تتواصل لعبة "شد الحبل" بين الدولة المغربية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، بعد إصدار الأخيرة تقريراً، الخميس 28 يوليوز (يوليو) الحالي، تضمّن اتهامات للسلطات باستهداف صحافيين ومعارضين عبر "تقنيات قمعية"، وفق تعبير التقرير الجديد.
وسرد تقرير مطول للمنظمة الدولية حالات إدانة صحافيين وناشطين معارضين في ملفات جنائية أغلبها "اعتداءات جنسية"، مورداً أن تلك "أدوات تستعملها الدولة المغربية لقمع معارضيها الأكثر حدة، وتخويف الآخرين"، من أجل "إسكات أي معارضة".
ولم يتأخر رد الحكومة المغربية وهيئات إعلامية وحقوقيين مغاربة على ما ورد في تقرير "هيومن رايتس ووتش"، إذ اعتبرت الحكومة مضامين التقرير "ادعاءات مغرضة وتلفيقاً وتحاملاً" من المنظمة ضد السلطات المغربية.
بين المنظمة الدولية والحكومة المغربية
تقرير المنظمة جاء في 99 صفحة تحت عنوان "فيك فيك" (بمعنى: سينالون منك مهما كان)، وتضمن ما سمّاه "دليل قمع المعارضة في المغرب"، وسرد، "تكتيكات تستخدم مجتمعة لتشكل منظومة قمعية، ليس هدفها إسكات الأصوات المعارضة فحسب، بل أيضاً ترهيب كل المنتقدين المحتملين".
هذه التكتيكات تحمل، وفق التقرير المعني، "محاكمات جائرة وأحكام سجن طويلة بتهم جنائية لا علاقة لها بالتعبير، وحملات مضايقة وتشهير في وسائل الإعلام الموالية للدولة، واستهداف أقارب المعارضين، كما تعرض منتقدو الدولة أيضاً للمراقبة الرقمية والتصوير السري، وفي بعض الحالات لترهيب جسدي".
في المقابل، رد الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، مساء الخميس (28 يوليو) على تقرير المنظمة الدولية. وقال إنه عبارة عن "ادعاءات مغرضة لن تثني المغرب عن مواصلة مساره في بناء دولة الحق والقانون والمؤسسات والدفاع عن الحقوق والحريات".
وانتقد المسؤول الحكومي ما وصفه بإساءة "وثيقة هيومن رايتس ووتش" إلى رموز المغرب، التي ظهر أنها لا تعدو أن تكون "تجميعاً لمجموعة ادعاءات، ألفت هذه المنظمة إثارتها ضد البلاد".
ووفق الحكومة المغربية، فإن "تحامل" المنظمة الدولية "بلغ حد تلفيق بعض التهم غير الواقعية"، كما أن التقرير تضمن "اتهامات خطيرة، والأخطر أنه لجأ إلى تأليب شركاء المغرب"، وفق تعبير الناطق الرسمي باسم الحكومة.
اتهامات وردود
وأورد التقرير حالات عدة للاستدلال على "قمع المعارضين"، خصوصاً الصحافيين منهم، من بينها سجن ناشر صحيفة "أخبار اليوم" توفيق بوعشرين المعتقل منذ عام 2018، بتهمة ارتكاب اعتداءات جنسية، وأيضاً الصحافيين سليمان الريسوني وعمر الراضي.
وردت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ضمن بيان اطلعت "اندبندنت عربية" على نسخة منه. وقالت إن "التقرير لم يختلف في مضمونه عن التقارير الأخيرة خلال السنين القليلة الماضية، إذ يكرر سرد الوقائع نفسها التي استجدت في السنوات الماضية، لكنها تقدم كما لو أنها وقعت في الفترة الوجيزة الماضية، بما يكشف عن منهجية إعادة إنتاج الروايات نفسها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبرت النقابة عن خيبتها من هذه الوثيقة التي "كان يمكن التعويل عليها في تقويم الانحرافات والانزلاقات التي قد تكون واقعة في المشهد الإعلامي بالمغرب، لو أنها تحررت من الخلفيات والحسابات السياسية"، وفق تعبير البلاغ.
من جهتها، أبدت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين مفاجأتها من "منسوب الهواية والارتباك الذي حُرر به تقرير المنظمة، الواقع في صفحات عدة من الإنشاء اللغوي والمجازي، من دون أن يقدم فكرة جديدة عن الوضع الحقوقي للعاملين بقطاع الصحافة والإعلام في المغرب".
واستنكرت الجمعية ما وصفته بـ"إغراق التقرير في توزيع صكوك الاتهامات المجانية من دون دليل، والإساءة إلى المؤسسات الوطنية المغربية، وتعمد ضرب جميع المنجزات المحققة في المغرب خلال السنوات الماضية بجرة حبر حاقد".
افتقاد الدقة
من جهته، قال الباحث السياسي والأكاديمي بجامعة مراكش، محمد بن طلحة الدكالي، "إننا أمام لعبة شد الحبل بين المغرب ومنظمة هيومن رايتس ووتش". وأضاف أن "المنظمة تقدم معطيات تفتقد للسند الواقعي والقانوني".
وأشار الدكالي إلى أنه "كان من اللائق من منظمة دولية أن تبحث عن المعطيات من مصادر متنوعة، وأن تنشر الحقائق وفق معطيات توثيقية كفيلة بتبرير مزاعمها، وأن تقدم الأدلة المادية والخبرة العلمية التي تثبت صحة مزاعمها الواردة في التقرير".
واسترسل المتحدث بأن "المغرب ملتزم بضمانات المحاكمة العادلة والإنصات إلى ملاحظة الجهات المؤهلة للقيام بذلك، أو في إطار التعقيب الرصين على الأحكام والقرارات القضائية"، مشيراً إلى أن "تقارير المنظمة حول المغرب تصاغ وفق وجهة نظر أشخاص قد يحملون موقفاً مسبقاً من الدولة المغربية".
وزاد الدكالي بأن "تقرير المنظمة غاب عنه التحقيق الميداني والدقة اللازمة في إعداد التقارير، وتعدد مصادر المعلومة"، لافتاً إلى أن "هذا هو الضروري والمطلوب من منظمة تدعي الدفاع عن الحقوق والحريات الكونية".
واستدرك المتحدث بأنه "قد تحصل بعض الخروقات في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، مثله مثل جل دول العالم، وهذه الخروقات تقع حتى في البلدان الأكثر تقدماً وديمقراطية، لكن تبقى هذه الحالات معزولة لا يمكن اعتبارها دليلاً دامغاً على أن المغرب ينتهك الحقوق ويخرق الحريات بشكل ممنهج، باعتبار أن هناك إرادة سياسية للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان وتوسيع فضاء الحريات من خلال مجموعة من المؤسسات والتشريعات".
تصفية حسابات سياسية
بدوره، رأى مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، خالد الشرقاوي السموني، أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" تعتمد في تقاريرها على المعلومات التي تتوصل بها من منظمات حقوقية مغربية، وفي كثير من الأحيان تكون هذه المعلومات غير دقيقة وغير صحيحة، من دون أن تكلّف نفسها عناء التقصي والبحث للتثبت من صحة تلك المعطيات.
ورفض السموني أن يتم "توظيف حقوق الإنسان من أجل تصفية حسابات سياسية، لأن العمل الحقوقي ينبغي أن تحكمه الموضوعية والنزاهة والحياد، كما لا يجب التركيز على بعض الحالات المتفرقة، وإن حصلت فيها تجاوزات، واعتبارها أنها هي الأصل".
وقال إن "المنظمة بذلك ترسم صورة خطيرة عن المغرب وغير حقيقية، كأن المغرب دولة تقمع الحريات وتنتهك الحقوق بشكل عمدي ممنهج، في حين أن المغرب حقق إنجازات في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها".
وأكمل السموني بأن هذه المنظمة وقعت في أكثر من مرة في أخطاء جمع المعلومات ورصد الانتهاكات في غياب التحقيق الميداني والدقة اللازمة في إعداد التقارير وتعدد مصادر المعلومة من مختلف المنظمات الحقوقية والجهات الحكومية والرسمية حتى تكون لها رؤية واضحة".
واعتبر المتحدث عينه، أن "قول منظمة هيومن رايتس ووتش إن السلطات المغربية دانت متهمين في قضايا حق عام أغلبها اعتداءات جنسية، يُعد إساءة كبيرة للقضاء المغربي واستقلال السلطة القضائية".