس المقبل في ضوئها، لذلك يدفع حلفاءه إلى تعطيل نصاب انعقاد البرلمان لانتخاب الرئيس، إلى أن يحين وقت الحسم في اتجاه هذا الاسم أو ذاك.

المزيد من تقارير