Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مو" فلسطيني يطارد أشجار الزيتون ويفجر نقاشاً ملغماً على "نتفليكس"

المسلسل يقدم كوميديا ساخرة وجريئة عن حياة اللاجئين في الولايات المتحدة

استقطب مسلسل "مو" الجمهور نظرا لجرأته في الطرح (الحساب الرسمي لبطله مو عامر على إنستغرام)

"كنت أطارد أشجار الزيتون"، قالها ببساطة الشاب الفلسطيني المتعثر دوماً "مو" أو محمد عامر، حينما وقع في متاعب جديدة ووجد نفسه في مواجهة الرصاص على الأراضي المكسيكية، وهو يدافع عن هويته وزيتونه حتى وإن لم يكن قد زار وطنه من قبل.

ذلك المشهد واحد من بين مشاهد ذكية غير مباشرة يحفل بها مسلسل "مو" الكوميدي الذي يتصدر مشاهدات "نتفليكس" منذ انطلاق عرضه في الـ 24 من أغسطس (آب) الماضي، بثماني حلقات قصيرة ونهاية مفتوحة تشير بوضوح إلى أن هناك مواسم أخرى في الطريق.

للوهلة الأولى بدا "مو" (محمد عامر) الكوميديان الأميركي صاحب الأصول الفلسطينية، وكأنه يستكمل دوره في "مسلسل رامي" الذي حقق نجاحاً فيه مع رامي يوسف، والأخير يشارك أيضاً في كتابة "مو"، لكن تدريجياً سيتضح أن حياة ذوي الأصول العربية في المجتمع الأميركي حافلة، وأن الحديث عنها بصدق وجرأة أمر يتحمل أكثر من "ستاند أب" كوميدي وأكثر من سلسلة تلفزيونية.

البحث عن الهوية

من ابن لعائلة مصرية مهاجرة يعيش الحيرة بين محاولة الحفاظ على تقاليد أجداده وبين الانخراط في المجتمع المنفتح، قدم مسلسل "رامي" الحائز جوائز عدة بينها "غولدن غلوب" بموسميه، تجربة فارقة في هذا العالم، علماً أن موسمه الثالث في الطريق.

ويعود محمد عامر الذي تألق في العمل بمسلسل مستقل بعد تجارب ناجحة في الكوميديا السياسية الاجتماعية اللاذعة التي طاف بها بلدان عدة، وهو الفلسطيني المولود في الكويت والذي يذوق العذاب مع عائلته كي يحصل على جواز السفر الأميركي، بعد أن نجت أسرته من نيران الاجتياحات الإسرائيلية، ثم واجهت اجتياحاً آخر بعد احتلال صدام حسين للكويت أوائل التسعينيات.

إنه سوء الحظ الذي صنع دراما لمّاحة وقوية التأثير وحقيقية للغاية عن شاب تجري هويته وراءه قدر تمسكه بها، بل إن حفر الأنفاق الذي طالما ارتبط بحياة الفلسطينيين يعترض طريقه أيضاً، فمن الصعب تماماً أن يفصل المشاهد بين حياة البطل واقعياً وبين المشاهد المعدة سلفاً التي تصل مدتها مجتمعة إلى أقل من ساعتين، فيبدو المسلسل وكأنه فيلم كوميدي قاتم السواد.

نقاش سياسي ساخن

الانتقادات اللاذعة التي حملتها التجربتان للمجتمع الأميركي لمحاولة تقريب الصورة الصحيحة للعنصرية التي يتعرض لها ذوو الأعراق المختلفة هناك وليس العرب فقط، أكدت ألا شيء يعلو بسقف السخرية من السياسة الأميركية الداخلية وحتى الخارجية، سوى الأعمال التي تحمل طابعاً أميركياً من الأساس وأنتجت هناك.

 وفي ما يتعلق بـ"مو" ورغم وصف بعضهم له بأنه مجرد محاكاة لحياة البطل الحقيقية مع تقاطع كثير من التفاصيل بين ما عاشته عائلته على الأرض وبين ما يعرض عبر الشاشة، فإن المؤكد أن هذا التماس زاد نضج التجربة وعمقها، بل صعد بالنقاشات المتعلقة بالقضية الفلسطينية إلى منطقة غير متوقعة بالمرة، فمن خلال المسلسل دار حوار مباشر حول معاداة السامية بين من يمثل وجهة النظر الفلسطينية وآخر يتحمس للرواية الإسرائيلية، إذ يلقي كل طرف بالتهمة على الآخر باعتبار أنه هو الأحق بـ"السامية"، واختار صناع العمل تمرير تلك الجدليات بطرافة وسخرية مع التلميح على التعايش الإجباري بين الطرفين حتى في بلاد تبعد جغرافياً آلاف الأميال عن الصراع.

في مسلسل "مو" الذي يخرجه الجزائري - الأميركي سولفان نجم نحن أمام بطل عربي يبدو تقليدياً للوهلة الأولى، مثل أي شاب يخاف من أمه التي تقوم بدورها فرح بسيسو أكثر مما يخاف من مصلحة الهجرة والجمارك، يرتعد خوفاً من أن تعلم عن الوشم الذي يخفيه، ويحاول أمامها أن يظهر شبه مثالي لكن كوارثه التي تلاحقه وتفضحه، فيما الأم الحنون تسامح وتقف بكل قوة وعنفوان وصلابة، لكنها لا تتخلى أبداً عن تقليديتها وتعلن دوماً عدم رغبتها في أن يتزوج ابنها بفتاة من غير دينه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هي امرأة عرفت كيف تحافظ على العائلة من التشتت والانخراط في طريق الإجرام وسط غربة صعبة من دون أن تترك زجاجة زيت الزيتون من يدها، تلك الزجاجة التي تذكرهم بجذورهم حتى وهم يعيشون في قلب مدينة هيوستن الأميركية، وكأنها تميمة الحظ المنقذة للعائلة.

في تلك العائلة ابن أكبر يعاني إحدى متلازمات التوحد، وفتاة تزوّجت على غير إرادة الأهل، و"مو" الذي ينطلق في الحلقات بمشهد سيكون معبراً عن سيرته كلها في ما بعد، إذ يطرد من عمله ببساطة بعد نقاش مقتضب مع صاحب العمل الذي يجسد شخصيته الإعلامي الساخر المصري باسم يوسف، ثم نتابع قصته المأسوية كمواطن بلا بلد لا يملك جواز سفر فلسطيني، وتأبي الولايات المتحدة أن تمنحه جنسيتها، ويعيش كلاجئ غير شرعي على الهامش.

إنه حمودي الماهر في بيع الماركات المقلدة، الذي لا يترك فرصة وإلا ويتحدث فيها بمنتهى الجدية عن حق العودة وعن 10 ملايين فلسطيني منفيين قسراً خارج وطنهم، ويريدون أن ترجع أرضهم لحدود عام 1967، فيما هو يحمل على ظهره حظاً عاثراً بشكل نادر، فبعد أن نجت العائلة من كل تلك الويلات في الأراضي الفلسطينية وحرب الخليج يصاب الابن بطلق ناري وهو يجلب طعام القطط من متجر أميركي، بينما يحاول النجاة بأن يحيط نفسه بمجتمع من الأقليات المختلفة في بلد التنوع الساحق.

دراما المحرمات

الجيل الجديد من المضحكين يفرضون شروطهم وموهبتهم وتفردهم ويطرحون وجهة نظر فنية مغايرة ومتمردة، وتجربة "مو" تحديداً تعتبر رائدة في جرأتها وفي تسمية الأشياء بمسمياتها، وكل هذا مغلف بروح الدعابة والأسى الإنساني الذي يشترك فيه المكسيكي والفلسطيني والنيجيري والقادم من جنوب شرقي آسيا أو من جنوب أفريقيا.

يقفز البطل على محرمات كثيرة لفظية وفكرية وثقافية ببساطة تشبه سلاسة الأحاديث اليومية، بتلقائية ويسر تجعلان المشاهد مهما كانت خلفيته أن يراجع أحكامه المسبقة حول كثير من القضايا المثارة في نشرات الأخبار، فهذا وجه آخر أكثر التصاقاً وقرباً من البشر المتعايشين مع بعضهم وتناقضاتهم وشكوكهم وازدواجيتهم الاضطرارية.

عائل الأسرة الذي يعيش بإرث من الإحساس بالذنب، بينما يتعلق بوفاة الأب الذي تعرض للتعذيب بدوره بسبب هويته، يواجه تحديات ومنعطفات يحاول القفز عليها بالأغاني العربية والأميركية وبالشتائم النابية والمخدرات أيضاً، لكنه لا ينسى أبداً دوره حتى لو انحرف عنه لبعض الوقت، وورطته الظروف في أزمات أكبر منه بكثير، فهو ظل يكافح على أكثر من صعيد، ومع ذلك يعرف كيف يحافظ على حبيبته ماريا.

القصة في خطها الرومانسي قد يجدها بعضهم حكاية عادية عن محاولة ارتباط شاب بفتاة مختلفة عنه في العرق والدين والثقافة، لكن "مو" مشروع يفتح آفاقاً مختلفة لهذه النوع من الدراما، ويضع اللاجئين في حجمهم الطبيعي مع إنصاف لطالما حرموا منه، ومثلما يلقي اللوم على قوانين واشتراطات تبدو مجحفة لا يترك أيضاً أصحاب القضية من دون أن يواجههم بأخطائهم.

المزيد من ثقافة