Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب يواجه مسألة الترخيص للإجهاض الطبي الآمن

تفيد جمعيات مدنية محلية بأن ما بين 600 و800 عملية سرية تتم يومياً سواء داخل عيادات طبية أو بوسائل تقليدية

ناشطون يطالبون بإقرار إجهاض طبي آمن في المغرب (أ ف ب)

إذا وقع للفتاة أو المرأة حمل غير مرغوب فيه لأي سبب كان، كثيراً ما يتجه تفكيرها وحتى تفكير "الطرف الآخر" أو الزوج أيضاً إلى إنهاء هذا الحمل عن طريق الإجهاض، سواء عند طبيب متخصص أو بتناول أدوية مساعدة على هذه العملية أو حتى بطرق "تقليدية".

هذا الإجهاض "السري" هو الذي أفضى قبل أيام خلت إلى خبر هز المغرب بعد وفاة طفلة قاصر في منطقة ميدلت، بسبب تداعيات إنهاء الحمل في ظروف غير آمنة أدت إلى نزيف أنهى حياتها، تورطت فيه مولدة وأشخاص آخرون خارج أسوار المستشفى.
وبعد هذه الحادثة المأسوية عاد النقاش من جديد حول موضوع تقنين الإجهاض في المغرب، إذ تعالت الدعوات إلى ترخيص إجراء الإجهاض الطبي في عدد من الحالات، بينما أبدت بعض الجهات تحفظها على مسألة التقنين.

وفي غياب أرقام وإحصاءات رسمية في شأن عدد حالات الإجهاض السري في المغرب، تفيد معطيات جمعيات مدنية بأن ما بين 600 و800 عملية إجهاض سري تتم يومياً سواء داخل عيادات طبية أو بوسائل تقليدية، بينما صنف موقع "فاكت سلايدس" الأميركي المغرب في المرتبة الأولى عربياً من حيث إجراء عمليات الإجهاض.

3 خيارات

"إما أن أجهض حملي الذي لم أرغب فيه أو أنتحر أو تطردني أسرتي من البيت وأتعرض لأخطار التشرد"، هكذا لخصت سميرة، في نهاية عقدها الثاني، الخيارات الثلاثة أمامها بعد أن حملت إثر علاقة عاطفية غير شرعية. وقالت سميرة لـ"اندبندنت عربية" إنه على رغم الاحتياطات التي اتخذتها رفقة صديقها الذي كان يعدها بالزواج غير أنها تفاجأت بالحمل، وعندما طلبت منه حلاً مثل التقدم للزواج منها لدرء "الفضيحة"، طالبها بالإجهاض لأنه غير مستعد مادياً للزواج. أكملت الشابة والدموع تملأ مقلتيها حين تذكرت ما حصل لها قبل سنتين، وقالت إن حلولاً ثلاثة كانت أمامها، إما الإجهاض أو الانتحار ليذهب سرها معها أو قول الحقيقة لأفراد أسرتها "المحافظة"، بالتالي لا تعلم كيف يكون رد فعلهم، لعل أقله طردها من البيت.
واسترسلت سميرة بالقول إنها اختارت الإجهاض السري بعد أن بلغ الحمل بضعة أسابيع وبدأ البطن يبرز قليلاً، لترشدها صديقتها التي لها سابقة في الموضوع إلى طبيب يجري هذه العمليات بشكل سري داخل عيادته وبمبلغ يتجاوز ثمانية آلاف درهم (800 دولار)، فتم لها ذلك والحسرة تنهش قلبها.

"أعشاب مي حادة"

من جهتها تتذكر فاطنة، وهي سيدة متزوجة في عقدها الرابع، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" كيف أنها اضطرت قبل أربع سنوات إلى القيام بإجهاض سري لإنهاء حملها الذي لم ترغب فيه، بسبب أحوالها المالية في ذلك الوقت وأيضاً لعلاقتها المتوترة مع زوجها.

وتابعت السيدة بأن زوجها هددها بالطلاق إذا أضافت إلى "لائحة أولادها" مولوداً جديداً، فلم تجد سوى جارتها التي نصحتها بتجريب "مي حادة" المعروفة بتخليص النساء من مثل هذه "المشكلات" بطرق تقليدية عبر تناول بعض أصناف الأعشاب.
واستطردت المرأة بأنها في البداية صدقت ما كان يحكى لها عن تجربة هذه السيدة والأعشاب الآمنة التي تنهي الحمل من دون تداعيات صحية، لكن الذي وقع لها لم يكن في الحسبان، بعد أن وثقت في "أعشاب مي حادة"، إذ وقفت على "عتبة الموت" بسبب تسمم هضمي خطير أصابها جراء استعمال تلك "الوصفة الشعبية". وأضافت أن زوجها كاد يطلقها وأنه "لولا الألطاف الإلهية وتدخل الأطباء لزهقت روحي بسبب محاولة الإجهاض السري تلك".

ترسانة قانونية

وأحاط القانون المغربي عملية الإجهاض بعقوبات سجنية مشددة أحياناً بهدف الزجر والتقليل من حالات إنهاء الحمل، على رغم أن الواقع يشير إلى غير ذلك، بدليل الأرقام التي توردها جمعيات غير حكومية مهتمة بملفات المرأة والأسرة.
ويذكر الفصل 449 من القانون الجنائي المغربي أن "من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو من دونه، سواء أكان ذلك بواسطة طعام أو شراب أو عقاقير أو تحايل أو عنف أو أية وسيلة أخرى، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية، أما إذا نتج عن عملية الإجهاض موت السيدة فعقوبة الفاعل تصبح السجن من 10 إلى 20 سنة".
وأما الفصل 450 من الترسانة القانونية ذاتها فينص على ما يلي "إذا ثبت أن مرتكب الجريمة يمارس الأفعال المشار إليها سابقاً بصفة معتادة ترفع عقوبة الحبس إلى الضعف، وتصبح عقوبة السجن من 20 إلى 30 سنة في الحالة التي يؤدي فيها الإجهاض إلى الموت".
ويأتي الفصل 454 ليكمل لائحة الزجر القانوني، إذ إن العقوبة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين ضد "كل امرأة أجهضت نفسها عمداً أو حاولت ذلك أو قبلت أن يجهضها غيرها أو رضيت باستعمال ما أعطي لها لهذا الغرض".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


توسيع الحالات المرخص لها

ودخل على خط نقاش الإجهاض السري والمطالبة بتقنين إنهاء الحمل عبر إجهاض آمن ومقنن جمعيات مهنية وفاعلون صحيون وهيئات وأحزاب سياسية وحقوقيون وأيضاً علماء دين.
وفي هذا الصدد تعتبر "الحركة البديلة للدفاع عن الحريات الفردية في المغرب" المعروفة اختصاراً بـ"مالي" أن "الإجهاض السري عنف في حق النساء"، منادية بضرورة الترخيص لما تسميه "إجهاضاً آمناً وقانونياً" من أجل تحقيق "الصحة العامة والعدالة الاجتماعية".
من جهتها ترى الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، التي يرأسها الدكتور شفيق الشرايبي المعروف بدعواته إلى تقنين الإجهاض، أن "الإجهاض يجب الترخيص له في حالة وجود خطر على صحة المرأة الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية"، وليس فقط في الحالات الثلاث التي انتهت إليها "اللجنة الملكية" في شأن النقاش حول الإجهاض.
وكانت اللجنة الملكية التي تم تشكيلها في عام 2015 وضمت مسؤولين حكوميين وأطباء متخصصين وعلماء دين تابعين لوزارة الأوقاف قد خلصت إلى أن "حالات إباحة الإجهاض تتمثل عند وجود مبررات قاهرة لما لها من آثار صحية ونفسية واجتماعية سيئة على المرأة والأسرة والجنين والمجتمع". وهذه الحالات هي أولاً عندما يشكل الحمل خطراً على حياة الأم أو على صحتها، وثانياً في حالات الحمل الناتج عن اغتصاب أو زنى المحارم، ثم ثالثاً في حالات التشوهات الخلقية الخطيرة والأمراض الصعبة التي قد يصاب بها الجنين.

الإجهاض الآمن والحق في الحياة

يقول في هذا الصدد الباحث في مجال السياسات الصحية بالمغرب الطيب حمضي إن "المواقف تختلف حيال موضوع الإجهاض بناءً على خلفيات دينية إسلامية كانت أو مسيحية أو حتى لا دينية، وعلى خلفيات أخلاقية واجتماعية". ويرى حمضي أن "الطرف المتضرر من كل هذه الاختلافات والسجالات هو المرأة التي تحتاج إلى إجهاض طبي آمن، لأنه يجب الإنصات إلى حاجتها تلك"، مبرزاً أنه "إذا لم تلجأ إلى إجهاض طبي آمن ومقنن ستضطر إلى القيام بإجهاض سري تكون عواقبه محفوفة بالمآسي وربما الوفاة أيضاً".
ويفيد المتحدث نفسه بأنه "عندما نمنع الإجهاض هذا لا يعني أنه سيتم القضاء عليه في المجتمع، بدليل أن بعض الدراسات تشير إلى أن نسب الإجهاض في الدول التي تبيح أو ترخص لهذه العملية مماثلة أو حتى أقل من الدول التي تمنعه، مثل حالة سويسرا مثلاً". ويضيف حمضي أن "منع وتجريم الإجهاض يعتبر مساً بالحق في الحياة، لأنه إذا لم يتم منح امرأة حق الإجهاض بشروط طبية آمنة، فإنما يتم الحكم عليها ضمنياً إما بالموت، بسبب اللجوء إلى الانتحار أحياناً أو طردها من البيت وتشردها هي وطفلها في الشارع".
ويلفت حمضي إلى أن "الإجهاض الطبي الآمن لا يتعين فقط الترخيص له في حالات زنى المحارم أو الاغتصاب أو بعض الحالات الاجتماعية المعقدة، بل أيضاً في حالة المرأة التي تعيش ظروفاً اجتماعية ونفسية سيئة وحصل لها حمل غير مرغوب فيه"، كما يدعو حمضي إلى "إرساء حوار مجتمعي إيجابي من أجل دفع المشرع إلى القبول بإجهاض طبي آمن بشروط طبية وصحية واجتماعية واضحة، من أجل الحد من المآسي الاجتماعية والنفسية التي تقع قبل وأثناء وحتى بعد ممارسات الإجهاض السري".

اقتراح قانون

وقدم حزب التقدم والاشتراكية (معارض) أخيراً اقتراح قانون جديد يسير في اتجاه مطلب تقنين الإجهاض، محدداً بعض الحالات التي يرى أنها تستوجب الترخيص بإجهاض آمن وطبي. الحالة الأولى وفق مقترح القانون المذكور تتمثل في الخطر الذي يهدد حمل المرأة بسبب الإصابة بمرض عضال، مشترطاً موافقة لجنة من أطباء متخصصين، بينما بخصوص الفتاة القاصر الحامل يتم اشتراط موافقة أحد الوالدين.
والحالة الثانية تبعاً للمصدر عينه إذا كان الحمل ناجماً عن تعرض الفتاة أو المرأة إلى اغتصاب أو زنى المحارم، ملزماً أن تقدم للمرأة وثيقة تتضمن جميع المعلومات والإمكانات القانونية المتعلقة بمستقبل ومصير الطفل الذي قد يولد إذا لم يتم الإيقاف الطبي للحمل، مثل الكفالة أو الاعتراف بالأبوة.
الحالة الثالثة وفق مقترح القانون تتجسد في الخلل العقلي أو حالة نفسية مرضية خطيرة غير متوافقة مع الحمل أو تتطلب معالجة مستمرة تتنافى مع العلاج، مثل التناول الإجباري للأقراص التي قد تسبب أضراراً للجنين.

والحالة الرابعة وفق المصدر هي حالة ثبوت إصابة الجنين بتشوهات خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، أو إذا كان هناك احتمال كبير أن يأتي المولود بتشوهات خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، وذلك وفق شروط محددة.
ومقابل هذه المقترحات لتوسيع الترخيص لحالات الإجهاض الطبي ترى جهات أخرى أنه لا يجب توسيع هذه الحالات، والاكتفاء بما خلصت إليه اللجنة الملكية، وهو الموقف الذي أعلنه من قبل إسلاميو حزب العدالة والتنمية المغربي.
وكذلك الأمر بخصوص المجلس العلمي الأعلى (مؤسسة رسمية تعنى بالإفتاء)، إذ نشرت بلاغاً في ديسمبر (كانون الأول) 2019 شددت فيه على أن "الخيط الأبيض في قضية الإجهاض هو المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي".
وأبرز علماء الدين في هذا المجلس أن هذه المقتضيات القانونية المتعلقة بالإجهاض "لن يقع عليها تغيير إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد".

المزيد من تقارير