Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إلى متى تسدد سامراء فاتورة الـ"لا استقرار" في العراق؟

تغيرت معالمها المجتمعية بعد أن هجرها أهلها وأحاطتها الأسوار ولا تزال تدفع ثمن تفجير مرقدها عام 2006

سامراء العراق تعيش واقعا بائسا بسبب التهميش والعزلة المفروضين على المدينة (مديرية الوقف السني في سامراء)

ما من مدينة تحملت وزر واقعها بعد 2006 مثل سامراء العراقية، رابع مدينة مقدسة لدى الشيعة "الاثنا عشرية"، جراء تداعيات أكبر حدث في تاريخها، وكاد يتسبب في حرب أهلية شاملة وقتها، أشعلت وسريعاً ما أخمدت، لكن جمراتها ظلت تحرق قلوب العراقيين وتؤجج نيران الفرقة بين مكونات الشعب.

بعد تفجير مرقد الإمامين علي الهادي وابنه حسن العسكري عام 2006، وإسقاط قبة بمرقدهما وسط ذهول المجتمع العراقي، أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته، مما دفع مئات الآلاف من العراقيين إلى حمل السلاح، وملاحقة التنظيم الإرهابي الذي اختار نقطة أمنية واهنة في مدينة سامراء ذات الأغلبية السنية التي تحتضن مرقدين شيعيين.

عاشت سامراء لقرون طويلة في سلام مع مرقديها المقدسين لدى الطائفة الشيعية "الاثنا عشرية"، لكن المدينة تحولت في السنوات الأخيرة إلى قنبلة موقوتة في وجه سكانها البالغ تعدادهم 200 ألف نسمة، وهي تبعد 125 كيلو متراً شمال بغداد، وتقع على الضفة الشرقية من نهر دجلة، فاستحالت إلى مدينة مسورة بقوات الجيش والحشد الشعبي، وحماية استثنائية مقيدة لحركة ساكنيها، كي لا يتكرر مشهد اختراقها بعد قرار إعادة المرقدين وبناء القبة من جديد.

سامراء التاريخية

منذ تأسست على يد بانيها الخليفة العباسي الثامن المعتصم بن هارون الرشيد (221 هجرية/ 836 م) جعلها عاصمة بديلة لحكمه بعد أن هجر بغداد قسراً، وأراد البعد عنها استجابة لرغبة أهلها، الذين تظاهروا ضده مطالبين إياه بإخراج جند الترك من بغداد، إذ استقدمهم لتعزيز قوة جيشه.

يقول عميد كلية الإعلام في جامعة سامراء قاسم حسن السامرائي لـ"اندبندنت عربية"، "بعد الرخاء الذي وصلته الدولة العباسية زمن الخليفة هارون الرشيد، وانصراف العرب إلى العلوم والثقافة والفنون والتحضر تركوا الاهتمام بالجيش، فشعر المعتصم ابن هارون الرشيد بخطورة ذلك على الخلافة، فأراد إنشاء جيش ذي بأس من الأشداء، فأشاروا عليه بالترك، فاستجلب أعداداً كبيرة منهم، وكان أغلبهم أميين يمكثون في مخيمات، فلم تكن في بغداد معسكرات جاهزة لاستقبالهم، وهم لا يعرفون التعامل مع أهلها".

ويضيف "ضاق الناس بغلظتهم فخرجوا على المعتصم في تظاهرات، مطالبين بعدم بقائهم في العاصمة، فرضخ الخليفة لثورة الناس وطلب من وزيره خالد اختيار مكان جديد يستوعب أعداد الجند، فبدأ الخبراء بالتجوال حول بغداد ليختاروا مكاناً، حتى استقروا في شمال العاصمة بموقع سامراء، وكانت تضم بعض الأديرة التي اشتراها من أهلها ليبني عاصمته الجديدة (سر من رأى)".

 

وهناك من يؤكد أن سامراء بنيت على أنقاض مدينة قديمة تعود لقرون موغلة في القدم، بعضهم يعود بها إلى موطن آشوري بابلي اسمه (سوموروم)، أو (سورماتا) وحور إلى سامراء، مع آراء تعود باسم المدينة لأصول آرامية، لكن الاسم المتداول لهذه المدينة ينسب لبانيها المعتصم بالله التي اتخذها عاصمة له.

شرع المعتصم ببنائها بعد أن انتقل إليها مع عسكره، حتى ظهرت أسوار تلك المدينة ليراها الناس ويعجبوا بها، وسميت في البدء (العسكر)، لهذا يفسر اسم الإمامين علي الهادي والحسن العسكري نسبة إلى تلك المدينة، ثم أطلق عليها المعتصم اسمها الجديد "سر من رأى"، وظلت مقراً للخلافة العباسية نحو 58 عاماً حتى اغتيال خلفه المتوكل وتولي المنتصر، ثم أقدم المعتمد على ترك المدينة وعاد بالعاصمة إلى بغداد مستقراً له، وتركت سامراء كلياً عام 1053م بعد صراع مرير بين السلاجقة والبساسيري.

وظل أهل سامراء منذ ذلك التاريخ يعانون الغزوات والاحتلالات ويعتاشون على الزراعة والري، ويستحسنون بيئتها وهواءها العليل، ودعة الحياة فيها حيناً وعسرها بعد هيمنة الغزاة عليها أحياناً.

وزاد الطين بلة على سامراء وأهلها أنها من المدن التي تعرضت لأزمات، أخطرها انحسار مياه دجلة عنها حيناً وفيضانه أحياناً، ونقل مبانيها وقصورها المبنية من الآجر (الطابوق المفخور) عبر النهر بواسطة (الأكلاك) وهي وسائط النقل النهرية، فتدهور حالها وتركها أهلها فسميت (ساء من رأى).

معاناة العصر الحديث

عانت سامراء كثيراً في العصر الحديث حتى غدت المدينة اليوم في حال من اللا استقرار تحصد نتائج اختيارها كمدينة إشكالية، لتفجير الوضع الطائفي. يقول أحد علماء الدين البارزين من أهل سامراء، إن "وضع المدينة في تدهور مستمر، وانقلبت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في محيط الإمامين العسكريين، وينظر الناس بحزن وألم عميقين لما جرى، لأنهم وقعوا ضحية مؤامرة كبيرة دفعوا ثمنها".

 

 

يضيف الشيخ السامرائي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "عودة الحياة والوضع إلى حالته الطبيعية صعب جداً جراء التدهور على كل المستويات، فهناك تعسف كبير ضد أهالي المدينة، مع ضعف الحكومة المركزية وتردي إدارة المحافظة وفسادها جراء التناحر السياسي في صلاح الدين وفرض نمط أمني قاد الوضع إلى الانهيار"، وتابع "أهل سامراء عملوا المستحيل لإعادة الحياة الطبيعية، لكنهم زجوا في السجون التي اكتظت بهم، حتى غيب أكثر من 1300 مواطن سامرائي لم يطلقوا حتى الآن على رغم المطالبات بمحاكمتهم وإطلاقهم، لكن لا حياة لمن تنادي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهناك خشية كبيرة على مصير جامع سامراء الكبير والمدرسة العلمية الدينية المجاورتين لمبنى الإمامين؟ يقول الوجيه صالح السامرائي وهو ناشط وباحث من أهل المدينة، "يأمل أهالي سامراء في الحفاظ على المنطقة القديمة والإبقاء على تراثها لترجع الأمور إلى نصابها، وتعود صلاة الجمعة والصلوات الخمس للجامع الكبير، وتعود الدراسة لثانوية الإمام علي الهادي الإسلامية كما كانت في السابق، وكل ذلك مرتبط بحسن النوايا من حكومة مركزية قوية تعيد الحق لأصحابه، ولا بد من تدخل الحكومة لوقف شراء الدور والأماكن المحيطة بمقام الإمامين قسراً، إذ تم شراء ما يقارب أربعة آلاف بيت بانتقائية، مع فرض تخلية قسرية لعديد من المحال والعمائر بدواع أمنية منذ 2006، وفرضت حال طوارئ منذ ذلك التاريخ، فعند الساعة الخامسة تقفل بعض المناطق القريبة من المرقد ويمنع أهلها من التجوال فيها، ما يضيق الخناق عليهم في تعاملاتهم اليومية".

 

ويستدرك الوجيه والناشط صالح السامرائي قائلاً "هناك مغالطة كبيرة في توجيه الاتهام إلى السامرائيين بأنهم وراء ما حدث للمدينة وتدهور حالها الأمني بعد التفجير الذي قلب حياة الناس في العاصمة الثانية للدولة العباسية، إذ لا تصمد أمام حقيقة أن المدرسة الجعفرية الأولى في العراق لتدريس المذهب الجعفري وهي مركز الإفتاء الشيعي في العالم بالعصر الحديث أنشئت في سامراء، والحوزة العلمية الشيعية بنيت فيها قبل النجف والحلة وقم، في مدينة ليس فيها شيعة، واستقبل أهل سامراء آلاف الطلبة ليدرسوا الفكر الجعفري فيها، وبعد 20 سنة بنيت مدرسة سنية حتى أضحت المدينة رمزاً للتسامح الديني والطائفي كونها حافظت على مرقد الإمامين العسكريين طيلة ما يزيد على ألف سنة".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي