Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن وفاة مهسا أميني والحقيقة في الحجاب

بصفتي صحافية مسلمة، غالباً ما أكتب دفاعاً عن الحجاب واللباس المحتشم ولكنني أعرف أيضاً عن القمع وأرصده عندما أراه

بصفتي صحافية مسلمة ومحبة للأزياء المحتشمة، غالباً ما أتخذ موقفاً دفاعياً حاسماً في المنشورات التي أكتبها حول الحجاب في المواقع الإخبارية الغربية، وأنكب بشكل واضح على تبديد الخرافات المعادية للإسلام التي تعتبر الحجاب رمزاً للقمع. وفي بعض الأحيان، أندد بالدول الأوروبية التي تفرض حظراً على ارتداء البرقع والبوركيني والحجاب، وفي أحيان أخرى أسلط الضوء على رائدات الأعمال والمصممات وعارضات الأزياء والمدونات المسلمات اللواتي يثبتن بأنه عندما ينم ارتداء الحجاب عن خيار وليس عن فرض، يصبح أسلوب الحياة الذي يعتمد على تغطية الجسد قوة تمكن المرأة بشكل لافت.

ولكن أحياناً، تتحول القضايا البارزة المتعلقة بالحجاب إلى مناسبة للوقوع في القمع. وفاة مهسا أميني عن عمر 22 سنة هو خير مثال على ذلك. فقد توفيت الشابة الإيرانية في طهران خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية بعد أن تم توقيفها وزُعم بأنها ضُربت وعُذبت على يد شرطة الأخلاق الإيرانية يوم الخميس الماضي لـ"عدم التزامها بمعايير الحجاب". ويعزو المسؤولون الإيرانيون سبب وفاتها المفاجئة إلى إصابتها بنوبة قلبية، بيد أن أسرتها تؤكد أنها لم تعانِ مطلقاً من أي مشكلات في القلب في السابق، كما يدعي والدها بأن الكدمات على جسمها تظهر بأنها تعرضت للضرب والاعتداء أثناء توقيفها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سواء كان سبب وفاتها مشبوهاً أم لا، يبقى الواقع أنه تم اقتياد شابة بعيداً من عائلتها وتوقيفها على خلفية "إعادة تربيتها" حول الطرق المناسبة لتغطية نفسها. وفيما يحصل ذلك تحت غطاء الدين، فالدولة تطلق على نفسها اسم "الجمهورية الإسلامية"، ما من شيء إسلامي يبرر مقاربة شرطة الأخلاق في التنمر على امرأة لتغطية شعرها.

في إيران، أصبح الحجاب فرضاً منذ الثورة الإسلامية عام 1979 بعد أن كان ممنوعاً في ظل حكم رضا شاه بهلوي. وبعد الحظر الشامل على الحجاب الذي فرضه بهلوي عام 1935، كان الجنود يقومون بإزالة الحجاب بالقوة عن رأس النساء اللواتي يرتدينه في الأماكن العامة. ولم يكن يُسمح للمحجبات العمل في وظائف مهنية ومُنعن من ارتياد المطاعم أو المسارح. وبعد بضعة عقودٍ وحسب، انقلبت تلك السياسات بالكامل وأصبحت إيران – ولا تزال- الدولة الوحيدة في العالم (إلى جانب أفغانستان الجديدة تحت حكم طالبان) حيث يتوجب على النساء شرعاً تغطية شعرهن.

صدقاً، يظهر هذا التقلب في ما يتعلق بالمقاربات تجاه الحجاب بأن المرأة المسلمة هي غالباً الضحية الأولى في حرب السياسات التي تهدف لترويج بعض المعتقدات سواء كانت متعلقة بالتحرر المستوحى من الغرب أو التطرف أو التزمت الديني الأعمى.

أكان في الشرق أم في الغرب، تتخذ السلطة الذكورية التي تقرها الدولة أشكالاً عدة. ففي بعض الأحيان تبدو كالمحكمة الأميركية العليا التي تلغي حق المرأة الدستوري بالإجهاض. وفي أحيانٍ أخرى، تتخذ شكل القمع الممنهج ضد المرأة المسلمة من خلال فرض قواعد لباس كعلامةٍ على التقوى. وغالباً ما تحدث تلك الأمور الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، وفيما تبدو كلمة "حجاب" في الأساس ذات طبيعة دينية، فإن إجبار المرأة على تغطية شعرها لا علاقة له إطلاقاً بالتقوى أو التدين. ففي النهاية، بهدف أن يكون الإيمان والقناعة صادقين، يتوجب القيام بالممارسات التي من المفترض أن تكون "دينية"، بطريقةٍ طوعية. "لا إكراه في الدين" هي من آياتي القرآنية المفضلة التي تعبر عن هذه القناعة.

وعندما يتعلق الأمر بحكم القرآن في الحجاب والحشمة، يقدم علماء الدين العديد من التفسيرات. يزعم البعض أن الحجاب كان مفروضاً على زوجات النبي محمد حصراً وليس على كافة النساء المسلمات. وفيما قد تكون للمؤرخين والعلماء والقضاة المسلمين آراء مختلفة، تتفق الغالبية بأن القرآن الكريم كان واضحاً في فرضه الحجاب – لحماية زوجات النبي محمد من التعرض للمضايقة في الشارع. ولسخرية القدر، أدى فرض الحجاب بالقوة في إيران إلى تعرض النساء للمضايقة في الشوارع على يد شرطة الأخلاق التي يُطلق عليها اسم "Ghaste-Ershad" والتي تملك الصلاحية في اتخاذ القرار اعتباطياً حول ما الذي يُعتبر "حجاباً غير ملائم"، كما لديها الحرية بإلقاء القبض على النساء وتوقيفهن واعتقالهن و"إعادة تربيتهن".

وفي وقت تتخذ العديد من النساء المسلمات خيار تغطية شعرهن بحرية تامة، أصبح الحجاب مع ذلك رمزاً للسلطة وارتبط بشكل وثيق بالثقافة والسياسة.

ولكن، عندما يتخذ الرجال السلطويون قرارات حول ما يمكن للمرأة المسلمة أن ترتديه وما الذي يُمنع عليها ارتداؤه، تكون مقاربتهن وأفعالهم ونواياهم منافية للإسلام بشكل كامل. وعلى غرار ما غردت أخيراً الناشطة الإيرانية- الأميركية هدى كاتبي: "لا علاقة لهذا بالدين الإسلامي بل بحكومة تستخدم كل ما أمكنها للاحتفاظ بالسلطة".

في الواقع، غالبية الأحكام أو القوانين المفروضة على إطلالة النساء، سواء في حظر البوركيني في فرنسا أو تغطية الشعر الإلزامية في إيران، لا تتعلق بالمرأة بحد ذاتها بل تشكل طرقاً لإرساء سيطرة ذكورية على النساء. في الغرب، قد يود الرجال أن تخفف النساء من لباسهن لإظهار المزيد من الطابع الجنسي الذي يفضلون رؤيته. وفي الشرق، على عكس ذلك، غالباً ما يريد الرجال من النساء تغطية أجسادهن وإلا فإنهن "يغوين" الرجال للقيام بنشاط جنسي غير مشروع.

عندما يسمح الممسكون بالسلطة بذلك، يصبح لمراقبة أجساد النساء تأثير انتشاري تدريجي. فعلى موقع "إنستغرام"، تنتقد "شرطة الحرام" بشدة صور مدونات الموضة المحتشمة وتشير إلى بعض البشرة البارزة وهي ليست سوى امتداد لتلك المقاربة الخبيثة للتحكم بأجساد النساء المسلمات ومراقبتها.

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس شرطة طهران بأن مهسا أميني كانت "ترتدي لباساً غير ملائم" ووصف وفاتها "بالمؤسفة". في غضون ذلك، اندلعت تظاهرات مناهضة للحكومة في أنحاء البلاد وقامت العديد من النساء بخلع حجابهن وقصصن شعرهن تضامناً مع قضية مهسا. قد يبدو الأمر منافياً للعقل بأن تقوم النساء في بعض مناطق العالم بالتظاهر للحصول على حق تغطية رؤوسهن فيما في أماكن أخرى كإيران، يتظاهرن للحق بخلع الحجاب والسفور. قد يكون الأمر مربكاً بالنسبة إلى الأشخاص غير المطلعين على معنى الحجاب والحشمة. فهل الحجاب أداة قمعية بطبيعته؟ وهل يمكن أن تكون الموضة المحتشمة تحولاً نسوياً متحرراً إلى معايير الجمال المجتمعية التي تقيس جاذبية المرأة بمقدار البشرة الذي تظهره؟

في نهاية المطاف، إن المسألة التي تصب في صلب الجدل حول الحجاب هي الفاعلية، وكيف أن غيابه أو فرضه بالقوة يحدد طريقة لباس المرأة. يتوجب إلغاء الرجال الذين يناقشون ويحظرون ويفرضون قواعد اللباس الخاصة بالنساء أو على الأقل اعتبارهم غير معنيين بذلك بهدف تجنب وقوع مآسٍ أخرى من دون معنى كوفاة مهسا أميني.

وتطلق الأكاديمية والباحثة المصرية- الأميركية ليلى أحمد في كتابها "المرأة والجندرة في الإسلام" (Women and Gender in Islam) على الخطاب المتعلق بالحجاب تسمية "الجدل الذكوري حول المرأة الذي يتركز على الحجاب". كما تصف الطاقة المستهلكة على خطاب كهذا "بالمحبطة والمثيرة للسخرية". وأنا أوافقها الرأي بشدة.

حفصة لودي هي صحافية مستقلة ومؤلفة كتاب "الحشمة: أحد تناقضات الموضة" (Modesty: A Fashion Paradox)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل