Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشروع "تخضير" فلسطين لصد مخططات استيطانية

الإدارة المدنية الإسرائيلية ستواجه أي اجتياح لأراض حكومية بسرعة وحزم

الحكومة الفلسطينية رفعت سقف التمويل ليشمل تأهيل المراعي والغابات في مناطق "ج" التي يسعى المستوطنون للسيطرة عليها (اندبندنت عربية)

 

بحجة أنها "أراض عسكرية" أو "أراضي دولة" يمنع الفلسطينيون في معظم الأحيان من العيش أو البناء أو رعي الماشية في المناطق المصنفة "ج" التي تخضع بالكامل للسيطرة الإسرائيلية، وفي موازاة ذلك، ترتفع بشكل مستمر بعض الأصوات الداعية في إسرائيل إلى ضرورة فرض السيادة على تلك المناطق ضمن دوافع أيديولوجية (حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل الكبرى)، أو ضمن حقوق المستوطنين في مناطق "ج" من وجهة نظرهم.

تخضير فلسطين

ولكبح تلك الأصوات والتحركات، سارعت الحكومة الفلسطينية ضمن خطوات وصفتها بـ"المهمة" إلى تخصيص 11 مليون شيكل (3.3 مليون دولار) لمشروع "تخضير فلسطين" لعام 2023، لدعم وتنمية المزارعين الفلسطينيين في المناطق الزراعية المهمشة التي تتعرض لاعتداءات مستمرة من قبل المستوطنين، الذي يهدف وفقاً لوزارة الزراعة الفلسطينية إلى "زيادة مساحة الغطاء النباتي والاستخدام المستدام والأمثل للموارد الطبيعية في فلسطين، والحفاظ على الأرض والبيئة والتنوع الحيوي والأنواع النباتية المهددة بالانقراض، وتتم زراعة ما يقارب 12000 مليون متر مربع سنوياً من أصناف الأشجار المثمرة، ومن خلال توزيع الأشتال للمزارعين بشكل مدعوم".

 

وأشار صلاح البابا مدير الإرشاد والتنمية الريفية في وزارة الزراعة إلى أن الحكومة، هذا العام، رفعت سقف التمويل ليشمل تأهيل المراعي والغابات في مناطق "ج" التي يسعى المستوطنون للسيطرة عليها، "قمنا بزراعة ما يزيد على 500 مليون متر مربع داخل مناطق زراعية متفرقة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بأشجار الصنوبر والزيتون، أو أشجار الفواكه المثمرة لإعطاء فرصة للشباب والرياديين والعاطلين عن العمل للعودة والاهتمام بالأرض والزراعة، ومن أجل تمويل مزارع شبابية تنموية نموذجية". أضاف، "بسبب كثافة الاستيطان الرعوي، كان لا بد من تدخل عاجل لمساندة المزارعين في حماية أراضيهم من جشع المستوطنين ومواشيهم، إما بتسييج الأراضي، أو بزراعتها بأشجار ونباتات رعوية أو عبر إمدادهم بالبذور المطلوبة، ولتعزيز صمودهم، قمنا بتأهيل ثلاثة ملايين متر مربع من المراعي والغابات لزيادة الرقعة الزراعية في المناطق المهمشة لدعم مربي الثروة الحيوانية، وتركزت في مسافر يطا ومنطقة العبيدية وبني نعيم جنوب الضفة الغربية، ومناطق الفارسية وطوباس في غور الأردن، كما أرسلنا أشتالاً وأشجاراً لمزارعين تقع أراضيهم خلف جدار الفصل العنصري، حتى يتسنى لهم زراعتها في كل مرة يتمكنون فيها من الوصول إلى أراضيهم عبر تصريح أو تنسيق من الاحتلال".

وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية خلال افتتاح أحد المشاريع الزراعية في الضفة الغربية، "الحكومة تضع كل ما تملك وتستطيع خلف الفلاح الفلسطيني في كل الأراضي الفلسطينية التي تتعرض لأبشع أنواع الهجمات الاستيطانية، لهذا ضاعفنا موازنة الزراعة بأكثر من 100 في المئة ولدينا من المشاريع الزراعية ما يعزز صمود الإنسان الفلسطيني على أرضه، سواء في العناقيد الزراعية التي أطلقناها سابقاً في محافظات الضفة الغربية، أو بشق الطرق الزراعية أو استحداث منتجات زراعية جديدة لأن معركتنا مع الاحتلال هي معركة صمود".

نظام جديد

وفي الوقت الذي أعلن فيه الفلسطينيون عن خطتهم "لتخضير فلسطين"، تدفع "الإدارة المدنية" التابعة للجيش الإسرائيلي بمخطط جديد لشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقيمت على شكل "مزارع رعاة مواش" في الضفة الغربية حيث ستتم شرعنة تلك البؤر والمزارع من خلال نظام جديد، وفق ما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، بحيث تستوفي البؤر والمزارع الرعوية المعايير الأساسية للنظام الجديد، وهي أنها أقيمت في "أراضي دولة"، ويتطلب تنفيذ النظام مصادقة وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس ووزارة القضاء الإسرائيلية.

من الناحية الرسمية، يهدف النظام الجديد إلى إقامة بؤر جديدة على شكل مزارع رعاة مواش في الضفة الغربية إلى جانب شرعنة بؤر قديمة، ونقلت الصحيفة عن مصدر في مجلس المستوطنات قوله، إن سكرتير عام حركة "أمانا" الاستيطانية زئيف حيفر يقود موضوع شرعنة المزارع الاستيطانية، ويمارس ضغوطاً على السلطات الإسرائيلية من أجل زيادة عددها، وتعمل "الإدارة المدنية" في هذه المرحلة على شرعنة ما بين 30 و40 مزرعة استيطانية، وأكد حيفر لوسائل إعلام إسرائيلية أهمية المزارع بقوله، "المزارع الاستيطانية الرعوية وسيلة أكثر نجاعة من البؤر التي تعتمد البناء الاستيطاني، فبعد مضي 50 سنة سيطرنا على 100 كيلو متر مربع من مساحة الضفة الغربية، بينما أصبحت المزارع الرعوية الاستيطانية تسيطر خلال فترة قصيرة على أكثر من ضعف هذه المساحة"، وبين أن شروط النظام الجديد لإقامة المزارع الاستيطانية الذي نشر بداية سبتمبر (أيلول) الحالي، أن تسكنها عائلة واحدة إلى جانب عمال وعدد محدود من المباني واستصدار "أصحابها" تصاريح لرعي المواشي وأخرى بيطرية، وفي موازاة ذلك، ستقيم السلطات الإسرائيلية وفقاً لـ"هآرتس" قسماً زراعياً للنظر والمصادقة على مناطق رعي مواش "للإسرائيليين والفلسطينيين". وأكدت الصحيفة أن "هذه الشرعنة يتوقع أن تضع مصاعب أمام الرعاة الفلسطينيين الذين سيضطرون إلى الحصول على تصاريح لم يطالبوا بها في الماضي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورداً على خطة الفلسطينيين تخضير مناطق "ج" وزراعتها بمئات الأشجار، قالت الإدارة المدنية، السلطة التابعة لوزارة الدفاع التي تصدر تصاريح البناء أو الزراعة في الضفة الغربية "سوف نعمل ضد أي اجتياح لأراض حكومية بسرعة وحزم"، كما دانت منظمة "رغافيم" اليمينية التي تراقب البناء الفلسطيني في مناطق "ج" ما اعتبرته فشل الحكومة الإسرائيلية في تطبيق القانون ضد البناء الفلسطيني غير القانوني. وقالت في بيان، "بينما تندفع السلطة الفلسطينية بمساعدة التمويل الأوروبي لمشاريع فلسطينية، تقف وتتخلى الحكومة الإسرائيلية والإدارة المدنية المسؤولة عن تطبيق القانون عن الأرض".

ويتناغم هذا الموقف والتوجه مع ما صرحت به وزيرة الداخلية الإسرائيلية إييليت شاكيد، قبل أشهر قليلة، من أنها تعمل على تنظيم البنية التحتية للمياه والكهرباء والطرق الخاصة بالبؤر الاستيطانية المعزولة في الضفة الغربية. وقالت، "من الممكن ربط تلك البؤر بالكهرباء بأمر من وزير الأمن، ونحن نعمل على ذلك ونأمل أن يحدث ذلك خلال أشهر قليلة".

أرقام حقوقية

في السنوات الـ10 الأخيرة، أصبحت إقامة المزارع الاستيطانية أكثر أنواع البؤر الاستيطانية العشوائية انتشاراً في الضفة، ووفقاً لمنظمة "كيرم نافوت" لمراقبة الاستيطان، فإن نحو 50 بؤرة استيطانية كهذه في الضفة حالياً تسيطر على 240 مليون متر مربع ما يشكل نحو سبعة في المئة من مساحة مناطق "ج"، وهذه المزارع تقام على "أراضي دولة" وأراض بملكية فلسطينية خاصة، لكن تستولي على مساحات أوسع من مساحتها المعلنة لأنه يتم رعي المواشي في مناطق أوسع، ويعمل معظمها، بحسب صحيفة "هآرتس" بشكل عشوائي، ومن دون مصادقة وزارة الزراعة على رعي المواشي، وقسم قليل منها حصل على مصادقة دائرة الاستيطان.

وأفادت الصحيفة في يوليو (تموز) الماضي بأن أربع مزارع استيطانية رعوية سيطرت في السنوات الخمس الأخيرة على مناطق مساحتها 19 مليون متر مربع، أغلق المستوطنون فيها بمساعدة الجيش، بشكل كامل إمكانية توجه الفلسطينيين إلى أراضيهم، التي تبلغ مساحتها 20866 مليون متر مربع، التي كانوا يزرعونها ويرعون مواشيهم فيها في الماضي.

وقال الكاتب والمحلل السياسي سليمان أبو رشيد، "إذا كانت تلك العملية تستغرق في الماضي بعض الوقت وبعض الجهد، وتجابه بمعارضة سياسية داخلية من قبل بعض القوى الإسرائيلية المناوئة للاحتلال، فإنها تجري اليوم بشكل شبه أوتوماتيكي، بعد تآكل هذه القوى وانقراضها وتبلور إجماع إسرائيلي حول الاستيطان والضم في مناطق (ج) التي تشكل الأغوار نسبة كبيرة منها، لذلك لم نسمع أي صوت إسرائيلي معارض لخطة ما يسمى الإدارة المدنية، التي كشف عنها أخيراً، التي سيتم بموجبها شرعنة عشرات بؤر مزارع الرعي الاستيطانية". أضاف، "لا تقتصر فائدة هذا النمط الاستيطاني على السيطرة على مساحات شاسعة من الأرض الفلسطينية بأقل عدد من المستوطنين، بل يستهدف أساساً التضييق على السكان المحليين الفلسطينيين والسطو على مراعيهم وسرقة أراضيهم ومصادر مياههم من خلال الاعتداء عليهم وعلى قطعانهم بعد تسييج أراضي الرعي ومنعهم من دخولها وصولاً إلى اقتلاعهم من هذه الأراضي وبسط السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها".

وفي تقرير صدر عن جمعية "كيرم نافوت" الإسرائيلية، الشهر الماضي، جاء أن رعي المواشي والأبقار الإسرائيلية في الضفة الغربية، تحول على مدار العقد الماضي إلى أكبر الوسائل التي تستخدمها إسرائيل لنهب التجمعات السكانية الفلسطينية. وأكدت أن "البؤر الاستيطانية الرعوية قد تحولت على مدار السنوات الماضية إلى أشد البؤر عنفاً في الضفة"، مشددة على أن "الغرض من هذه المستوطنات يتمثل في طرد التجمعات الرعوية والزراعية من أراضيها سواء أكانت هذه الأراضي أراضي عامة أم خاصة، وتحويلها إلى أراض تقتصر إمكانية استخدامها على المستوطنين وحدهم"، وتشير بيانات حركة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية إلى وجود 140 بؤرة استيطانية عشوائية (غير مرخصة من الحكومة الإسرائيلية) بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.

تشجير واقتلاع

وعلى مدار عقود مضت، تبنت حكومات إسرائيل المتعاقبة العديد من الوسائل والآليات التي تعزز سياسات التشجير وزيادة الغطاء النباتي، وأدى "الصندوق القومي اليهودي" دوراً مهماً في تشجيع زراعة ملايين الأشجار كوسيلة لإظهار الاهتمام بالأرض والحفاظ على تنوعها، وجرت عمليات تشجير واسعة في جميع المناطق، وزرعت المناطق المفتوحة والخالية من الأشجار بآلاف من أشجار الصنوبر الحلبي والصخري.

 كاكال التي تعرف أيضاً باسم كيرين كاييمت ليسرائيل. تقول إنها تزرع الأشجار في أراضي الدولة، ويرى دعاة حماية البيئة أن تشجير الأراضي العامة الإسرائيلية هو "هدف بيئي مهم". ويقول الناشط البيئي ألون تال لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، "لا يوجد هناك ترحيل، هذه أراض وطنية، لدينا الحق في حمايتها لجميع المواطنين، وإحدى الطرق للقيام بذلك هي غرس الأشجار".

وفي الوقت الذي تشجع فيه الحكومة الإسرائيلية على زراعة الأشجار، وتتغنى بسياسات التشجير وأهميتها للحد من التلوث البيئي، يشير حقوقيون إلى أنها تحمي قطعان المستوطنين الذين يدمرون أشجار الفلسطينيين وأراضيهم وتجرف مئات الدونمات من الأراضي المزروعة بالأشجار لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، وبخاصة في محيط القدس لتزيد التركيبة السكانية لليهود، وتؤكد جهات فلسطينية رسمية أن إسرائيل اقتلعت أكثر من 2.5 مليون شجرة من أراضي فلسطين منذ عام 1967 وحتى الآن بما يشمل 800 ألف شجرة زيتون.

وأفادت جهات حقوقية إسرائيلية بأن بلدية القدس سيطرت على ما نسبته 22 في المئة من مساحة شرق القدس لتخصيصها مناطق خضراء من أجل بناء حدائق ومتنزهات وطنية حيث يمنع المقدسيون من البناء فيها، في حين يرى مراقبون أن مخطط إقامة المزارع الرعوية الاستيطاني ينسجم ويتكامل مع مخطط إخلاء مناطق "ج" من سكانها الفلسطينيين تمهيداً لضمها إلى إسرائيل، الذي يترجم بعدم منح الفلسطينيين في تلك المناطق تراخيص للبناء.

وقد شهدت الأشهر الأخيرة العديد من الهجمات ضد الفلسطينيين، بما في ذلك قطع عشرات أشجار الزيتون وإلقاء الحجارة من خلال نوافذ السيارات وإعطاب الإطارات والكتابات التي تدعو إلى قتل العرب، لكن لم يتم الإبلاغ فعلياً عن أي اعتقالات، وعثر على شعارات كراهية باللغة العبرية على جدران أحد المنازل الفلسطينية في منطقة الخليل كتب فيها "أوقفوا إرهاب الزراعة، سنصل إلى كل مكان" وهو مصطلح استخدمه المزارعون الإسرائيليون لوصف الهجمات على محاصيلهم التي يزعمون أن الفلسطينيين ينفذونها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات