Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كواليس مؤتمر حزب العمال البريطاني تشهد جدلا محتدما

كيف ينبغي أن يتكيف حزب العمال مع المشهد السياسي المتغير دراماتيكياً؟

خطاب ستارمر اتسم بالثقة وعكس تطلعات طرفي النقاش الحزبي الداخلي (أ ف ب)

بفضل ما ألحقته الحكومة بنفسها من أضرار، أخيراً بدأ حزب العمال يشعر بشيء من التفاؤل بالعودة للسلطة بعد 12 عاماً طويلة من التيه، ولكن الجدال محتدم وراء الكواليس خلال مؤتمر الحزب في ليفربول حول الطريقة التي يتعين على حزب العمال أن يتكيف بها مع المشهد السياسي المتغير دراماتيكياً.

ولكن هل تبرر المعمعة الحاصلة في صفوف المحافظين وتقدم العمال بـ 17 نقطة، في أحدث استطلاع للرأي، نهج "السلامة أولاً" الذي يتبناه كير ستارمر؟ أو هل يتعين على حزب العمال أن يغتنم الفرصة ويتصرف بـ "جسارة ضاربة" في تحديد رؤيته البديلة للبلاد في وقت يشعر فيه الناخبون بالحيرة والارتباك من جانب حكومة ليز تراس "الجديدة"؟

في خطاب اتسم بالثقة ألقاه أمام المؤتمر بعد ظهر هذا اليوم (الأربعاء 28 سبتمبر (أيلول)، عكس ستارمر في كلمته تطلعات طرفي النقاش الحزبي الداخلي وسعى بنحو لافت إلى إيجاد أرضية مشتركة، وفي الوقت المناسب أوضح كيف ستتغير المملكة المتحدة بعد ولاية مدتها خمس سنوات لحكومة العمال.

طرح سياسة جديدة تمثلت في [شركة] "طاقة بريطانيا العظمى" Great British Energy وهي ليست وليدة التأميم الذي يريده كثيرون في حزبه، ولكن أن تكون شركة مملوكة للدولة من أجل اغتنام فرص الطاقة الصديقة للبيئة كي لا تستأثر بها الشركات المملوكة لجهات أجنبية.

وقد بدا ستارمر غير متردد في الاقتراب من تيار الوسط سياسياً، وهي خطوة من الواضح أنها تأتي بعد انحراف المحافظين فجأة إلى اليمين في حملة أيديولوجية تقلق العديد من نوابهم، وبالتالي فقد دخل ستارمر منطقة تقليدية لحزب المحافظين من خلال طرح حزب العمال بوصفه "حزب ملكية المنازل" (يهدف إلى زيادة ملكية المواطنين للمنازل من 65 إلى 70 في المئة في غضون خمس سنوات) و"الطموح"، مشدداً على جذوره التي تنتمي إلى الطبقة العاملة. (يشكك الشارع في هذه الجذور بالنظر إلى أن اسمه يبدأ بلقب "سير").

لا شك في أنه يطيب لستارمر كثيراً احتمال خوض الانتخابات العامة المقبلة من بوابة الاقتصاد، وبطبيعة الحال يتعين على كل زعماء حزب العمال قول هذا حتى ولو كانوا يفضلون المجال الذي يرتاح له الحزب عادة، وهو هيئة الخدمات الصحية الوطنية وغيرها من الخدمات العامة، لكن الأحداث أعطت ستارمر الثقة ليقول ذلك.

وقد تعهد بالفوز في معركة مع المحافظين حول إعادة توزيع الثروة وحقوق العمال، لأن "الإنصاف والعقلانية الاقتصادية يقفان إلى جانبنا".

قد لا يكون انحدار الجنيه الاسترليني منذ إعلان الموازنة المصغرة يوم الجمعة الماضي هو المعادل الاقتصادي للأربعاء الأسود عندما أخرجت المملكة المتحدة من آلية التبادل الأوروبية عام 1992، ولكن قد يثبت أنه المعادل السياسي، لا سيما مع تعرض المحافظين للخسارة الكارثية نفسها في الكفاءة الاقتصادية.

وفي معرض طرحه لهذا الهدف المفتوح جادل ستارمر بصدقية أن حزب العمال أصبح الآن حزب "السياسية المالية الصائبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأقر بأن وضع المالية العامة التي سيرثها العمال ستجعل عملية الإنقاذ "أصعب من أي وقت مضى"، لكنه رفع معنويات وتطلعات جمهوره الذي أظهر كيف تغير الحزب، وهو ما تجلى في وقفات عدة للتصفيق خلال الخطاب.

وصرح ستارمر قائلاً "هذه لحظة عمالية"، مشيراً إلى انتصارات حزب العمال الحاسمة خلال انتخابات 1945 و1964 و1997.

وعلى رغم أن بعض نواب حزب العمال كانوا يأملون في مزيد من الوضوح حول السياسات، إلا أن الخطاب اجتاز الاختبار على صعيد "الرؤية ".

لم يقدم لنا (ستارمر) الصورة الكاملة بعد، لكنه بدأ برسم ملامحها، ونظراً إلى الخلفية غير المتوقعة، فقد احتاج إلى أن يظهر للناخبين أنه قادر على توفير الاستقرار والقيادة المتعقلة والموثوقة التي من الواضح أن المحافظين يفتقرون إليها.

والواقع أن إعلان ستارمر أن حزب العمال يشكل من جديد "الجناح السياسي للشعب البريطاني"، وهو تكرار مقصود لشعار توني بلير قبيل فوزه الساحق عام 1997، أثار غضب منتقديه اليساريين، وكان ذلك بمثابة وخزة في أعين النقابات العمالية التي تعتبر حزب العمال الجناح السياسي لحركتها.

ففي عهد ستارمر أفلح الحزب في وقف سياسة تحطيم عهد "حزب العمال الجديد" [الذي أرساه بليز]، وهو أمر لن يلقى ترحيباً من قبل الناخبين الذين منحوا بلير ثلاث ولايات في الحكم، ويمكن للعمال الآن أن يتركوا تلطيخ السياسات لحزب المحافظين، حيث تدمر ليز تراس كثيراً مما فعله ريشي سوناك ومايكل غوف وحتى بعض أعمال بوريس جونسون.

ومع ذلك لا يوجد ضمان أن تستمر اضطرابات السوق كما في صفوف المحافظين، لذلك يتهامس بعض نواب حزب العمال بأن نهج "الجسارة الضاربة" الآن يمكن أن يحدث فرقاً بين برلمان معلق حيث يترأس ستارمر حكومة أقلية عمالية وبين فوزه بأغلبية صريحة، إذ لا يزال أمام العمال طريق شاق يتعين قطعه بالنظر إلى الأكثرية التي حققها جونسون والتي بلغت 80 مقعداً عام 2019.

وحجة الدفاع، على حد تعبير أحد المستشارين، هي أن ستارمر "يمثل الوسطية ولكن السياسات تقع في يسار الوسط"، واستشهد بتعهد الحزب إعادة أعلى معدل لضريبة الدخل وهو 45 في المئة، وخططه الطموحة للطاقة الخضراء. لكن (ستارمر) لا يريد إثارة الهلع، لذا فقد تحاشى حزب العمال الحديث هذا الأسبوع عن فرض ضرائب على الدخل غير المكتسب، وهو ما يفكر فيه، خشية أن تتصدر عناوين الصحف عبارات من قبيل "ضريبة الثروة"، وهو ما قد يصوره المحافظون وأنصارهم في الصحف على أنها "حرب طبقات"، فيسلمون تراس بعض الذخيرة التي ستكون في أمس الحاجة إليها.

بينما كنت أشاهد الخطاب كان بوسعي أن أتخيل ستارمر في دور رئيس وزراء جيد، وربما بدا أقرب إلى كونه شخصية مؤهلة مطمئنة من طراز كليمنت أتلي [رئيس وزراء عمالي سابق في الفترة 1945 إلى 1951] أكثر من كونه شبيهاً ببلير في نسخته الثانية، لكن عليه أولاً أن يصل إلى رئاسة الحكومة.

© The Independent

المزيد من تحلیل