Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فيول" إيراني مجاناً فأي ثمن يدفعه لبنان في المقابل؟

120 ألف طن شهرياً قد "تحلحل" أزمة الكهرباء مع احتمال تحسين ساعات التغذية

أتي الحديث عن الـ "فيول" الإيراني كأحد الحلول المطروحة لإخراج المواطن اللبناني من العتمة ولو جزئياً (أ ف ب)

منذ أكثر من 30 عاماً يرافق شبح العتمة المواطن اللبناني، وقد أثبتت له الأيام أن الوعود الكثيرة في هذا المجال ستبقى أحلاماً ولن تتحقق على المدى المنظور. ولطالما حصلت كثير من المستجدات في ملف الكهرباء من دون أي تغيير، فعلى بسبب غياب الحلول المستدامة، وبقيت الأزمة تتخذ مساراً انحدارياً.

وتبين أن هذا الملف يشكل جزءاً لا يتجزأ من تركيبة الفساد في البلاد، ويبقى الوضع على حاله ويعيش اللبنانيون في عتمة شبه تامة، أما الخطط التي جرى الحديث عنها في مراحل عدة فبقيت كلها حبراً على ورق حتى بلغت الأزمة ذروتها، خصوصاً أنها كلها تدخل في خانة الحلول الموقتة من دون استراتيجيات بعيدة المدة تقضي بإجراء الإصلاحات المطلوبة في هذا القطاع الحيوي.

اليوم يأتي الحديث عن الـ "فيول" الإيراني كأحد الحلول المطروحة لإخراج المواطن اللبناني من العتمة ولو جزئياً، وسط تساؤلات عما إذا كان الممكن أن يورط البلاد، لكن وضعه في خانة الهبة من قبل الجهات المعنية كفيل بإبعاد شبح العقوبات الأميركية.

ويمكن أن يساعد الـ "فيول" الإيراني في زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي في لبنان، خصوصاً مع عدم توفر اختيارات أخرى في الوقت الحالي للحد من الأزمة، وكان هذا الموضوع أثار جدلاً وتساؤلات عدة، إذ صرح الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله مراراً باستعداد طهران لتزويد بيروت به مجاناً.

هبة أم تبادل من نوع آخر؟

كان نصرالله تحدث عن الهبة الإيرانية مرحباً بها ضمن الحلول لأزمة الكهرباء، من دون تحديد الكمية والنوعية والشروط المرافقة لها، علماً أن طهران هي الجهة السادسة التي يستعين لبنان بخدماتها بعد الأردن ومصر وتركيا والجزائر والعراق، ووحدها المفاوضات مع العراق دخلت حيز التنفيذ.

لكن فيما طرح نصرالله فكرة استجرار الـ "فيول" الإيراني لتشغيل معامل الكهرباء، وجزم أنه سيكون على شكل هبة، وعلى رغم تبني المسؤولين اللبنانيين هذا الطرح وتأكيد السفير الإيراني لدى لبنان مجتبى أماني في لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استعداد بلاده تقديم هبة الـ "فيول" من دون شروط، أتى تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني قبل أيام قليلة ليناقض ذلك، فقد نفى كنعاني أن يكون الـ "فيول" المنتظر مجانياً، مشيراً إلى أن إرسال وقود مجاني إلى لبنان مسألة لم تطرح، وأكد أن العلاقات بين لبنان وإيران ودية، وأن إيران حاولت دوماً مساعدة لبنان في حل مشكلاته، بما في ذلك المشكلات السياسية، خصوصاً خلال العامين الماضيين، واستطاعت أن تلعب دوراً بناء في مجال توفير الطاقة.

وأضاف أن "إيران مستعدة للمساعدة في حل مشكلات لبنان وفق إمكاناتها في إطار المصالح المشتركة، وأن المفاوضات بين البلدين ستوفر أساساً للمساعدة الاقتصادية للبنان، لكن قضية الوقود المجاني غير مطروحة، على أمل أن تساعد المفاوضات المقبلة بين البلدين في تلبية حاجات الشعب اللبناني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن سفير طهران لدى بيروت عاد وأعطى جرعة أمل للبنانيين عندما كشف عن وجود أخبار سارة ستعلن قريباً حول ما تم التوافق عليه في شأن الـ "فيول" الإيراني والتعاون في مجال الكهرباء، كما تبلغ الوفد اللبناني الذي توجه إلى إيران بتكليف رسمي في إطار معالجة أزمة الطاقة، موافقة الحكومة الإيرانية على تزويد لبنان بـ 600 ألف طن من الـ "فيول"، مقسمة على خمسة أشهر بمعدل 120 ألف طن في الشهر.

قد تكون هذه الكمية متواضعة، وقد لا تساعد إلا في تغطية تغذية المؤسسات العامة والمرافق الحيوية وتوفير بضع ساعات إضافية من التغذية في المناطق، فيما حاجة لبنان من الـ "فيول" تتجاوز 3 ملايين طن سنوياً، لكنها تبقى المنفذ الوحيد لحل مشكلة العتمة شبه الشاملة في البلاد.

وكانت السفارة الإيرانية في بيروت أعلنت أن السفن المحملة بالـ "فيول" الإيراني ستكون جاهزة خلال أسبوع أو اثنين للإبحار إلى لبنان، فيما موعد تسليم الشحنة الأولى يرتبط بموافقة الجانب اللبناني على الهبة.

ماذا وراء الهبة الإيرانية؟

وفق ما توضحه الخبيرة في مجال حوكمة النفط والغاز بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا لوري هايتايان، سواء أتى الـ "فيول" الإيراني بشكل هبة أو في إطار المبادلات، فيبدو أن المشكلة نفسها التي ظهرت مع الـ "فيول" العراقي ستطرح هنا، إذ إن مواصفات الـ "فيول" الإيراني قد لا تكون متوافقة مع متطلبات تشغيل محطات توليد الكهرباء مما يستدعي تبديله بالمقايضة مع جهة ثالثة.

وقالت هايتايان في حديثها مع "اندبندنت عربية" إن ثمة كلفاً باهظة لإجراء الاختبارات على الـ "فيول" للتأكد ما إذا كان صالحاً، وإذا تبين أنه غير صالح تماماً كما حصل مع الـ "فيول" العراقي، فتزيد على الفاتورة كلفة معالجته وتحويله إلى فيول للمعامل، وهي مسألة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، إضافة إلى ضرورة تحديد الجهة التي ستحصل المقايضة معها، خصوصاً أن كل ما يتعلق بالـ "فيول" الإيراني عرضة للعقوبات، ولا بد من أن تتعاطى الدولة اللبنانية مع هذه المشكلة بالشكل المطلوب.

من جهة أخرى، فأياً كانت الشروط المرافقة لاستقدام الـ "فيول" الإيراني، وسواء أتى بشكل منحة أم لا، تتساءل هايتايان حول ما سيحصل بعدها، مشيرة إلى أن هذه الهبة التي تقدمها إيران ليست مجانية، بل تقابلها مكاسب سياسية في المرحلة المقبلة، ويضاف إلى ذلك أن أي هبة يمكن أن يحصل عليها لبنان تدخل في إطار الحلول الموقتة والترقيع بثمن سياسي عال لا يمكن الاعتماد عليها للمدى البعيد.

وترى خبيرة الحوكمة أن "ما تسعى الحكومة إلى تحقيقه هو زيادة ساعات التغذية، بما يبرر رفع التعرفة التي تعتبر من الخطوات الأساس المطلوبة ضمن الإصلاحات أمام صندوق النقد الدولي، وبالتالي تم الربط بين رفع التعرفة وزيادة الإنتاج ولو كان محدوداً ليبدو وكأنه إنجاز، وكان الـ ’فيول‘ الإيراني هو الحل لتحقيق ذلك، لكن يبقى هذا من الحلول غير المستدامة، لأن قلة ساعات التغذية ليست المشكلة الوحيدة، بل إن مشكلة الجباية في شركة كهرباء لبنان أساس أيضاً، إلى جانب إصلاحات أخرى عدة مطلوبة".

ماذا بعد انسحاب "نوفاتك" الروسية؟

وفي وقت أثار موضوع الـ "فيول" الإيراني جدلاً واسعاً، طرأت مستجدات خلال هذا الأسبوع في مجال التنقيب عن الغاز والنفط مع انسحاب شركة "نوفاتك" الروسية من "كونسورتيوم" شركات التنقيب على الغاز والنفط في المياه اللبنانية، بسبب ظروف الحرب الروسية وفرض الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على روسيا، بحيث لم تعد قادرة على القيام بتحويلات مالية إلى الخارج.

وأصدرت وزارة الطاقة والمياه بياناً جاء فيه "إثر انسحاب صاحب الحق غير المشغل Novatek Lebanon SAL من اتفاقي الإنتاج والاستكشاف العائدين للرقعتين (4) و(9) في المياه البحرية اللبنانية، وسعياً إلى تعزيز إمكانات الدولة البترولية وفي ضوء مصالح الدولة الاستراتيجية والاقتصادية في قطاع البترول، أصدر وزير الطاقة والمياه وليد فياض قراراً قضى بإنفاذ أحكام التنازل الجبري المنصوص عليها في المادة (362) من الاتفاقين بالاستناد إلى توصية هيئة إدارة قطاع البترول، كما قضى القرار بتحديد نسبة مشاركة الدولة في الاتفاقين بنتيجة هذا التنازل والبالغة 20 في المئة في كلا الاتفاقين، وذلك بالاستناد إلى رأي الهيئة".

بالتالي وفقاً للصلاحية الممنوحة له طلب الوزير من شركة "نوفاتك" التنازل عن كامل نسبة مشاركتها في كل من الاتفاقين لمصلحة الدولة اللبنانية، وأمام هذه الخطوة طرحت علامات استفهام كثيرة حول هذا الانسحاب وتداعياته في عملية التنقيب.

وفي حال وجود التزامات مادية كانت للشركة الروسية بطبيعة الحال، فلا بد للدولة اللبنانية من أن تتحمل هذه المسؤولية وإن كانت حالياً لا تفكر إلا بالمكاسب التي يمكن أن تحققها، لذلك لا تتوقع هايتايان أن تتمكن الدولة اللبنانية من الاستمرار في ذلك، علماً أنه ليس هناك شيء ملموس بعد أو ضمانات بوجود الغاز في البلوك (9)، وأن يكون هذا الغاز، في حال وجد، بكميات كافية وبمواصفات تسمح بإيجاد سوق رابحة له.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير