تحلّ ذلك الشهر الذكرى السنوية الخمسمئة، المنسية مِنْ معظم الدول، لأحد أكثر الحوادث مأساويةً وأكثرها فظاعةً في تاريخ البشرية، هي تلك التي شكّلها الغزو العسكري الأوروبي الأول والواسع النطاق في القارّة الأميركية.
وقبل ذلك الوقت، اقتصرت الحملات العسكرية الأوروبية (الإسبانية بشكل حصري آنذاك) في "العالم الجديد"، على جزر الكاريبي.
لكن، في أغسطس (آب) 1521، سيطر جيشٌ صغير من جنودٍ إسبان مستقلّين، زعم عناصره أنهم يتحرّكون باسم ملك إسبانيا، على "إمبراطورية الأزتيك" في المكسيك (كانت تضمّ مدناً عدّة مستقلّة لأحد الشعوب الأصلية في أميركا الوسطى)، مغرقين البلاد وأهلها في بحر هائل من الدماء والمعاناة.
وأخيراً، نجح المؤرّخون وعلماء الآثار للمرّة الأولى في تكوين صورةٍ أوضح عن الحوادث التي حصلت فعلاً هناك، بعد إجراء أبحاثٍ حديثة في جامعاتٍ مكسيكية وأميركية وكندية وبريطانية وغيرها، لا سيما الدور الحاسم الذي نهضت به شعوب أصلية غير الأزتيك في عملية الغزو.
ويُعدّ سقوط إمبراطورية الأزتيك الغزو العسكري الأوروبي الرئيس الأول في أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية، ومهّد الطريق أمام استيلاء الإسبان والأوروبيّين في نهاية الأمر، على معظم مناطق "العالم الجديد"، وانتزاعه من سكّانه الأصليّين. وشكل أغسطس 1521، إلى حدٍّ ما، بداية عصر الإمبريالية الغربية الواسعة النطاق.
وقاد ذلك الحدث أيضاً إلى انهيارٍ سياسي تامّ في مختلف الحضارات الرئيسة غير الأوروبية التي كانت سائدة في النصف الغربي للكرة الأرضية، وكذلك مكّن إسبانيا من السيطرة على أجزاء واسعة من قارة آسيا.
واستطراداً، أسهم تدمير إمبراطورية الأزتيك في أغسطس 1521 في تغيير تاريخ العالم بشكلٍ جذري، أكثر من معظم الحوادث التاريخية الكبرى الأخرى. في المقابل، ثمة تجاهل عالمي واسع لذكرى مرور 500 عام على حدوثه.
من جهة أخرى، يقتصر الاحتفاء بتلك الذكرى في المكسيك، بشكلٍ أساسي على الندوات الجامعية وعلى عددٍ قليلٍ من الفعاليّات، وأعمال ترميم في المواقع الأثرية والمتاحف.
حتى في إسبانيا نفسها، لم تُخطّط فعاليات كبيرة بشأنه. وفي الواقع، رفضت الحكومة الإسبانية اقتراحاتٍ قدّمتها المكسيك بأن تقدّم إسبانيا اعتذاراً عن تدميرها حضارةً مكسيكية قديمة. وفي بريطانيا، ينحصر إحياء الذكرى في مؤتمرٍ أكاديمي نظّمته عبر الإنترنت "جامعة نوتينغهام ترنت" Nottingham Trent University، وندوةٍ عبر الإنترنت أيضاً أعدّتها السفارة المكسيكية و"جامعة كينغز كوليدج لندن"، إضافة إلى سلسلة حوارات نظّمها "المتحف البريطاني" في وقتٍ سابقٍ من ذلك الصيف.
في ذلك الصدد، أعربت عالمة الآثار المكسيكية البروفيسورة إليزابيث باكيدانو التي تحاضر في "كلية لندن الجامعية" عن رأي مفاده أن "الاستيلاء الإسباني على المكسيك في 1521 يشكل أحد أكثر الأفعال عنفاً في تاريخ البشرية".
وقد تسبّب الفتح الإسباني لتلك المنطقة، في قرونٍ من المعاناة الإنسانية لعشرات الملايين من الناس في القارة. واستناداً إلى ذلك، يمكن وصف ذلك الحدث بأنه فريد في نوعه، ولا يشبه إلا القليل من التطوّرات الأخرى في ذلك الحجم.
وفي عودةٍ إلى الوقائع، فقد غزا جنودٌ إسبان المكسيك في 1519، تحت قيادة أحد النبلاء الإسبان غير المشهورين يُدعى هيرنان كورتيس، من دون أيّ ذريعة. وبعد عامين من الأعمال العسكرية والأنشطة الديبلوماسية، تمكّنوا في نهاية المطاف من الاستيلاء على عاصمة الأزتيك ("تينوشتيتلان" التي هي "مكسيكو سيتي" حاضراً)، في 13 أغسطس 1521 (23 أغسطس 1521 بحسب التقويم الغريغوري الحديث).
وتشير تقديراتٌ الآن إلى أن السيطرة على المدينة، الذي شكّل في ذلك الوقت أحد أكبر أعمال الاستيلاء العسكرية في العالم، كانت كلفتها البشرية ذبح ما بين 50 ألفاً و100 ألف مدني وجندي من الأزتيك، وقد وصفه كثيرون خلال الأعوام الأخيرة، بأنه محاولة إبادة جماعية.
ومع استيلاء الإسبان على إمبراطورية الأزتيك، احتُجز مئات المقاتلين والنبلاء العزّل من الأزتيك في مكان مغلق، وقُتِلوا بطريقة ممنهجة. وفي حادثٍ آخر، تعرّض آخر إمبراطور من الأزتيك للتعذيب على يد العسكر الإسباني، بقصد إرغامه على أن يكشف عن موقع كنوز الذهب الإمبراطورية المخبّأة.
وكذلك ترى البروفيسورة باكيدانو التي تعتبر مرجعاً عن الأزتيك، أن "الإسبان سرقوا لاحقاً كنوز ذهب الأزتيك، وصهروها في سبائك ذهبية، شُحِنَتْ بعد ذلك إلى إسبانيا".
وبعد سيطرتها على إمبراطورية الأزتيك، عمدت إسبانيا إلى إزالة المباني العامّة الرئيسة والمقامات الدينية في العاصمة الأزتيكية. وجزئياً، أدّى الاستيلاء على المكسيك في 1521، إلى استيلاء الإسبان على معظم دول أميركا الوسطى والجنوبية. ثم أمرت السلطات الإسبانية الجديدة في "تينوشتيتلان" (مكسيكو سيتي) عسكرها بأن يغزو أولاً ما تُعرف الآن بدول أميركا الوسطى أي غواتيمالا وهندوراس والسلفادور.
بعد ذلك، تمكّن بعض الضبّاط الإسبان الذين شاركوا في عمليّات الاستيلاء على المكسيك، من غزو منطقة شمال شرقي أميركا الجنوبية (التي أصبحت الآن فنزويلا).
ثم اضطلع بعض قدامى المحاربين الذين شاركوا في غزو إمبراطورية الأزتيك المكسيكية، بأدوارٍ مهمّة في السيطرة على "إمبراطورية الإنكا" Inca Empire (بنتها شعوبٌ من الهنود الحمر في أميركا الجنوبية، وشكّلت حضارة ضاربة في القدم، وشملت أراضيها البيرو وبوليفيا وإكوادور، وجزءاً من تشيلي والأرجنتين).
إضافةً إلى ما تقدّم، تمكّنت إسبانيا أيضاً نتيجة الاستيلاء على المكسيك، من غزو مساحاتٍ شاسعة من مناطق المحيط الهادئ وأجزاء من قارة آسيا. واستطاعت جيوش إسبانية ينحدر جنودها من أصل مكسيكي، من الاستيلاء على الفيليبين بين عامي 1565 و1582. وتمكنت في نهاية المطاف من اجتياح مئاتٍ من جزر المحيط الهادئ، وكذلك بعض أجزاء من الصين وإندونيسيا لفترةٍ وجيزة.
وبالنتيجة، أتاحت السيطرة على المكسيك لإسبانيا فرض هيمنتها على ما تُعرف الآن بولايات كاليفورنيا ونيو مكسيكو وتكساس الأميركية. وفي المكسيك، أنشأ الإسبان نظاماً فرض على الناس هناك العمل القسري غير المأجور (وهو شكلٌ من أشكال العبودية)، ثم امتدّ ذلك النظام كي يشمل الفيليبين وأماكن أخرى من العالم.
وقد كشفت أبحاثٌ أجريت أخيراً (نهضت بها بشكلٍ رئيس "جامعة كاليفورنيا" و"جامعة ولاية بنسلفانيا") أن إسبانيا (من خلال استغلالها ثغرة في القانون الإسباني)، نجحت أيضاً في تأسيس صناعة واسعة النطاق على المستوى الدولي، في مجال الاتّجار بالبشر والاستعباد الجنسي شمل عشرات الآلاف من السكّان الأصليين في المكسيك، خصوصاً النساء اليافعات والمراهقات، وعمدت في غالب الأحيان إلى قتل الذكور.
وقد تناول ذلك الأمر البروفيسور ماثيو ريستال، أحد كبار الخبراء في العالم في الدراسات المتّصلة بالمكسيك في ظلّ الاستعمار الإسباني، وهو مدير قسم "دراسات أميركا اللاتينية" في "جامعة ولاية بنسلفانيا". وأشار ريستال إلى أن "القمع الذي مارسته أنظمة العمل بالسخرة، والفقر الذي خلّفته وراءها، تسبّبا في زرع بذور الحرمان في أوساط السكّان الأصليّين في المكسيك، وفي كثير من المناطق المحتلّة الأخرى، بأساليب ما زالت مستمرة حتى اليوم".
وفي ترجمةٍ لكلامٍ البروفيسور ريستال، لا يزال حوالى 70 في المئة من السكّان الأصليّين في المكسيك يعيشون في حالٍ من الفقر، بالمقارنة مع حوالى 39 في المئة من سكّان البلاد غير الأصليّين. وبعد مرور 500 عامٍ على الغزو الإسباني، ما زال ملايين من المكسيكيّين الأصليّين، يحظون بفرصٍ أقلّ لجهة الحصول على أراضٍ والتعليم ووظائف جيّدة، إضافةً إلى صعوبة وصولهم إلى خدمات الرعاية الصحّية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الواقع، على امتداد 80 في المئة من تاريخ المكسيك ما بعد الغزو (الإسباني)، امتلك أقلّ من واحد في المئة من السكّان (وهم بشكلٍ رئيسي من نخبة الغزو الإسباني للبلاد، ومن العائلات التي نشأت في وقت مبكّر من مرحلة الاستعمار)، حوالى 90 في المئة من أراضيها الريفية.
وانطلاقاً من ذلك، أرست حوادث أغسطس 1521، أحد أكثر الأنظمة السياسية قمعاً في العالم، ظلّت بعض جوانبه الاجتماعية والاقتصادية مستمرة حتى اليوم، وأبقت الفقر والحرمان سائدين في البلاد حتى يومنا ذلك.
في المقابل، على الرغم من أن الإسبان كانوا هم الذين غزوا حضارات الأزتيك والمايا والإنكا، إلا أنهم ما كانوا ليتمكّنوا من ذلك بتلك السرعة، لو لم يبتكروا سياسة "فرّق تسد" المحنّكة.
وفي ذلك الإطار، يشير البروفيسور ريستال المؤلّف المشارك في كتابٍ مرجعي عن الفتوحات الإسبانية الاستعمارية عنوانه "الفاتحون" The Conquistadors، إلى أنه "في جميع الفتوحات الثلاثة [اي التي طاولت الأزتيك والمايا والإنكا]، استغلّ القادة الإسبان التوتّرات الجيوسياسية المحلّية، وعملوا على الاستفادة منها بشكلٍ منهجي، بهدف الحصول على مساعدة في إطاحة الممالك والإمبراطوريات الأصلية المحلّية، كي تتمكّن إسبانيا من السيطرة عليها".
في ذلك المعنى، من المستطاع الزعم بأن النخب الأصلية التي حكمت قبل الغزو الإسباني في المكسيك وأميركا الوسطى والجزء الغربي من أميركا الجنوبية، زرعت بذور تدميرها بنفسها، من خلال تبادل الأحقاد في ما بينها وممارسة العداوات الجيوسياسية المحلّية التي تمكّنت إسبانيا آنذاك من استغلالها.
في السياق نفسه، جاء النظام الجديد الذي فرضه الفاتحون الأوروبيّون في ذلك الوقت، أشدّ اضطهاداً للهنود الأميركيّين العاديّين من شعوب الأزتيك والمايا والإنكا، لأن الهدف الاقتصادي الأسمى لإسبانيا، تمثّل في استغلال (بل استعباد، بصورة فعلية) السكّان المحليّين من أجل استخراج أكبر مقدارٍ من الثروات المعدنية وغيرها من الثروات، بغية شحنها إلى إسبانيا.
ومع أن غزو المكسيك في 1521، لم يجرِ الاحتفاء به على نطاق واسع، فإن الاكتشافات الأثرية الحديثة تسلطّ ضوءاً جديداً رائعاً على ذلك الحدث التاريخي المهم.
وفي ذلك الصدد، يصف خبيرٌ بارز في ذلك الغزو وهو البروفيسور ديفيد كاربالو عالم الآثار في "جامعة بوسطن" ومؤلّف كتاب "اصطدام العوالم" Collision of Worlds، الحرب الإسبانية على الأزتيك بين عامي 1519 و1521 بأنها "إحدى أكثر المواجهات أهمية في تاريخ البشرية. فمنذ الغزو الذي نفّذه الضابط الإسباني كورتيس، شكّل الأمر قصة تُروى بشكلٍ أساسي من خلال النصوص التاريخية التي صمدت عبر الأعوام. في المقابل، أسهمت الاكتشافات الأثرية الجديدة في تغيير فهمنا عن تلك المرحلة، لا سيما الدور المحوري الذي اضطلع به حلفاء كورتيس من السُكّان الأصليين".
وفي ذلك المنحى، تكشف الحفريات التي نفّذها علماء آثار مكسيكيّون في بلدة "تلاكسكالا"، إحدى المدن المكسيكية الرائدة التي تحالفت مع الإسبان، أنها مثّلت كياناً سياسياً أكبر بكثير، وأكثر اتّحاداً وأهمية ممّا ساد الاعتقاد به في أوقات سابقة. وقد قدّمت تلك الحفريات أيضاً تفسيراً عن أسباب استعداد سكّان "تلاكسكالا" للتحالف مع القوّات الإسبانية.
وفي تفاصيل لافتة، تشير البيانات المستمدّة من تلك الحفريات إلى أن "تلاكسكالا"، على عكس الأزتيك، كانت تسودها المساواة نسبياً، وقد مارست السلطات فيها استبداداً أقل [بالمقارنة مع الأزتيك]. وإذا جاز التعبير، شكّل شعب "تلاكسكالا" نوعاً من المجتمع "الأثيني" (نسبة إلى حضارة أثينا القديمة) في أميركا الوسطى، على عكس ثقافة الأزتيك الأكثر عسكرية التي كانت تشبه ثقافة مدينة إسبارطة اليونانية. وتوضح بيانات التنقيب عن الآثار أيضاً أن "تلاكسكالا" حاولت بقوّة مقاومة الهيمنة العسكرية للأزتيك، حتى قبل وصول الإسبان إلى تلك البلاد.
وفي المقابل، نجحتْ تحقيقات أثرية حديثة أخرى، للمرّة الأولى، في تحديد بعض القطع الذهبية الأصلية التي عمد القادة الإسبان إلى مصادرتها، قبل أن يصهروها في سبائك ذهبية. وكذلك أظهر تحليل التألّق بالأشعة السينية (تقنية تحليلية تُستخدم في تحديد التركيب الأوّلي للمواد) لسبيكة ذهب تزن كيلوغرامين، عُثر عليها على عمق خمسة أمتار تحت مدينة "مكسيكو سيتي"، أنها صُنِعَتْ من ذهب الأزتيك المذوّب. وقد أُسقِطتْ بشكل شبه مؤكّد حينما حاولت القوّات الإسبانية إزالة كميات هائلة من الذهب من مدينة "تينوشتيتلان".
وعلى نحوٍ مماثل، نجح علماء آثار أيضاً في العثور على مراسي السفن الإسبانية التي استخدمها الضابط كورتيس في نقل جيشه الصغير من كوبا التي كانت واقعة آنذاك تحت الاحتلال الإسباني، إلى المكسيك.
في المقابل، يتمثّل الأمر الأشد بشاعة من أيّ عملٍ أثري آخر، في اكتشاف عشراتٍ من العظام البشرية بالقرب من "تينوشتيتلان"، ومن المؤكد أنها تعود إلى أُضحياتٍ بشرية [بمعنى أنها قرابين بشرية]. وقد كشفت دراسات عن أن بعض تلك العظام ترجع إلى جنود إسبان، ما يعتبر دليلاً على أن غزو كورتيس إمبراطورية الأزتيك، على الرغم من نجاحه المتوحّش في النهاية، لم يَسِرْ دائماً وفق ما كان يتمنّاه الإسبان.
أكثر من ذلك، فقد أسهم تحليلٌ تفصيلي أجري حديثاً للأدلّة التاريخية (بفضل تعاون من "جامعة راتغرز" و"جامعة بنسلفانيا" و"الجامعة الوطنية في المكسيك") في إعادة تقييم الغزو الإسباني نفسه في تلك البلاد.
إذ دأبت التصوّرات التقليدية على رسم الانتصار العسكري بوصفه عمل خارق للطبيعة ومتفوّق على طاقة البشر. ولطالما زُعِمَ أن "بضع مئات" من الجنود الإسبان (حتى لو كانوا مسلّحين ببنادق وأسلحة فولاذية) هزموا جبروت إمبراطورية الأزتيك.
وعلى طرف نقيض من ذلك، يعطي الواقع الذي تكوّن أخيراً يعطي صورةً مختلفة بعض الشيء [عن السردية التقليدية]. فبدلاً من أن يكون الانتصار إنجازاً عسكرياً إسبانياً في غالبيته (بواسطة 3 ألاف جندي إسباني)، يتعيّن بدلاً من ذلك اعتباره إنجازاً ديبلوماسياً لإسبانيا.
وتفصيلاً، لقد نجح الضابط كورتيس بفضل تركيزه على ضمّ سلسلةٍ كاملة من ولايات المدن المكسيكية الأصلية التي أبدت استعدادها لمساعدة إسبانيا في إطاحة إمبراطورية الأزتيك. وفي الواقع، قدّم أولئك الحلفاء الأصليّون حوالى 95 في المئة من القوّى العسكرية التي قادها كورتيس. وإضافةً إلى ذلك، أبرزت الأبحاث الحديثة أيضاً الأهمية المحورية لـ"لا مالينشي" La Malinche (شخصية تاريخية لإمرأة أزتيكية أصبح اسمها رمزاً الخيانة) في المساعدة على تشكيل تلك التحالفات المحلّية الحاسمة.
وأخيراً، يبقى أنه بالنسبة إلى أولئك الحلفاء الذين تعاونوا مع الإسبان، فقد شكّل ذلك الأمر نصراً باهظ الثمن. إذ أنهت السيطرة الإسبانية عصراً ذهبياً من مستويات المعيشة المرتفعة نسبياً للسكّان العاديّين في أميركا الوسطى. وفي التفاصيل يتضح أن حضارات عصر الأزتيك في المكسيك وأميركا الوسطى، حظيت بأنظمة ريٍّ وإمداداتٍ غذائية عامّة عالية الكفاءة، وقنوات مائية عامّة تؤمّن المياه العذبة النظيفة للمساكن، وأنظمة صرف صحّي عامّة فاعلة، ومستويات عالية من النظافة للناس، إضافة إلى أنها امتلك تخطيطاً مدنياً رائعاً (بما في ذلك إنشاء مدن تتمتع بحدائق خضراء)، ومعدّلات منخفضة من الأمراض. وكذلك تمتعت تلك المُدن بأنظمة ترعى حقوق الإنسان (بما فيها حقوق المرأة) أكثر بكثير ممّا صارت إليه الحال في ظلّ الحكم الاستعماري الإسباني.
© The Independent