Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يضع قرار خفض الإنتاج العلاقات بين واشنطن و"أوبك+" على المحك؟

التحالف يؤكد اهتمامه باستقرار سوق النفط عبر أكبر تخفيض منذ عامين وسط ضبابية الاقتصاد العالمي

واشنطن ليست في وضع يسمح لها بالتصدي لقرارات "أوبك+" لأن إنتاجها من النفط الصخري "في تراجع" (غيتي)

أعاد قرار "أوبك+" خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً التوتر بين التحالف والولايات المتحدة إلى الواجهة من جديد في وقت تسعى فيه واشنطن إلى زيادة إنتاج الخام، الأمر الذي أثار حالة غير مسبوقة من ردود الفعل من المسؤولين في البيت الأبيض نظراً إلى ما للقرار من تداعيات واقتصادية سلبية على الولايات المتحدة وحلفائها والدول المستهلكة للنفط على حد سواء. 

من جانبها أكدت "أوبك+" التي تضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا أن القرار يأتي "في ضوء عدم اليقين الذي يحيط بآفاق الاقتصاد العالمي وسوق النفط، والحاجة إلى تعزيز التوجيه طويل المدى للسوق النفطية. 

وفي الوقت الذي شكل فيه القرار أكبر تخفيض من نوعه في أكثر من عامين لم تقطع الدول المستهلكة الكبرى دعواتها لتحالف "أوبك+" على مدى أشهر بزيادة الإنتاج على نطاق أوسع بهدف خفض الأسعار في السوق العالمية، لكن التكتل النفطي واصل تجاهل تلك النداءات. 
توقيت سيئ 

يأتي قرار خفض الإنتاج في توقيت يبدو غير مناسب أيضاً لأجندات الرئيس الأميركي جو بايدن السياسية، إذ يأتي قبل خمسة أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. 

كما يعرقل القرار محاولات واشنطن لكبح الأسعار وتقليص إيرادات موسكو عبر حشد التأييد من أجل وضع سقف لأسعار النفط الروسي والإفراج عن مخزونات من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي. 
تدابير إضافية

وعقب صدور قرار التخفيض صرح البيت الأبيض بأن بايدن "محبط جراء القرار (قصير) النظر المتخذ من قبل (أوبك+) لخفض حصص الإنتاج"، مهدداً بالنظر في اتخاذ تدابير إضافية "للحد من تحكم (أوبك) في أسعار الطاقة"، على حد تعبير البيان الذي اعتبر أن خفض الإنتاج سيضر بالدول "التي تعاني أصلاً" ارتفاع الأسعار، بينما "يتعامل الاقتصاد العالمي مع استمرار التأثير السلبي لهجوم روسيا على أوكرانيا". 

البيان الأميركي أعلن أنه "في ضوء إجراء اليوم، ستتشاور إدارة بايدن مع الكونغرس حول أدوات وسلطات إضافية لتقليل سيطرة (أوبك) على أسعار الطاقة". 
أما المتحدثة باسم الرئاسة كارين جان - بيار فقالت إن القرار "يشكل خطأ"، مضيفة "من الواضح أنه عبر قراره يقف (أوبك+) إلى جانب روسيا". 
بعيداً من السياسة 

في المقابل، لطالما تنأى منظمة "أوبك" بنفسها بعيداً من السياسة، ويسعى أعضاؤها فقط إلى استقرار الأسواق وتوازنها. 

وأكد وزراء "أوبك+" أن خطوة خفض الإنتاج لا تهدف لرفع الأسعار بقدر ما ترنو إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط التي شهدت أسعارها في الربع الثالث من هذا العام أول خسارة فصلية منذ عامين. 

وامتنع وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن مناقشة الأمور السياسية المتعلقة بقرار خفض الإنتاج، قائلاً "هذا الأمر يتجاوز كثيراً وظيفتنا". 

وعندما سئل خلال مؤتمر صحافي أعقب أول اجتماع حضوري للتحالف في فيينا منذ عام 2020 عن تبريره لقرار خفض الإنتاج مع أن السوق ما زالت تشهد أسعاراً مرتفعة نسبياً، على رغم تراجعها من 130 دولاراً للبرميل في مارس (آذار)، سلط الضوء على حقيقة أن أسعار الغاز الطبيعي والفحم صعدت أكثر بكثير من النفط. 

سياسات استباقية 

وقال وزير الطاقة السعودي إن "(أوبك+) لم تمارس سياسة عدائية تجاه أي طرف، ولم تعرض أسواق الطاقة للخطر"، مضيفاً أن تحالف "أوبك+" يتبنى سياسات استباقية، ويأخذ زمام المبادرة، وأنه نجح في إبقاء سوق الطاقة مستدامة مقارنة بالآخرين، مؤكداً أن "أوبك+" ملتزمة مصالح المنتجين والمستهلكين، وأنها ستواصل الإيفاء بالتزاماتها تجاه الأسواق. 

وأضاف الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن مجموعة "أوبك+" ستبقى قوة أساسية لضمان استقرار الاقتصاد العالمي، وإن ما تقوم به ضروري لكل الدول المصدرة للنفط بما في ذلك غير الأعضاء في التحالف.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قرار فني 

من جهته صرح وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي قبل الاجتماع أن "القرار سيكون فنياً وليس سياسياً"، مضيفاً أن الدول الأعضاء لن تحول "أوبك" لمنظمة سياسية. 

وفي أعقاب اتهامات الولايات المتحدة التحالف بالانحياز إلى روسيا في اتخاذ مثل هذا القرار، اعتبر الكرملين أن خفض إنتاج "أوبك+" سيؤدي إلى استقرار سوق النفط. 

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف للصحافيين، وفق وكالة "رويترز"، إن القرار يهدف إلى تأمين استقرار سوق النفط. وأضاف أن بعض الدول تتفهم عبثية القرارات التي تدفع الولايات المتحدة باتجاهها، في حين تريد واشنطن تحديد سقف لأسعار النفط الروسي. 

الضجة المثارة في واشنطن 

بدوره استنكر المحلل النفطي الكويتي كامل الحرمي الضجة المثارة من جانب الولايات المتحدة حول قرار "أوبك+" بخفض الإنتاج الذي يعد عملياً بين 1 و1.1 مليون برميل يومياً، لا سيما أن التحالف لم يلتزم بسقف إنتاجه النفطي منذ البداية والبالغ 42 مليون برميل يومياً، وأخيراً خفضت بمقدار مليوني برميل يومياً، مما يعني أن نسبة الخفض من سقف الإنتاج نحو خمسة ملايين برميل لأن منظمة "أوبك" كان دائماً لديها عجز في الإنتاج بسبب الإمدادات بمقدار ثلاثة ملايين برميل. 

وقال مستغرباً صدمة الإدارة الأميركية من القرار وهي التي لطالما طالبت التحالف بزيادة الإنتاج، مضيفاً أن واشنطن حالياً ليست في وضع يسمح لها بالتصدي لقرارات "أوبك+" بخفض إنتاج النفط، لأن إنتاجها من النفط الصخري في تراجع، ولم تستطع واشنطن رفع إنتاج النفط على رغم زيادة أسعار الخام العالمية وحاجة السوق المحلية لذلك. 

وأضاف أنه إلى جانب عجز الولايات المتحدة عن رفع إنتاجها من النفط الصخري، فإن اللجوء إلى الاحتياطي الاستراتيجي وسحب كميات إضافية منه يبقى خياراً صعباً، لا سيما مع وصوله إلى أدنى مستوى في 38 عاماً، حيث يقدر الآن بنحو 434 مليون برميل.

اختلاف السياسات 

من جهته يرى الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي أن علاقة واشنطن مع "أوبك+"، "علاقة حساسة" منذ البداية بسبب اختلاف السياسات وراء أسعار النفط، مشيراً إلى أن تدخل أميركا لخفض الأسعار يعد إجراءً سياسياً. 

وأشار الرفاعي إلى أن الولايات المتحدة لها دور في الحفاظ على استقرار سوق النفط، لا سيما أنها أكبر منتج في العالم بإنتاج يفوق 11 مليون برميل يومياً، ثم السعودية وروسيا. 

وأضاف الرفاعي أن السياسات الأميركية غير واضحة لأنها من جهة تريد الضغط على بيع النفط الروسي ومحاولة معاقبة موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، مضيفاً أن هذه المحاولات ستؤدي إلى رفع أسعار النفط وتقلص الإمدادات في السوق، ومن جهة أخرى تضغط على دول "أوبك" لخفض سعر النفط عبر زيادة الإنتاج، في الوقت الذي يعاني الاقتصاد العالمي تباطؤاً. 

وأفاد الرفاعي بأن "أوبك" إذا لم تتخذ قرار خفض الإنتاج الآن، كنا سنرى انهياراً في أسعار النفط مثلما حدث في السنوات السابقة، لافتاً إلى أن "أوبك" كانت سياساتها واضحة في محاولة توازن سوق النفط. 

وقال الرفاعي إن أميركا خفضت مخزونات النفط لمستوى قياسي في محاولة لخفض الأسعار وسط أهداف إدارة بايدن خفض سعر البنزين قبل الانتخابات الأميركية الشهر المقبل، لافتاً إلى أن واشنطن ليس لديها القوة السياسية الآن للرد على منتجي "أوبك" لأن دول التحالف لديها القوة في سوق النفط. 

ويرى الرفاعي أن أكبر خطر على النظام المالي العالمي يتمثل في بيع النفط بعملة غير الدولار الأميركي، وبدأنا نرى ذلك في الأشهر السابقة مثل بيع النفط الروسي بالروبل واليوان، واتفاقات بين الصين والسعودية للبيع النفط باليوان، وكذلك بيع الغاز القطري بعملات أخرى. 

وأضاف أن بيع الطاقة بعملة غير الدولار يعد خطراً على النظام العالمي، متوقعاً أن تستمر صفقات بيع النفط والغاز بعملات غير الدولار مما يكون له تأثير اقتصادي وسياسي على النظام العالمي. 

مصالح مشتركة 

من جانبه قال المحلل النفطي الكويتي خالد بودي إنه من المستبعد أن تلجأ الولايات المتحدة إلى أي إجراءات ضد دول "أوبك+" نظراً إلى المصالح المشتركة بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي. 

وذكر بودي أن خفض الإنتاج من قبل "أوبك+" ليس هدفه الأضرار بأي دولة، وإنما الغاية منه المحافظة على أسعار النفط وحمايتها من مزيد من التراجع. 

وتابع "قد تفضل الولايات المتحدة اللجوء إلى التفاوض والتفاهم مع الأعضاء المؤثرين في منظمة (أوبك) والذين لديها معهم علاقات دبلوماسية وثقافية واقتصادية تصب في صالح الاقتصاد الأميركي". 

وبالنسبة لمشروع قانون "نوبك"، قال بودي، إنه حتى الآن لم يتم إقراره من قبل الكونغرس الأميركي، مشيراً إلى أن هذا القانون ظل يراوح مكانه لعقدين من الزمان وحتى في حال إقراره فسيظل يدور في دهاليز القضاء الأميركي ودرجات التقاضي، وستجند دول "أوبك" أفضل المحامين لنفي أي ضرر مقصود نتيجة قراراتها. 

وحول الأصداء السياسية لقرارات "أوبك" أكد بودي أنها ستظل "محدودة" طالما النفط يتدفق إلى الأسواق من دون عوائق وبأسعار تحكمها قوى السوق، ومن دون وصول هذه الأسعار إلى مستويات قياسية تفوق 120 دولاراً للبرميل.

المزيد من البترول والغاز