Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما خيارات الدول الرافضة اتفاقية تركيا وحكومة الدبيبة؟

من المتوقع عقد اجتماع موسع لدول منظمة غاز المتوسط بما يفرض موقفاً جماعياً وتنسيقاً مصرياً يونانياً

قالت تركيا إن مذكرة التفاهم الموقعة مع ليبيا شأن يخص البلدين وليس لأي دولة الحق في التدخل (أ ف ب)

وقعت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي بحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد الدبيبة، نجلاء المنقوش، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، مع نظيرها التركي، مولود تشاويش أوغلو، مذكرة تفاهم للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية.

وجاء ذلك تزامناً مع زيارة وفد تركي كبير ليبيا يترأسه وزير الخارجية التركي ووزراء الدفاع والطاقة والموارد الطبيعية والتجارة، وكبير مستشاري الرئيس التركي إبراهيم كالين، وتأتي هذه المذكرة عقب مرور ثلاث سنوات على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية، واعتبرت مذكرة التفاهم بين الدولتين تصب في مصلحتهما وتسهم في حل الأزمة العالمية بخصوص الطاقة والغاز.

ملاحظات أولية

ترتبط هذه المذكرة في مضمونها وسياق توقيعها بصورة أو بأخرى بالاتفاقية البحرية بين ليبيا وتركيا الموقعة في عهد حكومة الوفاق الوطني مطلع 2020 برئاسة فايز السراج، التي كانت تحتاج إلى تسجيل لدى الأمم المتحدة، ولم يتم هذا الإجراء، بل ولم تفعل أصلاً بنودها.

ركز الجانب التركي، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية التركي تشاويش أوغلو، على أن المذكرة "شأن يخص البلدين"، وليس لأي دولة الحق في التدخل مع التوقع بأن التبادل التجاري بين ليبيا وتركيا سيصل إلى أربعة مليارات دولار، في إشارة مهمة إلى ما هو مقبل في مسارات العلاقات المشتركة بين البلدين.

فيما أكد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، أن أي اتفاق أو معاهدة أو مذكرة تفاهم يجري إبرامها من رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة "مرفوضة وغير قانونية"، نظراً إلى انتهاء ولايتها قانوناً، وانعدام أي إجراء تتخذه منذ انتهاء ولايتها في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، كما أن توقيع الاتفاقات والمعاهدات ومذكرات التفاهم الدولية يجري من خلال رئيس الدولة أو البرلمان، والتعامل مع الحكومة في ليبيا يكون عبر الحكومة الشرعية التي نالت ثقة البرلمان، وهي حكومة فتحي باشاغا.

منطلق محدد

استمرار الطرح التركي بالتركيز على أن الرد على اتفاقات ترسيم الحدود التي قامت بها مصر وقبرص واليونان يحق للجانب التركي القيام بإجراءات مماثلة استناداً إلى حق التعامل وإبرام الاتفاقات للحصول على جزء من النفط الليبي، بخاصة أن تركيا فقيرة في مواردها، مع ضمان حصول الشركات التركية على نصيب كبير من مشاريع الإعمار والتنقيب داخل ليبيا.

ويستند الرئيس التركي في هذا إلى أن البرلمان منحه تفويضاً بنشر، بل والتدخل في ليبيا، وفي إطار رواية تركية بأنه وفق القانون الدولي يحق لأنقرة اتخاذ إجراءات من جانب واحد حفاظاً على متطلبات الأمن القومي التركي.

إن الإشكالية الحقيقية للتجاذب الراهن ترتبط بالفعل بأن حكومة الوفاق الوطني "لا تتمتع بأي شرعية دولية"، وأن مجلس النواب وحده له صلاحية التشريع والتصديق على المعاهدات وإبرام مذكرات التفاهم، كما أن حكومة الوفاق الوطني لا تسيطر على الإقليم الليبي بأكمله، وأن اتفاق الصخيرات ليس اتفاقاً بديلا،ً بل هو منظم للمرحلة الانتقالية ولا يمكن التعويل عليه بصورة دائمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تركز الرسائل التركية على جملة من المصالح الخاصة في اتجاه شرق المتوسط وتعتمد مقاربات واضحة، فمذكرة التفاهم تأتي في سياق تطورات مهمة. أولها استمرار حالة الانقسام في المشهد الليبي، وعدم وجود أية فرص أو بناء استحقاق جديد يمكن التعويل عليه في إطار حل جديد مرحلي بين الجانبين، وعدم وجود خط تفاوضي يمكن أن ينطلق منه المبعوث الأممي الجديد، وبدء الدخول على خط تسوية واتفاق جديد في ظل تصاعد الدور البريطاني بصورة مباشرة، ودعم الجانب الأميركي للتحولات الراهنة  الجارية على الرغم من عدم وجود أي فرص للتوافق بين الجانبين.

ثانيها استمرار حالة الصراع المستتر بين الأطراف الإقليمية والدولية على الحل مع عدم وجود أولويات مطروحة في ظل التحذير الدوري من احتمالات تصاعد العنف، وهو ما ينذر بصورة أو بأخرى بالخطر الكبير من أي تصعيد محتمل في ظل حال الترقب الراهنة من كل الأطراف.

ثالثها استمرار تكريس الحضور التركي في المشهد الليبي في هدوء مع استمرار الانفتاح على كل الأطراف، بدليل عقد اللقاء الذي جمع الرئيس رجب طيب أردوغان في أنقرة برئيس مجلس النواب الليبي في طبرق عقيلة صالح، ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي.

والمعنى أن تركيا تنتهج مقاربة شاملة تجاه ليبيا، وتنظر إليها ككل دون التمييز بين شرقها وغربها، وتدعم الاستقرار والتوافق السياسي مع تأييد  المباحثات القائمة بين مجلس النواب الليبي في طبرق، والمجلس الأعلى للدولة حول تشكيل القاعدة الدستورية، والعمل على الأزمة السياسية الراهنة التي تتمثل في إقامة حوار بناء بين جميع الفرقاء، والجلوس على طاولة المحادثات بنوايا مخلصة لإيجاد حل نهائي، وعدم السماح بتدخلات خارجية، بل واعتبار الوجود العسكري يعزز فرص تحقيق الاستقرار الدائم.

وتجدر الإشارة إلى أن عقيلة صالح يدرك نفوذ فتحي باشاغا وعلاقاته القوية مع القادة السياسيين والعسكريين البارزين في طرابلس ومصراتة، ويدرك أيضاً نفوذ تركيا في غرب ليبيا، لكن يبدو أن أنقرة بحاجة الآن إلى اتخاذ موقف واضح في هذا الصراع، وعلى عكس الدبيبة، فإن لدى باشاغا مؤيدين في شرق وغرب ليبيا، لذا فقد يكون خياراً مناسباً لأنقرة.

اتجهت تركيا لتمديد بقاء قواتها في ليبيا 18 شهراً إضافياً، حيث تقدمت الحكومة التركية إلى البرلمان بمذكرة طلبت فيها تمديد مهمات قواتها في ليبيا لمدة 18 شهراً إضافياً، بدأت من الثاني من يوليو (تموز) السابق في ظل التنسيق التركي مع تشكيلات مسلحة محلية ما يعزز نفوذ تلك الجماعات، وهذا يتعارض مع جميع المخرجات الأممية الداعية لنزع سلاح تلك التشكيلات، فليبيا باتت نقطة انطلاق مهمة للتحركات التركية.

مسارات التحرك

اتجهت مصر إلى التنسيق مع اليونان في رفض توقيع حكومة الدبيبة في ليبيا لاتفاقات طاقة وتنقيب عن الغاز والنفط مع تركيا، واتفقت الدولتان على التنسيق بينهما للرد على هذه التصرفات، وأكد الجانبان أن حكومة الوحدة المنتهية ولايتها في طرابلس "لا تملك صلاحية" إبرام أية اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم وهو ما سيدفع بالتحرك في مسارين:

الأول، من خلال تنسيق مصري- يوناني بالأساس على أن يمتد لاحقاً إلى قبرص التي لا تعترف بها أصلاً تركيا، وسيشمل ذلك التحرك دول منتدى الغاز ومنظومة شرق المتوسط لتأكيد التوافقات الشرق متوسطية في التعامل ورفض الخطوات الانفرادية من جانب واحد من قبل تركيا، وعدم القبول بالخيارات من أعلى ومنع تمدد آثار أي اتفاق على مجمل الحركة المصرية وشرق المتوسط، بخاصة أن مصر رسمت حدودها مع كل من قبرص واليونان مع استمرار التفاوض بشأن رسم الحدود البحرية مع إسرائيل، ومن ثم فإن الإجراء المصري شرق المتوسطي سيكون المسار الرئيس للتحرك مع التوقع بسيناريوهات من الجانب الليبي، وفي إطار موازين القوى القائمة والمحتملة.

الثاني، إقدام القاهرة على عقد اجتماع موسع لدول منظمة غاز المتوسط بما يفرض موقفاً جماعياً، بخاصة أن القاهرة لديها خيارات عدة في التعامل، ولا تزال تمسك بقواعد الحركة في الملف الليبي، ولا تريد أن تخرج خارج السياق العام، بخاصة أن تركيا قد تدفع ثمن ما تم في إطار علاقاتها بمصر في الوقت الراهن وحرص تركيا على الانفتاح على مصر، وإتمام المصالحة وتكرار نموذج العلاقات التركية الإسرائيلية مع مصر والذهاب إلى صفر مشكلات مع القوى الرئيسة في الإقليم بعد تطوير العلاقات التركية مع السعودية والإمارات، بما يعطي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصداقية حقيقية في الانتخابات المقبلة ويعلي من شعبيته، على رغم بقاء التصور المصري قائماً على أن الملفات الجوهرية ذات العلاقات المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين لم يحدث عليها تطور حقيقي، وهي التي تتعلق بالإقليم في ليبيا وسوريا والعراق وكذلك المناكفات في شرق المتوسط، وهي ملفات يجب على تركيا أن تُظهر فيها مزيداً من التعامل الذي يؤكد مراعاتها أمن مصر، وهي متطلبات مصرية لا يمكن للقاهرة التخلي عنها، بل ستستمر في طرحها.

الخلاصات الأخيرة

سيظل الإجراء التركي بتوقيع مذكرة التفاهم مرفوض ليبياً وإقليمياً ومصرياً، لكن السؤال هل يريد الرئيس أردوغان ممارسة لعبة المقايضة السياسية من جديد تجاه أطراف الإقليم؟ وهل يعمل من خلال هذا المستجد على توجيه رسائل متعددة بخاصة أن الوضع الليبي الراهن لا يبشر بأي تقدم، وفي ظل بقاء الأوضاع على ما هي عليه، وهو الأمر الذي سيؤكد أن أية إجراءات انفرادية من جانب تركيا في الوقت الراهن لا تقر وضعاً ولا تفرض معادلة، أو خطاً يمكن للأطراف المعنية أن تلتزم تفاصيله، بل بالعكس ستظل ترفضه وتعمل على إفشاله.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل