Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الماركسية الملونة"... عن الحزب الشيوعي الصيني ودولته

حافظ على احتكاره السياسة في البلاد منذ أكثر من قرن ورسخ نفسه حاكماً عبر طبقات المجتمع والاقتصاد

أعاد الحزب تصوير نفسه كمحرك للتغيير يرشد البلاد إلى الثروة ويغذي الشعور بالفخر الوطني (أ ف ب)

في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام يحتفل الصينيون بذكرى تأسيس جمهورية الصين الشعبية، أو ما يصفونه بذكرى "إعلان التحرر الوطني والاستقلال والسيادة"، ويتعلق ذلك الاحتفال بعام 1949، عندما استولت الميليشيات العسكرية الشيوعية الصينية على الحكم بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية التي كانت تحتل أجزاء واسعة من الأراضي الصينية.

في ذلك العام، فرت حكومة حزب "الكومينتاغ" ورئيسها القومي تشيانغ كاى شيك إلى ما يوصف بالبر الصيني (تايوان حالياً)، في حين رفضت واشنطن ومعظم القوى الغربية في البداية الاعتراف بالحكومة الشيوعية في بكين، لكنها تراجعت أخيراً عندما اعترفت واشنطن بجمهورية الصين الشعبية عام 1979.

قبل ذلك، كانت الصين تعد منارة الديمقراطية في آسيا بحسب وصف فرانك ديكوتير، الأستاذ بجامعة هونغ كونغ ومؤلف سلسلة "ثلاثية شعب" التي توثق تأثير الشيوعية في حياة الناس في الصين، ففي عام 1948 صيغ دستور الصين من قبل لجنة كبرى تضم 1400 مندوب عن جميع الأحزاب في الصين، ثم أتى عام 1949 ليبشر بعهد يتناقض مع ما قبله، فتم تعقب المنظمات التي لا تتبع الحزب الشيوعي من مجتمعات دينية ومنظمات خيرية وجمعيات طلابية وغرف تجارية وجمعيات مدنية.

دولة الحزب

الحزب الشيوعي الصيني هو الحزب السياسي المؤسس والحاكم لجمهورية الصين الشعبية، ويسيطر على الحكومة والشرطة والجيش وحتى المؤسسات المالية، وعلى الرغم من وجود أحزاب أخرى صغيرة شيوعية أيضاً، لكن الحزب الشيوعي الحاكم حافظ على احتكاره السياسة منذ تأسيسه قبل أكثر من قرن من الزمان، إذ أشرف على النمو الاقتصادي السريع للبلاد وصعودها كقوة عالمية.

فالحزب المكون من قرابة 92 مليون عضو، والمنظم بشكل هرمي على قمته الرئيس شي جينبينغ، وفي القاعدة المكتب السياسي، قاد أطول وأكبر حركة سياسية شهدها العالم على الإطلاق.

تعود نشأة الحزب الشيوعي الصيني إلى عام 1921، مع ازدهار الشيوعية في أعقاب ثورة البلاشفة في روسيا عام 1917 ضد حكم القيصر، ليصبح الاتحاد السوفياتي الدعامة الرئيسة لأنظمة الحكم الشيوعية الأخرى، ومع سقوطه وتفككه عام 1989 سقطت أغلبية هذه النظم باستثناء خمس دول هي كوريا الشمالية وفيتنام وكوبا ولاوس والصين. وقد استطاعت الأخيرة تقديم نموذج اقتصادي وتنموي أثار حيرة علماء السياسة في الجمع بين السياسات القمعية والتنمية.

هناك ثلاث هيئات كبرى مسؤولة عن صنع القرار في النظام السياسي الصيني: اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والمكتب السياسي للحزب واللجنة الدائمة وهي الأقوى. وبحسب "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي، يعتمد الحزب على ثلاث ركائز، السيطرة على الأفراد والدعاية وجيش التحرير الشعبي، وبصفته الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني، فإن الأهداف الرئيسة لجيش التحرير الشعبي تشمل حماية حكم الحزب والدفاع عن مصالحه، وتشرف اللجنة العسكرية المركزية للحزب الشيوعي الصيني التي يرأسها الرئيس شي جينبينغ، على كل من جيش التحرير الشعبي والشرطة المسلحة الشعبية التي تركز بشكل أساس على الأمن الداخلي.

ووفق تقرير وزارة الدفاع الأميركية لعام 2020 حول الجيش الصيني، يرى الحزب الشيوعي أن جيش التحرير الشعبي "أداة عملية لحكمه مع دور نشط في النهوض بالسياسة الخارجية لجمهورية الصين، لا سيما في ما يتعلق بالمصالح العالمية المتزايدة لها". وعلى سبيل المثال، يشرف جيش التحرير الشعبي على نشر السفن الحربية والطائرات بالقرب من المناطق المتنازع عليها في شرق وجنوب بحر الصين وكذلك بالقرب من تايوان.

ويعقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني لوضع السياسات الرئيسة واختيار كبار القادة مرة كل خمس سنوات، وهو يختلف عن "المؤتمر الشعبي الوطني" أو ما يعرف بـ"الهيئة التشريعية في الصين".

وخلال المؤتمر يختار الأعضاء "اللجنة المركزية" التي تضم نحو 370 عضواً ومناوباً بما في ذلك الوزراء وكبار المسؤولين التنظيميين وقادة المقاطعات وضباط الجيش، وتعد "اللجنة المركزية" بمثابة مجلس إدارة الحزب الشيوعي الصيني، وتتمثل مهمتها في اختيار "المكتب السياسي" الذي يضم خمسة وعشرين عضواً.

في المقابل، ينتخب "المكتب السياسي" من خلال مفاوضات الغرف المغلقة أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب، التي تعمل كمركز لقوة وقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وتضم اللجنة الدائمة حالياً سبعة أعضاء، لكن تراوحت العضوية قبلاً من خمسة إلى تسعة، ويجلس الرئيس شي، الذي تولى المنصب خلفاً لهو جينتاو عام 2012، على قمة النظام سكرتيراً عاماً، وهو أيضاً رئيس وقائد الجيش ولديه تأثير هائل في وضع سياسة الحكومة، لكن هل يسيطر منفرداً على كل شيء؟.

ماو- شي

عملية الانضمام للحزب الشيوعي الصيني صعبة ومرهقة، وهو ما استطاع شي تجاوزه بنجاح منذ أن كان طالباً، بعد أن تم رفض طلب انضمامه تسع مرات بحسب صحيفة "ذا صنداي مورنينغ هيرالد"، وبعد الانتهاء من دراسته الجامعية في الهندسة الكيماوية وحصوله على الدكتوراه في القانون والأيديولوجيا من جامعة "تسينغهوا"، تقدم شي بثبات في الرتب داخل الحزب على مدى عقدين من الزمن ليحل محل تشين ليانغيو، سكرتير الحزب في شنغهاي عام 2007 بعد فضيحة فساد، مما وضعه على طريق اللجنة الدائمة للمكتب السياسي.

بحلول عام 2012 أصبح شي رئيساً للصين وعمل على تعزيز سلطته من خلال مزيد من عمليات تطهير الفساد، ويقول مراقبون إن حكم شي استند إلى سياستين رئيستين تقودان طموحه إلى ما هو أبعد، التداول المزدوج الذي جعل الإنتاج المحلي المدعوم من الدولة المصدر المهيمن للنمو الاقتصادي في القوة المحركة للتصدير. ومبادرة "الحزام والطريق" التي تنطوي على إنفاق تريليون دولار في مساعدات البناء والاستثمارات في أكثر من 100 دولة عبر آسيا الوسطى وأفريقيا وأوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بحسب كارل مينزنر، أستاذ القانون الصيني والسياسة في كلية "فوردهام" للحقوق، فإن شي عمد إلى تهميش تاريخ القادة السابقين للصين، هو جينتاو وجيانغ زيمين ودينغ، مقابل صعود صورته باعتباره ذروة صعود الصين. وأضاف "اللعبة في الوقت الحالي هي صعود الصورة الأيديولوجية لشي إلى حد قريب جداً من أو ربما يتجاوز ماو نفسه".

وماو تسي تونغ هو الزعيم المؤسس لجمهورية الصين الشعبية. يقول آدم ني من (مركز السياسة الصينية) وهي منظمة بحثية مستقلة غير ربحية مقرها في كانبيرا، إن الرسائل الحزبية تعزز وجود خط مستقيم بين ماو وشي، "فبينما قاد ماو نهضة الصين وقاد دينغ شياو التنمية، فإن شي يقود الصين الآن لتصبح أمة قوية".

قبضة حديدية وتحديات

يقول مراقبون إنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، أظهر الحزب الشيوعي الصيني قدرة تكنوقراطية على الاستجابة للضغوط التنموية، واليوم، استغل الحزب ثمار العولمة والتنمية الاقتصادية وانتشل عشرات الملايين من الناس من الفقر، وأعاد الحزب الشيوعي الصيني تصور نفسه كمحرك للتغيير يرشد طريق البلاد إلى الثروة ويغذي الشعور بالفخر الوطني.

مع ذلك فإن المخاوف من الاضطرابات الاجتماعية مستمرة، ويتشارك القادة مخاوفهم من أن الغضب العام والنشاط في شأن مجموعة من القضايا، مثل عدم المساواة في الدخل والتهديدات البيئية والاستيلاء على الأراضي وسلامة الغذاء والافتقار إلى حماية المستهلك، يمكن أن يهدد سيطرة الحزب ويحفز التغيير الاجتماعي الديمقراطي، فعدد من مظالم الجمهور باتت مطروحة على الإنترنت، ما أدى إلى تآكل بعض سيطرة الحزب الشيوعي الصيني على الاتصالات السياسية على الرغم من الرقابة الشديدة في السنوات الأخيرة.

لمواجهة التهديدات سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى ترسيخ نفسه عبر طبقات المجتمع والاقتصاد الصيني، وبتشجيع من شي، فعل الحزب ذلك من خلال إسكات المعارضة بما في ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، وقيدت الجماعات الدينية والمنظمات الإعلامية والمنظمات البيئية غير الربحية ونشطاء حقوق الإنسان والمحامون، كما كُبح جماح القطاع الخاص وحورب الفساد.

داخلياً، أجرى شي تعديلاً عام 2018 ألغى بموجبه الحد الأقصى المحدد لفترات حكم الرئيس بولايتين متتاليتين كل منهما خمس سنوات، وهو القانون الذي وضع بعد ماو، وهذا التعديل أثار غضب بعضهم داخل الحزب الشيوعي مما اضطر بعضهم في نهاية المطاف للفرار خارج البلاد بعد اعتقال آخرين معارضين، ومن بين الفارين كاى شيا التي تقول إن "شي لديه قبضة محكمة على الجميع، ولا تستخدم تقنيات المراقبة المتقدمة في شينغيانغ والتبت فحسب، بل أيضاً لمراقبة أعضاء الحزب الشيوعي الصيني والمسؤولين من المستوى المتوسط والعالي. وفي نحو عام 2013، أعلن شي أيضاً عن سياسة تحظر تشكيل أية جمعيات خريجين أو جمعيات محلية، إضافة إلى ذلك لا يسمح بالتجمع بعد العمل، وكان قلقاً من أن مثل هذه التجمعات قد توفر مساحة للمجموعات أو الفصائل السياسية لتنمو داخل الحزب".

صراعات حزبية

خلال الأشهر القليلة الماضية، تحدثت تقارير إعلامية صينية معارضة وأخرى في هونغ كونغ حول صراعات داخل الحزب الشيوعي الحاكم، وفي كتاب بعنوان "انقلاب الصين: القفزة الكبرى نحو الحرية" الصادر العام الماضي، يجادل الدبلوماسي البريطاني السابق روغر غارسيد، الذي عمل لسنوات في الصين، بأن منافسي شي مثل رئيس الوزراء لي كه تشيانغ وعضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وانغ يانغ يمكن أن ينسقا معارضة لسياسات شي ويجبراه على التقاعد، ويعتقد غارسيد أن "مدبري الانقلاب" يمكنهم أيضاً الشروع في إصلاحات لاتخاذ إجراءات ديمقراطية.

ومع ذلك، يرفض كريستوفر جونسون الرئيس التنفيذي لـ"مجموعة استراتيجيات الصين"، المحلل السابق لدى وكالة الاستخبارات الأميركية، الطرح الخاص بالاقتتال الداخلي واحتقار النخب والإصلاحيين ورواد الأعمال الغاضبين من سياسات شي الذين يريدون إضعافه أو طرده عندما تنتهي ولايته هذا الخريف. ويشير إلى أن ذلك الطرح يتجاهل كيف حول شي نظام الحزب الواحد لمصلحته، كما أن نظام الفصائل يعمل فقط في حال وجود معسكرات متنافسة ذات قوة متساوية تقريباً.

ويضيف أن الأدلة قليلة على أن قادة الحزب الشيوعي الآخرين يشككون في قرارات شي، وظهر هذا بوضوح في مايو (أيار) الماضي عندما أيدت الهيئة السياسية العليا للحزب بشكل ساحق سياسة "صفر كوفيد" على الرغم من القلق الواضح في شأن فوضى شنغهاي.

ويشهد خريف العام الحالي المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وهو اجتماع يعقد مرتين في العقد لكبار الضباط، ومن المرجح أن يعين شي رئيساً للحزب والبلاد مجدداً لفترة مدتها خمس سنوات.

ماركس الصيني

تمتد سيطرة الحزب الشيوعي الصيني إلى الاقتصاد وبعمق، فإضافة إلى سيطرة الدولة على الشركات الكبرى في قطاعات الطاقة والصناعات الكيماوية وغيرها، فإن الحزب الحاكم يتحكم جزئياً في شركات القطاع الخاص، وفي أحد خطاباته الرئيسة عام 2013 كزعيم للحزب الشيوعي، قال شي إن "تحليل ماركس وإنجلز للتناقضات الأساسية للمجتمع الرأسمالي لم يعف عليه الزمن، وكذلك وجهة النظر المادية التاريخية التي ترى أن الرأسمالية ستنقضي وأن الاشتراكية لا بد أن تفوز".

وبحلول عام 2015، كان شي يدعو إلى الخروج من القبضة الخانقة للاقتصاد المتأثر بالغرب، وحث الأكاديميين على تلخيص تجربة الصين في نظرية جديدة أشار إليها باسم "الاقتصاد السياسي الماركسي الصيني".

فمنذ نهاية عام 2020، عندما بدأ الحزب الشيوعي الصيني التعهد بكبح جماح "التوسع غير المنضبط لرأس المال"، اجتاحت هجمة تنظيمية الاقتصاد وسوق الأوراق المالية، وفقاً لمراقبين، فقيدت بكين قوة أكبر شركات الإنترنت وألعاب الفيديو والتجارة الإلكترونية في البلاد بقواعد جديدة مدعومة بغرامات صارمة، وأطلقت حملة لإبطاء نمو الديون مما خنق صناعة العقارات التي يهيمن عليها القطاع الخاص، ثم حظرت الصناعة الضخمة التي كانت تقدم دروساً خصوصية هادفة للربح لأطفال المدارس.

يقول جيروم دويون، الباحث لدى جامعة "أوكسفورد"، في ورقة بحثية بعنوان "تأثير من دون ملكية: الحزب الشيوعي الصيني يستهدف القطاع الخاص"، إن فروع الحزب في الأعمال التجارية الخاصة عنصر أساس في الاقتصاد الصيني، ففي السنوات الأخيرة لم تشهد هذه الوحدات الحزبية زيادة كبيرة في عددها فحسب، بل شهدت أيضاً تحول مهمتها نحو تعزيز دورها في الموارد البشرية والإدارة.

ومع ذلك فإن الوجود الحزبي في الشركات الخاصة ليس ظاهرة جديدة، إذ يلزم قانون الشركات لعام 1993 جميع الشركات الموجودة في الصين، الأجنبية والمحلية على حد سواء، بإنشاء وحدات "لتنفيذ أنشطة الحزب" وتوفير "الشروط اللازمة" لعمل هذه الوحدات، وازداد تغلغل الحزب في الشركات الخاصة بسرعة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد دعوة جيانغ زيمين للحزب لتمثيل "القوة الإنتاجية المتقدمة"، بالتالي يرحب في صفوفه بأصحاب المشاريع الخاصة الناشئة في الصين.

وفي عهد شي جينبينغ، أصبحت شراكة الحزب في الشركات الخاصة أولوية رئيسة، وفي مارس (آذار) 2012، أصدرت الدائرة التنظيمية للحزب (المسؤولة عن إدارة موارده البشرية الضخمة) وثيقة تدعو الحزب إلى "تغطية شاملة" للقطاع الخاص، ويتماشى هذا مع تحركات مماثلة في قطاعات أخرى من المجتمع، فقد عدل ميثاق الحزب الشيوعي الصيني في عام 2017 ليشمل قيادة الحزب كل شيء.

وبحسب دويون، فإن أكثر من 92 في المئة من أكبر 500 شركة خاصة تستضيف عناصر من الحزب الشيوعي الصيني، بحد أدنى ثلاثة أعضاء حزبيين، ومع ذلك، فإن خلايا الحزب التي بحسب النظام اللينيني لا تخضع سوى للأجهزة الحزبية رفيعة المستوى، لعبت حتى الآن دوراً ثانوياً في الشركات الخاصة.

المزيد من تقارير