Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرية الرأي في بريطانيا بعيون أميركية

نختلف عن المملكة المتحدة فيما يخص حرية التعبير بوجود قوانين صارمة لمواجهة خطاب الكراهية والتشهير - إلى الدرجة التي أعتقد أنها قاسية على نحو لا يغتفر

متظاهرة مناهضة للنظام الملكي خارج قصر وستمنستر بوسط لندن تحمل لافتة مكتوب عليها "ليس مَلِكي" يوم الاثنين الفائت (أ ف ب/ غيتي)

إن الجانب الرائع في حرية التعبير هو الدور الذي تلعبه في تعزيز الحوار العام والنقاش، وهذا ينطبق بالتأكيد على مقال كتبته يوم الجمعة الماضي، انتقدتُ فيه تغريدةً للدكتورة أوجو آنيا عن الملكة البريطانية الراحلة، أثارت كثيراً من القلق والذعر على شبكة الإنترنت، بسبب قولها إنها تتمنى أن تعاني الملكة الألم خلال احتضارها. أحد المعلقين قال رداً على مقالتي، "لقد ماتت الملكة، لكن حق الناس في التعبير عن آرائهم ما زال حياً".

لنكن واضحين، سواء شكل ذلك مفاجأةً أم لا، فأنا أشاركه هذا الشعور. وبصفتي كاتب رأي، فإنني أؤمن إيماناً راسخاً بما نطلق عليها نحن الأميركيون "الحريات التي يكفلها التعديل الأول" [في الدستور] - أي الحق في حرية التعبير وإبداء الرأي، وكذلك الحق في وجود صحافة حرة ومستقلة. ويشرفني كثيراً أن أشارك آرائي مع الجمهور، وألا أستخف بهذه الحرية على الإطلاق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعل هذا هو السبب وراء شعوري بالفزع على إثر اعتقال شخصين في الأقل يوم الأحد الماضي، بسبب احتجاجهما على النظام الملكي في بريطانيا، خلال مراسم تنصيب الملك تشارلز [الثالث]. كانت الأولى امرأة تبلغ من العمر 22 سنة، تم توقيفها في إدنبره بتهمة الإخلال بالسلم العام، وقد أفادت "اندبندنت" في وقت سابق بأن الشابة رفعت لافتةً شتمت فيها الإمبريالية [بكلام مسيء] وطالبت بإلغاء الملكية F*** imperialism, abolish the monarchy، على الرغم من أنه "كان قد عُلم أن اللافتة لم تكن السبب في اعتقالها".

وفي أوكسفورد، قبض على سايمون هيل البالغ من العمر 45 سنة، بموجب "قانون النظام العام" Public Order Act لتسببه في إحداث "مضايقة أو قلق أو اضطراب". هيل - الذي صاح مطالباً بوجوب عدم دعم النظام الملكي - يزعم أنه ظل صامتاً خلال الإعلان المتعلق بوفاة الملكة الراحلة، وحتى أنه يشك في أن أحداً "من الناس المحتشدين قد سمع عباراته عندما تفوه بها"، كما قال.

آلان وايت رئيس تحرير موقع "بوليتيكس هوم"  Home Politics (يغطي أخبار البرلمان البريطاني وما يدور في وستمنستر) (الذي عاين الحادث) أوضح أنه لم يشهد ما وُصف بـ "المضايقة أو القلق أو الاضطراب". فقد طالب بعض من الحشد هيل بالتزام الصمت، وهذا حقهم. الناس أحرار في الاحتجاج أو يجب أن يكونوا كذلك بأي حال من الأحوال، لكن هذا لا يعني أن الآخرين ليسوا أحراراً في الرد على احتجاجهم أو التعبير عن خطاب آخر.

في الواقع، هذا ما قمتُ به أثناء ردي على تغريدة الدكتورة آنيا. إنني أختلف معها وأعتقد في الواقع أنها مخطئة، ففي مجتمع حر وديمقراطي، هذا هو بالضبط ما يجب أن تكون عليه الأمور. شخص ما يقول شيئاً ما فيخالفه شخص آخر شارحاً أسباب ذلك باحترام. هكذا يتحقق التقدم من خلال مناقشة المواضيع  المشحونة والعاطفية بطريقة مدروسة وبناءة.

أنا أميركي ولدينا هنا ثقافة حرية التعبير عن الرأي، هي مختلفة للغاية عن تلك الموجودة في المملكة المتحدة، حيث قوانين مواجهة خطاب الكراهية والتشهير تعد أكثر عدوانية إلى درجة أنها في رأيي تعد شديدة القسوة على نحو لا يغتفر.

في عام 2009، عندما كنتُ طالباً صحافياً ناشئاً، كتبتُ مدونةً عن جدة في مدينة نوريتش البريطانية زارتها الشرطة، بعدما احتجت لدى المجلس المحلي على مسيرة كانت تطالب بحقوق المثليين مرت بالقرب من منزلها، وكانت مستاءةً مما سمتها "الممارسات الجنسية المنحرفة" لـ ’اللواط‘"، التي زعمت أنها مسؤولة عن "انهيار كل إمبراطورية".

كتبتُ  حينها، "أقر بأنني إذا التقيتُ السيدة هاو، فسأخبرها بالضبط عن رأيي بما قالته، وأين يمكنها وضع هذا الكتاب المقدس، لأن هذا من حقي، وهو الحق نفسه الذي مارسته السيدة هاو في التعبير عن آرائها البغيضة، إن حرية التعبير لا تحمي فقط من تتفق معهم، لكن الأهم من ذلك أنها تحمي حقوق أولئك الذين لا تتفق معهم أيضاً".

كرجل مثلي الجنس، أرى أن تعليقات السيدة هاو وآراءها متعصبة ومثيرة للاشمئزاز، لكن بما أنني أؤمن بشيء من الديمقراطية، فإنني أعتبر أن تحقيق الشرطة معها هو أمر أكثر عدوانية، وقد كتبتُ  حينها، "إن أي مجتمع يبدأ في سن تشريعات تمس الأفكار والمشاعر - بصرف النظر عن مدى قذارتها - هو مجتمع يندفع نحو الهاوية على نحو خطير".

أمور أخرى كثيرة حدثت خلال الأعوام الـ13 التي تلت تلك الحادثة، فقد أدت القوانين الصارمة المتعلقة بخطاب الكراهية في المملكة المتحدة إلى إطلاق كثير من المناقشات العامة الشرسة حول ما ينبغي أو لا ينبغي اعتباره جريمة جنائية. وفي عام 2010، قبض على واعظ مسيحي بسبب كرازته ضد المثلية الجنسية خارج أحد متاجر ووركينغتون، لكن التهم أسقطت في نهاية المطاف. وفي العام الماضي، وُجهت تهمة نشر تغريدات مناهضة للمثليين والمتحولين جنسياً إلى الناشطة الاسكتلندية الناقدة للنوع الاجتماعي للأفراد ماريون ميلار من بلدة إيردي، ومرة أخرى أسقطت القضية.

مع ذلك فإن الضرر قد وقع، وكان لكلتي الحالتين تأثيرها الخاص في حرية التعبير، وبغض النظر عما إذا كان أحد ما يتفق مع أي من هؤلاء الناس، لا يمكن للمرء أن يدعي أنه من مؤيدي حرية التعبير والرأي في وقت يتمنى فيه أن يُقبض على الأشخاص الذين يختلفون عن مواقفه وتتم محاكمتهم على جرائم فكرية، إنه تصرف "أورويلي" (وصف أطلقه الكاتب جورج أورويل على المجتمع الاستبدادي).

كل هذا يعيدني بالذاكرة إلى الأحداث التي وقعت يوم الأحد الماضي، فاللافتة التي رفعتها الشابة في اسكتلندا كانت غير لائقة،أنا شخصياً لا أحب اللافتات التي تتضمن كلمات بذيئة، فقد وقع نظري عندما كنتُ أقود سيارتي على إحدى اللافتات المشابهة الموجهة إلى الرئيس الأميركي جو بايدن وقد كُتب عليها  F *** Joe Biden. وبقيت معروضةً لأشهر عدة في مسقط رأسي، بالقرب من باحة إحدى الكنائس، وكل ما كان يقلقني هو مشاهدة الأطفال لها، وعلى الرغم من أنني لا أوافق على تلك المشاعر والشتائم، إلا أنه لم يخطر ببالي أبداً الاتصال بالشرطة، إذ يحق للشخص الذي وضعها أن يعبر عن رأيه بغض النظر عن مدى وقاحته في القيام بذلك.

كذلك يحق للناس القيام بحملة من أجل إلغاء الملكية في بريطانيا، أقله إذا واصلت المملكة المتحدة الادّعاء بأنها ديمقراطية ليبرالية، ليس مطلوباً طبعاً أن تتفق مع معتقداتهم، لكن كي لا تكون سلطوياً يجب أن تدعم حقهم في التعبير عن تلك المعتقدات، وهذا في الواقع ما يجعل الديمقراطية الليبرالية حالةً خاصة ومختلفة تماماً عن الأنظمة القمعية التي تمارس في روسيا والصين وفي أماكن أخرى من العالم.

لا يحق للشرطة أن تتدخل عندما يتعلق الأمر بالفكر أو بالتعبير، كما لا يمكن، أو بالأحرى يجب ألا تصدر تشريعات ضد الكراهية أو ضد [دعم التحول] إلى الجمهورية [بدلاً من الملكية]، لأن الأمرين هما من قبيل الأفكار والمشاعر - وليس الأفعال. وفي مجتمع حر وديمقراطي يتعين فسح المجال أمام الناس للتعبير عن أفكارهم والتنفيس عن مشاعرهم وليس مقاضاتهم.

في المقابل، يجب أن نفهم على وجه التحديد ما الذي يترتب من نتائج لدى ممارسة حرية التعبير، فهذه الحرية تحمي حق الأفراد في إبداء آرائهم، لكنها لا تحميهم من الانتقاد أو الطعن فيها، وكما كان لي الحق كله في الرد على تعليقات الدكتورة آنيا، إلا أنه لم يكن يحق لي الإصرار على اعتقالها من أجل موقفها. وبالمثل، فإن الأشخاص الذين طلبوا من سايمون هيل أن "يصمت" إنما كانوا يمارسون حقوقهم، لكن الشرطة هي التي تجاوزت الحدود.

ينبغي ألا يقبض على أي شخص بسبب وجهة نظر قد لا تحظى بقبول أكثرية الناس، بغض النظر عما إذا كان كارهاً للمثليين أم مناصراً للجمهورية، وفيما تقسم الأمة البريطانية يمين الولاء - أم لا - لملكها الجديد، أتمنى على الشعب البريطاني وحكومته أن يجددا أيضاً التزامهما حرية التعبير وإبداء الرأي، ولا يمكننا القيام بذلك إلا إذا التزمنا حماية حقوق الأفراد الذين نختلف معهم في الرأي بشدة.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل