Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقتحمو البنوك من خيال السينما إلى مأساة الواقع

محاولات فنية بارزة ألقت الضوء على شخصيات خرجت عن القانون بسبب التعنت والروتين أملاً في إنقاذ ذويهم

يخطط أبطال فيلم "Going in Style" لسرقة بنك والحصول منه على بعض الأموال لتعويض خسارتهم الفادحة (أ ف ب)

في وقت يضيق فيه الهامش تماماً بين الواقع والشاشة أصبحت دعوات الدعم تتواصل للإعلان عن التعاطف المطلق مع أناس وجدوا أنفسهم تحت وطأة المرض والحاجة، فأقدموا على تصرفات تصنف في الظروف العادية على أنها "خارجة عن القانون"، في حين يرى البعض أن الطرف الذي يصنف نفسه على أنه "ضحية" هنا هو الذي بدأ بتجاوز معايير القانون أولاً ولم يلتزم بإعطاء كل ذي حق حقه.

نقاش لا تكون نهايته حاسمة أبداً، فجره مودعون لبنانيون أخيراً حاولوا الحصول على بعض من أموالهم لإنقاذ ذويهم وحفظ كرامتهم، إنها أموالهم المشروعة لكن النظام المالي في البلاد يشهد انهياراً كبيراً، لنتابع على الهواء حوادث "سينمائية" تماماً تعيدنا إلى الذاكرة لنتساءل، أين رأينا هذه اللقطات سابقاً؟!

أربع وقائع في الأقل شهدتها مصارف لبنان بين بيروت والجنوب منذ مطلع العام الحالي، إذ هدد مرتكبو ثلاث منها مسؤولي البنوك بأسلحة ومواد شديدة الاشتعال واحتجزوا بعض الرهائن إذا لم يحصلوا على أموالهم، وكان من بينهم من يريد فقط أن يدفع نفقات علاج والده المحتجز بالمستشفى لكن امتنع البنك عن منحه مستحقاته، أما من نالت قصتها النصيب الأكبر من التعاطف فكانت سالي حافظ، الشابة التي أربكت المشهد تماماً بمسدس بلاستيكي، بعد أن خاضت كل الطرق القانونية والودية لمحاولة الحصول على أموالها لتتمكن من علاج شقيقتها الشابة مريضة السرطان.

من خرج عن القانون أولاً؟

سالي حافظ قالت في ما بعد أنها طارت إلى تركيا، ولم تتمكن قوى الأمن من ضبطها لكنها تركت وراءها ملايين المتعاطفين، الذين تساءلوا بجدية هل يدينونها على ترويع أمن أشخاص أبرياء ساقتهم الصدفة ليكونوا في المصرف خلال تلك اللحظة أم يسعون إلى طمأنتها بعد أن أقدمت هي الأخرى على حل لم تكن لتلجأ إليه أبداً، لكن بعد شعورها بالعجز حيال كلفة مرض شقيقتها العضال اضطرت إليه، إنها مثل ملايين الأبطال الذين نصفق لهم في السينما ممن يلجؤون إلى حلول شبيهة حينما يتعلق الأمر بحياة ذويهم.

 

لكن بالطبع الواقع ليس براقاً ولا حنوناً مقارنة بالشاشة التي تبدو متسعة ورحبة في أوقات كثيرة مقارنة بالحياة الحقيقية، فالتجارب الإنسانية يتشارك فيها الجميع من كل الثقافات، يجد الفرد نفسه في مفترق طرق وتضغط عليه الظروف وتصعب الاختبارات والاختيارات مهما كان عمره، مثلما حدث مع الفتاة الصغيرة مادي في فيلم "Catch That Kid" الذي أخرجه بارت فروندليتش عام 2004، حيث جسدت كريستين ستيوراك الدور وهي لا تزال طفلة بالفعل، وقدمت شخصية الابنة المخلصة للأب الذي علمها حب رياضة تسلق الجبال، لكن في توقيت حرج للغاية تجد المراهقة نفسها أمام أب مصاب بالشلل، بسبب إصابة خطيرة وقعت له في أثناء محاولته تسلق قمة جبل إيفرست.

لكن هناك أملاً في الشفاء وأن يعود المثل الأعلى مثلما كان في عيون الابنة، وكل ما يحتاج إليه هو 250 ألف دولار أميركي ثمناً للجراحة الخطيرة، فتسطو الصغيرة سطواً مسلحاً مع اثنين من معارفها على بنك بهدف تأمين المبلغ، وهو خيار خطير للغاية لكن يجد المشاهد نفسه حائراً أمام القصة التي بها صبغة إنسانية عن الوفاء والإخلاص وقلة الحيلة كذلك.

مطالبة بالحقوق لكن اللوائح أولاً

الكبار أيضاً يقعون في الحيرة نفسها ويجدون أنفسهم في تجارب لم تكن تخطر على البال، حينها يلجؤون إلى طرق السطو ليس بهدف الاحتيال أو تحقيق الثروة وإرضاء طمعهم لكن لشعورهم بالخداع والغبن.

على رغم الحس الكوميدي في فيلم "Going in Style" لمورغان فريمان ومايكن كين وألان آركين الذي عرض عام 2017 وأخرجه زاك براف، فإنه يستعرض أزمة حقيقية، حين يجد مجموعة من المتقاعدين أنفسهم وقد أفنوا حياتهم في الهواء، بعد أن رفض المصنع الذي كانوا يعملون به صرف أموال تقاعدهم، وجمد مسؤولوه مستحقاتهم، فيشعرون أنهم تعرضوا للسرقة بشكل صريح.

يحاول الثلاثة إقناع أنفسهم بضرورة الانتقام، فيدخلون في نقاشات حول جدوى البنوك ويعتبرونها نظاماً مقنناً للاحتيال على المودعين، بالتالي يخططون لسرقة بنك والحصول منه على بعض الأموال لتعويض خسارتهم الفادحة، وكل هذا في إطار من الفكاهة بين الأصدقاء كبار السن الذين لا يعرفون كيف يتعاملون مع الأسلحة من الأساس، إذ كانوا يرغبون في العيش بطريقة هادئة ومدللة بعد سنوات من التعب والجد في العمل، لكن القصة تتكرر حين يجدون أنفسهم وقد خاضوا طريقاً لم يرغبوا فيه أبداً بسبب تعرضهم للظلم المتعمد.

 

وفي فيلم "Dog Day Afternoon" الذي عرض عام 1975 وترشح لست جوائز أوسكار وحصد منها أفضل سيناريو، وأخرجه سيدني لوميت وكتبه بي أف كلوج، نجد شخصية جرى استلهام حكايتها من واقعة حقيقية حدثت في بروكلين الأميركية مطلع السبعينيات، حيث يجد البطل الذي كان يبدو عادياً جداً نفسه وقد تحول إلى محتجز رهائن وفي يده سلاح ناري، ويحاول الحصول على أكبر قدر من الأموال من أجل صديقه الحميم الذي يريد أن يجري عملية تحويل جنسي، إذ جسد آل باتشينو الشخصية ببراعة.

على رغم فشل العملية واعتقال منفذها وتحرير الرهائن فإنه على مر الأحداث يتورط المشاهد في صراعات الأبطال الذين يكتشفون حقيقة شخصياتهم بعد تعرضهم لهذا الوضع الاستثنائي، ولا يخلو الأمر من صدمات وخيبة وخذلان، وهي مشاعر تتجاوز بكثير أزمة مواجهة الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جون كيو إلى "الإرهاب والكباب"

البطل الذي يضيق ذرعاً بروتين المؤسسات التي يجد أنها تتعنت فقط من أجل تكدير حياته وحياة المقربين منه بلا طائل قدمته السينما مراراً، وقد يكون من أكثرها شهرة، فيلم "John Q" إخراج نيك كاسافيتس وسيناريو جيمس كيرنز وبطولة دينزل واشنطن.

إنه جون كيو الأب الذي يعمل في مهنة بسيطة ويمتلك قدراً هائلاً من الإخلاص والحب لأسرته الصغيرة، ثم يكتشف أن البسطاء يجب أن لا يمرضوا أبداً لأن النتيجة لن تكون عادية بالمرة، ففي يوم يسقط ابنه مايكل مغشياً عليه، ويتضح أنه بحاجة إلى جراحة بأموال طائلة تتمثل في زراعة قلب جديد له، لكن التأمين الصحي لعامل المصنع لا يغطي تلك الكلف، فيخطط الأب بسرعة شديدة لاقتحام المستشفى واحتجاز من فيه رهائن، ليجبر الأطباء على إجراء الجراحة لابنه وإنقاذ حياته. تتصاعد الدراما سريعاً ونتابع أنفاس الأب الخائف المرتعد المسالم تماماً، والممتلئ يأساً وهو يحاول أن يحافظ على حياة الجميع من دون أن يفقد سيطرته على الوضع.

 

هناك محاولات عربية لتقديم صورة للبطل العادي للغاية الذي يرتكب تصرفاً يجعله في مصاف الخارجين عن القانون وأصحاب السوابق ومهددي الأمن القومي، بسبب شأن شخصي للغاية يتعلق بعائلته. ولعل أشهر تلك المحاولات كانت الفيلم المصري "الإرهاب والكباب" أحد أبرز الأعمال الاجتماعية ذات الطابع السياسي في السينما المصرية، وهو من تأليف وحيد حامد وإخراج شريف عرفة وبطولة عادل إمام.

عرض "الإرهاب والكباب" عام 1992، وقدم شريحة من المجتمع في ذلك الوقت ممن يشعرون بعدم تحقيق العدالة ويجدون أن مقتحم مجمع التحرير وهو مصلحة حكومية يتم فيها إنجاز كثير من المعاملات الإدارية يمثلهم بكل بساطة ويعبر عن مطالبهم جميعاً، فالبطل الطيب يصطدم بعقبات روتينية غير مفهومة من أجل مطلب في غاية البساطة متعلق بنقل أبنائه من مدرسة إلى أخرى، وفجأة يصبح أحمد فتح الباب متهماً بقيادة عملية إرهابية بعد أن حمل السلاح لمحاولة تنفيذ مطلبه العادي.

وتتطور الأحداث لنتعرف إلى الشخصيات المحتجزة، ولدى كل منهم قصة حزينة مختلفة تشعره بعدم تحقيق العدالة. الجميع يتحولون إلى معادين للمؤسسة بالصدفة، بل لا يعرفون كيف يساومون قوى الأمن التي اصطفت تحت البناية لحل الموقف، فلا يجدون مطلباً بالنسبة إليهم أفضل من وجبة كباب طازجة يشرف على إيصالها لهم وزير الداخلية بنفسه. ومن هنا يتحول "المقتحم" إلى واحد منهم يخرج من باب المؤسسة العتيدة الروتين معهم وكأنه كان مجرد رهينة، إذ تواطؤوا جميعاً من أجل حمايته، وبحسب الحوادث الأخيرة المتكررة فإن هذا المشهد لم يعد من الصعب أبداً أن نجده وقد تكرر على أرض الواقع بحذافيره وربما بتفاصيل أكثر تشويقاً وغرائبية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة