Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن الفساد والحرس القديم... لماذا تتجدد احتجاجات العراق؟

النقمة على قمع الحريات في إيران تحاكي طموحات العراقيين في التخلص من الثيوقراطية بحثاً عن "وطن آمن"

يتفق المحتجون العراقيون في شوارع بغداد على تأكيد عزلة السلطات والميليشيات المتنفذة (أ ف ب)

لم تسقط بناية في بغداد طيلة عقود فسقوط بناية يعد من الكبائر في معمار بغداد الذي يخضع لقوانين صارمة، لكن سقوط عمارة حكومية تابعة لوزارة الصحة في ساحة الواثق بقلب بغداد الرصافة عشية الاحتجاجات أثار تساؤلات عن صلة التظاهرات التي بدأت في العاصمة بسقوط مبنى حديث لهيئة الاستثمار الحكومية اتضح في ما بعد أن فساداً في المقاولة كان وراء الحادثة وكشف عن أن الفساد يطاول كل مرافق الحياة في البلاد.

الفساد المبرمج

يقول متخصص في الاقتصاد إنه عمل مع الرئيس السابق للجنة المالية في البرلمان أحمد الجلبي الذي كان واحداً من أهم رؤوس المعارضة، ووقتها توصلت لجنة موسعة إلى اختفاء 350 مليار دولار سرقت من موازنات الدولة بعد عام 2003 من قبل سياسيين يتولون إدارة الدولة ويتحكمون بعقودها ومشاريعها، ويضيف "الآن تضاعف حجم السرقات وأظن أننا تخطينا نصف تريليون دولار من السرقات على الإنفاق الحكومي الوهمي والرواتب الكاذبة المكررة".

أمام هذه الصورة نستطيع أن نفهم خروج مئات آلاف العراقيين بشعارهم الخجول "نريد وطناً" الذي تطور في ما بعد إلى "الشعب يريد إسقاط النظام" وتوزعهم على الساحات العامة بين "ساحة التحرير" قلب بغداد الرصافة و"ساحة النسور" في الكرخ بنية الوصول إلى "المنطقة الخضراء" حيث مقار الرئاسات الثلاث التي استولت على قصور ومباني النظام السابق.

تظاهرات تحاكي أخرى

التوافد على التظاهرات والمطاردات التي تجري مع أطراف حكومية أو أخرى تابعة لميليشيات تقتضي مصالحها منع وصول المتظاهرين إلى "المنطقة الخضراء" يحاكيان تلك الأصوات الاحتجاجية في شوارع طهران ومدن إيرانية أخرى، حيث يعبر الشعب عن غضبه على رجال الدين السياسيين الذين يتخندقون وراء شعارات الورع والتقوى ويتصدون للتحكم في قرار البلاد وحاضرها ومستقبلها وسط نقمة الجمهور الغاضب الذي لم يعد يصدق تلك الشعارات.

وإذا كان منتجو العملية السياسية المحاصصية في العراق يتقاسمون "كعك" السلطة ومزاياها فإن النقمة على قمع السلطة للحريات في إيران شعار مؤثر ينعكس حتماً على الجمهور العراقي ويحاكي طموحاته في التخلص من النظام الثيوقراطي (الديني) الذي يسوغ حكمه بأفكار دينية وأطر فلسفية ما عادت تصدق من عامة الناس الذين تحولوا إلى غالبية صامتة من غير المسموح مناقشتها مدنياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفارق الوحيد بين تظاهرات طهران وتظاهرات بغداد هو أن السلطة هناك تتشدد مع المتظاهرين وتأمر بإسكاتهم بأي ثمن، لكن الحكومة التي يترأسها الكاظمي القائد العام للقوات المسلحة تؤكد الحق في التظاهر السلمي في إطار القانون، لكنه دعا المحتجين إلى التعاون مع القوات الأمنية وحفظ مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة، مشدداً على ضرورة قيام قوات الأمن بحماية المتظاهرين السلميين بشكل كامل ومؤكداً على منع إطلاق النار وما وصفه بـ"السبل الأخرى غير القانونية في التعامل مع التظاهرات".

لكن الواقع على الأرض يكشف عن أن هناك محاولات لمندسين من الأحزاب والميليشيات الولائية تحاول استهداف الناشطين وإصابتهم وقتلهم بخبرة "الطرف الثالث" الذي لم يرتدع بعدما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على متهمين يسعون إلى ضرب التحركات وتحويل مسارها السلمي إلى اشتباك بين المتظاهرين والقوات الأمنية.

ويحاول الكاظمي تجنب تكرار تجربة سلفه عادل عبدالمهدي السيئة في التعامل مع المحتجين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ودفع الاحتجاجات نحو الصدام واستخدام العنف والقسوة، مما أدى إلى استقالته الإجبارية بطلب من المرجعية العليا، حين فتح الباب للميليشيات وبعض الألوية الحكومية لممارسة العنف المفرط ضد المتظاهرين.

بالخبرة ذاتها التي واجهها متظاهرو طهران المطالبين باحترام الحريات العامة ووقف الفساد الحكومي يتفق المحتجون العراقيون في شوارع بغداد على تأكيد عزلة السلطات والميليشيات المتنفذة التي وسعت استهدافها ليس للمدنيين فقط بل حتى للقوات الأمنية التي كلفها الكاظمي حماية المتظاهرين.

إشكالية الأزمة

لكن الأزمة أعمق لدى جيل الشباب الذي لم يعش أجواء الحرس القديم سواء في إيران أو العراق، فالممسكون بالسلطة والحكم يظنون أن لديهم الحق في امتلاك مقاليد الحكم وتوجيه الجمهور وفق إرادتهم ومشاريعهم التي يختلط فيها العام بالخاص وهم يستثمرون في السلطة وعبرها لبناء أمجاد شخصية لهم ولأسرهم ويجنون أرباح عائدات ذلك الوجود الذي مرت عليه عقود في حين لا يهم الأجيال الطالعة كيف يفكرون ولا كيف ينسجون آليات البقاء، فالجيل الجديد يتطلع إلى الحياة والمستقبل ولا يقبل بأن يدفع ضريبة وجود الحرس القديم في عصر التنوير والفضاء المفتوح الذي تحول فيه العالم إلى شاشة.

"نريد وطناً" شعار بسيط أطلقه ناشطون عراقيون قبل ثلاثة أعوام يخفي في طياته إرادات كثيرة مثل "نريد حياة في وطن آمن، نريد تعليماً جيداً وإنترنت مستمراً وطعاماً مشبعاً وأمناً مستمراً يحمي ولا يهدد ودخلاً يكفي الأسر للإنفاق بكفاءة وحياة كريمة وتداولاً حراً للسلطة ودولة مدنية تحترم حقوق الإنسان وخدمات مستمرة لائقة وتوفيراً للطاقة وبيوتاً لائقة ومجتمعاً بلا عاطلين وإنتاجاً زراعياً وصناعياً يسهم به المجتمع ودولة قادرة على حماية الناس وممتلكاتهم وجواز سفر محترماً يؤهلنا لرؤية العالم".

مطالب كثيرة يرفعها المواطن العراقي وهو يعرف أنها سرقت في وضح النهار من مدعي الورع والتقوى والمنادين برفع المظلومية لكنهم تحولوا إلى ظالمين وينتقدهم جيل ظن أنهم سيغيرون حياته فأبقوها أكثر حلكة وتآمروا على مستقبل البلاد بنهبها ومصادرة آمال المتطلعين إلى عالم من دون ظلم.

المزيد من تحلیل