Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة 11 جثة من ضحايا "قارب الموت" إلى لبنان والأمل بوجود ناجين يتضاءل

دفع الإحباط من الوضع الاقتصادي في لبنان كثيرين إلى ركوب القوارب المتداعية والمكتظة في أغلب الاحيان أملاً في بلوغ أوروبا

أعلن مكتب وزير الأشغال في حكومة تصريف الأعمال علي حمية ارتفاع حصيلة ضحايا غرق مركب قبالة السواحل السورية بعد الإبحار من لبنان إلى 87 قتيلاً. وفي وقت سابق تحدث رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير عن مقتل 75 شخصاً والعثور على 20 ناجياً، مرجحاً ارتفاع الأعداد في ظل استمرار أعمال البحث.

وأصبحت هذه أسوأ رحلة من نوعها تنطلق من لبنان حتى الآن من حيث عدد الوفيات، إذ يدفع الإحباط من الوضع الاقتصادي في البلاد كثيرين إلى ركوب القوارب المتداعية والمكتظة في غالب الأحيان أملاً في بلوغ أوروبا. وبدأت السلطات السورية في العثور على جثث في البحر قبالة ساحل طرطوس بعد ظهر يوم الخميس.

وغربت شمس الجمعة على عودة تسع جثث من الأراضي السورية إلى الجانب اللبناني عبر الحدود بين البلدين، حاملة جثث سبعة لبنانيين وفلسطينيين اثنين من مخيم نهر البارد للاجئين، فيما تستمر عمليات البحث قبالة جزيرة أرواد على مزيد من الضحايا أو الناجين المفترضين.

وكان قد تم نقل جثتين بسيارة خاصة فجر الجمعة تعود إلى طفلتين مما رفع العدد إلى 11 جثة. وتمت عملية تسليم الجثامين إلى ذويهم بالتنسيق بين الهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر اللبناني.

 

المهمة تستغرق أياماً

يؤكد اللواء محمد الخير أن عملية نقل الجثامين إلى الجانب اللبناني ستتم في أسرع وقت ممكن، وأن الدفعة الأولى ستليها دفعات أخرى في الأيام المقبلة، مؤكداً العمل لإعادة جثامين اللبنانيين والفلسطينيين. أما في ما يتعلق بالناجين فيلفت الخير إلى أن "هناك إجراءات روتينية وبعض التحقيقات التي تقوم بها الجهات الرسمية السورية تسبق إعادتهم إلى لبنان. ورداً على سؤال يتعلق باللاجئين السوريين أكد الخير أن هناك بعض الخطوات التي يجب القيام بها، معبراً عن اعتقاده أن "كل راكب سيعود إلى حيث كان يقيم" قبل الرحلة، ومشيراً إلى وجود السيد طلال ناصر كمندوب عن وزير الأشغال العامة والنقل لتنسيق الأعمال مع الجانب السوري، وأن نقل الجثامين سيتم بالتعاون بين الهلال الأحمر السوري والصليب الأحمر اللبناني لإتمام هذه المهمة. أما في ما يتعلق بالمهاجرين العالقين في تركيا واليونان فأشار إلى تواصل بين الجهات الرسمية من أجل استردادهم، مؤكداً وجود التزام واضح بالقانون الدولي الذي يمنع الدخول بصورة غير شرعية إلى أراضي الدول الأخرى. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الطريق إلى العريضة

جاء شهر سبتمبر (أيلول) وجاءت معه الرياح النشطة، مما رفع مستويات الخطورة للإبحار. يعلق أحد الأشخاص من ممتهني ركوب البحر والصيد من أهالي المنطقة "لا يمكن الخروج إلى البحر في ظروف مناخية كهذه، لأن الارتطام بالأمواج أشبه بالصخور". لذلك "فإن احتمال العثور على ناجين يتضاءل مع مرور الوقت". 

في جولة لـ"اندبندنت عربية" وعلى بعد نحو 15 كيلومتراً من شمال طرابلس، حيث تقع منطقة العريضة الحدودية مع سوريا أعادت النكبات المتتالية بعضاً من الحياة إلى شريان أساسي للتجارة البرية بين لبنان والعالم العربي. هناك على تلك الطريق التي تقع مباشرة على البحر، بقيت المنطقة شبه المهجورة، لا تعبرها خلال سنوات "شبه القطيعة الصامتة" إلا السيارات وشاحنات الترانزيت للضرورة. ويصح على تلك المنطقة وصف المناطق المفتوحة التي استغلها تجار البشر لتكون واحدة من نقاط انطلاق لعديد من مراكب الهجرة غير النظامية. 

نكمل المسير، نعبر اللوحة التي تشير إلى ببنين إحدى البلدات الكبرى في عكار التي غادرتها أعداد كبيرة من الشبان المهاجرين، نجد أن الطريق ساكنة. ومع الاقتراب من المعبر الحدودي يبدأ المشهد بالتبدل، بسبب اصطفاف العشرات من شاحنات نقل البضائع التي تنبه العابر إلى وجوب تخفيف السرعة والتوقف قبل بلوغ مركز الجمارك اللبنانية، وصولاً إلى الحدود حيث شكلت سيارات الإسعاف والطواقم الطبية مؤشراً إلى الانتقال نحو منطقة العمليات التي امتدت إجراءاتها الروتينية إلى ساعات المساء. 

الانتظار الصعب

عند الوصول إلى المعبر تجد العشرات لا بل المئات من أهالي وأصدقاء ركاب القارب الغارق في طرطوس، يتجمهرون أمام بوابة مركز الأمن العام في العريضة، وهو آخر فاصل بين الأراضي اللبنانية والسورية. ينتظر هؤلاء خبراً يأتيهم بجديد من الداخل السوري. شكل الفلسطينيون القادمون من البارد أكثرية الحاضرين، فمن هناك من وراء جدران خرج العشرات من شبان الجيل الثالث من اللاجئين، هرباً من الأحوال التي لا تطاق. يقول أحد الشبان إن الهاربين جربوا الخيار الأخير لتحسين أوضاعهم ولكن شاءت الأقدار أن تفوق حمولة القارب قدرته على الاحتمال. وأضاف "قالوا لهم إن عددهم سيكون 70 راكباً على مركب 18 متراً مجهزاً فإذا بعددهم يكون ضعف ذلك على قارب 12 متراً". 

وبحسب مسؤول العلاقات السياسية في حركة فتح الشمال أبو فراس فرحات المعاري فإن "نحو 40 شاباً خرجوا على متن القارب من أبناء المخيم، بالإضافة إلى وجود عدد من الناجين الذين ما زالوا في سوريا، حيث سيعودون لاحقاً إلى لبنان"، متخوفاً على مصير العدد الأكبر من الشبان المفقودين. من جهته يؤكد الشيخ محمد الحاج، عضو رابطة علماء فلسطين، أن عملية إجلاء الضحايا تتم بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والحكومية اللبنانية، متحدثاً عن صعوبة تقديم حصيلة نهائية لعدد الضحايا أو الركاب كون عمليات الإنقاذ مستمرة، وقد تم تحديد هوية ثلاثة أشخاص من الضحايا تعود إلى فلسطينيين من بين من تم انتشالهم.   

إلى هؤلاء حضرت إحدى العائلات من طرابلس في محاولة للعثور على مؤشرات تتعلق بسبعة من أبناء عائلة واحدة، الذين ركبوا القارب من أجل الانضمام إلى أقارب لهم. تقول العائلة "خرجوا من لبنان بطريقة غير شرعية ووصلوا أوروبا، وهم يعيشون في ظروف أفضل حالياً، لكن الأقدار شاءت أن يقضي خمسة منهم، فيما يستمر البحث عن اثنين من المفقودين". تجاوز اثنان من أبناء العائلة الجانب اللبناني نحو الأراضي السورية، كما فعل عديد من الأهالي بغية التعرف على جثث أقاربهم، تمهيداً لإعادتهم إلى لبنان. 

ويكرر الأهالي مقولة "لعبوا بعقولهم وأوهموهم أنها رحلة سهلة"، ويقول قريب لأحد الضحايا رفض الكشف عن هويته لأن والدة الضحايا لم تعلم بعد بوفاة أبنائها، "خضنا نقاشاً معهم قبل الرحيل بصورة متكررة كان الرد أن المهرب الذي نظم الرحلة هو من المحترفين، على خلاف الآخرين الذين تعرضت قواربهم لأعطال مقابل اليونان أو تركيا"، وتعلق السيدة التي ترافقه "إن نجاح بعض القوارب في بلوغ أوروبا شجع آخرين على المخاطرة والذهاب"، وتخشى أن ينسى الناس بعد فترة من الزمن هذه النكبة على غرار ما جرى مع سابقاتها وتحديداً غرق القارب قبالة الميناء في 23 نيسان (أبريل) الماضي.

البحر مأوى الهاربين

طال الانتظار كثيراً أمام المعبر، قاد الأمل بأن تكون الأمواج قد حملت بعض الركاب نحو شاطئ العريضة بعض الشبان إلى التوجه إلى المرفأ البدائي للصيادين. وقف هؤلاء يتأملون البحر، يلمح بعض منهم جسماً متحركاً يصرخون ظناً منهم بوجود أحد الناجين ويتجمهر العشرات على الشاطئ، فيما يخلع بعض الشبان ملابسهم وينزلون إلى البحر الهائج. كانت الأمواج قوية إلى درجة قذفت السابحين إلى مسافة بعيدة، بعد سباحة مضنية تمكن أحد الشبان من بلوغ الجسم، ليكتشف أنها مجرد أكياس حملتها الأمواج إلى مقابل العريضة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات