Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يغرق في "أبغض الحلال" بـ800 حالة طلاق يوميا

الأسباب: تعديلات "قانون الأسرة" والاستقلال المادي للمرأة واتساع الحريات الاجتماعية

يتصدر طلاق الشقاق قائمة أنواع الطلاق المسجلة في 2020 (وكالة أنباء المغرب العربي)

يبدو أن المغاربة حريصون على ممارسة "أبغض الحلال" كلما تأزمت العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة، والدليل أن معطيات رسمية حديثة تتحدث عن معدل يصل إلى أكثر من 800 حالة طلاق في اليوم الواحد.

ففي وقت تؤكد فيه أرقام رسمية وتقارير جمعيات نسائية تفشي ظاهرة الطلاق في المجتمع المغربي، يرى خبراء علم الاجتماع أن الأسباب تتعدد لكن أكثرها حضوراً تحقيق المرأة استقلاليتها المادية، والحرية الاجتماعية التي باتت تحظى بها بشكل أكبر من ذي قبل.

أرقام مفزعة

سجلت مختلف أحكام الأسرة في المغرب نحو 300 ألف حالة طلاق عام 2022 الذي لم ينته بعد، أي بمعدل 800 حالة كل يوم.

ويبدو أن عدد الحالات في المغرب تضاعف نحو ثلاث مرات بين عامي 2019 و2022، ففي 2019 وحده سجلت المحاكم 131.100 حالة طلاق.

ويتصدر طلاق الشقاق قائمة أنواع الطلاق المسجلة في 2020، وفق إحصاءات وزارة العدل المغربية بـ68.995 قضية، تليها حالات الطلاق الاتفاقي بـ24.257، ثم طلاق الخلع بـ6611 حالة.

ووفق المادة 114 من مدونة (قانون) الأسرة المغربي، يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية من دون شروط، أو بشروط لا تضر بمصالح الأطفال. وعند وقوع هذا الاتفاق، يقدم الطرفان أو أحدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقاً به الإذن بتوثيقه، وتحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن، فإذا تعذر الإصلاح أذنت بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه.

ارتفاع حالات الطلاق في المغرب تشهد عليه أيضاً تقارير دولية آخرها تقرير منشور في مجلة "إيكونوميست" البريطانية عزا ارتفاع عدد الحالات في عدد من البلدان من قبيل المغرب ومصر والجزائر والأردن، إلى "تسهيل إجراءات حصول المرأة على الطلاق"، وأيضاً "تراجع تأثير الشخصيات الدينية وأفراد الأسرة في قرار الانفصال"، علاوة على "مشاركة النساء في سوق العمل، الأمر الذي يمنح الاستقلال المالي لملايين النساء".

الصلح خير

تحكي غيثة أوبليد، سيدة في بداية عقدها الرابع، تجربتها مع الطلاق قبل بضع سنوات بالقول إنها تزوجت شاباً مهاجراً في فرنسا بعد أن صدقت وعوده بتغيير حياتها إلى الأفضل.

وتضيف السيدة متأثرة بذكريات لا تزال عالقة بذهنها أنه بعد سنوات قليلة من الزواج وإنجابها طفلة، تغير الزوج الذي صار يسافر إلى فرنسا حيث يعمل ولا يتصل إلا لماماً، كما لم يعد يسأل عن ابنته، وكانت طباعه تتغير عندما يعود في الصيف إلى البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزادت السيدة بأنه بعد مشاحنات وخصومات مباشرة، وفي الهاتف أيضاً عندما يكون مقيماً بفرنسا، اهتدت إلى أن الطلاق هو الحل الأسلم للطرفين، فتم اللجوء إلى "طلاق الشقاق"، مردفة أنها تضررت كثيراً من علاقة الزواج هذه، ولم تجد بداً من نيل الطلاق على رغم صعوبة إعالة ابنتها الصغيرة.

وتلتقط إكرام المنور، وهي ناشطة في إحدى الجمعيات النسائية المحلية، خيط الحديث لتقول إن الطلاق هو آخر الحلول المتاحة التي يمكن أن تفض علاقة الزواج من دون مزيد من المشكلات التي يكون ضحيتها في الغالب المرأة والأطفال إذا وجدوا.

وأوضحت الناشطة أنه حتى قاضي الأسرة مطالب وفق قانون الأسرة بإجراء جلسة صلح أكثر من مرة بين الطرفين لعلهما يتراجعان عن قرار الطلاق، فإذا كانا مصرين تم الطلاق ليبدأ كل واحد طريقه من جديد في الحياة، مشددة على ضرورة تفعيل الصلح بشكل أكبر من أجل تفادي انتشار الطلاق.

التعليم والاستقلالية

أستاذ علم الاجتماع رشيد جرموني يعلق على الظاهرة بالقول إنها "مؤشر على تحول قيمي في المجتمع المغربي"، وعلى "رفض" الزواج الذي صار بالنسبة إلى كثيرين عبارة عن "مجازفة".

واعتبر جرموني أن مؤسسة الأسرة كانت في السابق ترسخ قيماً اجتماعية متوازنة، وكان مفهوم الزواج في المجتمع مرتبطاً بالإنجاب، لكن هذه النظرة تعرضت للتصدع في الوقت الراهن.

أما بخصوص الأسباب العميقة لتفشي ظاهرة الطلاق، عدا العوامل الظاهرة للعيان من قبيل الخلافات الزوجية وعدم التفاهم بين الزوجين، سجل جرموني عامل المستوى التعليمي للمرأة الذي أصبح مضاهياً لمستوى الرجل، إضافة إلى الاستقلال المادي للزوجة.

ويشرح الباحث "لم يكن للمرأة في السابق معين، ولم تكن فاعلاً مجتمعياً ولا اقتصادياً، غير أنها اليوم باتت متعلمة وشيدت لنفسها مكانة اقتصادية، وصارت تناقش تفاصيل الزواج مع الرجل نداً لند، كما صارت بشكل عام تبحث أكثر عن الاستمتاع بوقتها، ولم تعد تلك المرأة التي تحترق من أجل تربية الأبناء".

علاقات تعاقدية

واستطرد أن "المرأة صارت تطالب بحقوق أكثر من ذي قبل، وصار الزواج عندها مبنياً على مفهوم التعاقد وتقاسم الأدوار"، مشيراً إلى أن هذه الحرية التي حظيت بها المرأة أكثر فأكثر في المجتمع المغربي يدعمها قانون الأسرة وخصوصاً بعد تعديله، إذ سهل الحصول على الطلاق الاتفاقي، وكان المشرع يروم من وراء ذلك إزاحة الضيم عن المرأة في المجتمع.

وأكمل جرموني "بعد تعديل قانون الأسرة صار الطلاق الاتفاقي مخرجاً لإنهاء العلاقة الزوجية، بدليل أن أكثر من يطلب هذا النوع من الطلاق هم النساء، وخصوصاً عندما لا يجدن في الزوج السلوكيات التي كن ينتظرنها".

ولفت جرموني إلى ملمح آخر يفسر ارتفاع حالات الطلاق، وهو أن المرأة في السابق لم تكن تجاهر أو تهتم كثراً بمتعتها الجنسية، لكنها اليوم مع هذا الانفجار الإلكتروني لم تعد تنتظر الزوج الذي سيلبي لها رغباتها، بل أضحت تبحث بنفسها عن الفحولة، لتكثر بذلك العلاقات خارج إطار الزواج.

وزاد الباحث في علم الاجتماع عاملاً آخر ذا أهمية، هو أنه في السابق كانت الأسرة الممتدة تلعب دوراً حاسماً في منع الطلاق حفاظاً على القيم الاجتماعية، غير أن هذه الأسر تضاءلت وتبددت بحكم شيوع الفردانية والظروف المعيشية، وصار الأزواج يعيشون في شقق مستقلة صغيرة، وأضحى الطلاق قراراً فردياً أكثر منه جماعياً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير