Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتب القرن: العسكرية والعلمية والتكنولوجية

ثلاثة مناهج قيمة لدراسة الحروب والنزاعات انبثقت من الكتب التي نشرت خلال الحرب العالمية الثانية

تتناول هذه الكتب المواضيع الرئيسة التي طبعت التفكير الغربي في مجال الاستراتيجية (غيتي)

يحكى أن ثلاثة مناهج قيمة لدراسة الحروب والنزاعات انبثقت من الكتب التي نشرت خلال الحرب العالمية الثانية. فما كاد ينهي هاليت كار كتابه الكلاسيكي الذي هو عبارة عن تحليل معمق للكيفية التي تعثرت بها الأمور وخرجت عن نصابها منذ الحرب العالمية الأولى، حتى اندلعت مواجهة عالمية أخرى. وفي الوقت الحاضر، يعتبر "أزمة العشرين عاماً" أحد النصوص التأسيسية للواقعية الفلسفية فيما هو بنظر كار، مجرد تصحيح لليوتوبيا الساذجة متزايدة التأثير التي هيأت الطريق أمام الحكومة العالمية لتبني مخططات ومشاريع لا تقيم وزناً للأهمية الملزمة للمصلحة الوطنية. وما يعزز الطابع الواقعي للكتاب تركيز كار الشديد على القوتين العسكرية والاقتصادية وقدرة الدولة على بلورة الرأي العام، وإن لم تكن مراجعته الافتراضات المثالية في شأن حتمية التقدم ساخرة بما يكفي: الاعتبارات الأخلاقية، كانت ولا تزال، وفق كار، جزءاً لا يتجزأ من صناعة السياسات.

وبالنسبة إلى أعظم إبداعات كوينسي رايت المكون من مجلدين والقائم على أبحاث دقيقة وشاملة استغرقت فريق عمله في "جامعة شيكاغو" سنوات طويلة، فقد أبصر النور عام 1943. وكان لولادته هدف مثالي، ألا وهو توفير الأدلة والتحليلات اللازمة لإتاحة إمكانية تلافي الحروب وتقييدها. وفي سياق "دراسة في الحرب"، حدد رايت أربعة عوامل رئيسة مسؤولة عن احتمالية حدوث صراعات واقتتالات: التكنولوجيا (لا سيما العسكرية) والقانون (لا سيما الدولي) وأشكال التنظيم السياسي والقيم الأساسية، مع التأكيد أن السلام يقتضي صون التوازن "بين القوى السياسية والعسكرية المتقلبة وغير المستقرة داخل نظام الدول". فمن وجهة نظر رايت، لا يسع القادة أن يتخذوا قرارات سياسية سليمة إلا إذا أولوا اهتماماً تفصيلياً وكمياً لمروحة واسعة من المواضيع، من قبيل خصائص أنظمة الأسلحة والديموغرافيا والامتثال للقانون الدولي وبيانات الاقتراع ومحتوى الصحف. وإذ اقتنعت الأجيال اللاحقة من الباحثين بكلامه، حذت حذوه في صياغة نهج علمي للعلاقات الدولية يعتمد على تقنيات متكاملة لجمع المعطيات ومنهجيات تحليلية صارمة.

أما "رواد الاستراتيجية الحديثة: الفكر العسكري من ميكافيللي إلى هتلر"، فهو مجلد متميز من المقالات وقد أراد إدوارد إيرل من خلاله المساعدة في شرح أصول الاستراتيجية. وفي بعض جوانب هذا المجلد، يؤرخ إيرل تبعات أحدث صيحات الحروب الجديدة، لا سيما القنابل الذرية الأولى، لكن القيمة الحقيقية الثابتة للكتاب تبقى في الاكتساح التاريخي الطموح لنهج إيرل وتعريفه الموسع للاستراتيجية – دمج الاعتبارات الاقتصادية بالسياق السياسي - ونوعية المساهمات الفردية، بما في ذلك مساهمات كبار مؤرخي تلك الحقبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"استراتيجية الصراع"

بقلم توماس شيلينغ

"مطبعة جامعة هارفرد"، 1960، 309 صفحات

"عن الحرب"

بقلم كارل فون كلاوزفيتز. حرره وترجمه مايكل هوارد وبيتر باريت

"مطبعة جامعة برينستون"، 1976، 717 صفحة

"دليل الميدان للجيش الأميركي ومشاة البحرية في مكافحة التمرد"

عن وزارة الجيش، مشاة البحرية الأميركية

"مطبعة جامعة شيكاغو"، 2007، 472 صفحة

تتناول هذه الكتب الثلاثة المواضيع الرئيسة التي طبعت التفكير الغربي في شأن الاستراتيجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولعل أهم هذه المواضيع حتى الآن بداية العصر النووي. لماذا؟ لأن ظهور القنبلة الذرية استوجب إعادة تقييم نشطة للاستراتيجية العسكرية. وقد أخذ المحللون المدنيون على عاتقهم تنفيذ الجزء الأكبر من هذه العملية، ويأتي في طليعة هؤلاء شيلينغ الذي أثبت أنه الأكثر إبداعاً وتميزاً. وقد كان شيلينغ خبيراً اقتصادياً وصاحب عقل منفتح ونهج انتقائي، عرف عنه تأثره بنظرية اللعبة بعيداً من أي التزام. فبرأيه، الخوف المشترك من الحرب النووية هو الذي حفز القوى العظمى المتناحرة على التعاون والتنافس، وانعكس إيجاباً على نظرية اللعبة. وعلى امتداد مراحل مسيرته، تطرق شيلينغ إلى قضايا سياسية محورية، وتقصى صدقية الالتزامات والأشكال الضمنية للمساومة، وطور مفاهيم مؤثرة مثل "التهديد الذي يترك شيئاً للصدفة" (أخطار التصعيد التي لا يمكن السيطرة عليها بالكامل) و"الخوف المتبادل من هجوم مفاجئ" (تزايد إمكانية حدوث هجوم مفاجئ جراء خشية كل طرف مما يخشاه الطرف الآخر).

وقد يبدو غريباً احتواء هذه القائمة على كتاب "عن الحرب" الكلاسيكي للمفكر البروسي العظيم، كارل فون كلاوزفيتز، والذي نشر لأول مرة باللغة الألمانية عام 1832، لكن النسخة المترجمة من العمل والصادرة عن هاورد وباريت عام 1976 أثرت عميقاً في الخطابات المتعلقة بالاستراتيجية. فالرجلان أنتجا كتاباً مليئاً بالأفكار التي لا تحاكي ذهنية الشريحة الأكبر من القراء في الوقت الذي كان يشهد فيه العالم اهتماماً جدياً بإعادة إحياء الحروب التقليدية. وبحسب النقاد، كانت الترجمة مثيرة للجدل مع محاولة هاورد وباريت تشويه المعنى الكامن في نص القرن التاسع عشر في مسعى منهما لجعله أكثر صلة بالمناقشات المعاصرة. ومع هذا كله، لا يمكن إنكار أهمية "عن الحرب" لناحية تذكيره ببعض ملاحظات كلاوزفيتز الأكثر دلالة، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: أهمية الهدف السياسي، والتفاعل بين العقل والفرصة والعاطفة، والقوة الكامنة في الدفاع، والحاجة إلى تحديد مركز ثقل العدو باعتباره أفضل نقطة للهجوم، وأهمية نقطة الذروة حينما يفقد التقدم زخمه.

وفي الختام، ثمة وقفة أخيرة عند "دليل الميدان للجيش الأميركي ومشاة البحرية في مكافحة التمرد". وهذا الكتاب ليس نتاج منحة دراسية مستقلة أو مساهمة دائمة في الفكر الاستراتيجي إنما هو وثيقة حكومية وليدة زمانها. ومع ذلك، فقد أجاد تجسيد رؤى القيادات العسكرية العليا للولايات المتحدة في خضم كفاحها ونضالها من أجل تلبية متطلبات حملتين رائدتين لمواجهة التمرد في العراق وأفغانستان إبان العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ويشدد الدليل الذي صيغ بمساهمات كبيرة من أكاديميين ومنظمات غير حكومية، على ضرورة تجنب طريقة التفكير التقليدية في شأن الحرب والاستعاضة عنها بالتفكير في حرب العصابات الثورية التي أكدت ولا تنفك تؤكد أهمية فصل المقاتلين عن عامة السكان، بالاعتماد على العملية السياسية أكثر من المعارك القتالية. عدا عن ذلك، يشجع الدليل على المرونة في المواقف والسلوكيات العسكرية ويسلط الضوء على قيمة ضبط النفس. ولهذا السبب، لقي استحساناً كبيراً وقرئ على نطاق واسع. وطبقت دروسه بنجاح ولو لمدة وجيزة في العراق من خلال زيادة عديد القوات الأميركية في البلاد عام 2007، لكن الوضع في أفغانستان كان مختلفاً نوعاً ما، حيث كشف النقاب عن المشكلات التي يمكن أن تتأتى عن تطبيق المضامين الأساسية لنص الدليل.

 

*ملاحظة المحرر: في إطار الإعداد والتحضير للاحفتاء بذكرى مئة عام على صدور فورين أفيرز، اختار كل مراجع من المراجعين في فريق المجلة مجموعة كتب أساسية لفهم القرن الماضي ومجموعة كتب أساسية أخرى لتصور القرن المقبل.

"أزمة العشرين عاماً، 1919-1939: مقدمة لدراسة العلاقات الدولية"

بقلم إدوارد هاليت كار

"دار ماكميلان للنشر"، 1939، 312 صفحة

"دراسة في الحرب"

بقلم كوينسي رايت

"مطبعة جامعة شيكاغو"، 1964، 451 صفحة

"رواد الاستراتيجية الحديثة: الفكر العسكري من ميكافيللي إلى هتلر"

بقلم إدوارد ميد إيرل

"مطبعة جامعة برينستون"، 1943، 553 صفحة

مترجم عن فورين أفيرز،  سبتمبر (أيلول) / أكتوبر (تشرين الأول) 2022

المزيد من كتب