Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أوبك" 62 عاما في قيادة السوق النفطية فماذا عن أزمة الطاقة العالمية؟

قال محللون لـ"اندبندنت عربية" "المنظمة شكلت رمانة الميزان لاستقرار الاقتصاد رغم صدمة كورونا والتحولات الساخنة"

عام جديد يمر على تأسيس "أوبك" في ظل تحولات الأسواق وأزمات الطاقة (غيتي)

تدخل منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" عاماً جديداً من الـتأسيس في ظل ضغوط كبيرة على وقع استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية التي جاءت في أعقاب صدمة جائحة كورونا إضافة إلى مخاوف ركود الاقتصاد العالمي وتأثيره السلبي المحتمل بضعف الطلب على الوقود.  وحققت "أوبك" على مدى العقود الستة الماضية نجاحات كبيرة عبر الحفاظ على التوازن في الأسواق من خلال العرض والطلب وتفادي إغراق السوق بالنفط أو تقييد الإنتاج بدرجات كبيرة تؤدي إلى انهيار كبير في الأسعار. وإلى ذلك، سلط المحللون والمتخصصون الضوء على الدور الريادي للمنظمة في قيادة توازن أسواق الطاقة وكانت أشبه بالربان الذي قادت سفينة أسواق النفط وسط أمواج عاتية من التحديات والأزمات والحروب العالمية، وأصبحت أكثر هيمنة على السوق النفطية، لا سيما بعد الأزمات المتلاحقة في قطاع الطاقة.  

التأسيس

تأسست "أوبك" في الـ14 من سبتمبر (أيلول) 1960 في العاصمة العراقية بغداد من قبل خمس دول مصدرة للنفط هي "السعودية والعراق والكويت وإيران وفنزويلا"، شكلت معاً ما يطلق عليه "البنتاغون النفطي" للتصدي لنفوذ الشركات الكبرى المعروفة باسم الأخوات السبع "إكسون موبيل وتكساكو وشيفرون وتوتال وشل وبي بي وإيني" على الأسواق. وفي هذا الشأن، يرى محللون في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أن تأسيس منظمة "أوبك" جاء كمحاولة لكسر هيمنة شركات النفط الدولية على الأسواق في عمليات التسعير إلا أن دورها كان أكبر من ذلك في دعم استقرار الأسواق، الذي كان داعماً قوياً لنمو الاقتصاد العالمي، مؤكدين أن حالة التوازن التي تفرضها المنظمة ستمنع حتماً حالة عدم اليقين في أسواق الخام العالمية. وخلال الفترة من 1961 حتى 2018 انضمت 11 دولة منتجة أخرى، هي "الإمارات والجزائر وليبيا وقطر وإندونيسيا ونيجيريا والإكوادور وأنغولا، والغابون، وغينيا الاستوائية، والكونغو"، إلا أن قطر وإندونيسيا والإكوادور، انسحبت ليستقر عدد الأعضاء الآن عند 13 عضواً. وتتصدر السعودية منتجي النفط في "أوبك" منذ عشرات السنين، مما يمنحها أكبر نفوذ في توجيه سياسة "أوبك"، فيما تعاونت المنظمة مع روسيا وتسع دول أخرى منتجة للنفط في 2016 لتكوين تكتل عرف باسم "أوبك+" لتعزيز النفوذ. 

من جنيف إلى فيينا

في السنوات الخمس الأولى من عمر المنظمة كان المقر في جنيف بسويسرا ثم نقل في الأول من سبتمبر 1965 إلى فيينا بالنمسا حتى يومنا هذا. وتركزت أهداف "أوبك" إلى تنسيق وتوحيد السياسات البترولية بين الدول الأعضاء من أجل تأمين أسعار عادلة ومستقرة للمنتجين، وإمداد كاف واقتصادي ومنتظم من النفط للدول المستهلكة، وعائد على رأس المال عادل للمستثمرين في هذا القطاع، وتبنت "البيان التصريحي للسياسة البترولية في الدول الأعضاء" في عام 1968، الذي أكد على حق غير قابل للتصرف لجميع هذه الدول في ممارسة السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية لصالح تنميتها الوطنية، وفي السبعينيات صعدت "أوبك" إلى الصدارة الدولية. وتسهم الدول الأعضاء بمنظمة "أوبك" مجتمعة بقرابة 30 في المئة من إنتاج العالم من النفط الخام، فيما تستحوذ على نحو 82 في المئة من إجمالي الاحتياطات العالمية، أغلبها بمنطقة الشرق الأوسط التي تضم نحو 65 في المئة من إجمالي احتياطات المنظمة.

أزمات متعددة

شكلت "أوبك" رقماً مهماً في معادلة إدارة سوق النفط، لا سيما وقت الأزمات التي بدأت بالصراع العربي الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي، وخلال الأزمة قرر أعضاء المنظمة خلال عامي 1973 و1974 رفع الأسعار من ثلاثة دولارات للبرميل إلى نحو 12 دولاراً، مع فرض حظر على الصادرات الموجهة للولايات المتحدة.

تأسيس "أوبك+"

وبعد مرور عشرات السنين واجهت "أوبك" انهيار أسعار النفط في منتصف عام 2014، وعلى إثره هوى سعر البرميل دون مستوى 27 دولاراً، ما دفع المنظمة إلى التنسيق مع 10 دول منتجة من غير الأعضاء وعلى رأسها روسيا (يعرف باسم تحالف أوبك+) لخفض الإنتاج والمساعدة على إعادة التوازن، وفي عام 2019 تم تأسيس ميثاق التعاون، وهو منصة طويلة الأجل مكرسة للتعاون وتبادل الآراء والمعلومات. وتجلت أهمية هذا التحالف خلال جائحة فيروس كورونا التي هبطت بسعر عقود النفط دون الصفر في سابقة تاريخية وسط زيادة الإنتاج من قبل السعودية وروسيا.  ولكن سريعاً تدارك الجميع الموقف وتم تخفيض الإنتاج ونجح التحالف في الصعود بأسعار النفط لمستويات مناسبة.

دور محوري  

وفي هذا الشأن، قال المستشار النفطي الدولي الدكتور محمد سرور الصبان، إن "أوبك لعبت على مدار الـ62 عاماً الماضية دوراً محورياً وحققت كثيراً لأعضائها وللمجتمع الدولي، لا سيما الاستقرار في سلعة مهمة هي (النفط)... ولولا وجود المنظمة العالمية لرأينا تذبذبات كبيرة في الأسعار بشكل مستمر" . وأوضح الصبان أن "أوبك" خلال السنوات العشر الأولى لم يكن لها دور فاعل، واقتصر دورها على منع شركات البترول العالمية السبع التي كانت تتحكم في الأسواق من أن يتخذوا إجراءات أحادية في تحديد الأسعار، مشيراً إلى تزايد دورها في فترة السبعينيات خصوصاً بعد حظر البترول العربي وتحسن الأسعار، وفي أوقات الأزمات مثل الثورة الإيرانية عام 1979 والحرب الإيرانية- العراقية في الثمانينيات، وخلال هذه الأزمات كانت المنظمة موجودة وتقوم بتغطية النقص في المعروض.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الوقت الحالي، رأى الصبان أن "أوبك" واجهت تحديات كبيرة بسبب كورونا ولم تستطع وحدها أن تحقيق استقرار أسواق النفط وتدعم الأسعار التي تدهورت، لذلك تعاون معها مجموعة من الأعضاء من خارجها.   وذكر أن "دور المنظمة بقيادة السعودية ما زال فاعلاً، وإن مر بفترات وتقلبات بين شد وجذب، واتضح دورها خلال أزمة كورونا"، لافتاً إلى نجاح اتفاق "أوبك+" في تخفيف تأثيرات الجائحة وحماية أسواق النفط ووقف انهيارها الذي شهدته في أبريل (نيسان) 2020.  

الحفاظ على دفة القيادة

وقال الكاتب والمحلل النفطي السعودي الدكتور فهد بن جمعة، إن منظمة "أوبك" ما زالت تمتلك الأدوات التي تمكنها من الحفاظ على دفة القيادة في أسواق النفط والتأثير عليها ما يمكنها من التعامل مع مختلف التحديات وإرشاد السوق، وهي مستعدة دائماً لاستخدام هذه الأدوات لدعم استقرار السوق لصالح المشاركين في السوق والصناعة. وأضاف، أن المنظمة مع حلفائها تعمل حالياً على تحقيق توازن العرض والطلب في نطاق طاقتها الفائضة، ولا تحدد الأسعار، مضيفاً أن "أوبك" حققت نجاحاً كبيراً في موازنة أسواق النفط عبر استراتيجية تحديد الحصص الشهرية بناء على خطوط الأساس للمنتجين، وهو سر النجاح وقوة التماسك بين "أوبك+" في حالة نمو الطلب ونقص المعروض أو في حالة زيادة المعروض وتراجع الطلب. وأشار فهد بن جمعة إلى أن تعامل التحالف مع أساسات السوق والمتغيرات المستجدة أسهم في الحد من الاضطرابات التي تشهدها الأسواق في وقت يتصاعد عدم اليقين العالمي ومخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في ركود يتسبب في هبوط الطلب.

تحديات منذ التأسيس

من جانبه، قال المتخصص في الشؤون النفطية محمد الشطي، إن "أوبك" تعتبر من المنظمات المهمة حول العالم، على الرغم من التحديات التي واجهتها منذ تأسيسها في 1960، وذلك لامتلاكها احتياطيات نفطية ضخمة، وما زالت تقوم بتزويد السوق النفطية بالإمدادات في كل الأحوال.   وأضاف الشطي، أن الأهمية تتضح بما حققته المنظمة خلال السنوات في استقرار الأسواق، وهو ما أسهم بضمان أسعار معقولة في الغالب من السنوات، وكانت سبباً في الاستثمار خصوصاً خلال السنوات 2010-2014، ما أسهم في رفع إنتاج النفط الأميركي. وأشار إلى أنه حتى في حالات انقطاع الإمدادات لأسباب سياسية أو فنية كانت "أوبك" تضمن تواصل الإمدادات للأسواق، كما أنها كانت أحد الأسباب الرئيسة في بناء المخزون الاستراتيجي ورفع الطاقات، بالتالي ضمان صمام أمان للإمدادات في أسواق النفط وهو ما شجع على الاستكشاف والتنقيب والإنتاج ورفع الاحتياطيات والاكتشافات في العالم. وأوضح الشطي أن "أوبك" تمثل تحالفاً من ثقافات وجغرافيا مختلفة في العالم مهمته تأمين الإمدادات للعالم وشاركت بفاعلية في الدخول في التفاوض تحت مظلة منتدى الطاقة الدولية في الرياض لمصلحة العالم، وفي عام 2016 دخلت مع بعض المنتجين المستقلين بقيادة روسيا لاستعاده توازن الاستقرار مما ضمن أسعاراً معقولة تصب في مصلحة الجميع "الاقتصاد والمنتج والمستهلك والشركات والاستثمارات الجديدة". 

آفاق جديدة

وتوقع الشطي أن نجاح "أوبك" منذ تأسيسها يفتح أمامها آفاقاً جديدة وأجواء إيجابية في المستقبل لاستمرار مسيرة النجاح، خصوصاً مع تجدد الحاجة لها في حسن إدارة أسواق النفط وأمن الطاقة لأن العالم يحتاج لجميع أنواع الطاقة في المستقبل.  

أرض صلبة  

المحلل الاقتصادي السعودي الدكتور علي الحازمي، قال إن منظمة "أوبك" مرت خلال الـ60 عاماً الماضية بأزمات ساعدتها أن تقف على أرض صلبة مروراً بأزمة عام 1973 إلى أزمة 1987 عندما انخفضت مستويات الأسعار إلى أقل من 10 دولارات، وذلك بسبب عدم الاتفاق على سقف إنتاج بالمنظمة، ثم أزمة التسعينيات وصولاً إلى أزمة 2014، وثم أزمة كورونا في 2020، وأخيراً أزمة شح الإمدادات في الأسواق أخيراً. وأفاد الحازمي بأنه على الرغم من قسوة هذه الأزمات فإنها أعطت تجارب استفاد منها أعضاء المنظمة، وتاريخياً هناك دول انضمت أو غادرت إما بانخفاض معدلات إنتاجها أو خرجت طوعاً. وأشار إلى أن السعودية هي المؤثرة في استقرار أسواق الطاقة والقائدة لمنظمة "أوبك" على مدار العقود الماضية، وكانت صمام أمان ترمي بثقلها في الأزمات النفطية وكانت دائماً اللاعب خلال الأزمات التي بها مرت بها المنظمة على مدار تاريخها وأعادت دفة الأسواق إلى نطاقها الطبيعي، وتتخلص سياسات الرياض في أن "أسعار عادلة" حق مشروع سواء للمستهلكين أو المنتجين من "أوبك".

الحفاظ على الأسعار

ويرى المحلل النفطي الكويتي خالد بودي، أن "أوبك" حافظت على استقرار وتوازن الأسواق النفطية، كما أسهمت في الحفاظ على الأسعار، وذلك من خلال تحديد حصص للإنتاج لكل بلد عضو في المنظمة حتى لا يتم ضخ كميات من النفط أكثر من الطلب مما يؤدي إلى تراكم الفوائض في أسواق النفط بالتالي تراجع الأسعار، وأضاف بودي "في الوقت الراهن تحرص المنظمة على استمرار التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط، وقد كان لها دور فعال خلال أزمة كورونا من خلال خفض الإنتاج بسبب ضعف الطلب ما أدى إلى حماية الأسواق من الانهيار. 

المزيد من البترول والغاز