Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من سينتصر في معركة الطاقة... الكهرباء أم النفط؟

اكتشافهما لم يكن مرتبطاً ببعضهما ومتخصصون يرجحون كفة الأخير خلال السنوات المقبلة

صارت الكهرباء ملموسة في أحد الإنجازات الكبرى منذ عام 1831 (أ ف ب) 

مع اقتراب الشتاء الأوروبي القارس يختلط على المتابعين لأخبار الحرب في أوكرانيا موضوعا التدفئة والكهرباء والطاقة والنفط، بخاصة أن الدعاية عموماً تظهر الغربيين كما لو أنهم سيتجمدون داخل منازلهم بسبب البرد في حال تطور السيناريو إلى وقف الروس نهائياً إمدادات الغاز إلى القارة العجوز.

هذا الربط بين الكهرباء والنفط والطاقة فيه كثير من الصحة، وعموماً يخلط أكثرنا بينها على الرغم من أن اكتشاف الكهرباء لم يكن مرتبطاً باكتشاف النفط بل سبقه، لكن الدعاية والترويج لنظافة الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري في بدايات القرن العشرين حتى اليوم ربطت الكهرباء بالغاز والنفط، كما لو أن هذه لا توجد بلا ذاك.

الوقود الأحفوري والكهرباء والطاقة

الوقود الأحفوري يمكنه إنتاج أشكال مختلفة من الطاقة، منها الكهرباء التي يمكن توليدها أيضاً من الشمس أو الرياح والأمواج ومن الفحم الحجري ومن الطاقة النووية التي بدأ استخدامها منذ خمسينيات القرن الماضي في أوروبا والولايات المتحدة تحت شعار سهولة الإنتاج ووفرة الكمية وسعره التوفيري على المستهلكين.

وتم الترويج أيضاً في حملة دعائية ضخمة بين أوروبا والولايات المتحدة في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين لنظافة هذه الطاقة، على الرغم من أن هذه المحطات النووية شكلت خطراً مميتاً على محيطها، كما حصل في كارثة "تشيرنوبل" السوفياتية النووية الأولى من نوعها، وتلتها حوادث أصغر وأقل شهرة في محطات نووية محلية كثيرة في الولايات المتحدة.

وشكلت محطات توليد الكهرباء من الطاقة النووية الخطر الأول من بعد أمواج التسونامي التي ضربت شواطئ اليابان قبل سنوات، ومنها المحطات النووية التي تمكن اليابانيون من ضبط تسرب إشعاعاتها بسرعة.

يسأل خبير الطاقة فريدون سيوشانسي من موقع "enrgypost" البريطاني "النفط ضد الكهرباء، أيهما ينتصر؟" ويجيب "لا يمكن وضعهما مقابل بعضهما، فالنفط والكهرباء نوعان منفصلان تماماً مع استثناء محتمل لعدد قليل من الأماكن التي لا يزال يحرق فيها النفط لتوليد الكهرباء، كما في الدول النفطية مثل الجزائر والسعودية وبعض الدول الفقيرة التي لم تجدد معامل إنتاج الكهرباء لديها". واستدركت دول الخليج العربي إهدار نفطها في توليد الكهرباء مقابل الاستثمار المستدام بمصادر الطاقة النظيفة والاستفادة من شمس المنطقة.

من ينتصر؟

لو قررنا إجراء المقارنة، فإن النفط ينتصر في معركة تأمين الطاقة للعالم، إذ تبلغ نسبة تأمين الكهرباء للطاقة 20 في المئة من الاستهلاك الكامل على مستوى العالم، أي نصف ما يقدمه النفط.

لكن برأي خبير الطاقة سيوشانسي، فإن النفط ربح المعركة، لكنه لم يربح الحرب التي ستنتصر فيها الكهرباء في النهاية، أما الأسباب فهي أن الطلب على الكهرباء ينمو بمعدل أسرع بكثير من النفط بسبب المنافسة في قطاع السيارات الكهربائية والنقل المكهرب الذي سيؤدي إلى التهام الجزء الأكثر من مصادر ربح عالم النفط نتيجة انخفاض الطلب المتوقع على البنزين والديزل. ويضاف إلى الأسباب الآنفة الضغوط العالمية من أجل خفض انبعاث الكربون من الدول الصناعية تحديداً، ما سيدعم مصادر الطاقة المتجددة الوفيرة.

في أمثلة على صحة مثل هذه الرهانات، استثمارات صندوق الثروة السيادية في السعودية الذي اشترى ما يقارب خمسة في المئة من شركة  "Tesla- تيسلا"، وأطلقت دول الخليج العربي النفطية مشاريع مختلفة لإنتاج الطاقة من الشمس، كما في الإمارات التي تبني محطة للطاقة النووية إلى جانب حقول إنتاج الطاقة الشمسية.

وهناك الاستثمارات في الطاقة النظيفة التي فرضها اتفاق باريس للمناخ على شركات النفط وعلى المصانع الأكثر استهلاكاً للوقود الأحفوري، بشكل إجباري كتعويض عن الأضرار.

النفط للكهرباء أم للطاقة؟

خلال العقدين الماضيين ظهر خبراء في الطاقة واقتصاداتها وفي البيئة أيضاً يحملون وجهة نظر مختلفة حول إنتاج الطاقة نتيجة فوضى سوق الطاقة العالمية، وتحديات الحرب الروسية ضد أوكرانيا وقبلها تحديات التغير المناخي والقيود المفروضة على استخدام الوقود الأحفوري من نفط وفحم حجري.

ومن هؤلاء الخبير في مجالات الطاقة واقتصاداتها تايلر كين يقول "يجب أن نعمل لنصبح أكثر اجتهاداً في ممارسة إعادة تقييم الأضرار المتوقعة من العودة إلى الوقود الأحفوري وتحديداً إلى البنزين بدل الديزل لاستخدام السيارات ووسائل النقل مثلاً".

وبرأيه أنه لا يمكن في مثل هذه القضية التي تهم مصير مليارات من البشر أن نترك للزخم المجتمعي والرأي الجماهيري الشعبوي أن ينتصر، الذي يفيد بأن وقف السيارات مثلاً سيؤدي إلى تخفيض حرارة الكوكب "نحن بحاجة إلى مزيد من المقارنات بين الطريقة التي فعلنا بها والطريقة التي علينا أن نفعل بها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم تظهر الكهرباء إلى الوجود وتتحول إلى الاستخدام العام مع النفط، ولم يكن لاكتشاف النفط أي علاقة بالكهرباء والعكس، لكن استخدامهما كمصدر للطاقة سار بالتوازي، فبدأ توزيعهما ونقلهما عبر الأسلاك أو الأنابيب في سنوات متقاربة.

وانطلق اختراع الآلات التي تعمل على الكهرباء كالإنارة العامة والسكنية قبل ظهور الآلات الكهربائية المنزلية، وفي الوقت نفسه ظهرت السيارات التي تستخدم الوقود السائل.

كانت الكهرباء قد صارت ملموسة في أحد الإنجازات الكبرى في عام 1831، عندما اكتشف العالم البريطاني مايكل فاراداي المبادئ الأساسية لتوليد الكهرباء عبر "تحفيز" التيار الكهربائي من طريق تحريك المغناطيس داخل لفائف من الأسلاك النحاسية.

بدأ عالمنا الكهربائي الحديث مع ماكينات أو آلات الاتصال والإنارة مثل التلغراف والمصباح الكهربائي والهاتف، وتبلور هذا العالم مع الراديو والتلفزيون والأجهزة المنزلية الكمالية، مثل الثلاجة والمكنسة الكهربائية وماكينة القهوة، في تلك المرحلة باتت الكهرباء نواة العصر الرقمي الذي جعل عالمنا شديد الترابط بشكل فوري.

مع تحول الكهرباء إلى مصدر أساس للطاقة للمنازل والمصانع، بدأ إنتاج الكهرباء بواسطة الوقود الأحفوري، وذلك في الثلاثينيات من القرن العشرين، في تلك المرحلة التقى مصدرا الطاقة هذان في مسارهما لأول مرة، فبات إنتاج الكهرباء يتم عبر النفط والفحم الحجري، أي عبر استخدام وقود غير نظيف لإنتاج طاقة نظيفة، فالكهرباء هي الشكل المفضل للطاقة في عالم اليوم منذ عقود بعيدة، بسبب كفاءتها العالية وسهولة إيصالها إلى المستهلك بجهد قليل، وتدفقها المثالي القابل للتعديل والنظافة، وصمتها عند الاستخدام، فالكهرباء طاقة صامتة تقريباً.

في بداية الألفية الثانية تفاقمت مشكلة صناعة الكهرباء من الوقود الأحفوري وتحديداً النفط بسبب الانبعاثات الخطيرة التي تتسبب بالاحتباس الحراري، ولم تعد المطالبة بإنتاج الكهرباء من الطاقة النظيفة مجرد تمنيات تنظيرية، بل فرضت اتفاقات المناخ على الدول شروطاً قاسية لإنتاج الكهرباء من الوقود الأحفوري.

وبدأت دول كثيرة بتنفيذ التزاماتها في هذه الاتفاقات الدولية، لكن الحرب الأوكرانية والتهديد بسلاح النفط دفع الحكومة الألمانية لوضع خطة إعادة فتح مناجم الفحم الحجري كوسيلة للمواجهة عند الحاجة، وهذا ما أدى إلى التأخير في تنفيذ بنود كثيرة من اتفاق باريس المناخي، وتأخير تحقيق النتائج بحلول العام 2030 كسنة يبدأ العالم فيها قطف ثمار اتفاقاته المناخية.

وبحسب خبراء كثر، فإن النفط سيعود ملكاً على مصادر الطاقة في السنوات المقبلة، فما اشتهته سفن الطاقة الكهربائية لم يكن باتجاه رياح الطاقة الأحفورية نفسه.

المزيد من تقارير