Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبهات تضارب المصالح والتربح تلاحق ثلث أعضاء الكونغرس الأميركي

183 تعاملوا بأوراق مالية لشركات قد يؤثرون فيها أو يستفيدون منها

بعد نحو 10 أعوام من إصدار "قانون الأسهم" تبين أنه لا يطبق بالشكل الذي أنشئ من أجله (أ ف ب/ غيتي)

على رغم أن الكونغرس الأميركي هو الجهة التشريعية المنوط لها الرقابة والتحقيق في الملفات التي تحيط بها شبهات الفساد في الولايات المتحدة، فإن ثلث أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين أصبحوا أنفسهم تحت شبهة التربح والاستفادة من مواقعهم، بعد أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الأسبوع عن تضارب محتمل في المصالح بين مسؤولياتهم العامة وأموالهم المالية الخاصة من خلال استفادتهم المحتملة من المعلومات التي يطلعون عليها داخل اللجان التشريعية للقيام بشراء وبيع الأسهم والأصول المالية في شركات صناعية وتجارية وخدمية لتحقيق الربح أو لتجنب الخسارة، فما تفاصيل هذه الوقائع؟ وهل ستدفع الكونغرس لإصلاح حاله؟

مخالفة قانون الأسهم

بعد نحو 10 أعوام من إصدار الكونغرس الأميركي "قانون الأسهم" الذي صمم خصيصاً لمنع المشرعين في الكونغرس من استخدام مناصبهم المتميزة والمعلومات التي يطلعون عليها لاكتساب ميزة إضافية في سوق الأسهم، تبين أن القانون لا يطبق بالشكل الذي أنشئ من أجله، فالقانون الذي صدر عام 2012 سمح لأعضاء الكونغرس بشراء وبيع الأسهم والسندات والأدوات المالية الأخرى، طالما أنهم لا يتداولونها للاستفادة من المعلومات الداخلية التي يطلعون عليها في الكونغرس ولا يعرفها عامة الأميركيين، وطالما أنهم يكشفون عن أي معاملات لهم أو لأفراد أسرتهم المباشرين، والتي تصل إلى 1000 دولار أو أكثر في غضون 45 يوماً، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت عن أن ثلث أعضاء الكونغرس تقريباً لم يمتثلوا لهذا القانون.

على مدى ثلاث سنوات في الفترة من 2019 إلى 2021، أبلغ 183 من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الحاليين من بين 535 هم إجمالي أعضاء الكونغرس عن تداول أسهم أو أصول أخرى بأنفسهم أو من خلال أحد أفراد الأسرة المباشرين، وأن أكثر من نصفهم (79) شاركوا في لجان الكونغرس المختلفة، والتي من المحتمل أنها وفرت لهم نظرة ثاقبة للتعرف بدقة على وضع الشركات التي أبلغوا عن شراء أسهمها أو بيعها، بحسب تحليل الصحيفة الأميركية، وهو ما يعد مخالفاً لنص القانون وتضارباً في المصالح بين مسؤولياتهم العامة وأموالهم المالية الخاصة.

أمثلة بارزة

ومن أبرز الأمثلة على هذه المعاملات أن السيناتور الجمهوري تومي توبرفيل الذي انضم إلى مجلس الشيوخ في أوائل عام 2021 وأصبح عضواً في ثلاث لجان هي الصحة والزراعة والخدمات المسلحة، انخرط بنشاط في مداولات تشير إلى تضارب محتمل ومتكرر في المصالح، فقد أبلغ في بيان الإفصاح الذي يحدده القانون، عن عمليات شراء تعاقدية، العام الماضي، مرتبطة بالأسعار المستقبلية للمنتجات الزراعية والماشية، لكنه واصل بيع وشراء هذه العقود هذا العام، حتى عندما ناقشت لجنة الزراعة التي يشارك فيها، مشروعي قانونين من شأنهما التأثير في أسعار الماشية، ثم بصفته عضواً في لجنة الصحة، قام بشراء وبيع أسهم شركات الأدوية والخدمات الطبية الكبرى، وأخيراً بصفته عضواً في لجنة الخدمات المسلحة، اشترى هو وزوجته في ثلاث صفقات أسهم في شركة "مايكروسوفت"، لكنه باع كل هذه الأسهم قبل أسبوعين فقط من الإعلان عن خسارة "مايكروسوفت" عقداً مع وزارة الدفاع قيمته 10 مليارات دولار.

ومع ذلك نفى السيناتور توبرفيل أنه يتاجر بالأسهم، مؤكداً أن سماسرة يفعلون ذلك، وأنه لم يتلق معلومات غير عامة في لجنة الزراعة ولا يشارك معلومات اللجنة مع سماسرته، بل يعطيهم المال ويطلب منهم العمل بشكل مستقل لأنه في الخدمة العامة الآن.

ومن الحالات المثيرة للانتباه صفقة أبرمتها ديبورا مالوميد زوجة العضو الديمقراطي في مجلس النواب الآن لوينثال الذي أبلغ في بيان الإفصاح، بأنها باعت أسهم شركة "بوينغ" في الخامس من مارس (آذار) 2020 قبل يوم واحد فقط من إعلان لجنة في مجلس النواب (يشارك فيها زوجها) عن نتائج سيئة حول تعامل الشركة مع طائرتها "737 ماكس" التي سقطت لها طائرتان من هذا النوع وتسببت في وفاة المئات وسط ضجة عالمية.

كما اشترت زوجته وباعت في 97 مرة على مدى عام كامل أسهماً في شركة "صن رن" التي تقوم بتركيب أنظمة ألواح الطاقة الشمسية في المنازل، وفقاً لبيانات الإفصاح الخاصة به، لكن خلال ذلك الوقت، كان لوينثال رئيساً للجنة الفرعية المعنية بالطاقة في مجلس النواب، ودفع مع مجموعة من الحزبين لإدراج شركات الطاقة المتجددة في تدابير الإغاثة من وباء كورونا عام 2020، وتمت الموافقة على عديد من المقترحات، الشهر الماضي، كجزء من قانون الحد من التضخم الذي أقره الكونغرس، كما شارك لوينثال في رعاية مشروع قانون لتقديم حوافز ضريبية لاستخدام الطاقة المتجددة، والذي لم يتم التصويت عليه حتى الآن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع هذه المشاريع، بدأت أسهم شركة "صن رن" في الارتفاع ووصلت إلى 80 دولاراً وهو أعلى مستوى لها بعد أن كان سعر السهم تسعة دولارات عندما اشترت زوجة لوينثال أسهماً في وقت سابق، لكن لوينثال قال إن الغالبية العظمى من تداولاته وتداولات زوجته، بما في ذلك صفقات "بوينغ" و"صن رن"، أبرمها سمسار في البورصة ومن دون مشاركته، وأنه لم يناقش أبداً أي مسألة تتعلق بالكونغرس.

تضارب المصالح

وقد أثار احتمال حدوث تضارب المصالح في تداول الأسهم من قبل أعضاء الكونغرس، واختيارهم حتى الآن عدم فرض قيود أكثر صرامة على أنفسهم، انتقادات واسعة منذ فترة طويلة، بخاصة عند ظهور حالات صارخة بشكل خاص، ومع ذلك، فإن حجم المشكلة آخذ في التضخم، فعلى مدى فترة ثلاث سنوات، أبلغ المشرعون من كلا الحزبين عن أكثر من 3700 صفقة، وكلها طرحت تضارباً محتملاً في المصالح بين مسؤولياتهم العامة وأموالهم المالية الخاصة، ففي مجلس النواب على سبيل المثال، أبلغ ثمانية أعضاء من لجنة القوات المسلحة عن معاملات في أسهم شركات تعمل في مجال الدفاع أو الفضاء بشكل متكرر.

لكن على رغم أنه في بعض الحالات، تبدو المعاملات روتينية أو أن لها صلة عرضية فقط بأي تأثير محتمل للمشرع، وأن الصفقات تجري في حالات أخرى من قبل صناديق ائتمانية أو سماسرة، من دون أي تعليمات أو مدخلات من المشرعين، فإن عديداً من الأمثلة تظهر كيف يمكن أن تتداخل الأعمال التشريعية وقرارات الاستثمار بطرق يمكن على الأقل أن تترك مظهر التضارب وتشكل في بعض الأحيان نمطاً مثيراً للقلق، حتى لو كانت تندرج من الناحية الفنية ضمن القواعد القانونية المسموح بها، إذ ظهر أن 44 من أعضاء الكونغرس الـ 50 الأكثر نشاطاً في الأسواق المالية، قاموا بشراء أو بيع الأوراق المالية في الشركات التي يمكن أن يمنحهم عملهم في اللجان الخاصة بالكونغرس، درجة معينة من المعرفة أو التأثير عليها.

تاريخ مقلق

وخلال السنوات الأخيرة ظهرت أسئلة قانونية وأخلاقية عدة حول تداول الأوراق المالية من قبل أعضاء الكونغرس بشكل متكرر، ففي عام 2020، حققت وزارة العدل مع السيناتور الجمهوري ريتشارد بور وثلاثة أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ، بسبب بيع الأسهم بعد إحاطة خاصة عن الأضرار المحتملة لفيروس كورونا، إذ تبين أن مبيعات السيناتور بور للأسهم في الوقت المناسب، سمح له بتجنب خسائر لا تقل عن 87000 دولار، وفقاً لإفادة خطية تم الكشف عنها أخيراً واستخدمتها الحكومة الفيدرالية للحصول على أمر تفتيش لهاتف السيناتور عام 2020، ومع ذلك لم توجه وزارة العدل التهم مطلقاً وتم إغلاق التحقيق في نهاية المطاف، وكذلك التحقيقات مع زملائه.

وأفاد تحقيق أجراه العام الماضي موقع "إنسايدر" أن 72 عضواً في الكونغرس لم يمتثلوا لقانون الأسهم بأن جعلوا الإفصاح التجاري عن معاملاتهم التي يلزمهم بها القانون، متأخرة عن موعدها أو غير دقيقة أو لا يلتزمون بها على الإطلاق.

وتعد قضية النائب الجمهوري كريس كولينز واحدة من الأمثلة الإضافية التي تثير تساؤلات، فعلى رغم إقرار النائب بالذنب في محاكمة نادرة أجريت عام 2019 وتتعلق بتداول أوراق مالية استند إلى معلومات من داخل الكونغرس نقلها النائب إلى ابنه عن شركة أسترالية، فقد أصدر الرئيس السابق دونالد ترمب عفواً عن كولينز بعد أن قضى فترة قصيرة في السجن.

مشروع قانون جديد

ويحاول كل من مجلسي النواب والشيوخ تطوير تشريع قانوني لتشديد القواعد، أحدهما يتطلب من الأعضاء وضع الأسهم الفردية والسندات وعديد من الأصول المالية الأخرى في صندوق ائتماني يديره مستشار خارجي من دون تدخل من المالك، أما الثاني فيحظر على المشرعين وأزواجهم وأبنائهم المعالين، تداول الأسهم والسندات والعملات المشفرة والأصول المالية الأخرى المرتبطة بشركات معينة، وبموجب هذا الاقتراح سيضطر الأعضاء وأسرهم إما إلى بيع تلك أوراقهم المالية أو وضعها في صندوق ائتماني يديره مستشار خارجي من دون تدخل المالك.

لكن على رغم الدعم النادر من الحزبين، لا تزال هناك شكوك عما إذا كان سيتم تمرير المشروع وإحالته إلى مكتب الرئيس جو بايدن هذا العام لإقراره.

زوج بيلوسي

وعلى رغم تأييد نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب للمشاريع المقدمة للكونغرس، فإن واحدة من أكثر القضايا إثارة للقلق بالنسبة إلى المشرعين هي التداول الذي يقوم به أفراد أسرهم المباشرون الذين يتمتع بعضهم بثروة ووظائف مستقلة.

وفي حين لا يشمل الأعضاء الـ 97 الذين حددهم تحليل "نيويورك تايمز"، رئيسة مجلس النواب، كونها لم تقدم ملفات إفصاح لأنها لا تشارك في أي لجنة تشريعية، فإن زوجها بول بيلوسي، وهو مستثمر في مجال العقارات والتكنولوجيا، أفاد بشراء وبيع ما بين 25 مليون دولار و81 مليون دولار من الأسهم والأصول المالية الأخرى بين عامي 2019 و2021، وفقاً لملفات بيلوسي، من بينها استثمارات في شركات رفيعة المستوى مثل "ألفابت"، وهي الشركة الأم لـ "غوغل" التي تخضع بانتظام لتدقيق ومراجعات من الكونغرس.

وفي غياب القيود أدت معاملات زوج بيلوسي وحدها إلى بروز خدمات تتبع لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف مساعدة المستثمرين على محاكاة تحركاته واتجاهات الشراء والبيع في السوق، والتي غالباً ما تكون مصحوبة بتعليقات لاذعة حول تضارب المصالح المحتمل لزوجته، وهو أمر نفى المتحدث باسم بيلوسي أن تكون لديها أية أسهم وأنها ليست لديها معرفة مسبقة أو مشاركة في أي معاملات.

ومع ذلك تغذي هذه الانتقادات حقيقة أن بيلوسي بصفتها رئيسة لمجلس النواب تتمتع بسلطة هائلة على التشريعات التي تطرحها على مجلس النواب بما في ذلك عديد من المقترحات التي يجري النظر فيها الآن لتشديد قواعد التداول المالي من قبل زوجها وزملائها وعائلاتهم.

وبعد أن عارضت بيلوسي الإجراءات الأكثر صرامة في البداية، فقد أعلنت بعد ذلك أنها ستدعمها، لكنها تريد أن يخضع القضاة الفيدراليون لقواعد مماثلة، بخاصة بعد أن ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، الخريف الماضي، أن أكثر من 130 قاضياً فيدرالياً قد أشرفوا على قضايا تتعلق بشركات يمتلكون مصالح فيها بأنفسهم أو عبر عائلاتهم.

غموض المستقبل

ليس من الواضح ما إذا كان المركز المتميز للمشرعين يحقق بالفعل فوائد مالية للذين يتاجرون في الأسواق المالية، فعلى رغم أن بعض المراقبين أشاروا إلى أمثلة محددة لأعضاء الكونغرس الذين يبدو أنهم حققوا ربحاً، فإن الإفصاح المتضمن في قانون الأسهم غالباً ما يوفر معلومات غير كافية للتدقيق في حسابات الأعضاء، فهي تعرض فقط نطاقات واسعة من القيم، ولا تحدد ما إذا كانت الصفقات قد حققت ربحاً أم خسارة، بل أحياناً لا تظهر عمليات الشراء والبيع، لكن دراسة أجرتها كلية "دارتموث" الأميركية نشرت في وقت سابق من هذا العام، قالت إن الأسهم المحددة التي أبلغ أعضاء الكونغرس عن شرائها وبيعها بين عامي 2012 و2020 لم تحقق، في المتوسط أداءً أفضل أو أسوأ من الأسهم المماثلة الأخرى.

ومع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته شركة "مورننغ كونسلت"، في يناير (كانون الثاني) الماضي أن ما يقرب من ثلثي المستطلع آراؤهم يرغبون في منع أعضاء الكونغرس من التعامل في الأوراق المالية، وهو ما يشكل ضغطاً على الكونغرس الذي لا يزال موقفه النهائي غامضاً حتى الآن.

المزيد من تحلیل