Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما احتمالات انهيار أسعار البيوت في بريطانيا؟

زادت بمقارنة الوضع الحالي مع الركود العقاري الكبير في نهاية الثمانينيات

خلال الأسبوع الماضي سحبت البنوك ومؤسسات الإقراض أغلب عروضها على قروض الرهن العقاري (روترز)

منذ أخذ الجنيه الاسترليني في الانهيار السريع قبل أكثر من أسبوع وزادت احتمالات رفع بنك إنجلترا "المركزي البريطاني" أسعار الفائدة بقوة، تنصب الأنظار على القطاع العقاري البريطاني واحتمالات انهيار أسعار البيوت.

وخلال الأسبوع الماضي سحبت البنوك ومؤسسات الإقراض العقاري أغلب عروضها على قروض الرهن العقاري المطروحة للمشترين، التي تتميز بنسبة فائدة منخفضة نسبياً مثبتة لمدة ما بين سنتين وخمس سنوات مقابل رسوم تدفع مقدماً، وذلك بانتظار إعادة مؤسسات الإقراض العقاري تقييم توقعاتها لأسعار الفائدة قبل أن تحدد سعر فائدة جديد على قروض الرهن العقاري، وإن كان بعض المقرضين بالفعل بدأ لا يوافق على القرض للمشتري ما لم يتأكد من أن ظروفه المالية في المستقبل تسمح له بتحمل نسبة فائدة تصل إلى سبعة في المئة.

يشير تحقيق مطول بعنوان "احتمالات انهيار أسعار البيوت في 2022" نشرته صحيفة "صنداي تايمز" إلى أن أغلب المتعاملين والمحللين في السوق العقارية البريطانية أصبحوا يتحدثون أكثر عن "انهيار" وليس تباطؤاً في ارتفاع الأسعار. وتحديداً منذ إعلان وزير الخزانة كوازي كوارتنغ الميزانية التكميلية، الجمعة قبل الماضي، التي أدت إلى اضطراب الأسواق وفقدان الثقة في السياسة الاقتصادية لحكومة رئيسة الوزراء ليز تراس.

وكل ربع عام، أي كل ثلاثة أشهر، تنتهي فترة تثبيت الفائدة لنحو 300 ألف أسرة بريطانية اشترت بيوتها بقرض عقاري مع فترة فائدة ثابتة محددة المدة. وبحسب تحليل أجراه نيل هدسون محلل العقارات السكنية في شركة "بيلت بليس"، فإن هذا العدد سيرتفع في الربع الثاني من العام المقبل إلى 375 ألفاً. فأغلب المشترين للعقار في السنوات الأخيرة يقترضون بطريقة الفائدة المثبتة لمدة محددة وليس على أساس سعر الفائدة المتغير.

رد فعل سوق العقار

في أول رد فعل للسوق العقارية على إعلان الميزانية التكميلية، التي تضمن خفضاً مؤقتاً لضريبة رسم الدمغة العقارية، توقع البعض أن يؤدي ذلك إلى تشجيع المشترين والحفاظ على قوة الطلب في ظل محدودية المعروض من البيوت للبيع بالتالي استمرار ارتفاع الأسعار. حتى إن تيم بانيستر، من شركة السمسرة العقارية "رايت موف" توقع أن تعاود السوق النشاط بعد توقف ارتفاع الأسعار في سبتمبر (أيلول)، وإن ظل معدل الارتفاع السنوي لأسعار البيوت عند 9.5 في المئة.

لكن ما إن بدأت الأسواق حول العالم تتخلص من الجنيه الاسترليني وسندات الخزانة البريطانية بكثافة هوت بأسعارهما، حتى تغيرت الحالة في السوق العقارية تماماً. وأصاب الذعر البنوك ومؤسسات الإقراض العقاري في شأن احتمالات رفع سعر الفائدة. فذلك يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض لتمويل قروض الرهن العقاري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذا سحب المقرضون عروضهم للقروض العقارية من السوق حتى يتمكنوا من طرح منتجات إقراض جديدة بأسعار فائدة أعلى، لكن أغلبهم لم يستطع تحديد سعر الفائدة في ظل الاضطراب الذي شهدته الأسواق في الأيام الماضية وتضارب التوقعات في شأن مسار رفع بنك إنجلترا لسعر الفائدة. يقول أندرو ويشارت من مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس": "ارتفع معيار سعر الفائدة الذي على أساسه تقترض البنوك إلى نسبة خمسة في المئة. وهو يزيد كثيراً عن متوسط نسبة الفائدة على القروض العقارية عند 3.6 في المئة الذي كان سائداً في أغسطس (آب)، بالتالي إذا لم يسحب المقرضون عروضهم على القروض العقارية فإن هذا كان سيعني أنهم ستعرضون لخسائر".

صحيح أن أغلب البنوك ومؤسسات الإقراض العقارية لا تأخذ أموالاً لتمويل ديون الرهن التي تقدمها للمشترين، وتعتمد على المدخرات لديها، لكن وكما يشرح ويشارت، فإذا رفع بنك إنجلترا سعر الفائدة الأساسي وتم تمرير ذلك إلى الفائدة على المدخرات ستفقد البنوك ومؤسسات الإقراض هامش ربحها المتمثل في لا الفارق بين سعر الفائدة على الادخار وسعر الفائدة الذي تفرضه على قروض الرهن العقاري للمشترين.

توقعات الفائدة

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قام بنك إنجلترا برفع سعر الفائدة سبع مرات، حتى ارتفعت الفائدة الأساسية من نسبة 0.1 في المئة إلى 2.25 في المئة الشهر الماضي، لكن الأسواق تتوقع الآن أن يقدم البنك على تشديد السياسة النقدية أكثر في محاولة لإعادة التوازن إلى السوق والتغلب على ارتفاع معدلات التضخم الناجم عن سياسات الحكومة المالية.

تتباين التوقعات بين رفع سعر الفائدة الأساسية بنسبة واحد أو حتى 1.5 في المئة في اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك الشهر المقبل نوفمبر (تشرين الثاني). ويرجح كثيرون في السوق أن تصل أسعار الفائدة الأساسية العام المقبل إلى نسبة 6 أو 7 في المئة.

المشكلة أن السوق العقارية البريطانية بالغت في الاستفادة من فترة نسبة الفائدة المنخفضة إلى قرب الصفر، فارتفعت أسعار البيوت لتتجاوز بكثير أي معدلات زيادة في الأجور والدخول. وبالتالي فإن أي ارتفاع في أسعار الفائدة فإن تكلفة الاقتراض ستعني أن الملايين من أصحاب البيوت سيصبحون في وضع غير القادر على تحمل التكلفة الشهرية لأقساط قرض الرهن العقاري، هذا في الوقت الذي يستمر فيه انخفاض الأسعار مما سيؤدي إلى تدهور قيمة الأصل العقاري لديهم، بما لا يمكنهم من الاتفاق على فائدة مثبتة جديدة على قروضهم العقارية الحالية.

مقارنة مع الانهيار السابق

يقارن كثيرون بين وضع السوق العقارية الآن، والوضع الذي قاد إلى الازدهار الكبير في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. صحيح أن سعر الفائدة الآن، وحتى عند نسبة ستة في المئة، يظل أقل مما كانت عليه الفائدة في نهاية الثمانينيات، إلا أن تأثيرها يشبه الوضع آنذاك إذا تم حسابها على أساس ارتفاع ديون الأسر وارتفاع أسعار البيوت.

كما أنه في الثمانينيات استفاد أصحاب البيوت من الإعفاء الضريبي على مدفوعاتهم من أقساط قروضهم العقارية، وهو الإعفاء الذي انتهى في أبريل (نيسان) عام 2000، كما أنه إضافة لخفض الضرائب وقتها، كانت أسعار الفائدة آخذة في الانخفاض. وهذا ما يجعل المقارنة ليست لصالح الوضع الحالي الذي يبدو أسوأ.

ففي ربيع عام 1988 كان معدل ارتفاع أسعار البيوت في بريطانيا عند نسبة 13.8 في المئة بحسب أرقام شركة "نيشن وايد" العقارية. وكانت الأسعار في طريقها للارتفاع بنسبة 32 في المئة مع مطلع عام 1989. وكان ذلك أكبر تضخم في السوق العقارية البريطانية على الإطلاق. وأخذت أسعار الفائدة الأساسية في الارتفاع لتصل إلى نسبة 15 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1989.

حدث الانهيار الكبير للسوق العقارية، وحجزت البنوك ومؤسسات الإقراض على بيوت من لا يستطيعون دفع أقساط القروض. وبدأت عمليات البيع بالمزاد، وأخذت الأسعار في الانهيار بخريف 1989 لتهوي بنسبة تقارب 20 في المئة بشكل عام، وبنسبة تزيد على 30 في المئة في لندن والجنوب الشرقي من إنجلترا، بحلول عام 1993.

وأصبح ذلك هو الانهيار الكبير لأنه مع توقف انخفاض أسعار البيوت فان السوق لم تتعاف حتى نهاية التسعينيات. وهذا ما يخشى كثيرون منه الآن إذا تكرر انهيار الثمانينيات. فعلى سبيل المثال، كان المعدل السنوي لارتفاع أسعار البيوت في يوليو (تموز) الماضي عند 15.5 في المئة.

لذا يتوقع كثيرون انخفاضاً في الأسعار، بعضهم يقدره بنسبة عند سبعة في المئة ستعني تباطؤ السوق العقارية وليس انهياره، لكن كثيرين عدلوا تلك التوقعات بالزيادة في ضوء تطورات الأيام الماضية. وبحسب أندرو ويشارت من "كابيتال إيكونوميكس" الذي كان يتوقع انخفاض أسعار البيوت بنسبة أقل من 10 في المئة سابقاً، فإن ارتفاع سعر الفائدة إلى نسبة 6 في المئة سيعني هبوط أسعار البيوت بنسبة 21 في المئة.

وحتى قبل الاضطرابات الأخيرة بعد إعلان الميزانية التكميلية كان واحد من أكبر المقرضين، وهو بنك "أتش أس بي سي"، يتوقع انخفاض أسعار البيوت ما بين ثمانية و15 في المئة. أما بنك "كريدي سويس" الاستثماري فيتوقع انخفاض أسعار البيوت بما بين 10 و15 في المئة.

وعلى الرغم من التقديرات المتشائمة التي تشير إلى انهيار السوق، يظل هناك عدد معقول من الاقتصاديين والمحللين يرون أن السوق وإن تباطأ بشدة فيمكنه تفادي الانهيار. وتشير تدخلات بنك إنجلترا حتى الآن إلى أنه يحاول تفادي أي انهيار في أسواق مؤثرة، مثل قطاع العقار، يمكن أن تؤدي إلى انهيار الاقتصاد كله.