أفادت صحيفة "تايمز" البريطانية أن شركات الطاقة العاملة في بحر الشمال رحبت بتعهد رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس، منح تراخيص جديدة لاستخراج النفط والغاز في المنطقة، لكن مراقبين يرون أن الخطوة ربما تأخرت كثيراً بالتالي لن تسهم في التخفيف من أزمة الطاقة التي تعصف بالبلاد. وذكرت الصحيفة أيضاً بـ"مؤتمر الأطراف الـ26 لمكافحة تغير المناخ" [كوب 16] الذي استضافته غلاسكو الخريف الماضي وجددت خلال الدول المشاركة فيه تعهداتها بخفض إنتاج الوقود الأحفوري. وأشارت إلى ذلك المؤتمر بات كأنه شيء من الماضي. فمع وقوع أوروبا في أزمة طاقة على إيقاع الحرب في أوكرانيا، يتفوق أمن إمدادات الطاقة على المخاوف البيئية.
وخلال الحملة التي خاضتها للوصول إلى رئاسة الوزراء، تعهدت تراس بإصدار 130 رخصة جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في بحر الشمال. ولاقى التعهد ترحيباً من الشركات العاملة في المنطقة بعد أن شكت من فرض ضريبة على أرباحها الإضافية المفاجئة [بمعنى أنها تحققت بسبب أزمة الطاقة التي حدثت فجأة مع حرب أوكرانيا] من قبل وزير المالية السابق ريشي سوناك، الذي نافس تراس على رئاسة الوزراء. وقد نقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي لإحدى شركات الطاقة، من دون أن تسميه أو تسمي الشركة، "إن ما يصل إلى أسماعنا من الإدارة العامة حالياً أمر إيجابي". وأشار ذلك الرئيس التنفيذي إلى أن الوقود الأحفوري الإضافي المستخرج من بحر الشمال سيساند مصادر الطاقة المتجددة.
ونقلت الصحيفة أيضاً عن اللجنة المعنية بتغير المناخ، التي تقدم إلى الحكومة مشورة حول السياسات الخضراء، اعتقادها بأن الوقود الأحفوري سيظل جزءاً ولو بسيطاً من مزيج مصادر الطاقة في المملكة المتحدة عام 2050. واستطراداً، فمن المقرر أن تكون تلك السنة هي موعد وصول الانبعاثات الكربونية إلى الصفر، فيما يمكن التخلص من الانبعاثات المضرة الأخرى من طريق شفط الكربون وتخزينه. وبحسب ذلك الرئيس التنفيذي نفسه، "نحن في الواقع في حاجة إلى الطاقة في هذا البلد. ليس لدينا ما يكفي من الطاقة الخضراء. إذا توقفنا عن إنتاج النفط والغاز، سنستوردهما من أمكنة أخرى، وستكون البصمة الكربونية أكبر بكثير".
ووفق صحيفة "تايمز"، يتراجع إنتاج الوقود الأحفوري في بحر الشمال بنحو خمسة في المئة سنوياً، بحسب تقديرات "هيئة الطاقات البحرية في المملكة المتحدة" التي تتولى تمثيل ذلك للقطاع. وتعد الاحتياطيات الباقية عموماً أصعب على الاستخراج وأقل جاذبية للشركات الكبيرة، ما يعني أن شركات أحدث وأصغر دخلت على الخط. ويقدر أن 15 مليار برميل من النفط والغاز لا تزال موجودة تحت قاع بحر الشمال، ويقدر استهلاك المملكة المتحدة بنحو مليار برميل سنوياً، في حين أن قسماً كبيراً من إنتاج بحر الشمال يصدر ليستخدم في تصنيع البلاستيك وغيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، أشار روس دورنان، المسؤول في "هيئة الطاقات البحرية في المملكة المتحدة"، إلى أن ما يمكن استخراجه من هذه الاحتياطيات يلبي نصف احتياجات البلاد خلال العقود المقبلة. وأضاف، "لكن هذا لن يتحقق في غياب الاستثمار في هذه الفرص الجديدة". وإذا غاب الاستثمار الجديد بسبب عدم استقرار النظام الضريبي، قد تقفز وتيرة تراجع الإنتاج إلى 15 في المئة سنوياً. ويرى خبراء، وفق الصحيفة نفسها، أن تعزيز إنتاج النفط والغاز من بحر الشمال قد يعزز أمن الطاقة في البلاد لكنه لن يخفض الأسعار المرتفعة لمنتجات الطاقة التي تحددها الأسواق العالمية، وهي فكرة أقر بها وزير الأعمال كواسي كوارتنغ. في المقابل، أوضح كوراتنغ، "سنواصل دعم غاز بحر الشمال الذي يوفر لنا الأمن في مجال الطاقة، ومن الجنون إغلاق مصدر محلي للغاز".
وبحسب صحيفة "تايمز"، أسدت "اللجنة المعنية بتغير المناخ" نصيحة إلى كوراتنغ هذا العام بجعل حفر آبار نفط وغاز جديدة الملاذ الأخير. وكتب اللورد ديبين، رئيس اللجنة ووزير البيئة السابق، أنه "من شأن إنهاء التنقيب في المملكة المتحدة أن يبعث برسالة واضحة إلى المستثمرين والمستهلكين عن التزام المملكة المتحدة بـ[اتفاق باريس للمناخ]". وكذلك استبعدت تيسا خان، مديرة مجموعة "أبليفت" للحملات المناوئة للوقود الأحفوري، أن تسهم تراخيص التنقيب الجديدة في حل أزمة الطاقة في البلاد، وبحسب خان، "فإن الترخيص لحقول جديدة لن يؤدي إلى إنتاج كميات ملحوظة من الغاز، فقد صدرت 200 رخصة خلال السنوات الثماني الماضية، بيد أن عدداً قليلاً جداً منها ينتج نفطاً أو غازاً اليوم"، بالتالي حضت خان الحكومة على إيلاء الأولوية لدعم فواتير الطاقة لدى الأسر والاستثمار في العزل الحراري المنزلي والطاقات المتجددة.