Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قمة سمرقند" تحليل للمقدمات ورد على التحديات

بوتين كشف عن أن القمح الأوكراني تملكه شركات أميركية تذهب به إلى أوروبا لا إلى البلدان الفقيرة

ليس ثمة خلاف أو جدل حول أن "منظمة شنغهاي" تظل أكبر المنظمات الإقليمية مساحة وتعداداً سكانياً (أ ف ب)

بعد أن شهد الفضاء الأوروآسيوي كل ما عصف به من اضطرابات ونزاعات بلغت في بعض جوانبها حد المواجهات الدموية والصراعات المسلحة قد يكون من المنطقي والمفيد التوقف عند مقدمات القمة الأخيرة التي عقدتها "منظمة شنغهاي"، وما أسفرت عنها من نتائج ثمة من يقول إنها تحدد ملامح المرحلة المقبلة بكل ما تتضمنه من إجابات على ما يتناثر في الطريق من تحديات.

ليس ثمة خلاف أو جدل حول أن "منظمة شنغهاي" تظل أكبر المنظمات الإقليمية مساحة وتعداداً سكانياً يبلغ ما يزيد على نصف سكان العالم، بل ومساهمة في الإنتاج العالمي بما يقدر بزهاء 25 في المئة، ويتمتع بعض بلدانها بنسبة نمو عالية ومنها الصين والهند، مما يشير إلى قرب تحولها إلى "منظمة عالمية" بحسب تصريحات كثيرين من المشاركين في "دورة سمرقند"، فضلاً عن كونها أكثر المنظمات الإقليمية استقطاباً للجديد من البلدان "من دون خطوط فاصلة باسم السلام والتعاون والتقدم"، وبموجب ميثاق يبدو الأكثر تنظيماً في ما يتعلق بنظام قبول الأعضاء الجدد، وما ينص عليه من بنود تؤكد ما وصفته بوضعيتها "غير التكتلية"، والابتعاد عن مواجهة أطراف ثالثة أو التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والتمسك بمبادئ المساواة والاحترام المتبادل بين البلدان الأعضاء، وهو ما عكسه البيان الختامي الصادر عن "دورة سمرقند"، إحدى أقدم المدن العالمية تاريخاً وأغزرها تراثاً.

وكان رئيس أوزبكستان الدولة المضيفة لهذه الدورة شوكت ميرزوييف استبق اجتماعاتها بمقال أكد فيه "أن المنظمة تتمتع في عالم عامر بالتحديات والجديد من الفرص والإمكانات بآفاق ممتازة للتحول والنمو ليس فقط من خلال التجديد الكمي، بل وعبر اكتشاف مجالات استراتيجية جديدة، ومنها النقل والاتصال والطاقة والغذاء والأمن البيئي والابتكار والتحول الرقمي والاقتصاد الأخضر".

ذلك بحسب تقديرات مراقبين كثيرين هو ما يضعها بعيداً من كل المحاولات التي يتوالى الإعلان عنها لتقديمها بديلاً أو منافساً لتنظيمات وتحالفات إقليمية وعالمية على غرار "حلف الناتو" الذي حمل منذ تأسيسه شعارات المواجهة العسكرية مع الاتحاد السوفياتي السابق، ليتحول مع كل يوم جديد إلى عنصر "عدم استقرار"، على النقيض من "منظمة شنغهاي" التي يغلب على نشاطها طابع التعاون الاقتصادي، وإن تطايرت في سمائها من حين لآخر شعارات تشير إلى غير ذلك، وهو ما يمكن استبيانه في معرض القراءة السريعة لما تضمنه الإعلان الختامي للدورة الأخيرة للمنظمة، فضلاً عن استعادة بعض مشاهد نشاطها التي غلب عليها الطابع العسكري، وهو ما تؤكده اجتماعات وزراء دفاع بلدان المنظمة بما صدر عنها من قرارات وإرشادات.

ولعل ما واكب انعقاد هذه الدورة الأخيرة من ظروف وأجواء غلب عليها طابع التوتر والمواجهات العسكرية، بما فيها ما جرى بين اثنتين من أعضاء المنظمة من اشتباكات عسكرية وهما طاجيكستان وقيرغيزستان المتجاورتان في آسيا الوسطى، إلى جانب ما شهدته الحدود الأذربيجانية الأرمينية من مناوشات كاد يتسع نطاقها. يقول إن الأخطار العسكرية تظل في صدارة اهتمامات بلدان المنظمة، وهو ما عكسه كثير مما جرى من اجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف على هامش أعمال هذه الدورة التي تناولت هذه الأحداث إلى جانب ما جرى ويجري من تطورات في أفغانستان وغيرها من المناطق الساخنة المجاورة، بل وهناك ما يشير إلى أنها تدفع نحو ضرورة الاهتمام أكثر بتنويع نشاطاتها لتجمع بين التحالفات الاقتصادية والتعاون العسكري على طريق الحيلولة دون انفجار النزاعات، والابتعاد عن المواجهات الجيوسياسية، وما يسمونه بـ"إعادة الأفكار النمطية في تفكير الكتل والتحالفات" صوب استعادة الثقة على المستوى العالمي، والتحول نحو تعزيز التفاهم المتبادل، وتطوير التعاون السياسي والاقتصادي، وتوسيع التجارة وتحفيز التبادلات الثقافية والإنسانية مما يوفر الأمن الغذائي وأمن الطاقة، والاهتمام بالتجارة والتدفقات الاستثمارية، على حد تعبير الرئيس الأوزبكي ميرزويف في رسالته التي استبق بها افتتاح "دورة سمرقند".

في هذا الصدد كشفت "منظمة شنغهاي" في دورتها الأخيرة بما جرى خلالها من لقاءات ثنائية وثلاثية ومتعددة الأطراف، عن آفاق واعدة لتحقيق كل هذه الأهداف، استناداً إلى وضعيتها المتميزة وامتداد مساحاتها الجغرافية وتنوع قدرات أعضائها من كبريات بلدان الاقتصاد العالمي، وهي تشمل إلى جانب روسيا والصين وبلدان آسيا الوسطي السوفياتية السابقة التي كانت بادرت بتأسيس المنظمة عام 2001، ما انضم من أعضاء جدد مثل الهند وباكستان، إلى جانب إيران التي أقرت "قمة سمرقند" حصولها في العام المقبل على العضوية الكاملة، فضلاً عن بيلاروس وأفغانستان ومنغوليا التي تتمتع بوضعية "مراقب"، وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وكمبوديا ونيبال وتركيا وسريلانكا في وضعية "شريك"، بينما كانت الدورة الأخيرة شهدت منح مصر والسعودية وقطر والكويت والبحرين صفة "شركاء الحوار"، وهو ما توقف عنده الرئيس الروسي بكثير من التقدير والترحيب في مؤتمره الصحافي الذي عقده مع ختام أعمال هذه الدورة.

لهذه المناسبة نشير إلى أن الدورة الأخيرة كانت أشبه بقمة موسعة متعددة الأطراف حضرها 10 من رؤساء البلدان الأعضاء، إلى جانب أربعة آخرين من البلدان الطامحة في العضوية الكاملة، بما وضع هذه المنظمة في دورتها الأخيرة في مقارنة غير مباشرة مع "مجموعة السبعة الكبار"، مما جعلها هدفاً لكثير من وسائل الإعلام الغربية التي تناقلت ما صدر عن الإدارة الأميركية من تصريحات، منها ما يستهدف النيل من مكانة هذه المنظمة والتقليل من شأنها، بما أعلنته حول أن "هذا التحالف غير خطير وبلا أنياب"، وإن عادت لتعرب عن مخاوفها من أن تتحول إلى عنصر حافز لعدم الاستقرار، في إشارة إلى ما سبق وأقرته في شأن تشكيل وحداتها الضاربة بهدف مكافحة الإرهاب العالمي، إلى جانب ما تجريه من مناورات دورية مشتركة لقواتها المسلحة.

أما وزير الخارجية الأميركي بلينكن فقد كان أكثر وضوحاً في إدانته شكل ومضمون "منظمة شنغهاي" خلال تصريحاته التي كشف فيها عن الموقف الرسمي لبلاده في ما قاله حول أن "الصين وروسيا تسعيان إلى استخدام (منظمة شنغهاي) لتشكيل تحالف من الأنظمة الاستبدادية التي تعارض قوى الديمقراطية"، وهي التصريحات التي يتوقف عندها مراقبون كثيرون في معرض تناولهم قرار العضوية الكاملة لإيران التي ستتمتع بها اعتباراً من العام المقبل في هذه المنظمة الإقليمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد بدا حرص رئيس كازاخستان قاسم توقايف واضحاً في دحض ما قاله الوزير الأميركي بتأكيده أن "منظمة شنغهاي" هي "أنجح منظمة دولية من بين جميع المنظمات الموجودة في العالم الحديث". ومضى ليضيف أن هذه المنظمة "تخلو من المواجهات والتكتلات، الأمر الذي يسهم في نمو مكانتها وشعبيتها على المستوى الدولي، ويجعلها بما تملكه من جغرافية المشاركة تتوسع بشكل طبيعي من عام إلى آخر. وهذا دليل على الإقبال الكبير على المنظمة".

ومن اللافت أن الدورة الأخيرة لقمة رؤساء بلدان "منظمة شنغهاي" شهدت ما يمكن اعتباره "منصة" حرص كثيرون من هؤلاء الرؤساء، وفي الصدارة منهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على استخدامها لتوضيح سياسات ومواقف بلاده تجاه كثير من القضايا الإقليمية والدولية.

فإلى جانب ما تضمنته كلمته في الجلسة الافتتاحية لـ"قمة سمرقند" وتصريحاته على هامش أعمال الدورة من قضايا وأحكام، عقد الرئيس بوتين مؤتمراً صحافياً كشف فيه عما تطرحه موسكو من اقتراحات للخروج من الأزمة الراهنة وإنهاء المواجهة المسلحة مع أوكرانيا ومن يقف وراءها.

قال بوتين إن الولايات المتحدة والبلدان الغربية تواصل خداع الرأي العام العالمي بما تمارسه من سياسات لا تستهدف سوى خدمة مآربها الذاتية. وأماط الرئيس الروسي اللثام عن أسباب حماس الولايات المتحدة وحرصها على توقيع اتفاق صادرات الحبوب تحت رعاية الأمم المتحدة. وقال إن أوكرانيا في هذه الصفقات والاتفاقات ليست سوى الوسيط في صفقات تصدير محاصيل القمح الأميركية التي تراكمت لحساب شركات الولايات المتحدة التي كانت اشترت في وقت سابق مساحات هائلة من الحقول الأوكرانية.

ومضى ليقول إن هذه المحاصيل التي جرى الاتفاق على تصديرها لم تذهب إلى البلدان النامية والفقيرة التي كانوا يتذرعون بها، بل إن الكميات الأعظم وعددها 121 سفينة ذهبت إلى البلدان الأوروبية ولم يصل منها إلى البلدان الأفريقية سوى ثلاث سفن فقط هي التي خرجت من الموانئ الأوكرانية بموجب برنامج الأمم المتحدة، فضلاً عن التعنت الملحوظ من جانب البلدان الأوروبية التي تحتجز السفن الروسية المحملة بشحنات صادرات الحبوب الروسية التي كانت في طريقها إلى البلدان الأفريقية، بل ورفضت الإفراج عنها على رغم أن الجانب الروسي تعهد بأن يرسلها بالمجان ومن دون مقابل إلى البلدان النامية.

وأعلن بوتين بنبرة تنم عن سخرية واضحة "قالوا إنهم لا يريدون أن تحصد روسيا المكاسب، بينما نعرض نحن البيع مجاناً، فعن أية أرباح يتحدثون؟". ولم يكتف بوتين بذلك بل واستطرد ليكشف عن أن الدول الغربية رفعت الحظر عن الأسمدة الروسية المخصصة لها، لكنها ترفض أن تفعل ذلك بالنسبة إلى صادرات روسيا من الأسمدة إلى الدول الأخرى، وهو ما يحاول أنطونيو غوتيريش المساعدة في إيجاد الحلول المناسبة له.

وتحول بوتين إلى الأحداث الجارية بما في ذلك ما يتعلق بالعملية الروسية العسكرية الخاصة، مؤكداً أنها لا تستهدف سوى الحيلولة دون تحقيق الغرب أهدافه، وما يتعلق منها بتقسيم روسيا. وكشف عن أن الدوائر الغربية تروج على مدى السنوات العشر الأخيرة لهذه الفكرة، وأنها تستهدف أيضاً إنشاء ما وصفه بـ"جيب معاد لروسيا في أوكرانيا" من أجل تحقيق هذا المخطط.

أما عن تطورات العملية العسكرية الروسية فقال بوتين إن الجيش الروسي لا يحارب بأكمله وإنما بجزء فقط منه، كما كشف عن أن القوات المسلحة الروسية قصفت أخيراً بعض المناطق الحساسة على الأراضي الأوكرانية، مشيراً إلى أن روسيا "ستعتبر ذلك مجرد تحذير"، ليعود إلى تأكيد ما سبق وأعلن عنه من أهداف للعملية العسكرية الروسية الخاصة. وخلص إلى القول إن "وقف التصعيد كان ممكناً بمساعدة روسيا، ولدينا ما يكفي من الموارد للسيطرة على تلك الأزمة أيضاً".

أما عن أزمة الطاقة وما تعيشه أوروبا من مشكلات، فقال بوتين إن هذه الأزمات لم تبدأ مع بدء العمليات العسكرية الروسية الخاصة، وإنما قبل ذلك التاريخ بعام في الأقل، مؤكداً أن هناك من يحاول إلقاء تبعات ذلك على الآخرين. وأشار إلى جملة من الحلول، منها فتح "التيار الشمالي- 2"، مؤكداً أن شركة "غاز بروم" الروسية على استعداد لتوفير الغاز وتنفيذ كل العقود المبرمة.

ذلك كله وغيره هو ما عكسه البيان الختامي الصادر عن "قمة سمرقند"، بما يتضمنه أيضاً من دعوة لتعزيز التعاون والأمن، وأهمية عقد تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب ضمن مهام سلام من أجل زيادة مستوى التفاعل في مكافحة التشكيلات المسلحة للمنظمات الإرهابية الدولية، وتحسين أساليب مكافحة الإرهاب، إلى جانب الدعوة إلى الامتثال لاتفاق حظر التطوير والإنتاج والتخزين والاستخدام للأسلحة الكيماوية، وإلى تدميرها.

وقد تبدى حرص المشاركين في "دورة سمرقند" التي شارك فيها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على إبداء تعاطفهم وتأييدهم لتنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة في شأن البرنامج النووي الإيراني الذي نص البيان الختامي على أنه "أمر مهم"، إلى جانب دعوة "كل المشاركين إلى التزام التنفيذ الشامل والفعال لخطة العمل، بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2231".

كما بدا واضحاً أيضاً الاهتمام الكبير الذي توليه بلدان "منظمة شنغهاي" لقضية مكافحة الإرهاب الدولي، وهو ما عكسته في بيانها الختامي الذي أشار ضمناً إلى معارضة استخدام قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأعمال العسكرية، ودعمت إطلاق اتفاقات دولية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية، إلى جانب التأكيد أن "الدول الأعضاء ستسعى، وفقاً لقوانينها الوطنية وعلى أساس التوافق، إلى تطوير مبادئ ومناهج مشتركة من أجل تشكيل قائمة موحدة للمنظمات الإرهابية والانفصالية والمتطرفة، والتي تنص على حظر أنشطتها في أراضي أعضاء المنظمة".

ولم تكن القمة التي عقدت على مقربة من الأراضي الأفغانية لتغفل ما يتعلق بما يجري في أفغانستان التي أشار إليها البيان الختامي بالتحذير من مغبة ما يدور بين جنباتها وحولها من أحداث، مع النص على ضرورة وأهمية "تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان تضم ممثلين عن جميع الجماعات العرقية والدينية والسياسية في المجتمع الأفغاني"، فضلاً عن التأكيد أن "التسوية السريعة للوضع في أفغانستان هي أحد أهم العوامل لتعزيز الأمن في منطقة (منظمة شنغهاي)".

وفي إطار توضيح ما تجريه المنظمة من توسعات وقبول أعضاء جدد نص البيان الختامي على "أن توسيع المنظمة وتعميق التعاون مع المنظمات الدولية لا بد وأن يسهم في ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز نظام تجاري مفتوح متعدد الأطراف، يقوم على مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية، ورفض الإجراءات الحمائية والقيود التجارية التي تهدد الاقتصاد العالمي"، على ضوء ما يشهده العالم من "تغيرات عالمية مواكبة لتفاقم الصراعات والأزمات وتدهور خطير للوضع الدولي ككل".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل