تغييرات متسارعة تشهدها سوق العمل في العالم كله أصبحت تتطلب أن يعمل الناس على تطوير أنفسهم بشكل مستمر حتى يتمكنوا من العثور على وظيفة مناسبة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت بالعالم العربي فكرة مقدم الخدمات المهنية أو ما يطلق عليه (Career coach) وهو يعمل بشكل رئيس على توجيه الشخص الباحث عن عمل للوظائف الأنسب بالنسبة إليه، من خلال اكتشاف نقاط القوة التي تؤهله لأداء مهارات معينة من دون غيرها.
المستفيدون من خبرات مقدمي الخدمات المهنية تتنوع فئاتهم بين الشباب حديثي التخرج الذين يبدؤون أولى خطوتهم في سوق العمل، والأكبر سناً الذين أمضوا فترة قد تكون صغيرة أو كبيرة في عمل ذي طبيعة معينة واكتشفوا عدم ملاءمته ويرغبون في تغيير مسارهم الوظيفي لكنهم لا يستطيعون الوصول إلى نقطة البداية.
مقدمو الخدمات المهنية هي فكرة متعارف عليها في الغرب ومنتشرة إلى حد كبير، إلا أنها تتحسس خطاها في المجتمعات العربية، فلا يزال هناك بعض اللبس عند قطاع عريض من الناس عن ماهية الخدمة وماذا يقدم من خلالها وكيف يمكن للشخص الاستفادة منها.
التوجيه
وعن المفهوم المحدد لهذا المصطلح الآخذ في الانتشار بالفترة الأخيرة، يقول حاتم قناوي مقدم الخدمات المهنية لـ"اندبندنت عربية" إن "الفكرة العامة هي أن شخصاً يقدم التوجيه والاستشارة لأشخاص يواجهون تحديات في حياتهم المهنية، فبشكل عام سوق العمل أصبحت معقدة وأنماط الوظائف ذاتها اختلفت كثيراً عن فترات سابقة، مما يضع كثيراً من الأشخاص في حيرة وارتباك أمام اختيار طبيعة العمل التي تلائمه، كذلك يساعد مقدم الخدمات المهنية الشخص في التعرف على مراحل الحصول على وظيفة، مثل كيفية كتابة السيرة الذاتية والبحث في مواقع التوظيف والأسلوب الأمثل للتعامل في مقابلات العمل".
ويضيف "من أجل أن يصبح مقدم الخدمات المهنية مؤهلاً لتقديم التوجيه للناس يجب أن يكون لديه مؤهلات ودراسات في هذا الشأن، وأن يكون لديه سمات خاصة تمكنه من التواصل الفعال مع الأشخاص لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، فهو يساعد الباحث عن عمل للوصول إلى أول الطريق الذي يناسبه ويتلاءم معه، لكن اتخاذ القرار الفعلي ومن بعده التنفيذ والاستمرار وتحقيق النجاح هو مسؤولية الشخص نفسه، فمقدم الخدمة المهنية لا يقدم حلولاً سحرية لكنه يرشد ويوجه ويساعد في اكتشاف المهارات".
المستفيدون
أعداد ضخمة من الخريجين تنضم سنوياً لسوق العمل تختلف أعمارها ومؤهلاتها وطبيعة حاجاتها إلى الوظائف، فأي منها يكون أكثر توجهاً لمقدمي الخدمات المهنية؟ يجيب قناوي "تختلف الفئات التي تتوجه لمقدمي الخدمات المهنية وتتنوع ما بين الطلبة قبل الالتحاق بالجامعة والخريجين قبل الانخراط الفعلي في سوق العمل، والأشخاص الذين أمضوا سنوات في وظيفة ولا يرغبون في الاستمرار فيها ويريدون تغيير مسارهم، والسيدات اللاتي انسحبن لفترة من سوق العمل لظروف أسرية ويرغبن في العودة، فكل هؤلاء هم فئات يمكنها استشارة مقدمي الخدمات المهنية لتوجيههم للمسار الوظيفي الأفضل".
ويضيف "غالباً ما يستهدف مقدم الخدمات المهنية فئة أكثر من غيرها ويركز نشاطه في التوجه إليها، وبشكل عام فإن القطاع الأكبر من المهتمين باستشارة الكاريير كوتش حالياً هم فئة الخريجين حديثاً الذين يبدؤون خطواتهم الأولى في الحياة العملية والسبب الرئيس لذلك هو أن سوق العمل أصبحت معقدة وبها كثير من التفاصيل والتحديات ما يجعلهم في حيرة ويخشون اتخاذ مسار خاطئ وغير ملائم".
كيفية تحديد الوظائف المناسبة
وعن الخطوات التي يتبعها مقدمو الخدمات المهنية للتعرف على ما يناسب طالب الاستشارة لإرشاده إلى المجالات الأنسب له، يقول قناوي "يعقد مقدم الخدمة المهنية جلسات فردية مع الشخص للتعرف عليه وعلى مهاراته ومساعدته في اكتشاف ذاته من خلال تقييمات علمية، فهناك أشخاص يكونون أكثر قدرة على التعامل مع الناس ولديهم ميول اجتماعية وآخرون لا يفضلون هذا على الإطلاق، وهناك أشخاص يميلون لعمليات التحليل والتفكير، وآخرون يتميزون في الجانب الإبداعي وهكذا، فمن خلال أسئلة واختبارات علمية نحدد المهارات والسمات العامة للشخص وبناء عليها نرشده لطبيعة الوظيفة المناسبة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "الهدف الذي يرغب الكاريير كوتش في الوصول إليه مع طالب الإرشاد ليس مجرد الحصول على وظيفة، بل الوصول إلى الوظيفة المناسبة، مما سيتيح له فرصة أكبر للاستمرار والإبداع فيها وعدم الحاجة إلى تغيير المسار مرة أخرى، فأنماط العمل اختلفت، فإضافة إلى الصورة النمطية المتعارف عليها وهي الدوام الكامل من المكتب لعدد ساعات معينة، أصبح هناك أنماط أخرى مثل العمل الحر والدوام الجزئي والعمل من المنزل"، مشيراً إلى أن هناك شركات ناشئة يتوافق نظامها مع قطاع من الباحثين عن العمل بحسب ظروفهم ومؤهلاتهم ونمط حياتهم.
انتشار الفكرة
يقول قناوي عن مدى انتشار الفكرة في المجتمعات العربية إنها "انتشرت بالفعل في الفترة الأخيرة لكن ليس بالقدر الكافي، فكثير من الناس لا يستوعب المعنى الحقيقي لطبيعة دور الكاريير كوتش أو لديهم تصور أو توقعات خاطئة عن دوره، فهذا الأمر يحتاج إلى مزيد من الوعي بالفكرة باعتبار أن العمل جزء أساسي من حياتنا والاختيارات الخاطئة يكون لها انعكاس سلبي على جميع جوانب الحياة سواء من الناحية النفسية أو المادية".
ويضيف "بدأت أخيراً بعض الجهات في إدراك أهمية الفكرة، ومن ثم أصبح هناك لقاءات ومحاضرات لتوجيه الطلاب أو الخريجين حديثاً لطبيعة سوق العمل وكيفية اختيار الوظيفة الملائمة، وأتمنى أن يكون هناك اهتمام بالتوجيه المهني للطلاب في بداية حياتهم وأن يحدث ذلك بشكل منظم من خلال فعاليات مختلفة لأن التغيرات في سوق العمل أصبحت متسارعة ولا بد أن نسعى لمواكبتها بصورة أكبر".