Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما سر الترجمة العربية الغزيرة للكتب الصينية بدعم رسمي؟

أصوات أدبية جديدة تشق طريقاً جديداً للحرير بعيداً من التوجيه الأيديولوجي

الأدب الصيني تروج ترجمته العربية (موقع كونفوشيوس)

ثمة في الساحة الثقافية العربية والعالمية اليوم ما يمكن تسميته "الزحف الثقافي الصيني" على العالم، فمنذ عقود من السنوات لم تطالعنا حركة ثقافية صينية كالتي نشهدها اليوم. فما الجديد في الحالة الثقافية الصينية الذي يجعلها تمارس هذا الزحف، وهو كما أرى زحف غير مقدس في أي معنى من المعاني، مما يجعلني أتساءل عن مدى ارتباطه بالزحف الاقتصادي والعسكري والسياسي، وكذلك التقدم التكنولوجي أيضاً، وهذه كلها "زحوفات/ وفتوحات" ترتبط على نحو ما بالحركات الاستعمارية التي أسست للإمبريالية الشاملة، بما فيها إمبريالية الثقافة، وثقافة الإمبريالية بحسب تنظيرات إدوارد سعيد والمنتمين إلى مدرسة "ما بعد الإمبريالية" التي تعيشها أميركا والغرب، ويبدو أن الصين، وروسيا الشيوعية سابقاً، أخذت تعيشها وتعيش تحدياته، وتخوض المواجهات والحروب الشرسة للتقدم فيها.

نحن حيال رؤية لما تقدم عليه الصين من هجوم ثقافي يوازي هجومها الاقتصادي، وحتى السياسي، عالمياً، كما يتمثل في مساندتها روسيا في حربها على أوكرانيا؟ هجوم ثقافي لا يتجسد فقط في قيام عدد من دور النشر العربية بنشر الكتب الصينية وتوزيعها، بدعم مالي من مراكز الثقافة الصينية كما يبدو، بل يذهب إلى ترجمة الأدب العربي إلى الصينية، ودعوة أدباء عرب، شعراء وروائيين ضمن جولات على معالم الصين الثقافية والحضارية، هذا فضلاً عن الإقبال على عمليات الطباعة الرخيصة الكلفة في الصين، وحتى الإقدام على إقامة مهرجانات فنية عالمية.

أين حضارة الصين العريقة؟

ربما نعلم جميعاً كثيراً عن تاريخ الصين وحضارتها العريقة، والفاعلة والمؤثرة عالمياً، منذ "طريق الحرير" قبل ما يقارب خمسة آلاف عام (ثلاثة آلاف قبل الميلاد)، لكن جميع حضارات تلك الحقبة من التاريخ قد "دالت" مثل كل الدول والحضارات، الهندية والفرعونية والبابلية وغيرها، ونهضت حضارات وهيمنت كالفارسية والرومانية، لكنها "ولت" أيضاً مع هيمنة الحضارة العربية الإسلامية. ومنذ قرون هيمنت أوروبا، بريطانيا وفرنسا وروما، وقامت جميعها بحملات وحروب ضد الحضارة الناشئة، وسرعان ما دالت حضارة العرب والمسلمين وثقافتهم، ونحن الآن أمام صراع على الهيمنة، تخوضه الولايات المتحدة والغرب و"حضارتهم" الفاقدة المعنى الإنساني والأخلاقي.

ضمن هذه الصراعات تحاول الصين إذاً غزو العالم، والعالم العربي خصوصاً بثقافتها، وقد اتضح ذلك في منشوراتها في معارض عربية دولية للكتاب، حيث ظهرت أصناف من الكتب الصينية، فكرية وأدبية واقتصادية وسياسية، مع قدر من الإعلان، والأسعار المخفضة، تشجيعاً للإقبال على الاقتناء، لكن الإقبال ظل محدوداً، مقارنة بالطلب والإقبال على الكتاب الأجنبي - الغربي، الإنجليزي والفرنسي أولاً، والإسباني - الأميركي اللاتيني تالياً.

السؤال الذي يواجه المرء في هذا السياق، هو لماذا لا تحظى الثقافة الصينية، وخصوصاً الأدب الصيني، بالانتشار والشهرة، على رغم ما هو معروف عن الحضارة الصينية من هوية ضاربة في أعماق التاريخ وهي تنافس الحضارات الإنسانية، لكن ما يصل منها إلينا يكاد يقتصر على الفلسفة والحكمة، وربما كان كتاب "سيرة أديب الصين لوشون: ثلاثية روح مناضلة" (دار الحكمة، القاهرة 2021) من أبرز الكتب في هذا الإطار. وثمة بالطبع شيء قليل من الشعر، لكن الأكثر انتشاراً بين مؤلفات الصينيين، هو تلك الكتب "الحمراء"، وخصوصاً العائدة منها غالباً إلى الزعيم الأشهر ماو تسي تونغ، بينما تغيب الرواية والمسرح والفكر النقدي الأدبي الذي تميزت به المدارس الأوروبية الغربية، وحتى الروسية؟

هل المشكلة تكمن في وسائل التواصل والتوصيل، أم في الإنتاج وثمرات العقل الصيني، وانغلاقه ربما؟ وذلك على رغم اجتهاد المراكز الثقافية الصينية المنتشرة في العالم، في العمل على نشر ثقافتها، ومثال ذلك رواية لكاتب يكاد لا يكون معروفاً في غير لغته، هو شي إيفنغ الذي ترجمت روايته "اختفاء فتاة اسمها تشن غينفانغ"، أو "اختفاء الآنسة تشن غينفانغ"، في ترجمة ثانية تمت في القاهرة، وقد صدرت الترجمة الأولى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بينما صدرت الترجمة الأخرى ضمن مسابقة نظمها المركز القومي المصري للترجمة، بالتعاون مع المركز الثقافي الصيني في القاهرة.

جيل روائي جديد

وعلى ذكر هذه الرواية، فإن المطالعات والقراءات الأولية لها،  تشير إلى ما يمكن اعتباره ظاهرة جديدة في الأدب الصيني الحديث، ظاهرة تتمثل في بروز موجة من الروايات والروائيين بعيداً من الأيديولوجيا "الماوية" التي نشرها زعيم "الثورة الثقافية". هذه الظاهرة الجديدة ، التي تجلت خصوصاً  مع فوز الروائي مو يان بجائزة نوبل العام 2012 ،هي الكشف عما فعلته موجات "الانفتاح" من قبل الاقتصاد الصيني على الاقتصاد العالمي، وحتى على الاقتصاد الرأسمالي (الإمبريالي)، مستفيدة من انفتاحه ومن حرية الأسواق، لتجني ثروات طائلة من ذلك، ثروات لا يعنى أصحابها، كما لا يعنى الاقتصاد الصيني نفسه، بكيفية جنيها والحصول عليها.

ففي الرواية المذكورة أعلاه يتضح أن ماكينة الفساد هي "المانح" لهذه الثروات، وللتباين الشاسع بين فئات الشعب الصيني، تباين يفوق ذلك التباين في المجتمعات الغربية، لأنه في هذه المجتمعات الأخيرة محكوم بقوانين وإن كانت قوانين جائرة، لكننا في الصين أمام تحكم "الدولة" الأيديولوجية والنخب الحاكمة فيها، وصولاً إلى العصابات. وهو التحول "المسيطر عليه" في اتجاه ما يمكن تسميته "الاشتراكية الرأسمالية"، لكن وبما أن الفلسفة والمنطق يقولان "ليس كل تحول تقدماً إلى أمام"، فالسؤال المنطقي هنا هو إلى مدى يمكن اعتبار هذا الأدب بعيداً من التوجيه؟ إنه نتاج تحول "فاسد" اقتصادياً واجتماعياً.

ولأن المسألة تتداخل فيها العوامل كلها، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، فضلاً عن تفاعلات هذه العوامل وتحولاتها، في زمن سيادة "الملتيميديا" وتأثيرها المرعب، فإن من العبث التفكير والبحث عن المسارات التي ستجري فيها وإليها هذه التحولات، لكن ما يبدو للنظر الثاقب هو أن العالم كله، أي القوى العظمى المتصارعة، وفي ظل (أو ضوء) ما يجري من صراع بين رأسماليتين، واحدة بمبادئ اشتراكية، لكنها تسير نحو شكل من الإمبريالية، والثانية بلغت مراحل متقدمة في الإمبريالية، تسير كلها إلى مزيد من التوحش، وأن ليس أمام الشعوب البائسة، سوى انتظار مصيرها "البائس"، بل أكاد أقول "الميؤوس منه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أقول هذا من دون أن أسعى إلى التيئيس المجاني والعبثي، فربما - وهذا حلم - يظهر لنا مبدعون يقلبون المشهد. ومن "معطف" نبي الصين كونفوشيوس مثلاً (رغم محافظته واعتداله)، فلاسفة الصين وحكماؤها الجدد، ومن معطف ت. إس. إليوت، ومعطف ثيرفانتس وجان جينيه، وتشايكوفسكي ومايكوفسكي وحمزاتوف، وقبل ذلك وبعده من معطف شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء "البصير" الكبير أبي العلاء المعري و"رسالة الغفران"، وقبله بقرون أيضاً فيلسوف، وكاتب ساخر آخر هو السوري لوقيانوس السيميساطي، فهو أول من أبحر في علم الرواية والخيال، ويقال إن المعري تأثر بكتابه الشهير "المحاورات"، وغيرهم كثير من الفلاسفة والمفكرين أبناء الحضارات العريقة.

عن ترجمة الشعر

وفي الختام، وفي سياق عرض سياقات المساعي الحثيثة للصين لفرض حضورها، إن لم تكن هيمنتها، في المشهد الثقافي العالمي، نستذكر ونستعيد ما يتم تداوله حول ما تسميه "طريق الحرير الجديد"، تم إطلاقه قبل سنوات قليلة، واشتمل في مرحلة أولى على سمبوزيوم للفن التشكيلي شارك فيه عدد كبير من فناني العالم، في بكين. وكذلك يأتي، ولعله في الإطار نفسه، مشروع لنشر النتاج الشعري الصيني عبر العصور، وقد شهدنا صدور براعم من هذا المشروع، تمثلت في ترجمة كتاب مختارات شعرية، هي الأولى من نوعها في اللغة العربية على مستوى الحجم والمحتوى، بعنوان "ديوان الشعر الصيني منذ القدم حتى الوقت الحاضر... تراث ثلاثة آلاف عام"، وهو للباحث والمترجم طوني بارن ستون، وتشو بينغ، نقله عن الإنجليزية سامي مسلم، ويقع في 586 صفحة، ويقدم الكتاب مختارات لعشرات الشعراء الصينيين، تواكب سلالات الأسر التاريخية، وصولاً إلى الحداثة والوقت الحاضر، ويعكس ما رافقها من تغيرات في المضامين والأشكال والاهتمامات، كما ينفرد الديوان بمنح الشاعرات مساحة لائقة يكتمل بها المشهد.

ومما ورد في مقدمة المؤلفين "حاولنا في هذه الأنطولوجيا أن نجمع، في مجلد واحد، جوهر الشعر الصيني. وهذه المختارات تبدأ من كتاب الأغاني (الأنطولوجيا القديمة من الأغاني الشعبية التي من المفترض أن يكون جمعها كونفوشيوس نفسه)، لتتوج بالشعر السياسي، والتجريبي للشعراء الصينيين المعاصرين. وهنا ستجدون كثيراً من الجواهر الكلاسيكية المعتادة، والأشياء المفضلة شعبياً، ومقطوعات من الأنطولوجيا الصينية، كما حاولنا أن نضيء على شعراء جيدين من الذين تم القفز عنهم، وعلى وجه الخصوص لفتح المجال أمام الشاعرات الصينيات".
اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة